Post: #1
Title: قصة تواصلَ الرنين ثانية " عبد الحميد البرنس ..
Author: الطاهر الطاهر
Date: 03-27-2016, 09:25 AM
08:25 AM March, 27 2016 سودانيز اون لاين الطاهر الطاهر-متنقل بين (السعودية- السودان-مصر-المغرب-السويد) مكتبتى رابط مختصر لكم اشتاق اليك يا انسان ..
* قصة تواصل الرنين ثانية * ألحتْ أمّي وشقيقتي سها، ولم تكن يوم غادرتهم قد تجاوزتْ الرابعة بعد، على أن ترافقاني، إلى حيث رغبتُ أبداً أن أكون وحدي، وكان لا بد، على أية حال، من وجود أحد منهم، إلى جانبي، كي يدلني، في ذلك الصباح الذي أعقب يوم عودتي مباشرة، على قبر يعقوبَ؛ أبي. كان سائق عربة الأجرة الشاب منصرفاً، عن حديثهما، إلى الطُرق المتربة الشاحبة، التي طالما بدت على ألقٍ حان في أحلامي تلك بالعودة. «لم يتسبب لي طوال حياته في أذى». و «كان وجه أبيك وهو ميت يسقط دائما ناحية اليمين». «المقابر نفسها تغيرت، يا ولدي». «أما المقابر الجديدة، يوسفَ أخي، فهناك. عند الكرو». «صحيح. أين أنت مما حدث، يا ولدي. قد لا تصدق. لكن الكرو البعيدة تلك صارت الآن في قلب المدينة». وددتُ عندما غرقت البرهة في الصمت لو أنني حكيت لهما كيف وقع عليَّ نبأ رحيل أبي في كندا، لولا أن من شأن ذلك الحديث أن يُجدد أسى الخلاف، الذي ظلّ محتدماً، بيني وبينهم، بشأن تسمّية أكبر أبنائي، باسم يعقوبَ؛ أبي. اكتأبتْ زوجتي، عند بداية ذلك الأسبوع الذي سبق الولادة، ولم يمضِ على موت أبي وقتها سوى أسابيع، قائلة: «إطلاق اسم ميت على مولود بمثابة إطلاق رصاصة من قرب على رأس». هكذا، لم تكن البلاغة تنقصها. «هراء، يوسفَ ولدي. لكل أجل كتاب. أنت نفسك لم تمت، وقد تمت تسميتك على جدّك، يوسف، بعد موته». «من حقها (يا أمّي) أن تناديه بما يحلو لها. ثم لا أحد يتبقى صحبةَ طفلي الأخير أكثر من أمّه». «سبحان الحيّ الدائم الذي لا يموت»، تناهى صـوت أمّي، بينما نقترب كثيراً من المقبــرة المقـامة، من دون أسوار، على هضبة ترابية هائلة. قالت: «أستطيع تحديد قبر زوجي، إذا ما أوقفتنا، يا ولدي، على ذلك الجانب، حيث يوجد مسجد صغير أبيض». «هناك مسجدان، يا خالة»، عقب السائق. أرختْ فكها. وتساءلت «كيف لم أفطن من قبل إلى وجود مسجد آخر هناك». قالت سها «كما لو أنهما توأمان، اللون الأبيض نفسه والمعمار، يا أمّي». كان علينا، إذاً، أن نطأ، في جيشان تلك المشاعر، على قبور كثيرة، كيما نلتقي، بقبره هناك، عند المنتصف. وقد بدا واضحاً أن الممرات القديمة المتعرجة بين القبور لم تعد موجودة هناك. قبل نحو ثلاثين سنة، رفعت أمّي يدها، عن تراب قبر جدّتي ممتعضة، من مشية شابة، كانت تسير، على تلك الممرات، كعارضة أزياء. «المستهترة (قالت أمّي) تظنّ أنّها بمنأى عن اليد القريبة للموت». وكانت سها تتابعنا، بتلك الحيرة، بينما نتبادل الحديث، في مكان ما من المقبرة، التي لم تعد برأي أمّي «مفهومة هذه الأيام»، باحثين بأنظارنا ناحية الغرب، عن موضع قبر جدتي لأمّي ذاك، دونما جدوى. قالت أمّي «أتذكر (يوسفَ) زياراتنا تلك إلى قبرها؟»، هززتُ رأسي أن «نعم». وواصلنا السير ثلاثتنا، إلى خارج المقبرة، في صمت مطبق رأيتُ خلاله وجه أبي، وهو يطل من ذاكرتي، كتحية طيبة على الطريق. وكانت جلستْ قبلها عند صدر قبر أبي، متكئة بظهرها، على قبر ترابي مجاور لا ملامح له، قائلة: «السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. هذه أنا. أم عيالك. المسكينة. وهذه بنتك سها. وهذا (وقد اختنق صوتها) ولدنا، يوسف يعقوب يوسف، وقد جاء لزيارتك، من كندا». ثم... وهي تنحني، بصدرها نحوه، ماسحة براحتها على تراب القبر، سألته «كيف حالك اليوم، يا رفيقي». ستعاتبني أمّي، إذا ما قلت لها إنني لم أجد الوقت اللازم في كندا لإقامة عزاء يليق بيعقوب أبي. أما المهندسة سها، فستنظر إليَّ نظرتها إلى رقم في معادلة حسابية، لا دمع يختزنه ولا ضحك بالتأكيد قد يضج به، إذا ما أخبرتها أنه لم يكن لدي كذلك حتى الوقت اللازم لأحزن عليه. ولم تنس أمّي طريقتها الدرامية المعتادة تلك، والتي لم يغيرها على ما بدا الزمن، عندما أخذت تخبره، كما لو أنه بالفعل يسمعها ويشاهدها، عن قصة عودتي. لم تسقط لدهشتي حتى حكاية سرقة نقودي في مطار ماليزيا. وكانت حرصتْ، في أثناء الطريق، على تلقيني وسها «قولاً مأثوراً»، مؤكدة أن المرء إذا ما ردده، بذلك الصدق، فستُنكشف الحُجب عن الميت ويرى، كما لو أنه ُيطالع زائرَه، «عبر شاشة تلفاز، ياباني». ثم باعدت داخل ذلك الحيّز الضيق