في تلك الحواشة التي قمت باستئجارها في القرية 5 ،وبعد أن خرجنا لتونا،أنا وشريكي عبد المنعم العاليابي ،من موسم صيفي فاشل،اتفقنا أن تستمر الشراكة بيننا (أنا بالتمويل وهو بالخدمة)لتغطي الموسم الشتوي أيضا،وعلى هذا، قمت بشراء تيراب البصل قبل وقت كافي من بداية الموسم..لكن عبد المنعم حدثت له لاحقا بعض المستجدات التي أجبرته على عدم المواصلة في هذه الشراكة،وتفأجات أنا عندما أخبرني تلفونيا بقراره هذا،لكني تمتمت له بما يُقال عادة في مثل هذه المواقف،:خير يازول،مافي مشكلة،وأنا ح أشوف لي زول أشاركو.
:ياخي بدّوربو شنو الشريك،إت آبتعرف تقرع؟
:أقرع شنو يعني؟
:يعني تمسك الموية.
:هو مسك الموية دا كمان دايرليهو درس عصر..(اكتشفت لاحقا أن درس عصر واحد لايكفي لتعلم القرع)
:خلاس،وإن درتلك زولا يرشلك الدواء،وللا يشتتلك السماد بتلقاهو باليومية..وأنا هسة بشوف عمر عجلة عشان يجي يشتت التيراب.
:عمر عجلة دا منو كمان؟
:دا زول جمبنا بشتغل باليومية..
وهكذا ياسادتي مضت الأمور سلسة إلى أن جاء الوقت الذي يجب أن تُنقل فيه شتول التيراب من أحواضها الصغيرة، لتوزع على كامل الحواشة..
قال عبد المنعم (الذي كان شريكي ثم صار مستشاري) :النشوف علي بيض عشان يجي يقلع التيراب
:ودا كمان شغال في البيض وللا شنو؟
:دا شغال في أي حاجة..
وأمامي اتصل عبد المنعم بعلي بيض وهيأ الأمر،ثم أعطاني رقمه..كان الاتفاق أن يحضر علي في الصباح لمزاولة العمل..لكن علي لم يحضر،فقمت بالاتصال به..وجاءني صوته نحيفا كصوت الصبيان..
:ألو..
:سلام عليكم،أنا عليش زول عبد المنعم..
:أنا مشغول والله ،مشغول شديد..
:آى،لكن كان اتفاقك مع عبد المنعم...
:عارف آى،لكن مشغول والله،مشغول شديد..
:طيب طيب،بتعرف زول تاني ممكن يشتغل لينا الشغلانة دي؟
:أيوا،عثمان قيلي
:جميل، يلّا أديني تلفون عثمان دا
:مشغول والله،مشغول شديد
:ياعلي مشغول لدرجة إنك ماقادر تطلع رقم من تلفونك؟..
:آي والله مشغول شديد..
:ياعلي ..
ثم قُطع الاتصال..
وحاولت لأكثر من مرة،أن أتحصل منه على تلفون عثمان قيلي،لكن كانت دائما ماتنتهي المكالمة بمشغول شديد والله..ثم يُقطع الاتصال..وفي آخر اتصال ،عندما يئست منه تماما،صحت فيه
:بلى ياخدك،وياخد معاك الشركة العربية للدواجن ذاتا..
وماذنب تلك الشركة؟
إنه نفس السؤال الذي سأله السر قدور لعشة الفلاتية،عندما قالت له داهية تاخدك وتاخد معاك عوض جبريل كمان.. والطرفة بها صعود وهبوط كثير،ولا أريد إقحامها هنا،وهي مبذولة على الشبكة العنكبوتية على أي حال..لكن مالفتني فيها،هو أن عشة اكتشفت نوعا جديدا من التنميط،فبعد التنميط القبلي،والمهني،والطبقي....أدخلتنا عشة في تنميط الوجوه..لكن تجدر الإشارة أيضا في هذا الخصوص،لأغنية البلابل(السمحين بسامحوا)..
قمت فورا بمسح اسم علي بيض من تلفوني،وهذي عادة سيئة من ضمن عاداتي السيئة الكثيرة..وكنت أظن أن الأمر قد انتهى هنا،لكن طرأت لاحقا صدف أخرى سفّهت ذلك الظن..
لابد أن أذكر أن الشئ المثبت هو أن الأمر يحدث لاإراديا،وهذه بدورها واحدة من مشاكلنا الملحة،وهي أن أمورنا الجسام تحدث عادة لاإراديا،ربما لأن الإرادة ليست صفة أصيلة فينا،مثلها في ذلك مثل القدرة والعلم والرحمة والرأفة والحنان...
تلك صفات نحن متطفلون عليها بامتياز،إن صفاتنا الأصيلةة هي الضعف والكبد والهلع والبخل والغرور والجدل..
لذلك بعد أن أنهيت تلك الجولات الخاسرة مع علي بيض،دهمني أحد الكلاب البوليسية وصوّر لي علي بيض بصورة كنت قد شاهدتها سابقا،شاهدتها عبر رسالة واتسابية في هاتف صديق قديم..
لكن تلك قصة أخرى