ملمح من فسالة الدولة الرسالية فى السودان مقال لصلاح حامد هباش

ملمح من فسالة الدولة الرسالية فى السودان مقال لصلاح حامد هباش


05-13-2016, 10:50 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=490&msg=1463133046&rn=0


Post: #1
Title: ملمح من فسالة الدولة الرسالية فى السودان مقال لصلاح حامد هباش
Author: abubakr salih
Date: 05-13-2016, 10:50 AM

10:50 AM May, 13 2016

سودانيز اون لاين
abubakr salih-
مكتبتى
رابط مختصر

Quote: مقدمة
في العام 2011 زار الصحفي النابه قرشي عوض سوق 6 بحي مايو وأجرى تحقيقات ومقابلات مع بعض أصحاب المحلات التجارية ومع أصحاب المطاعم. وقد ركز في تحقيقه على ماء الصرف الصحي والذي يستغله بعض الشباب لصناعة الطوب وبيعه للراغبين. وأحب في هذا المقال أن أسلط الضوء على النفايات التي يعيش عليها بعض المواطنين ثم أسلطه مرة أخرى على كواليس هذه المطاعم الطرفية؛ وما يدور في سوحها من فوضى وغابية وغياب تام للأخلاق حيث تتواطأ فيها السلطات المحلية مع أصحاب هذه المطاعم ويعاون كلاهما الآخر لنحر المواطن وتدمير صحته.