لعربة الأجرة ما بين يديها لتريني أنا بالذات الحجمَ الذي يمكن أن تكون عليه تلك الشاشة. بعد صلاة العشاء، أخلدتْ أمّي، بجرمها الصغير، إلى النوم، في حجرة داخلية. وكنت لاحظتُ فور وصولي أن ظهرها احدودب وكيانها كله أخذ ينطق بالإعياء. شقيقتاي الأخريان، انصرفتا، تباعاً، إلى المطبخ، وبينما الليل يعبر منتصفه، قالت سها «حدث ذلك يوسفَ أخي داخل هذا الصالون». فكرتُ: حين كان أبي يناجيني من هنا، كنت هناك، وحين أخذت أناجيه من هنا، غدا هناك. «طلب مني أن أقوم بتدليك ساقيه». «قال إنه لا يكاد يشعر بهما». «من هزالهما، يوسفَ أخي، بدا كما لو «أنني أراهما للمرة الأولى». «لم يعد أبي على ما تركته أنت عليه». «أغمض عينيه. خلته استغرق في النوم. سحبت نفسي بهدوء». «عند هذا الباب، وجدتني ألتفتُ كما لو أن منادياً من السماء يدعوني. جمَّدني لوهلة ما رأيت. كاني حاول النهوض، بنصفه الأعلى، بينما يتابعني، بعينين أخافني أساهما. أخيراً، وجدتني أواصل سيري مبتعدة. قلت «أستوضحه في الصباح». لكنه فجراً فارق الحياة. «لماذا نهض أبي، وأخذ يتبعني، بنظراته تلك، يوسفَ أخي؟». خلال شتاء كندا القارس، يتأخر الشروق، في بعض الأيام، ولا يعلن الضياء، عن حضوره، إلا في نحو التاسعة تقريباً. وكان ذلك أول صباح مظلم أعقب وصول نبأ رحيل أبي يعقوب. ودعتُ زوجتي بابتسامة. كان الحمل جعل تنفسها عسيراً. كما لو أنّها تصعد جبلاً. وكان عليَّ أن أبقيها حسب وصايا الطبيب خارج دائرة التوتر ما أمكن. ما إن أوصدت الباب، سالتْ دموعي، ومشتْ حارة متدفقة، عبر الممشى الممتد بين شقق الدور الثاني، بينما أخذ يترسخ لدي أن إنساناً بدا حضوره في نفسي ربما منذ ولادتي كحضور الثوابت الطبيعيّة في الكون لم يعد له الآن من وجود. ثم لمدى ثلاثة أيام تالية، بينما أهبط في تلك الساعة المبكرة نفسها، كنت بالكاد أرى عبر غلالة الدموع ذلك الرجل، وهو يجلس القرفصاء، أسفل صناديق البريد القابعة، ما بين بابي مدخل البناية الزجاجيين. لكأنه عابر سبيل يستدفأ. كان يحييني من داخل أسماله الخفيفة، التي لا تناسب برد يناير ذاك، بابتسامة ظللت معرضاً عنها، بينما أتجاوزه شغوفاً في كل مرة بمواصلة بكائي، في أثناء تلك الطريق المظلمة والزلقة إلى العمل. بعد سنوات، خطر لي أن ذلك الرجل كان يشبه يعقوب أبي، إن لم يكن هو نفسه، وقد جاء لعزائي فيه. كانت تقترب من الثانية، عندما انضمت إلينا أختاي مجدداً، وقد جلبن معهن براد الشاي ومستلزماته، إضافة إلى قطع من كعك منزلي. قالت شقيقتي الكبرى التي تقطن في إحدى ضواحي العاصمة الخرطوم إنها هاتفته في منتصف آخر نهار له، لكنّ «مريم»، كانت تعني الشقيقة الوسطى، لم تُجب وقتها على هاتفها، «مع أنني كررت المحاولة، يا أخي». «لو أنّ مريم أجابتني لأمكنني إذاً الحديث إلى أبي». قالت مريم: كنا متحلقين هنا داخل الصالون حول سريره، نحادثه. وكان التليفون هناك على بسطة تلك النافذة. لا أدري ما حدث لي». تواصل الرنين ثانية إلى أن توقف. كما لو أن قوة غامضة ظلّتْ تشدني إلى حيث أجلس. قالت سها: أمّي عزت ذلك، «يوسفَ أخي»، إلى أن قسمة شقيقتي الكبرى من الكلام مع أبي كانت قد تمت، من قبل، في كتاب «الأجل». أتيح لي أن أهاتفه، قليلاً من القاهرة، وكثيراً من حواضر كندية، وأخرى أستراليّة. أخبرني أثناء محادثة، من أتوا، عن إعجابه أنني أتحدث الإنكليزية، مع «الخواجات أنفسهم». وكانت أمّي جالسة، في تلك المرة، إلى جانبه، حين طلب مني أن أبحث له، عن «عروس كندية». انتزعتْ السماعة من يده، وبغيظ «قل لأبيك أن يهتم من الآن فصاعداً بشؤون الآخرة». في مرة، على هامش مؤتمر في فانكوفر، أخذ يحثني على إرسال «الدولارات»، آلمني ذلك. كان من المستحيل شرح المسألة عبر الهاتف، ذلك أن أمّي، وكان فارق العمر بينهما كبيراً، عملتْ دوماً على أن تكون وصيّة عليه، كمريض بداء السُّكر. «إذا ما أعطيت والدك «القروش»، فإنه سينفقها كطفل على أشياء تضر بصحته، إنه لا يتورع حتى عن الذهاب إلى أقرب «حلواني»، لشراء الباسطة والبسبوسة». كان أذان الفجر يتناهى من غير مكان، لحظة أن قالت سها إن أبي كان يغافل أمي أحياناً، ويتحصَّل على مثل تلك الأشياء، بمجرد أن يقبض على معاشه الضئيل. أكثر ما أثار دهشة أبي أثناء مكالمة هاتفية أخرى أن كندا بدت مغمورة بضياء الشمس، بينما يطبق عليهم في الآن نفسه داخل الوطن ظلام حالك. قال «سبحان الله». وتغيرتْ فجأة نبرة صوته، بينما يسألني «متى تعود إلى البيت، يا ولدي»؟!
