بيان إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن الحالة في دارفور، عملاً بقرار المجلس 1593 (2005 نشر بتاريخ 15/12/2015
السيدة الرئيسة، أصحاب السعادة،
1- في كل مرة أقف أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتقديم إحاطة لأعضائه بشأن التطورات القضائية في المحكمة الجنائية الدولية (ويُشار إليها باسم "المحكمة") وإطلاع أعضائه على آخر مستجدات أنشطة مكتبي فيما يتعلق بالحالة في دارفور، أتمنى أن يتسنى لي إعلان أن العدالة ستتحقق أخيراً في وقت قريب لضحايا الصراع المتواصل الذي طال أمده في دارفور وأن الأشخاص الذين يُدعى مسؤوليتهم عن ارتكاب أعمال مُجرّمة بموجب نظام روما الأساسي في دارفور سيخضعون قريباً للمساءلة أمام المحكمة. للأسف، فإن الواقع هو أن الأفراد الذين أصدرت المحكمة أوامر إلقاء قبض بحقهم لا يزالون طُلقاء.
2- لقد انقضت عشر سنوات منذ خلص المجلس إلى أن الحالة في دارفور بالسودان، تُشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. وعلى هذا الأساس، قرر المجلس إحالة الحالة في دارفور إلى مكتب المدعي العام للمحكمة حتى يُجري التحقيق مع الأشخاص المدعى مسؤوليتهم عن ارتكاب جرائم منصوص عليها في نظام روما الأساسي ومحاكمتهم.
3- ومؤخراً، في 29 حزيران/يونيه 2015، أكّد المجلس مجدداً مرة أُخرى في قراره 2228، كما فعل في العديد من قراراته السابقة، أن "الحالة في السودان تُشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين". وبدءاً بقرار المجلس 1593، شكل كل قرار من القرارات التي اتخذها المجلس بارقة أمل في أن ضحايا الجرائم الجسيمة التي يُدعى أنها ارتُكبت في دارفور لن يطويهم النسيبان، وأن المسؤولين عن معاناتهم سوف يخضعون للمساءلة، وأن السلام والاطمئنان سيعودان إلى حياتهم وأسرهم ومجتمعاتهم المحلية.
4- وأُلاحظ مع الأسف الشديد أن اعتماد كل قرار، من الناحية العملية، لم يزد عن كونه وعداً أجوفاً، وأن عاماً بعد عام تتبدد آمال وتطلعات الضحايا في تحقيق العدالة والسلام الدائم.
5- وبدلاً من ذلك، لا يزال شعب دارفور يعاني من الدّمار والانتهاكات الجسيمة المزعومة لحقوق الإنسان وأعمال القتل العشوائي والاغتصاب الجماعي والاعتداءات الجنسية، في حين أن الأفراد الذين أصدرت المحكمة أوامر إلقاء قبض بحقهم، والذين ربما يكونون ضالعين في تلك الجرائم، ما زالوا هاربين من العدالة. ويشعر عدد لا يُحصى من الضحايا بالإحباط.
6- وفي نهاية المطاف، لا يمكن لأحد أن يوجه إليهم اللوم عندما يبدو أن تحقيق العدالة أمراً بعيداً، لأسباب ليس أقلها عدم كفاية المتابعة والدعم من المجلس. فإحباطهم واستسلامهم في مواجهة هذا التقاعس يجب أن يُورقا ضميرنا الجماعي.
7- إن التقارير العديدة التي قدمها مكتبي إلى هذا المجلس على مر السنين ينبغي أن تقدم قليلاً من السلوى، إن وجد، لضحايا الجرائم الفظيعة التي تُرتكب دارفور. وبالرغم من مطالبتي المتكررة للمجلس بالتصرف حُيال تجاهل السودان الصارخ لالتزاماته، في انتهاك لقرارات هذا المجلس، فما فتئت نداءاتي تذهب أدراج الرياح.
8- كما أشارت التقارير الصادرة عن مكتبي، فالسيد البشير ليس هارباً من العدالة ويواصل السفر عبر الحدود الدولية فحسب، بل إنه يُؤوي هاربين آخرين ويرفض تسهيل تسليمهم ونقلهم إلى المحكمة لمحاكمتهم.
9- إن مكتبي، بل والمحكمة ككل، لا يملكان سلطات إلقاء القبض. فتلك السلطات من السلطات التي تتمتع بها الدول. وفي حالة السودان، فعلى عاتق هذا المجلس الذي أحال الحالة في دارفور إلى المحكمة مسؤوليات مهمة لضمان وفاء الدول بالتزاماتها. ولا يسعني إلا أن أُكرر نداءاتي إلى المجلس لاتخاذ الإجراءات المناسبة في حدود صلاحياته لضمان إلقاء القبض على جمع الهاربين فيما يتصل بالحالة في دارفور وتقديمهم إلى العدالة حتى تَقَرَّ أعين الضحايا.
10- ورسالتي لضحايا دارفور اليوم واضحة لا لُبْسَ فيها: لن نوقف عملنا ولن نيأس. فمكتبي ما زال يلتزم التزاماً راسخاً بولايته القانونية فيما يتعلق بدارفور بالسودان. كما سنواصل نهجنا القائم على مبادئنا وسندعو المجلس مراراً وتكراراً إلى دعم عملنا بشكل أقوى. وينبغي لضحايا الجرائم الوحشية في دارفور أن يتأكدوا من أن القضايا المقامة بحق السودانيين المشتبه بهم لم تنته. بل على عكس الاعتقاد الخاطئ بأن التحقيقات بشأن دارفور قد حُفِظت، فإن فريقاً خاصاً من المحامين والمحققين من مكتبي يواصل عمله في إجراء مقابلات مع الشهود وجمع الأدلة الوثائقية والحصول على معلومات من المصادر ذات الصلة.