نفايات بيوت الأعراس:
نفايات الأثرياء ومترفي هذا النظام الفاسد هي عماد حياة آخرين. ونعني بالنفايات هنا مخلفات صنوف الأطعمة في المناسبات التي تقام في كبريات الصالات المستفزة. هذه المخلفات تعيش عليها جيوش من المعدمين والفقراء؛ يرتادون أماكن المناسبات وهم يحملون مواعين وأواني لتعبئتها وحملها إلى أسرهم التي تبيت على الطوى وتتضور جوعاً. هؤلاء معظمهم نساء معسرات وأمهات لأطفال تختلف ظروفهن من سيدة لأخرى. ومعروف يا أهل الإنقاذ ويا أهل المسيرة القاصدة أن الجوع الكافر يورد الناس موارد الكفر، فالجائع قد لا يضمن تصرفاته وقد يفلت الأمر من يده فيرتكب جنايات وجرائم كالسرقات والفواحش بل والقتل من أجل أن يسد جوعته أو جوعة عياله. ولعل ما يحدث من انحرافات وسلوكيات ضربت الحرائر وكرام الأسر هي من نتائج الفقر وتجويع الناس والإمعان في إذلالهم.
أيضاً تشكل هذه النفايات "بزنس" يدر أرباحاً معقولة لبعض الأذكياء من متوسطي الحال ولفقرائه أيضاً. الذين يمارسون هذا العمل؛ "البزنس" لا يجدون حرجاً في ممارسته؛ وعلى قناعة تامة بأنه لا غبار عليه؛ رغم النظرات الدونية والاحتقارية التي قد يتلقونها من أهل المناسبة وضيوفهم الشرفاء من طبقات الأكابر. وعلى الرغم من أنهم يأتون؛ ما أمكن؛ خلسة إلى مكان المناسبة وقبيل انفضاض سامر الحفل؛ إلا أنهم يصادفون بعضاً من أصحاب الشأن وأهل المناسبة؛ يسددون لهم نظرات احتقارية مسمومة وقاتلة.
هؤلاء التجار "تجار في أول الطريق" يخفون سياراتهم "مستأجرة بالطبع" في أماكن قريبة جداً لموقع هذه النفايات وهي أماكن يصلها ضوء خافت؛ ويقوم أجراء نيابة عنهم بنقل وترحيل كل محتويات البراميل رفقاً ولطفاً؛ حتى لا يختلط حابل الكباب بنابل الكبدة وأنواع التحليات الأخرى ذات النكهة الشامية المتميزة والتي سهر على إعدادها أمهر الخبراء في الضيافة الفندقية ذات الخمس نجوم.
تمضي هذه السيارات في رحلتها إلى مناطق الاستهلاك فيعكف هؤلاء على إعادة ترتيب هذه الأصناف الدسمة فيبدأون بفرز الكيمان أولاً. يعزلون هذه الأصناف بعضها عن بعض؛ فيوضع البيض مع البيض والدجاج مع الدجاج وهكذا حتى النهاية. يلي ذلك رص هذه الأصناف في المحل بطريقة محفزة للآكلين. وتباع في العادة ضمن الطلب. فهي في حد ذاتها غير عملية ولابد لها من "ملاح" يتماشى مع كل صنف. ولعل الفول ودمعة الدجاج يأتيان على رأس قائمة الطلبات إذ هما صنفان أساسيان لزوم الغمس؛ أما الأصناف المستوردة من كرتة المناسبات وبيوت الأثرياء فهي لتزيين الطبق وإضفاء البهرجة وحث الشهية ورفع السعر. الجدير بالذكر أن أرجل الدجاج وقطع اللحوم الأخرى لا تكون مكتملة وسليمة مئة بالمئة ولعل ما تبقى منها لا بأس به.
أما دمعة الدجاج والتي تمثل حجر الزاوية في الطبق فهذا هو مربط فرسنا وبيت قصيدنا. فهي لم يُؤتى بها من زبالة المناسبات وإنما جاءت من زبالات أخرى وهي نفايات شركات الانتاج الحيواني. فهذا الدجاج هو في الأصل دجاج؛ مريض يلفظ أنفاسه الأخيرة؛ يتم استلامه قبل وبعد خروج روحه. يتم جمعه من مزارع الدواجن المنتشرة في نواحي العاصمة بحجة أنه "ميت اليوم أو به باقي روح" وهو بالطبع غير متعفن ومازال فرش. ولا أحد يعلم تاريخ رحيله إلى العالم الآخر.
هذا الدجاج تصاحبه علل أساسية قبل موته؛ إذ أن بعض مزارع الدواجن تستخدم مياه مسرطنة كمياه الصرف الصحي أو قد يكون مصاباً بمرض ما تسبب في موته وهذا المرض لا شك في أنه ينتقل إلى الآكلين. وما أكثر الأمراض التي تصيب الدواجن؛ وهو مما يعرفه أهل الاختصاص من البياطرة. ومنها أمراض فيروسية وأمراض بكتيرية وأخرى طفيلية؛ وكلها أمراض فتّاكة ومعدية, وتنتقل إلى جسم الإنسان. غير أن أصحاب هذا البزنس يحتجون بأنّ "السم لا يعقب النار" أي أن النار والطبخ ينهي ويبيد أي فيروسات ومسببات للأمراض المحتملة من التعامل مع هذا الدجاج.