|
Post: #2
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ال�
Author: الطاهر الطاهر
Date: 03-27-2016, 09:56 AM
Parent: #1
ذرفت الدمعات عند اخر حرف توقفت كثيرا عند عبارة " متى تعود الى البيت ياولدي ؟ لعنت الغربة واشياءً كثيرة ..! لعنت واقعاً مرير .. لعنت ظروفاً .. لعنت كل شيء..! كيف استطعت ان تصف ظهر الوالدة الذي احدودب بعد ان اعياها " الرحيل " وانهكه عبوس الدهر ..؟ تبا على الدهر والايام لو ضحكت تغفو زمانا ويتلو بيضها سود ..
هل سيتواصل الرنين ثانية ياصديقي ..؟ الملك لله والدنيا مداولة ومالحي على الايام تخليد
والناس زرع الفنا والموت حاصدهم وكل زرع اذا ماتم محصود
ولا يدوم سرور لا ولا كدر وهكذا الدهر تصدير وتوريد
والناس: ذا فاقد يبكي احبته وذاك يبكي عليه وهو مفقود
وذاك ابدت له الايام زينتها وذاك من يومه هم وتنكيد
فهل سيتواصل الرنين ثانية ياصديقي ..؟
|
Post: #3
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: osama elkhawad
Date: 03-27-2016, 11:29 AM
Parent: #2
شكراً استاذ الطاهر .
أين نشر هذا النص ، لو سمحت؟
شكري الجزيل لك مرة أخرى.
|
Post: #4
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: osama elkhawad
Date: 03-27-2016, 02:08 PM
Parent: #3

ألحتْ أمّي وشقيقتي سها، ولم تكن يوم غادرتهم قد تجاوزتْ الرابعة بعد، على أن ترافقاني، إلى حيث رغبتُ أبداً أن أكون وحدي، وكان لا بد، على أية حال، من وجود أحد منهم، إلى جانبي، كي يدلني، في ذلك الصباح الذي أعقب يوم عودتي مباشرة، على قبر يعقوبَ؛ أبي.
كان سائق عربة الأجرة الشاب منصرفاً، عن حديثهما، إلى الطُرق المتربة الشاحبة، التي طالما بدت على ألقٍ حان في أحلامي تلك بالعودة. «لم يتسبب لي طوال حياته في أذى». و «كان وجه أبيك وهو ميت يسقط دائما ناحية اليمين». «المقابر نفسها تغيرت، يا ولدي». «أما المقابر الجديدة، يوسفَ أخي، فهناك. عند الكرو». «صحيح. أين أنت مما حدث، يا ولدي. قد لا تصدق. لكن الكرو البعيدة تلك صارت الآن في قلب المدينة». وددتُ عندما غرقت البرهة في الصمت لو أنني حكيت لهما كيف وقع عليَّ نبأ رحيل أبي في كندا، لولا أن من شأن ذلك الحديث أن يُجدد أسى الخلاف، الذي ظلّ محتدماً، بيني وبينهم، بشأن تسمّية أكبر أبنائي، باسم يعقوبَ؛ أبي.
اكتأبتْ زوجتي، عند بداية ذلك الأسبوع الذي سبق الولادة، ولم يمضِ على موت أبي وقتها سوى أسابيع، قائلة: «إطلاق اسم ميت على مولود بمثابة إطلاق رصاصة من قرب على رأس». هكذا، لم تكن البلاغة تنقصها. «هراء، يوسفَ ولدي. لكل أجل كتاب. أنت نفسك لم تمت، وقد تمت تسميتك على جدّك، يوسف، بعد موته». «من حقها (يا أمّي) أن تناديه بما يحلو لها. ثم لا أحد يتبقى صحبةَ طفلي الأخير أكثر من أمّه». «سبحان الحيّ الدائم الذي لا يموت»، تناهى صـوت أمّي، بينما نقترب كثيراً من المقبــرة المقـامة، من دون أسوار، على هضبة ترابية هائلة. قالت: «أستطيع تحديد قبر زوجي، إذا ما أوقفتنا، يا ولدي، على ذلك الجانب، حيث يوجد مسجد صغير أبيض». «هناك مسجدان، يا خالة»، عقب السائق. أرختْ فكها. وتساءلت «كيف لم أفطن من قبل إلى وجود مسجد آخر هناك». قالت سها «كما لو أنهما توأمان، اللون الأبيض نفسه والمعمار، يا أمّي».
