رحيل الشاعر التونسي الصغيّر أولاد أحمد... وانتصر ال#################### على خفافيش الظلام

رحيل الشاعر التونسي الصغيّر أولاد أحمد... وانتصر ال#################### على خفافيش الظلام


04-06-2016, 09:58 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=490&msg=1459933098&rn=0


Post: #1
Title: رحيل الشاعر التونسي الصغيّر أولاد أحمد... وانتصر ال#################### على خفافيش الظلام
Author: زهير عثمان حمد
Date: 04-06-2016, 09:58 AM

08:58 AM April, 06 2016

سودانيز اون لاين
زهير عثمان حمد-السودان الخرطوم
مكتبتى
رابط مختصر

تونس |

في الوقت الذي كان فيه محبّوه يكتبون تهانيهم في مناسبة عيد ميلاده، كان الشاعر الأشهر في تونس محمد الصغير أولاد أحمد (4 ابريل 1955 ـــــ 2016) يلفظ أنفاسه الأخيرة في غرفة في المستشفى العسكري في تونس بعد عام من الصراع مع المرض الخبيث والعلاج الكيميائي. انطفأ صاحب «نشيد الأيام الستة» ظهر أمس في العاصمة التونسية بعد رحلة طويلة من الكتابة والصراع مع الإسلاميين ومقاومة الاستبداد والديكاتورية، بحثاً عن مستقبل أجمل لتونس. ولد أولاد أحمد في مدينة سيدي بوزيد (وسط تونس) ودرس التنشيط الشبابي والرياضي في الجامعة التونسية. خلال فترة شبابه، عمل في «دار الشباب» في سيدي بوزيد، فكان مدرِّباً لكرة المضرب. وفي سنة ١٩٧٩، شد رحاله إلى العاصمة ليلتحق بمقاهيها ومطاعمها وحاناتها ونواديها الثقافية. جاء إلى مقهى «الزنوج» آنذاك الذي كان يجمع المغرّدين خارج السرب من فنانين وشعراء وصحافيين ونقابيين، ويساريين خارجين لتوّهم من السجن بسبب أحلامهم بحياة سياسية ديموقراطية وعدالة اجتماعية. كسر بنية اللغة الشعرية السائدة واختار نمط الشعراء الصعاليك في العيش والكتابة. حوّل الشعر إلى لغة يومية تنطق بما يقوله الناس، فيما أصحاب ربطات العنق الشعريّة يتبارون كل عام في الكرنفال الشعري احتفاءً بولادة الزعيم الحبيب بورقيبة. الصغير كان يلتقط الكلمات التي بصقها المهمشون من سكان الحانات والمناطق النائية المهمشة والمُقصَون من المشهد الاجتماعي. وفي وقت قياسي، أصبح نجم الشعر التونسي. أتيحت له هذه الشهرة لأنه نجح في تحويل الشعر من نشاط لغوي في القواميس وقواعد النحو والصرف والعروض الجامدة والباردة الى نشاط حياتي تختلط فيه أصوات الباعة في الأسواق الشعبية مع أغاني السكارى في الحانات ونساء المواخير العمومية التي سمّاها في إحدى قصائده الأولى بـ «حي النساء». أدرك أولاد أحمد بفطنته العجيبة أنّ الشعر أساساً هو ضد السلطة بما تمثّله من استبداد وتفرّد بالرأي، وهو أيضاً نافذة على الأحلام والأغاني. لذلك، بدأ مسيرته الشعرية بقصيدة كانت سبباً في شهرته وعذاباته أيضاً هي «نشيد الأيام الستة» التي دوّن فيها ما يعرف في تونس بـ «ثورة الخبز» عام ١٩٨٤. صودر كتابه الأول، ولم يصدر الا بعد رحيل الزعيم الحبيب بورقيبة عن الحكم. ورغم أنّ النظام الجديد لبن علي رفع عنه الحظر، إلا أنه استقبله بقصيدة مطلعها «أقبل الجيش علينا ببيان مدني» لتبدأ علاقته الحذرة مع النظام السابق الذي عيّنه مديراً لـ «بيت الشعر» (من 1993 حتى 1997) ثم عزله بعدما أعلن انحيازه للمعارضة ضد بن علي. وعندما بدأت شرارة الانتفاضة في مدينته سيدي بوزيد، كتب أولاد أحمد بياناً عبّر فيه عن انحيازه لموطنه وأعلن ما سمّاه «القيادة الشعرية للثورة التونسية». لكن المعركة الأساسية لأولاد أحمد كانت مع الإسلاميين الذين كان يسميهم «وزراء الله» نقلاً عن لينين. نشر مجموعة من الأعمال النثرية والشعرية من بينها «تفاصيل» (1989)، «جنوب الماء» (1992)، و«الوصية» (2002). كما كتب مسرحية «فلوس القاز» اخراج الأسعد بن عبدالله (انتاج المسرح الوطني) وتمت مسرحة قصيدته «الوصية» (حوّلها الشاذلي العرفاوي)، كما تم تحويل عدد من قصائده الى أغنيات مثل «نحب البلاد». بعد رحيل بن علي، حاز أولاد أحمد مجموعة من التكريمات آخرها تخصيص يوم باسمه في «معرض تونس الدولي للكتاب» قبل ثلاثة أيام من رحيله.

