Quote: ولو جينا لنظام الحكومة السودانية مفروض تخت فى معطياتك الحصار المالى العالمى على السودان وهو ما تسبب فى هروب الأموال من القنوات الرسمية .. إذا كان أنا المواطن السودانى الغلبان ده محروم من تحويل ملاليم للوالدين بالقنوات الرسمية .. كنت أفعل ذلك حتى لقبل سنين قليلة فإذا بأمريكا توقفه وتفرض غرامة على البنوك الغربية مليارات الدولارات بسبب تحويل منير لبضع دولارات لأسرته .. ويش نسوى نحن؟؟؟ .. طبيعى أن تجف القنوات الرسمية من العملات الصعبة و تخرج باللف والدوران هنا وهناك .. وعادى جداً فى مثل هذا الزوغان أن ينفتح الباب واسعاً لكل الإحتمالات والتكهنات وأن تتسرب العملات إلى داخل البلد فى قنوات غير رسمية ـــ سوق الغتربين الأسود ـــ وكذلك فى الإتجاه المعاكس تخرج الأموال للخارج بقنوات الغسيل وخلافه ... فتلك إذاً عملية متشابكة اختلطت فيها العوامل الداخلية والخارجية .. أنا أصلاً لست إقتصادياً لكنى لا أنظر للأمور من زاوية واحدة بنفس طريقتك التى لاترى منها سوى ما يليك من زاوية تخصصك والتى تريد منها رؤية المصطلحات مطبقة قدامك .. لكين نرجو أن تشمل بتحليلاتك هذه كل المعطيات الداخلية والخارجية بما فيها العقوبات على السودان ـــ عشان ما تكون تحليلاتك عبارة عن خصام سياسى .. كلامى ده ليس تبريراً للفساد، لكين أريد أن أرى كلام شامل وليس عريضة إتهام طويلة لن يعجز أحد عن الإتيان بقائمة أطول منها من الإعوجاجات الإقتصادية وأوجه الفساد .. هسه لو جبنا عتّالى من ميناء بورتسودان ممكن يجيب لينا حقائق ـــ بحكم العمل والمعايشة والتخصص ـــ عن بلاوى متلتلة .. |
الأستاذ منير تحياتى والإحترام،
فيما يتعلق بالفقرة أعلاه:
أولاً، يجب أن نضع محتوى عبارتك أعلاه فى نصابه؛ فحصار السودان الإقتصادى الأخير هذا، هو نتيجة لتهريب وإدارة أموال الشعب السودانى (أموال البترول والمعادن النفيسة) خارج الدورة الإقتصادية لحكومة السودان، وبالتالى الحصار ليس سبباً فى هروب الأموال من القنوات الرسمية، بل هروب الأموال من الخزانة العامة هو السبب فى الحصار.
توضيح:
لقد فشلت كل البرامج الإقتصادية الممولة من الصندوق فى إطار علاقة السودان بصندوق النقد الدولى فى الفترة 1958 – 1983 فى إحداث توازن إقتصادى (داخلى/خارجى) على مستوى الإقتصاد الكلى. هذا الواقع أدى إلى تدهور العلاقة بين السودان والصندوق ما بين 1984 – 2001 (خاصة فى فترة الديموقراطية الثالثة التى رفضت الإنصياع لسياسات الصندوق) حينما حان سداد قروض الصندوق وعجز السودان عن سدادها (هنا وفيما يلى راجع: د. أمين صالح يسن 2008).
وفى فيراير 1986 أعلن الصندوق أنَّ السودان دولة غير مؤهلة للإستفادة من أموال الصندوق وتفاقم المشكل بين الصندوق والسودان إلى الدرجة التى أعلن فيها الصندوق أنَّ السودان دولة غير متعاونة، وكان ذلك عام 1990. فالشاهد أنَّ الديموقراطية الثالثة هى التى رفضت الإرتماء فى أحضان النظام الرأسمالى ومؤسسات تمويليه المالية.