كان علينا، إذاً، أن نطأ، في جيشان تلك المشاعر، على قبور كثيرة، كيما نلتقي، بقبره هناك، عند المنتصف. وقد بدا واضحاً أن الممرات القديمة المتعرجة بين القبور لم تعد موجودة هناك. قبل نحو ثلاثين سنة، رفعت أمّي يدها، عن تراب قبر جدّتي ممتعضة، من مشية شابة، كانت تسير، على تلك الممرات، كعارضة أزياء. «المستهترة (قالت أمّي) تظنّ أنّها بمنأى عن اليد القريبة للموت». وكانت سها تتابعنا، بتلك الحيرة، بينما نتبادل الحديث، في مكان ما من المقبرة، التي لم تعد برأي أمّي «مفهومة هذه الأيام»، باحثين بأنظارنا ناحية الغرب، عن موضع قبر جدتي لأمّي ذاك، دونما جدوى. قالت أمّي «أتذكر (يوسفَ) زياراتنا تلك إلى قبرها؟»، هززتُ رأسي أن «نعم». وواصلنا السير ثلاثتنا، إلى خارج المقبرة، في صمت مطبق رأيتُ خلاله وجه أبي، وهو يطل من ذاكرتي، كتحية طيبة على الطريق. وكانت جلستْ قبلها عند صدر قبر أبي، متكئة بظهرها، على قبر ترابي مجاور لا ملامح له، قائلة: «السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. هذه أنا. أم عيالك. المسكينة. وهذه بنتك سها. وهذا (وقد اختنق صوتها) ولدنا، يوسف يعقوب يوسف، وقد جاء لزيارتك، من كندا». ثم... وهي تنحني، بصدرها نحوه، ماسحة براحتها على تراب القبر، سألته «كيف حالك اليوم، يا رفيقي».
ستعاتبني أمّي، إذا ما قلت لها إنني لم أجد الوقت اللازم في كندا لإقامة عزاء يليق بيعقوب أبي. أما المهندسة سها، فستنظر إليَّ نظرتها إلى رقم في معادلة حسابية، لا دمع يختزنه ولا ضحك بالتأكيد قد يضج به، إذا ما أخبرتها أنه لم يكن لدي كذلك حتى الوقت اللازم لأحزن عليه. ولم تنس أمّي طريقتها الدرامية المعتادة تلك، والتي لم يغيرها على ما بدا الزمن، عندما أخذت تخبره، كما لو أنه بالفعل يسمعها ويشاهدها، عن قصة عودتي. لم تسقط لدهشتي حتى حكاية سرقة نقودي في مطار ماليزيا. وكانت حرصتْ، في أثناء الطريق، على تلقيني وسها «قولاً مأثوراً»، مؤكدة أن المرء إذا ما ردده، بذلك الصدق، فستُنكشف الحُجب عن الميت ويرى، كما لو أنه ُيطالع زائرَه، «عبر شاشة تلفاز، ياباني». ثم باعدت داخل ذلك الحيّز الضيق لعربة الأجرة ما بين يديها لتريني أنا بالذات الحجمَ الذي يمكن أن تكون عليه تلك الشاشة.
بعد صلاة العشاء، أخلدتْ أمّي، بجرمها الصغير، إلى النوم، في حجرة داخلية. وكنت لاحظتُ فور وصولي أن ظهرها احدودب وكيانها كله أخذ ينطق بالإعياء. شقيقتاي الأخريان، انصرفتا، تباعاً، إلى المطبخ، وبينما الليل يعبر منتصفه، قالت سها «حدث ذلك يوسفَ أخي داخل هذا الصالون». فكرتُ: حين كان أبي يناجيني من هنا، كنت هناك، وحين أخذت أناجيه من هنا، غدا هناك. «طلب مني أن أقوم بتدليك ساقيه». «قال إنه لا يكاد يشعر بهما». «من هزالهما، يوسفَ أخي، بدا كما لو «أنني أراهما للمرة الأولى». «لم يعد أبي على ما تركته أنت عليه». «أغمض عينيه. خلته استغرق في النوم. سحبت نفسي بهدوء». «عند هذا الباب، وجدتني ألتفتُ كما لو أن منادياً من السماء يدعوني. جمَّدني لوهلة ما رأيت. كاني حاول النهوض، بنصفه الأعلى، بينما يتابعني، بعينين أخافني أساهما. أخيراً، وجدتني أواصل سيري مبتعدة. قلت «أستوضحه في الصباح». لكنه فجراً فارق الحياة. «لماذا نهض أبي، وأخذ يتبعني، بنظراته تلك، يوسفَ أخي؟».
خلال شتاء كندا القارس، يتأخر الشروق، في بعض الأيام، ولا يعلن الضياء، عن حضوره، إلا في نحو التاسعة تقريباً. وكان ذلك أول صباح مظلم أعقب وصول نبأ رحيل أبي يعقوب. ودعتُ زوجتي بابتسامة. كان الحمل جعل تنفسها عسيراً. كما لو أنّها تصعد جبلاً. وكان عليَّ أن أبقيها حسب وصايا الطبيب خارج دائرة التوتر ما أمكن. ما إن أوصدت الباب، سالتْ دموعي، ومشتْ حارة متدفقة، عبر الممشى الممتد بين شقق الدور الثاني، بينما أخذ يترسخ لدي أن إنساناً بدا حضوره في نفسي ربما منذ ولادتي كحضور الثوابت الطبيعيّة في الكون لم يعد له الآن من وجود. ثم لمدى ثلاثة أيام تالية، بينما أهبط في تلك الساعة المبكرة نفسها، كنت بالكاد أرى عبر غلالة الدموع ذلك الرجل، وهو يجلس القرفصاء، أسفل صناديق البريد القابعة، ما بين بابي مدخل البناية الزجاجيين. لكأنه عابر سبيل يستدفأ. كان يحييني من داخل أسماله الخفيفة، التي لا تناسب برد يناير ذاك، بابتسامة ظللت معرضاً عنها، بينما أتجاوزه شغوفاً في كل مرة بمواصلة بكائي، في أثناء تلك الطريق المظلمة والزلقة إلى العمل. بعد سنوات، خطر لي أن ذلك الرجل كان يشبه يعقوب أبي، إن لم يكن هو نفسه، وقد جاء لعزائي فيه.
