في أعقاب الهزيمة المدوية والمفاجأة لهيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة، أمام المرشح الجمهوري دونالد ترامب، تعالت العديد من الأصوات داخل الحزب الديمقراطي بضرورة تغيير مجريات الأمور بالحزب وسياساته.
وهو التغيير الذي لخصه السيناتور بيرني ساندرز - منافس هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية للحزب- في كلماته لصحيفة واشنطن بوست الأميركية "لا يمكنك إقناع مواطني الطبقة العاملة أنك تقف إلى جانبهم، وفي نفس الوقت تجمع الأموال من رجال الأعمال في وول ستريت والطبقة فاحشة الثراء. يجب أن يركز الحزب على أميركا الشعبية، وليس على الأثرياء الذين يحضرون الحفلات الضخمة".
شمل هذا التغيير ترشيح عدة أسماء لرئاسة اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، بدلاً من الرئيسة الحالية دونا برازيل، التي شغلت المنصب بشكلٍ مؤقت بعد استقالة الرئيسة السابقة للجنة ديبي واسرمان شولتز، في أعقاب أزمة تسريبات البريد الإلكتروني الخاص باللجنة.
تضمنت الأسماء المرشحة لشغل المنصب عدة شخصيات، أبرزها هوارد دين، الحاكم السابق لولاية فيرمونت، الذي شغل منصب رئيس اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي منذ بداية عام 2005 وحتى عام 2009.
أعلن هوارد في تغريدةٍ له على تويتر ترشحه للمنصب، قائلاً إن الديمقراطيين يحتاجون إلى التنظيم والتركيز على الشباب، وذلك طبقاً لموقع Salon.
يأتي أيضاً ضمن هذه الأسماء السياسي الأميركي المسلم كيث إليسون، أحد النواب بالكونغرس عن ولاية مينيسوتا، وعضو حزب العمال والمزارعين الديمقراطي بمينيسوتا، التابع للحزب الديمقراطي الأميركي. فمن هو كيث إليسون؟ وما مواقفه السياسية تجاه القضايا التي تشغل الساحة الأميركية والعالمية؟ وماذا لدى إليسون ليقدمه للحزب الديمقراطي في الأزمة التي يمر بها حتى يقوم السيناتور بيرني ساندرز بدعمه وترشيحه لرئاسة اللجنة؟
وُلِدَ كيث ونشأ كمسيحي كاثوليكي في مدينة ديترويت بولاية ميشيغان. وتأثر في شبابه بمشاركة عائلته في حركة الحقوق المدنية، وبالأخص جده الذي كان عضواً في الجمعية الوطنية لتقدم الملونين بولاية لويزيانا.
تخرج كيث في المدرسة الثانوية عام 1981، وكان يمارس الرياضة، وبدأ حياته السياسية مبكراً بمشاركته كسيناتور في الحكومة الطلابية بالمدرسة. وفي سن التاسعة عشرة، وأثناء دراسته بجامعة واين ستايت في ديترويت، تحول كيث من المسيحية إلى الإسلام، وهو ما علق عليه بعدها في حواره مع موقع Ebony قائلاً: "ما أثر فيَّ بشدة كان رسالة الإسلام عن العدالة الاجتماعية والمساواة، هي التي استطاعت إشباع حاجاتي الروحية وتساؤلاتي عن الله والإنسان والطبيعة والإنسانية".
درس إليسون أيضاً بكلية الحقوق بجامعة مينيسوتا. وبعد تخرجه فيها، عمل بإحدى شركات المحاماة، ثم انتقل للعمل كمديرٍ تنفيذي لمركز الحقوق القانونية غير الربحي بمقاطعة مينيابوليس، والمتخصص في الدفاع عن العملاء الفقراء. وبعد رحيله عن المركز، عاد لممارسة المحاماة بإحدى شركات المحاماة الخاصة، وكذلك شغل في هذه الفترة عدة مناصب تطوعية بأماكن مختلفة.
عمله بالسياسة
وبحسب صحيفة واشنطن بوست، تم انتخاب كيث إليسون كأحد نواب الكونغرس عن ولاية مينيسوتا عام 2006، ليصبح بذلك أول نائب مسلم في تاريخ الكونغرس، وأثار جدلاً شديداً بوسائل الإعلام الأميركية حين أدى اليمين الدستورية لأول مرة عام 2007 مستخدماً القرآن وليس الإنجيل. كما أن كيث هو النائب الأسود الأول الذي يتم انتخابه في ولاية مينيسوتا.
يُعَد كيث مؤيداً للفكر الديمقراطي الليبرالي، وهو ما ظهر في مواقف عديدة كموقفه من حرب العراق، ودعمه لمنظومة الرعاية الصحية، ومواقفه الداعمة لحقوق الطبقة المتوسطة والعاملة. كما عمل كيث بالعديد من اللجان بالكونغرس، إذ عمل بلجنة الخدمات المالية، وشغل بعض المناصب المؤقتة بلجنة العلاقات الخارجية واللجنة القضائية. كما يُعَد كيث أحد أعضاء التيار التقدمي بالكونغرس.
http://www.up-00.com/"http://www.up-00.com/" مواقفه من القضايا المحلية والعالمية
طبقاً لسيرته الذاتية، حاول كيث أثناء وجوده بالكونغرس تحقيق العدالة الاجتماعية التي يؤمن بها، والعمل طبقاً لفلسفته القائمة على التشارك والتضامن، وهو ما جعله يعمل في قضايا عديدة لتحقيق الرخاء للطبقات المهمشة والأسر العاملة.