Post: #2
Title: Re: رحيل الشاعر التونسي الصغيّر أولاد أحمد... �
Author: زهير عثمان حمد
Date: 04-06-2016, 10:53 AM
Parent: #1

شعر العصاة والغاضبين

هذا النحيل الشاحب الداكن اللون لكن بعينين متوثبتين قلقتين تتوارد عليهما مشاعر شتى وألوان شتى. ففي داخل أولاد أحمد كان ثمة ماء راكد وماء هائج. وفي أعماقه كان هناك هذا المزيج من الشعر والغضب والسخرية وإن زدنا قلنا البوهيمية والفطرية. أولاد أحمد كان نمطاً من الشعراء يولدون والشعر عصاهم أو قل والشعر ماء عيونهم أو قل الشعر حجر قلوبهم. أولاد أحمد لم يكن يشبه الشعراء كما يتمثل لنا الشعراء. كان أشبه بالمشاغبين والعصاة والخارجين على القانون. أشبه بالمتمردين والثوار، لكن أيضاً أشبه بالفتوات. وكان تقريباً فتوة الشعر وفتاه وفارسه.
محمد الصغير أولاد أحمد، تعرفه جيداً أزقة تونس وحاناتها وحاراتها الفقيرة وأهلها البسطاء. كان بالتأكيد من هؤلاء الذين كان الشعر بالنسبة لهم معركة، كان يرشق بشعره ويصوّب بشعره ويقاتل بشعره. كان شعره يعلو أحياناً إلى حد القهقهة ويصل أحياناً إلى حد الشتيمة. لكنه كان سيالاً يصدر عن سليقة دفاقة. كان يلاعب الشعر ويوجهه أنى يشاء يحوله إلى نكتة وإلى آهة وإلى شتيمة وإلى قهقهة وإلى شعار وإلى هتاف. إلى فزرة. بالتأكيد كان محمد الصغير أولاد أحمد يتكلم شعراً ويعيش شعراً، لكنه شعر ليس كالأزهار وليس كالنسائم. إنه شعر من خشب، شعر من أعصاب فائرة، شعر من لسان مقذع، شعر يلامس الهجاء ويلامس الشتيمة: هجاء هذا العالم، هجاء الحكومات كلها والسلطات كلها والسادة كلهم، شعر من شواظ ولكن أيضاً من ابتسامات، من غضب لكن أيضاً من حب ومن شجاعة.
محمد الصغير أولاد أحمد، كان كذلك زمن الديكتاتورية والاستبداد. كل الثوب العسكري المزرر لم يرهبه ولم يخرجه من حانته ومن شعره، وحين داهمه المرض قبل ثلاثة أشهر ألقى على الأطباء والممرضين ما يشبه البيان: «خضنا حروباً عديدة ضد استبداد الإدارة واستبداد الدولة واستبداد النقد الأدبي والتأويل الديني». كان حتى في مرضه مقاتلاً وكمقاتل فرض نفسه على الشعر وعلى النقاد، فهذا الشاعر الذي توفي عن 61 عاماً واجه المرض كما واجه كل شيء. هذا الشاعر الذي وُلد في سيدي أبو زيد منطلق الثورة التونسية، غدا رمزاً وأحب الناسُ شعرَهُ «نحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد/ نجح إليها/ مع المفردين/ عند الصباح/ وبعد المساء ويوم الأحد/ ولو قتلونا/ كما قتلونا/ ولو شردونا/ كما شردونا/ ولو أبعدونا». استقبل أولاد أحمد مرضه بابتسامة وسيترك في الشعر التونسي والعربي قهقهة تتفجر وتمزق المواريث وتختم الغضب بالحب.