أما السودان فى عهد الإنقاذ؛ الذى فرضت عليه الدول الرأسمالية حصاراً إقتصادياً وعسكرياً بسبب الإنقلاب العسكرى فى عام 1989، قد قرَّرَ أن يخرج من هذا الحصار بوسيلتين: الإرتماء الكامل فى أحضان النظام الرأسمالى والرضوخ الكامل للسياسات مؤسسات التمويل الدولية، ثمَّ الميل شرقاً نحو الصين ودول جنوب شرق آسيا. وبناءاً على هذا التوجه الجديد، فقد أقدمت الإنقاذ فى فبراير 1992على حزمة إجراءات (إقتصادية ومالية ونقدية)، فى إطار برنامج الإنقاذ الثلاثى الأول، أسرفت وأفرطتْ فى تحرير الإقتصاد السودانى وارتضتْ الإرتماء الكامل الغير مشروط فى أحضان النظام الرأسمالى ومؤسسات التمويل الدولية كما أشرنا أعلاه.
ولمَّا كانت هذه الإجراءاتُ إجرآءاتٍ فوق ما يطمع النظام الرأسمالى وصندوق النقد الدولى وأخواته، ما كان من الصندوق إلاَّ أنْ باركها وأشاد بها ورضى بموجبها عن الإنقاذ، وقبِلَ بفترات الرقابة الغير رسمية النصف سنوية التى اقترحتها الإنقاذ (Informal Monitoring Periods)، ووصلت أول بعثة للصندوق للرقابة غير الرسمية فى ديسمبر 1992، ورفعت تقريراً إيجابياً للغاية عن السودان لإدارة الصندوق، وقد قبل الصندوق باقتراح السودان بالقيام بدفعيات شهرية وِفق مقدرته الإقتصادية.
حاول الصندوق أن يقنِّن لذلك بإعداد سياسة إطارية (Policy Framework) يتم بموجبها إطفاء المتأخرات، غير أنَّ الطرفين لم يتفقا عليها، الأمر الذى أدى إلى تجميد حق السودان فى التصويت. فسَبُتَتْ العلاقة بين الصندوق والسودان. وفى يناير 1994 وصلت بعثة الصندوق الفنية لدراسة أوضاع السودان، وأوصت فى فبراير من ذات العام بالإنسحاب الإجبارى للسودان من مظلة الصندوق.
تَيَقَّظت الإنقاذ لتداعيات القرار عالمياً وإقليمياً وثنائياً حال تنفيذه، وأعدت مذكِّرة شرحت فيها برنامِجاً للإصلاح الإقتصادى والتطبيع مع الصندوق. رحب الصندوق بالمذكرة وأردف ترحيبه بإرسال بعثة فنية فى مايو 1994 لتحويل المذكرة إلى خطة عمل إقتصادية محددة المعالم ومشفوعة ببرنامج دفعيات شهرى لإطفاء المتأخرات. ولكن للأسف لم يتم الإتفاق على كلِّ ما جاء فى تلك المذكرة والخطة المنبثقة عنها.
وفى العامين 1995 و1996 فشلت كل محاولات السودان لإحداث توازن على مستوى الإقتصاد الكلى. وفى العام 1997 أُعطىَ السودان مُهلة أخيرة لتوفيق أوضاعه، وبالعدم سيُطرَد من مظلة الصندوق. أعدَّ السودان برنامجين للإصلاح الإقتصادى للعامين 1997 و1998 تحت إشراف د. عبد الوهاب عثمان حينما كان وزيراً للمالية، وقد كانا من النضج بمكان أنْ صادق عليهما الصندوق، وبالفعل أعاد البرنامجان التوازن الإقتصادى الداخلى والخارجى للسودان، وتدفقت الإستثمارات الأجنبية من كلِّ حدبٍ وصوب.
وخلال مراجعات البرنامجين، وجدت بعثات الصندوق أنَّ تحولاً مهماً قد حدث، بل إنَّ البرنامجين قد عُدَّا بواسطة الصندوق كأحسن سياسات هيكلية تمَّ تطبيقها لإصلاح الإقتصاد السودانى. وقد أُعطىَ السودان فترة عامين لرصد أدائه المتعاقب فى إطار برنامج إقتصادى متوسط المدى 1999 - 2002، بعده يُنظر فى رفع العقوبات عنه.