كان من ذلك مشاركته عام 2009 في كتابة أحد القوانين المعنية بتحقيق العدالة للمستهلك، وتنظيم العلاقة بين المقرضين والمقترضين لتخفيف العبء على المقترضين في حالة تأخر السداد.
وكذلك كان من المشاركين في إقرار بنود حماية المستأجرين عقب الأزمة الاقتصادية عام 2008، إذ أسهم في إلزام البنوك وملاك المنازل الجدد بتوفير مدة تصل إلى تسعين يوماً للمستأجرين لتعديل أوضاعهم قبل إخلاء منازلهم وعدم تنفيذ قرار الإخلاء في الحال.
يعارض كيث دائماً سياسات التمييز، وهو ما يظهر في مواقفه بخصوص العديد من القضايا المتعلقة بالحقوق المدنية، كمعارضته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 لدعوة بعض السياسيين الأميركيين لمنع دخول اللاجئين السوريين المسلمين لأميركا، والسماح لنظرائهم المسيحيين بالدخول، رافضاً ذلك بشدة ومعلقاً على كون ذلك يعارض بشدة الدستور الأميركي وطبيعة الأمة الأميركية، طبقاً لتقرير صحيفة واشنطن بوست عن الأزمة وقتها.
كما عارض كيث بشدة التدخل الأميركي في العراق، وطالب عام 2007 بالانسحاب من العراق، معللاً طلبه بالتكلفة الباهظة للحرب مادياً وبشرياً، وأن الحل في العراق لن يكون عسكرياً ولكن من خلال الحلول السياسية والاقتصادية الدبلوماسية. وهو ما تلقى بسببه اتهاماتٍ عديدة من وسائل الإعلام.
يناصر كيث كذلك حقوق المثليين، وهو ما عبر عنه في لقاءٍ له مع شبكة "بي بي سي" عام 2010، حين قال إن دائرته الانتخابية التي يمثلها تحوي ناخبين من جميع الفئات والطوائف، ولهذا يجب أن يدافع عن حقوق المثليين. كما يناصر إليسون الموقف المؤيد لحقوق الإجهاض، وهو ما جعله يتلقى تقييماً مرتفعاً من منظمة نارال الأميركية.
ويُعرَف عن كيث رفضه للعنف وضرورة حل الخلافات الأيديولوجية والدينية من خلال التفاهم والتسامح، وهو ما عبر عنه في حديثه مع موقع Ebony عن العنف الديني والأيديولوجي، قائلاً "غرضنا في النهاية هو إظهار التسامح، والحياة من خلاله والتحدث باسمه".
هل سينقذ الحزب الديمقراطي؟
يسعى بعض الأعضاء داخل الحزب الديمقراطي، وعلى رأسهم بيرني ساندرز وإليزابيث وارين وتشارلز شومر، الأعضاء بمجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي، إلى ترشيح كيث لرئاسة اللجنة الوطنية للحزب. فهم يرون أن لديه من المقومات ما يجعله المرشح الأفضل، وكذلك يرون أنه ربما يمثل المقاومة الأفضل لتيار ترامب وسياساته حالياً.
إذ إن كيث، طبقاً لما ذكرته صحيفة واشنطن بوست، يعبر بشكلٍ كبير في شخصيته عن مختلف الأقليات في أميركا، كالسود والمسلمين، وكذلك تأييده المستمر لحقوق الأقليات كحقوق المثليين، وسياساته وعمله بالكونغرس على دعم الطبقات العاملة والفقيرة، يجعلانه معبراً بشكلٍ كبير عن العديد من الطبقات التي تجاهلها الحزب الديمقراطي في السنوات الأخيرة، وهو ما يمكن أن يعيد للحزب مكانته ويحسن من صورته بعد الانتخابات الأخيرة.
كما أن تمثيل كيث لولاية مينيسوتا بالبرلمان، الولاية التي كادت هيلاري أن تخسرها أمام ترامب مع أن الولاية لم تصوت لأي مرشح جمهوري منذ عام 1972، يدلل على القبول الذي يحظى به كيث بين الطبقات المؤيدة لترامب.
كما يتمتع كيث بحضورٍ إعلامي قوي، ويُعرَف عنه شجاعته في المواجهات السياسية مع التيار المحافظ بوسائل الإعلام، ولباقته في الحديث ودبلوماسيته الشديدة، التي جعلته محل إشادة وسائل الإعلام المحلية في أميركا. وهو الأمر الذي أوضحت النسخة الأميركية لـ هافنغتون بوست أنه ربما يكون إحدى الطرق لتحسين صورة الحزب الديمقراطي، وأحد الوسائل التي من الممكن للحزب الوصول بها للناخبين مرة أخرى بعد فشله الأخير.
ومع تشكيك بعض أعضاء الحزب المعتدلين في قدرة تغيير سياسة الحزب ناحية اليسار على حل مشاكل الحزب الحالية، إلا أن كل هذه المقومات، بجانب الفكر الليبرالي التقدمي لكيث، ونضاله المعروف في الحقوق المدنية، ربما توفر للحزب الديمقراطي طريقة للعودة إلى الساحة مجدداً، ومواجهة تيار ترامب المتصاعد في السياسة، وتحسين صورة الحزب، التي ظَهَر في الانتخابات الأخيرة مدى رفض الطبقات الأميركية الوسطى والعاملة لها.