كانت تقترب من الثانية، عندما انضمت إلينا أختاي مجدداً، وقد جلبن معهن براد الشاي ومستلزماته، إضافة إلى قطع من كعك منزلي. قالت شقيقتي الكبرى التي تقطن في إحدى ضواحي العاصمة الخرطوم إنها هاتفته في منتصف آخر نهار له، لكنّ «مريم»، كانت تعني الشقيقة الوسطى، لم تُجب وقتها على هاتفها، «مع أنني كررت المحاولة، يا أخي». «لو أنّ مريم أجابتني لأمكنني إذاً الحديث إلى أبي». قالت مريم: كنا متحلقين هنا داخل الصالون حول سريره، نحادثه. وكان التليفون هناك على بسطة تلك النافذة. لا أدري ما حدث لي». تواصل الرنين ثانية إلى أن توقف. كما لو أن قوة غامضة ظلّتْ تشدني إلى حيث أجلس. قالت سها: أمّي عزت ذلك، «يوسفَ أخي»، إلى أن قسمة شقيقتي الكبرى من الكلام مع أبي كانت قد تمت، من قبل، في كتاب «الأجل».
أتيح لي أن أهاتفه، قليلاً من القاهرة، وكثيراً من حواضر كندية، وأخرى أستراليّة. أخبرني أثناء محادثة، من أتوا، عن إعجابه أنني أتحدث الإنكليزية، مع «الخواجات أنفسهم». وكانت أمّي جالسة، في تلك المرة، إلى جانبه، حين طلب مني أن أبحث له، عن «عروس كندية». انتزعتْ السماعة من يده، وبغيظ «قل لأبيك أن يهتم من الآن فصاعداً بشؤون الآخرة». في مرة، على هامش مؤتمر في فانكوفر، أخذ يحثني على إرسال «الدولارات»، آلمني ذلك. كان من المستحيل شرح المسألة عبر الهاتف، ذلك أن أمّي، وكان فارق العمر بينهما كبيراً، عملتْ دوماً على أن تكون وصيّة عليه، كمريض بداء السُّكر. «إذا ما أعطيت والدك «القروش»، فإنه سينفقها كطفل على أشياء تضر بصحته، إنه لا يتورع حتى عن الذهاب إلى أقرب «حلواني»، لشراء الباسطة والبسبوسة». كان أذان الفجر يتناهى من غير مكان، لحظة أن قالت سها إن أبي كان يغافل أمي أحياناً، ويتحصَّل على مثل تلك الأشياء، بمجرد أن يقبض على معاشه الضئيل. أكثر ما أثار دهشة أبي أثناء مكالمة هاتفية أخرى أن كندا بدت مغمورة بضياء الشمس، بينما يطبق عليهم في الآن نفسه داخل الوطن ظلام حالك. قال «سبحان الله». وتغيرتْ فجأة نبرة صوته، بينما يسألني «متى تعود إلى البيت، يا ولدي»؟!
|
Post: #5
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: Osman Musa
Date: 03-27-2016, 03:04 PM
Parent: #4
يا سلام
|
Post: #6
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: الطاهر الطاهر
Date: 03-27-2016, 06:57 PM
Parent: #5
يا مشاء .. ياصديقي كيف حالك ..وماذا فعلت الغربة بك ..؟ الم تألم مثلي .. ؟ لقد تالمت كثيراً .. وتألمت اكثر حين علمت بتاريخ الكتابة .. مضى عام عليها .. ومضت على غربتنا اعوام .. ومن قبلهم مضى الاعزاء ..! وفي كل عام يمر اخشى ان يزداد احدوداب ظهر امي ..! رحيق السنين يمضي سنوات وسنوات ، ونحن ما زلنا في غربتنا اللعينة ..! غربتنا عن الوطن الحبيب وعن الاهل .. بت اخشى تواصل الرنين ..! كلما رن هاتفي .. فاذا ما انقطع الرنين علمت ان الامر طبيعي .. ولكني اخشى يوماً يتواصل فيه الرنين ..! يا مشاء تركنا الأرصِفةُ الباردات لأرصِفةٍ ساخنات حيث يوجد هناك ما يسمى خليج الدولارات والريالات .. مضت بِنا الطائرات .. والقطارات .. امخرت بنا عباب البحر الباخرات .. لم ندري اين مَحطّاتنا القادِماتْ .. وهل سيكونُ لنا بعدَ الطواف بِها مستقر..! غربة اضحت تهيم فيها الوجوه على غيرِ هديٍ .. تقودنا خطانا إلى حَتفنا المُنتظر .. تركلنا الطائرات للحافِلاتْ الى رحلة البحث عن الذات .. وليسَ ثمة كفوف تلوح للذاهبين ولا ابتسامة طفل سيفرح بالقادِمين .. فهل سيتواصل الرنين ثانية .. ؟ ليس إلاالخُطى المُتعبه تجرجر أذيال خيبتها لأقدارِها ذاهبه ..
|
Post: #7
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: الطاهر الطاهر
Date: 03-27-2016, 07:09 PM
Parent: #6
عثمان ياصديقي .. ما عدنا في زمان يقول فيه الاب لابنه المغترب متى تعود إلى البيت، يا ولدي ؟!
|
Post: #8
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: osama elkhawad
Date: 03-27-2016, 09:45 PM
Parent: #7
يا طاهر السريرة والذوق:
حين رجعت كان البيت شبه خالٍ:
رحل أبي وأخي صلاح.