وقد شدَّد مجلس مديرى الصندوق لرفع العقوبات على: "ضرورة تطبيق القيمة المضافة، خفض التضخم بترشيد الطلب الكلى وتحرير سعر الصرف، إصلاح النظام المصرفى، وضع نظام شفاف لمراقبة عائدات البترول وتحويل فوائض أرباحه للموازنة العامة".
تم تقييم البرنامج الإقتصادى متوسط المدى بواسطة الصندوق فى عام 1999، وبناءاً على التحسن الممتاز فى أداء الإقتصاد السودانى المتزامن مع بداية تصدير البترول، رُفِعَتْ عقوبات الصندوق عن السودان فى عام 2000. وقد استمرَّ السودان فى برامجه الإصلاحية إلى الحد الذى معه أعاد الصندوق فتح مكتبه بالخرطوم. وبالفعل لقد كان لتصدير البترول أثر إيجابى مع هذه البرامج الإصلاحية، فقد استطاع بنك السودان بناء إحتياطى نقدى ضخم أسهم بشكل واضح فى استقرار سياسات النقد الأجنبى.
ما بعد التطبيع مع الصندوق
ويُلاحظ أنَّ الإحتياطى النقدى "الضخم" الذى بدأ يتراكم لدى البنك المركزى، لم يكن كله يُدار داخل الخزانة العامة؛ فالإحتياطى النقدى لدى بنك السودان المركزى كان مجرَّد مبلغ رمزى تَذُبُّ به الإنقاذ حِنق الصندوق، وكذلك كانت مستمرَّة فى الدفعيات الشهرية الرمزية لصندوق النقد الدولى. وبالتالى جُلُّ عائدات البترول كانت تُدار خارج الدورة الإقتصادية للسودان (حسين أحمد حسين، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الخرطوم: 2001).
بل إنَّ الإحتياطى النقدى من العملات الصعبة قد إزداد نهبُهُ (حسداً) منذ العام المالى 2004/2005 مع إرهاص الوصول إلى إتفاق مع الجبهة الشعبية لتحرير السودان، واستمرَّ هذا النَّهْبُ فيما بعد إلى يوم النَّاسِ هذا (تابعونا فى مقال لاحق عن البترول).
وهنا بدأ الصندوق يرصد إرتفاع فى معدلات التضخم، وعدم استقرار سعر الصرف، وتراجع تراكم الإحتياطى النقدى (وقد نبَّه الحكومة لذلك)، ولكن الدفعيات الشهرية للصندوق مازالت مستمرة. وهنا فطن الصندوق لمسألة إدارة أموال البترول خارج الدورة الإقتصادية للبلد/ خارج الخزانة العامة (ويا طالما نبَّهنا لذلك)، وفطن لعمليات غسل الأموال، والإتجار فى المخدرات، والتهريب وكل الأعمال غير المشروعة.
الخلاصة
أنَّ الإنقاذ هى فى الأصل فى الحضن الرؤوم للنظام الرأسمالى ومؤسسات تمويله الدولة. كما أنَّ السلوكيات المذكورة بعاليه من قِبَل حكومة الإنقاذ هى التى تسببت فى إقامة وحدة مكافحة غسل الأموال والأرهاب بالهيئة القضائية، وهى التى تسبَّبتْ فى العقوبات والحصار الأخير الذى تتكلم عنه عزيزى منير، وهكذا يجب أن نضع الأمور فى نصابها ونملِّك هذا الشعب الحقائق بلجاء (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنصرْ أخاكَ ظالماً أو مظلوما)؛ العذرُ لك، إلَّم تكن تعلم.
وبالتالى يا أخى منير أحب أن أقول لك، أنا كباحث لم أغفل أى جانب من الجوانب المتعلقة بالظاهرة محل البحث الذى أنا بصدده. وما تراه أنت أسباب خارجية هو فى الأصل أسباب داخلية محضة وعلى نفسها جنت براقش.
وأخيراً أين المشكلة فى أنَّ العتالى يحصر المشكال التى تصادفه بحكم تخصصه، يا أخى أنت إبحث فيما يليك وأنا أبحث فيما يلينى؛ أين المشكلة!!!
لنا عود إن شاء الله ...