في كلا الحالين "الموت الطبيعي أو بسبب المرض" يتحول لون الجلد الخارجي للدجاجة إلى لون أزرق مقزز؛ وتصاحبه لزوجة يحسها الشخص من الوهلة واللمسة الأولى.
يتم علاج هذه العلل التي تصاحب الدجاج الميت والمريض بإضافة كم هائل من الثوم والبهارات النفّاذة لكي تواري خلفها زفارة اللحوم المطبوخة. ويضيفون أيضاً بهار الكاري الهندي وهو بهار يحتوي على تلاث عشرة نوعا مختلفاً من البهارات ويعتبره طباخو اللحوم الميتة من أنجع البهارات التي تكسب هذه الدمعة نكهةً أقرب إلى النكهة الطبيعية. كذلك القرنفل يلعب دوره بعبيره الفواح في إخفاء الأثر في هذه الجريمة.
تعتبر الساعة الأولى لارتكاب هذه الجناية وإحضار هذا الدجاج الميت؛ تعتبر ساعة ذهبية تستثمر استثمارا جيداً. وهي خطوة غاية في الأهمية؛ تسبق كل خطوات التبهير السابقة؛ وهي إغراق هذه الفطائس في ماء الملح المركّز والذي وصل إلى درجة التشبع. والهدف من ذلك الحفاظ على حالته الراهنة والتي أتى بها من المزرعة؛ حتى لا تتفاقم روائحه وتصبح أكثر نتانة
يتزاحم الزبائن على هذه المحلات في الأسواق القصية والطرفية من أحياء العاصمة وامتداداتها الجديدة. فهي مغرية من حيث أسعارها التي لا تنافس ومن حيث دسامة الوجبة المكتنزة بالدهون. جدير بالذكر أن سعر الطلب في هذه المطاعم لا يقل كثيراً عن رصيفه في المطاعم الأخرى؛ غير أنه معدّل ومُشْبِعْ ويوجد به نظام "الوصلة" والذي اختفى منذ نهاية سبعينات القرن المنصرم. وهو أن يغرف لك صاحب المطعم كمشة إلا ربع لتكمل بها رغيفك أو قراصتك؛ كيفما اتفق.
نما وتطور هذا النوع من البزنس وتوسع أصحابه فخلقوا أصنافاً موازية تسير جنباً إلى جنب مع الدمعة. فبدأوا بالأوانص كصنف مستقل يضارع الكبدة والقلوب والكلاوي من مطايب اللحم الضاني. ولهذا السبب يكون سعره أعلى من طلب الدمعة والذي ينزل إلى درجة الشعبية مقارنة بالأوانص. هذا التوسع في العمل لفت أنظار أفراد من الجهات الرسمية والتي بيدها الحل والعقد وبيدها القلم الذي تُكتب به سعادة المرء وشقاؤه.
هؤلاء الرسميون ينظرون إلى الأمر كباب من أبواب الرزق ساقه الله إليهم لا سيما أنه يقع في أماكن لا يصلها الكبار بل يترفعون عن التواجد فيها. ولذلك فقد كانت فرصة طيبة للارتزاق والابتزاز والتهديد. وتأزم الأمر في بداياته وتفاقم ثم راجع كل طرف حساباته. جلس الطرفان أرضاً ووضعوا قواعد وأسس للعلاقة المالية بينهم "الرسميين وأصحاب العمل" تطبق على سائر أنواع العمل الشبيهة فأصبحت قوانين تحت الطاولة متعارف عليها في تلك الدائرة وذلك المحيط.
صاحب العمل ينظر من جانبه إلى هذا الابتزاز وهذه المصاريف الزائدة على أنها "ضربة سلاخية" وربنا قدر ولطف والجاتك في مالك سامحتك. هذه المفردات والحكم والأمثال يرددها برداً وسلاماً وذلك أنها في المقام الأول أكسبته شرعية في العمل والحركة وممارسة المهنة على عينك يا تاجر وبدون أدنى خوف أو وجل. فهو الآن في مأمن مما يمكرون؛ لا يخشى المصادرة ولا يهدده السجن وأصبعه في عين أتخن تخين بعد أن لبس الرسميين خاتماً ووضعهم في جيبه الأيمن.
أين يقع المواطن في كل هذه الفصول المأساوية؟ فهو؛ أي المواطن؛ موجود في ذهن صاحب هذا البزنس كإنسان لا يحمل معاني الإنسانية التي تستوجب التعامل الإنساني؛ وإنما موجود كشيء يمكن استغلاله وتوظيفه والوصول إلى الأهداف من خلاله. كذلك الجهات الرسمية التي أعماها فساد الذمم وموت الضمير لتتخلى وتتخلص من إنسانيتها؛ تخلعها؛ ولذلك راحت تعبث بإنسانية المواطن؛ تستمتع بإذلاله واحتقاره وتبني مجدها وعماراتها بل وأرصدتها على حساب كرامة المواطنين وجراحاتهم بعد أن فقدت القيم ومعاني المروءة. استباحة كاملة الدسم أفرزها هذا النظام الباطش والذي انحدر بأخلاق الناس إلى هذه المستويات المخيفة من الجرائم. وليكم يوم
كما قال المتنبئ:
انعم ولذ فللأمور أواخر *** أبدا إذا كانت لهن أوائل
وعلى الباغي تدور الدوائر


[email protected]