حين عدت بعد أربع سنوات،
واصل البيت إخلاء أرواح من أحببت:
رحل أخي الأكبر عثمان،
وخالتي نور التي ربّتني.
واكتشاف آخر عرفته:
أنني هرمت.
واكتشاف آخر عرفته في بيروت من عباس بيضون بزغ في روحي:
الشعراء لا يهرمون.
أرقد عافية.
|
Post: #9
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: الطاهر الطاهر
Date: 03-28-2016, 10:06 AM
Parent: #8
يامشَاء ياصديقي حقيقةً لم اقرأ كثيراً اشعار "عباس بيضون " لا أدري ربما لأن رائحة الموت تحوم في اغلب اشعاره وكتاباته .. انعكاس المشهد السياسي وما يدور في الساحة (العراق ، سوريا ، لبنان) من قتل ودمار طغى على شعره كثيرً ..استوقفتني بعض من كتاباته في " رباعيات بغدادية " إذا لم تقرأ اسمك في صفحة الموتى فقد تجد فقط إنذاراً قد يكون أمرا بالعودة وعليك ان تجتاز الليل بالمقلوب لتشفى بسرعة عليك ان تجتاز الحياة بالعكس ان تمر بسرعة ومراراً على ظهر القطار العائد من الإعدام. عليك ان تُضحك الموت ولن تعود بثمن أقل. ان تتصرف كفزاعة وتطارد الموتى على رجل واحدة أو كمومياء مستيقظة في تابوت زجاجي عليك ان تضحك الموت ان ترن كالصنج من العبث والقسوة ان تقتل الألم فذلك يحتاج الى سخرية كثيرة الى لسان مشقوق بالحكمة ان تقتل الألم، أن تحشو أضلاعك بمنشفة ان تعيش كفأل صغير من الصباح الى المساء ان تتسلم حباتك أنصافاً وقروشاً وبالبطاقة الرعب قد يكون في برتقالة ان كنت حكيماً فاقطعها بحذر قد تجد رأسك مشطوراً اسمع قلبك بحذر أيضا قد يكون إنذاراً كاذباً أو أمرا بالعودة. ***
|
Post: #10
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: الطاهر الطاهر
Date: 03-28-2016, 07:25 PM
Parent: #4
Quote: فكرتُ: حين كان أبي يناجيني من هنا، كنت هناك، وحين أخذت أناجيه من هنا، غدا هناك. «طلب مني أن أقوم بتدليك ساقيه». «قال إنه لا يكاد يشعر بهما». «من هزالهما، يوسفَ أخي، بدا كما لو «أنني أراهما للمرة الأولى». «لم يعد أبي على ما تركته أنت عليه». «أغمض عينيه. خلته استغرق في النوم. سحبت نفسي بهدوء». «عند هذا الباب، وجدتني ألتفتُ كما لو أن منادياً من السماء يدعوني. جمَّدني لوهلة ما رأيت. كاني حاول النهوض، بنصفه الأعلى، بينما يتابعني، بعينين أخافني أساهما. أخيراً، وجدتني أواصل سيري مبتعدة. قلت «أستوضحه في الصباح». لكنه فجراً فارق الحياة. «لماذا نهض أبي، وأخذ يتبعني، بنظراته تلك، يوسفَ أخي؟». |
لله درك يابرنس .. لقد صغت حروفاً بمهارة مبدع حقيقي ، حتى كونت مشهداً درامياً يدمع الاعين ..
|
Post: #11
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: osama elkhawad
Date: 03-30-2016, 05:21 AM
Parent: #10
Quote: وددتُ عندما غرقت البرهة في الصمت لو أنني حكيت لهما كيف وقع عليَّ نبأ رحيل أبي في كندا، لولا أن من شأن ذلك الحديث أن يُجدد أسى الخلاف، الذي ظلّ محتدماً، بيني وبينهم، بشأن تسمّية أكبر أبنائي، باسم يعقوبَ؛ أبي. اكتأبتْ زوجتي، عند بداية ذلك الأسبوع الذي سبق الولادة، ولم يمضِ على موت أبي وقتها سوى أسابيع، قائلة: «إطلاق اسم ميت على مولود بمثابة إطلاق رصاصة من قرب على رأس». هكذا، لم تكن البلاغة تنقصها. «هراء، يوسفَ ولدي. لكل أجل كتاب. أنت نفسك لم تمت، وقد تمت تسميتك على جدّك، يوسف، بعد موته». |
هل تشتم يا الطاهر بعضا من عبق سورة "يوسف"؟؟
إشارتك لجمال "لغة" البرنس جيدة، لكن البرنس يؤسس تلك اللغة الوضيئة على "سرد" وافر.
أتذكر هنا مقولة لامبرتو ايكو يقول فيها أن أول ما ترد على بال السارد هي "الوقائع"،
وأول ما ترد على بال "الشاعر" الكلمات.
هنالك ساردون لغتهم "متقشفة" إن جاز التعبير مثل صنع الله ابراهيم.
تخيلْ "شويعراً" تحاصره "الوقائع"، ويعاني من انيميا الكلمات؟
وبالمقابل تخيلْ "سويرداً"، إن جاز التعبير، تحاصره "الكلمات الباذخة"، وتهرب منه "الوقائع"؟؟؟
أرقد عافية، سيدي.
|
Post: #12
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: الطاهر الطاهر
Date: 04-03-2016, 06:09 PM
Parent: #11
يامشَاء .. لاشك ان البرنس من الروائيين الذين يحرصون على ان تكتمل هندسة بنيانهم الروائي بصورة كاملة معتمداً في ذلك على كل عناصر بناء " الرواية " فاذا ما عدت الى " القصة " ستجد جميع عناصرها موجودة ..