Post: #3
Title: Re: رحيل الشاعر التونسي الصغيّر أولاد أحمد... �
Author: زهير عثمان حمد
Date: 04-06-2016, 10:59 AM
Parent: #2

من عبد الدائم السلامي:
الشاعر محمد الصغيّر أولاد أحمد (4 نيسان/ابريل 1955- 5 نيسان 2016 ) حالةٌ ديمقراطيّةٌ نادرةٌ يَصعب أن تتكرَّر مرّتيْن في المكان أو في الزمانِ. يقودُك، متى التقاكَ، بإكراهٍ إلى أفكارِه عبرَ تفنيدِ أفكارِكَ، ويُسمِعُك ما كنتَ تتمنّى أن تسمعَ عن تفاصيلِ ساكِناتِ هذا الكونِ وفوضاها وفقَ أسلوبِ «وَقَدِّرْ في السَّرْدِ»، ألمْ يقل لي منذ يوميْن قبل وفاته في خلال زيارتي الأخيرة له بالمشفى العسكري بتونس العاصمة: «مادام الشعب العربي لم يتعلّم بعدُ التكثيف في ملفوظه ومكتوبه فإن العالَم لن يفهمه، بل ولن يحترمه». وإذا جلستَ إلى أولاد أحمد، فإنه يُفْسِدُ فيك طمأنينَتَك إلى المألوفِ: يحدِّثُكَ عن الناسِ بوصفهم دَوَالَّ خسرتْ مدلولاتِها في ألعابِ الفوق والتحت، والتابع والمتبوع، فتخلّتْ عنهم أبدانُهم ولم تعدُ تمنحهم اللذّة، وتخلّى عنهم المكانُ فلم يعد يحتفي بحضورِهم فيه. ويذكرُ لك أنّ أحدَهم لم تقْبَلْه المدينةُ ولا حتّى شوارعُها الخلفيّةُ الضيّقةُ، وهو الآن يقف في محطّة للمترو ويُزاحمُ جدَّنا المتنبّي في حُبِّ سيف دولةٍ من دول العالمِ الثالث. وهو أيضا حالةٌ أدبيّةٌ تونسيةٌ خاصّةٌ، يُحبُّ أدبَ القِلّةِ: درويش، ناظم حكمت، غرامشي، نيتشة، عزرا باوند، ويكرَه قلّةَ أدبِ بعض الكُتّابِ ويُسمّيهم أمامَكَ لا نميمةً فيهم ولا اغتيابًا وإنّما من جهةِ أنّ الرحمانَ تحدّث إلى عباده عن فرعونَ من باب الاتعاظِ من قُبْحِ أفعالِه. وهو لا يُصدِّقُ ما تقولُ النُّصوصُ جميعُها، وإذا شاءَ التصديقَ، صدّقَ فيها معانيه هو، كأن يقول للناسِ مثلاً «أنا مولودٌ عامَ 1955، وبناء عليه يمكنني القولُ: إن تونسَ هي أمِّي وإن الدولةَ هي أختي الصغرى، ومن حقّي أن أشاركَ في تنشئتها» أو «جماعةُ المناصب كلِّهم أقصرُ منّي…» أو «الذين لا يُحسنون إمضاءَ القصائد والنصوص، يُجيدون إمضاءَ العرائض» ويُضيفُ «أكثرُ شيء يُنغّصُ عليّ حياتي هو الحديثُ عن الوطنية في حالات السلم». وهو إلى ذلك حالة شعبيّةٌ صافيةٌ من قُفّازاتِ «القَافِزِينَ»، ولأنّه كذلك، صارتْ تَعرِفُه كلُّ فئاتِ الشعبِ من الرسميين والمُعارِضين والمطرباتِ والراقصاتِ والعاهرات وسائقي سيارات الأجرة والمتسوِّلين والمُخبِرين والرّمزيين والتشكيليين وكتّاب قصيدة النثر والنثريين وعمّالِ تنظيفِ الشوارع الليليّين والطلبةِ الإيديولوجيين. ومع هذا المخزون