1-الحدث 2- الشخصيات 3- الزمان 4-المكان 5- السرد 6- الحوار 7- اللغة
ساعود للحديث عن كل عنصر من هذه العناصر داخل قصة البرنس ..
كن بخير ..
|
Post: #13
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: الطاهر الطاهر
Date: 04-04-2016, 05:26 PM
Parent: #12
1- * الحدث *
من خلال قراءتي للقصة اكثر من مرة اعتقد أن البرنس اراد ان يجعل حدث وفاة " والده " وما صاحبها من احداث هو المحور الرئيسي " لقصته " او لنقل " العمود الفقري " الذي ترتكز عليه القصة .. وبذلك فان اختيار البرنس لحدث واقعي ينطلق منه يعتبر من جماليات الرواية او القصة لأن الكاتب حين يكتب روايته لابد ان يختار من الأحداث الحياتية ما يراه مناسباً. فكما ذكرنا ان الحدث يعتبر العنصر الاهم بين العناصر الفنية التي ذكرتها سابقاً ، والذي على اساسه ينطلق وهنا تبدأ الخطوة الثانية فينتقي و يحذف ويضيف من مخزونه الثقافي ومن خياله الفني ما يجعل من الحدث الروائي شيئا آخر، الأمر الذي ينشأ عنه ظهور عدد من التقنيات السردية المختلفة كالارتداد ، والمونولوج الداخلي ، والمشهد الحواري ، والقفز ، والتلخيص ، والوصف ، وغيرها من التقنيات ..
Quote: خلال شتاء كندا القارس، يتأخر الشروق، في بعض الأيام، ولا يعلن الضياء، عن حضوره، إلا في نحو التاسعة تقريباً. وكان ذلك أول صباح مظلم أعقب وصول نبأ رحيل أبي يعقوب. ودعتُ زوجتي بابتسامة. كان الحمل جعل تنفسها عسيراً. كما لو أنّها تصعد جبلاً. وكان عليَّ أن أبقيها حسب وصايا الطبيب خارج دائرة التوتر ما أمكن. ما إن أوصدت الباب، سالتْ دموعي، ومشتْ حارة متدفقة، عبر الممشى الممتد بين شقق الدور الثاني، بينما أخذ يترسخ لدي أن إنساناً بدا حضوره في نفسي ربما منذ ولادتي كحضور الثوابت الطبيعيّة في الكون لم يعد له الآن من وجود. ثم لمدى ثلاثة أيام تالية، بينما أهبط في تلك الساعة المبكرة نفسها، كنت بالكاد أرى عبر غلالة الدموع ذلك الرجل، وهو يجلس القرفصاء، أسفل صناديق البريد القابعة، ما بين بابي مدخل البناية الزجاجيين. لكأنه عابر سبيل يستدفأ. كان يحييني من داخل أسماله الخفيفة، التي لا تناسب برد يناير ذاك، بابتسامة ظللت معرضاً عنها، بينما أتجاوزه شغوفاً في كل مرة بمواصلة بكائي، في أثناء تلك الطريق المظلمة والزلقة إلى العمل. بعد سنوات، خطر لي أن ذلك الرجل كان يشبه يعقوب أبي، إن لم يكن هو نفسه، وقد جاء لعزائي فيه. |
|
Post: #14
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: الطاهر الطاهر
Date: 04-04-2016, 06:42 PM
Parent: #13
2- * الشخصيات *
طريقة اختيار الشخصيات هنالك نوعان من الشخصيات التي يبني الراوي عليها روايته او القصه ، فاما ان تكون مصادرها من الواقع ولابد في هذه الحالة من التدخل في هذه الشخصيات لتغيير بعض الشيء ، وكما رأينا في مثل حالة " يعقوب " والد البرنس " يوسف " .! والدته ، واخواته ... اما النوع الثاني من الشخصيات غالباً ما تكون من " الخيال " .. قد نلاحظ ان القصة احتوت على كل انواع الشخصيات فمثلا أ - الشخصية المسطحة ، ذات الدور الهامشي المساعد في مثل حالة الاخوات " ( مريم ، سها ) + سائق التاكسي ب - الشخصية النامية ، التي تؤثر وتتأثر بالأحداث في مثل حالة " يوسف + الوالدة " . نأتي لتقسيم المظاهر لدى الشخصيات : * البطولة الفردية : كان يكون فرد محدد تتمحور حوله الأحداث .. او ان تكون البطولة جماعية " شعب ، ، مدينة، قرية جماعة " .