العلائقيّ، ظلّ يكرَه السياسةَ لأنّ كلَّ شيءٍ فيها سياسةٌ، ويمقتُ الثقافةَ لأنّ الفاعلين فيها غيرُ مثقَّفين، ويعجبُ من استمرارِ هذه الدنيا على كثرةِ ما فيها من الدَّنئين، ويتصبَّرُ على ذلك بالقول «إذا كان بعضُ الكُتّابِ يستطيعون الكتابةَ، فأنا أستطيعُ أن لا أكتُبَ». بعد تخرّجه سنة 1978 من المدرسة العليا لأطر الشباب، عمل أولاد أحمد منشِّطًا ثقافيا، ثم ملحقا بوزارة الثقافة، وكاتبا بعدة صحف تونسية وعربية، وقد أسّس في بداية التسعينات «بيت الشعر التونسي» وترأسه إلى حدود سنة 1997. مثّل كتابه الأول «نشيد الأيام الستة» نقلة جديدة في القصيدة التونسية، إذْ تخلّى فيه عن التوشيح الكلامي والنفاق المضموني، بل هو ابتكر لنفسه استعارات جديدة مصنوعة من عجينة الواقع ومحمولة في لغة تؤالف بين الفصيح والعامي الفصيح، مع التكثيف في الجملة حتى لكأنها رصاصة تخترق مضمونها دون تلكؤ. وقد ظهر في هذا الكتاب، كما في غيره من نصوصه اللاحقة، التصاقه بالناس عُمالا وطلبةً ومفقَّرين ومهمَّشين، وانتقد فيه واقع البلاد وهي ترزح تحت نير الاستبداد والظلم، وطرح أسئلتهم المُرّة بلغة لا تجامل أحدا، وهو ما حدا بالسلطة زمن بورقيبة إلى مصادرته ولم يفرج عنه إلا سنة 1988. عشق أولاد أحمد تونس، وكتب فيها: «وطني دقيقٌ مثل ساعةْ الكلُّ فيهِ عقاربُ والفردُ ينتخبُ الجماعةْ» وبسبب من هذه الجرأة الشعرية تعرّض أولاد أحمد للسجن خاصة بعد انتصاره لثورة الخبز عام 1985 ودفاعه عن الاتحاد العام التونسي للشغل، غير أنه لم يكن يعادي السلطة الحاكمة فحسب، بل كان يعادي أيضا كلَّ أعداء الحياة، ومَن يسعى إلى جرّ ثقافة المجتمع التونسي الحداثية إلى زمن تاريخيّ مظلم على غرار عدائه للإسلاميين، ورفضه لبعض الحركات اليسارية. وقد تسبّب له احتجاجه الجليّ على السلطة إلى الطرد من العمل، وبذلك عاش حالا من التشرّد والفاقة تشهد بمرارتهما مقاهي العاصمة وشوارعها. وعلى كثرة ما لاقى من مشقة الحضور في المشهد الثقافي التونسي نتيجة المنع المفروض عليه، كتب أولاد أحمد قصيدة «نحبّ البلاد» التي يغنّيها كلّ التونسيّين وتمثّل لديهم دستورهم الشعريّ، إذ يقول فيها: « نحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد، صباحا مساء، وقبل الصباح وبعد المساء، ويوم الأحد.. ولو قتّلونا كما قتّلونا، ولو شرّدونا كما شرّدونا، لعدنا غزاة لهذا البلد». بعد «نشيد الأيّام الستة» نشر أولاد أحمد مجموعة من الكتب منها «ليس لي مشكلة» و»تفاصيل» و»حالات الطريق» و»جنوب الماء» و»الوصيّة». ونشر بعد ثورة الياسمين «القيادة الشعرية للثورة التونسية» و»كتاب التوانسة». حاولت السلطة زمن بن علي استمالة أولاد أحمد عبر بعض الإغراءات الوظيفية والمادية والرمزية من قبيل منحه وسام الاستحقاق الثقافي سنة 1993، إلا أن الشاعر رفضه، وظلّ وفيا لمبادئه لا يحيد عنها. وقد تكشّف إيمانه بالوطن وبكلّ القيم الكونية وخاصة منها قيمة الحرية في خلال ثورة تونس وتنامي مظاهر التطرّف والإرهاب، حيث كتب في اعتصام الرحيل بضاحية «باردو» رسالة ممضاة باسم « القيادة الشعرية للثورة التونسية» وجّهها إلى رسالة إلى رؤساء وملوك العالم جاء فيها قوله واصفا ما آل إليه الشعب التونسي من انقسام بين مؤيّدي الحرية والتنوير ومؤيّدي التمسّك بالماضي جاء فيها قوله: « نحنُ نتحدث عن الدولة المدنية.. وهم يتحدثون عن دولة الخلافة. نحن نتحدث عن دولة القانون.. وهم يتحدثون عن دولة الشريعة. نحن نتحدث عن التداول السلمي على السلطة.. وهم يتحدثون عن التمكين الإلهي. نحن نتحدث عن الديمقراطية..وهم يتحدثون عن الشورى. نحن نحلم ببناء وطن للمواطنين.. وهم بصدد بناء إسطبل للرعية. نحن نؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة وهم يعتبرون أن المرأة ناقصة عقلا ودينا. نحن نتعرف إلى النساء من وجوههن وهم يتعرفون إلى النساء من شواهد القبور، نحن نؤمن بالتنمية البشرية وهم يعملون على قتل الثلث لإصلاح الثلثين. نحن نسمي الخروج عن الحاكم ثورة شعبية وهم يؤمنون أن الخروج عن الحاكم حرام شرعا. نحن في يوم الثلاثاء 06 أوت 2013 وهم في يوم 28 رمضان 1434 هجري. نحن نصنع الأقلام والكمنجات وهم يصنعون السيوف والمتفجرات. نحن نعيش على هضاب البحر الأبيض المتوسط في شمال إفريقيا وهم يعيشون في الربع الخالي وفي صحاري القارة الأسيوية. نحن نرفع راية حمراء وبيضاء وهم يرفعون راية سوداء يتوسطها سيف قاطع. نحن نحدد تاريخ تونس بخمسة آلاف سنة على الأقل… وهم يحددون تاريخها ب 13 قرنا، أي منذ غزو عقبة بن نافع للقيروان». وكان أخر نصّ كتبه الشاعر أولاد أحمد بالمستشفى العسكري بتاريخ 4-4-2016 بعنوان «تونس» وفيه يقول: «سلّمتُ في الدُّنيا… وقلتُ: أكونُها: شعرًا ونثرًا ناقدًا ومُبشّرًا …طولَ الفصولِ الأربعهْ أنْثَى وأمّي ليس لي …. قبْرٌ في المــَا-بعْدُ (في الأُخْرى) سوى هذي الحُروفِ الأربعهْ». أثارت جماهيرية أولاد أحمد حسدَ كثير من الكتاب والشعراء التونسيين من جيله، هو يعرف أنه محسود، ويعرف حسّادَه بالاسم، ولكنّه بهيج بذلك، لأنه الشاعر التونسي الوحيد الذي أحبّه الشعب وكرَّمه في حفل استثنائيّ منذ أشهر، وشهد له بشعريته الفذّة، وآمن بها. قال عنه الشاعر المغربي عبداللطيف الوراري: «مات أولاد أحمد، وولّت معه مرحلة مُهمّة وصاخبة بقضّها وبقضيضها. لكن تاريخ الشعر المعاصر في تونس لن ينساه، وأما منزلته بعد ثورتها المشهودة فزادت اعتبارًا وقيمة. لم يكن أولاد أحمد شاعرًا وحسب، بل مثقّفًا يساريًّا حقيقيًّا ومُجاهرًا بصوته وأفكاره في ثقة وثبات حينًا، وغضب وانفعال حينًا آخر. ولهذا، من الصعب أن نفصل بين الشعري والسياسي في قصيدته، وبين الأخلاقيات والحداثة في ما كان يكتبه ويحرص على إيصاله إلى جمهور القراء الذي التقط إشاراته منذ الأول. بالنسبة إليّ، فإني اكتشفت قصيدته التفعيليّة المختلفة في بدايات التسعينات من خلال ما كانت تنشره بعض الملاحق الثقافية المغربية، أو تعيد نشره؛ إذ وجدْتُها، وأنا بعدُ لا أزال أفرك عينيّ وأتمتم بأوّل كلماتي، بسيطةً وساخرةً وغضبى ومُجدِّفةً بعالمٍ عربيٍّ ينحدر إلى الهاوية. كان يقتصد في لغة القصيدة، ويتقشّف من جهة بلاغيّتها، لكن كان ينحت لها عُمْقًا يتأتّى مما فيها من صدق وطراوة. ورُبّما زدنا على ذلك بالقول إن قصيدة أولاد أحمد كانت تودّع مرحلة ظافرة بمنجزها، وتستقبل أخرى تخلّلتْها الميتات المتقاربة لجيل الشعراء الرواد، وشهدت سجالًا من نوع آخر، شكليًّا وطوائفيًّا، على أرض ملغومة. مات أحمد، ولكن بقي أولاده يُتمّمون ما بدأه وآمن به، في تونس وغير تونس». وقال الكاتب التونسي محمد جابلي من رابطة الكتاب الأحرار: «لا شيء يرشح في بركة الحزن المستقر غير رحيل شاعرنا «محمد الصغير أولاد أحمد» ، يغادر صخبنا وضجيجنا اليومي بشجاعة نادرة، شجاعة التحدي والمقاومة، لا شيء يهزم الموت غير الكلمة التي ظلت إلى آخر لحظات شاعرنا عنوانا وطليعة لكيان صاخب زاده الحب والفكر والحرية، يختفي شاعرنا جسدا لكنه سيظل معنا ومع الأجيال القادمة روحا معتقة كروح الكرم والعنب وتربة هذه الأرض وملحها أيضا… لا شيء نملك غير الوقوف طويلا أمام ذات متميزة ونص متوهج وعزاؤنا أن اختفاء شاعرنا هو لحظة صمت يعقبها ضجيج الأفكار والكلمات ونواقيس الحلم والحياة». وفي السياق ذاته كتب الجامعي والإعلامي عبدالحليم المسعود: « وداعا… أيها الطيفُ النحيلُ، أيها الطويلُ، العليلُ بحُبّها،المتيمُ بقضاء حوائجها العاطفية. وداعا أيها المذيّلُ بالفهارس في العشق الغامض، المرصّعُ بالتفاسير الطِوال في العشق الواضحِ كالسُّكر، المدجّج بالخراطيش القصائد القصار، نارٌ تنهدت حدّ التفحّم في حجة الشّعر على كلام الكهنوت. وداعا أيها الماموت الأخير في الفصاحة الجارحة».