Quote: كانت تقترب من الثانية، عندما انضمت إلينا أختاي مجدداً، وقد جلبن معهن براد الشاي ومستلزماته، إضافة إلى قطع من كعك منزلي. |
Quote: كان سائق عربة الأجرة الشاب منصرفاً، عن حديثهما، إلى الطُرق المتربة الشاحبة، التي طالما بدت على ألقٍ حان في أحلامي تلك بالعودة |
|
Post: #15
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: الطاهر الطاهر
Date: 04-04-2016, 07:18 PM
Parent: #14
3- * الزمان * لا يزال الصراع مستمراً بين الانسان والزمان ..! برغم ان الغلبة دائماً ما تكون حليفة الزمان الا اننا ما زلنا في صراع ابدي معه شئنا أو ابينا ..! وما زال هو بمثابة "الشبح الوهمي الذي يقتفي آثرنا ، وهو الوجود نفسه ، وله أنواع أبرزها: الزمن المتواصل ، و المتعاقب، و المنقطع أو المتشظي ، الزمن الغائب ، الزمن الذاتي "النفسي"
Quote: ألحتْ أمّي وشقيقتي سها، ولم تكن يوم غادرتهم قد تجاوزتْ الرابعة بعد، على أن ترافقاني، إلى حيث رغبتُ أبداً أن أكون وحدي، وكان لا بد، على أية حال، من وجود أحد منهم، إلى جانبي، كي يدلني، في ذلك الصباح الذي أعقب يوم عودتي مباشرة، على قبر يعقوبَ؛ أبي. |
Quote: اكتأبتْ زوجتي، عند بداية ذلك الأسبوع الذي سبق الولادة، ولم يمضِ على موت أبي وقتها سوى أسابيع، قائلة: |
Quote: خلال شتاء كندا القارس، يتأخر الشروق، في بعض الأيام، ولا يعلن الضياء، عن حضوره، إلا في نحو التاسعة تقريباً. وكان ذلك أول صباح مظلم أعقب وصول نبأ رحيل أبي يعقوب. |
* الزمان والسرد * يوجد ثلاثة أضرب من الزمن تتداخل بالحدث السردي و تلازمه وهي : زمن الحكاية أو الزمن المحكي، و هي زمنية تتمحض للعالم الروائي المنشأ
Quote: خلال شتاء كندا القارس، يتأخر الشروق، في بعض الأيام، ولا يعلن الضياء، عن حضوره، إلا في نحو التاسعة تقريباً. وكان ذلك أول صباح مظلم أعقب وصول نبأ رحيل أبي يعقوب. |
· زمن الكتابة : و يتصل به زمن السرد "زمن إفراغ النص إلى القرطاس" .

· زمن القراءة:و هو الزمن الذي يصاحب القارئ و هو يقرأ العمل السردي.
و لذلك يعتبر " الزمان" أكثر العناصر السردية تداخلا ًو اتصالاً بالعناصر و التقنيات الأخرى و لهذا دائماً ما يكثر الحديث عنه و الكتابة فيه .
|
Post: #16
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: الطاهر الطاهر
Date: 04-05-2016, 09:39 AM
Parent: #15
4 - * المكان *
" الحيز " ، أو " الفضاء" .. لابد لكل كاتب روائي ان يكتب النص مشيراً لمكان ما ، فمثلاً اختيار " البرنس " للسودان " المقبرة " ، هو المكان الذي ارتكز عليه سرده وكما نلاحظ اجادته لتقنية " التقطيع " فقد اخذنا الراوي معه تارة الى "كندا " ، وتارة اخرى الى "استراليا " مرورا بمطار "ماليزيا" ، واستقر بنا عند "مقبرة " والده بالسودان + بيت العائلة ، وهنا يكمن سر فن التقطيع .. لم يتطرق "عبد الحميد البرنس " خلال سرده لحيز جغرافي كغابات ، او جبال ، او سهول ووديان ...الخ وانما اشار بصورة مقتضبة الى حيز المقبرة :
Quote: كان سائق عربة الأجرة الشاب منصرفاً، عن حديثهما، إلى الطُرق المتربة الشاحبة، التي طالما بدت على ألقٍ حان في أحلامي تلك بالعودة. «لم يتسبب لي طوال حياته في أذى». |
اما في حالة "المظهر الخلفي " داخل القصة فنجده اكتفى بمشهدين او ثلاثة فقط .. وللتعريف بالمظهر الخلفي : هو مظهر غير مباشر ،يذكره الراوي خلال السرد مثل ، ، ركب القطار ، سمع صوت عصافير ، مر بحقل ، ركب الطائره ، نزل الدرج ...الخ
Quote: ما إن أوصدت الباب، سالتْ دموعي، ومشتْ حارة متدفقة، عبر الممشى الممتد بين شقق الدور الثاني، بينما أخذ يترسخ لدي أن إنساناً |
|
Post: #17
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: محمد عبد الله حرسم
Date: 04-06-2016, 08:29 AM
Parent: #16
لك التحية اخى الطاهر
وللاستاذ اسامة
وللحبيب الجميل عبد الحميد البرنس احد القلائل الذين يكتبونك
شكرا لهذا النفاج لمعرفة بعض جوانب هذا الجميل
شكرا الظاهر
اتابع
|
Post: #18
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: الطاهر الطاهر
Date: 04-07-2016, 10:32 AM
Parent: #17
عزيزي محمد عبد الله حرسم .. اشكر مرورك الجميل ومتابعتك لجماليات السرد لدى الحبيب الروائي "عبد الحميد البرنس" .. ساكمل بمشيئة الله ..
|
Post: #19
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: الطاهر الطاهر
Date: 04-12-2016, 07:08 PM
Parent: #18
5 * السرد * اوالقص ، ويعني الحركة .. وهو اساس الرواية او القصة .. تتعدد وتتنوع اساليبه والحديث عنه يطول ساحاول ان اختصره ما استطعت ،
نتابع ...
|
Post: #20
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ال�
Author: Fatima Alhaj
Date: 04-12-2016, 07:53 PM
Parent: #1
Quote:
لك التحية اخى الطاهر
وللاستاذ اسامة
وللحبيب الجميل عبد الحميد البرنس احد القلائل الذين يكتبونك
شكرا لهذا النفاج لمعرفة بعض جوانب هذا الجميل
شكرا الظاهر
اتابع |
|
Post: #21
Title: Re: قصة تواصلَ الرنين ثانية andquot; عبد الحميد ا�
Author: osama elkhawad
Date: 04-13-2016, 08:10 PM
Parent: #20
Quote: لك التحية اخى الطاهر
وللاستاذ اسامة
وللحبيب الجميل عبد الحميد البرنس احد القلائل الذين يكتبونك
|
شكرا للاستاذ برسم*.
وللاستاذة فاطمة:
اسمك يذكِّرني بالفنانة فاطمة الحاج. ________________ *يا برسم د. أحمد الصادق معاكم؟؟؟
|
|