11- ويقوم فريقي أيضاً باستعراض الأدلة باستمرار وتتبع القرائن. باختصار، وبالرغم من التحديات الماثلة، فإننا نبذل قُصارى جهدنا في حدود ولايتنا وإمكاناتنا. وعزمنا على الوفاء بولايتنا كاملةً حُيال دارفور ثابت ولا يتزحزح. ودعوني أتكلم بوضوح، فإن أوامر إلقاء القبض على كل الهاربين السودانيين ستظل سارية المفعول والأثر سرياناً كاملاً، ومكتبي سيواصل جهوده للقيام بكل شيء ممكن في إطار صلاحياته من أجل إلقاء القبض عليهم وتسليمهم.
السيدة الرئيسة،
12- إن ضحايا دارفور ما عادوا يجدون عزاءً في كلماتنا. إنهم يستحقون العدالة الملموسة ويستحقون أن يروا العدالة وقد تحققت. والمطلوب هو عمل ملموس ومشترك من جانب هذا المجلس والدول والمحكمة لتحقيق تقدم فعلى.
13- وبدون إلقاء القبض على المتهمين وتسليمهم، لن يتمكن هذا المجلس من الوفاء بالوعد بمحاسبة من يُزعم مسؤوليتهم عن ارتكاب أعمال مُجرّمة بموجب نظام روما الأساسي في دارفور، ولن يكون بمقدوره تيسير السلم والأمن الدائمين في السودان.
14- وسواء كان الأمر يتعلق بيوغوسلافيا السابقة أو رواندا أو سيراليون، فقد أثبت المجلس مراراً وتكراراً أن ارتكاب فظائع على نطاق واسع ضد الآلاف من الضحايا يحول دون تحقيق السلام والمصالحة بشكل كامل حتى إخضاع المسؤولين عن الجرائم
للمساءلة. ونفس المنطق ينسحب على دارفور. فعملية العدالة الجنائية التي بدأت بإصدار المحكمة أوامر إلقاء قبض على السيد البشير وآخرين من المشتبه بهم يجب أن تحظى بدعم كافٍ.
15- ولا بُدَّ ليّ أن أؤكد أيضاً أن قدرة مكتبي على الاضطلاع بشكل فعال وكامل بالولاية الموكلة إليه من المجلس تعوقها قلة الموارد. وحجم أنشطة التحقيق في دارفور يتوقف بالضرورة على قدراتنا ومواردنا. وقد أكّدتُ مخاوف مماثلة في سياقات أُخرى مختلفة، بما في ذلك في إحاطتي الأخيرة لهذا المجلس في الشهر الماضي.
16- وأغتنم هذه الفرصة لأُذكّر مرة أُخرى بأحكام المادة 115(ب) من نظام روما الأساسي والتي يمكن للأمم المتحدة بموجبها أن تزود المحكمة بموارد مالية، وخاصة فيما يتعلق بالنفقات المتكبدة نتيحه لإحالات المجلس. والحالة في دارفور إحدى تلك الإحالات، وحري بالمجلس أن يُساعد في دعم وابتكار طرق إبداعية لتوفير الموارد المطلوبة بشدة لأنشطة التحقيق التي يضطلع بها مكتبي.
السيدة الرئيسة،
17- لقد طال أمد خِذلاننا لضحايا دارفور.
18- وإن جاز ليّ أن أتكلم بجرأة، يجب أن يبذل هذا المجلس مزيداً من الجهد للتدليل على التزامه تُجاه دارفور بالسودان. ويجب أن يتحلى بالثقة في اضطلاعه بدوره في تسهيل القبض على المشتبه بهم الذين أصدرت المحكمة أوامر إلقاء قبض بحقهم. ويجب أن يتصرف تصرفاً ملموساً حُيال بلاغات المحكمة بخصوص عدم الامتثال. وفي هذا الصدد، أود أن أشكر أعضاء المجلس الذين يعملون بلا كلل لضمان أن تنال بلاغات المحكمة ما تستحقه من اهتمام من المجلس. وفي نهاية المطاف، يجب أن يدرك هذا المجلس الموقر دوره البالغ الأهمية إزاء تلك الدول، ومنها السودان، التي تبين للمحكمة عدم امتثالها والاضطلاع بمسؤولياته كاملة لتعزيز الأهداف التي يتوخى نظام روما الأساسي تحقيقها.
19- وأختتم ملاحظاتي هذا الصباح بالملاحظة التالية: إن التفاعل بين المحكمة والمجلس مُكرس في المعاهدة التأسيسية للمحكمة، وبالتالي فقد وُجِد ليبقى. ومن المنطقي أن نتوقع أنه مع مرور الوقت وزيادة التفاعل بين هاتين المؤسستين المهمتين ستزدهر العلاقات بينهما وتتطور بسرعة.
20- وأحثُّ على التواصل المنتظم مع المجلس، بصورة منفصلة عن الإحاطات الدورية المتعلقة بالحالات، حتى يتسنى لنا التفكير معاً ومعالجة المسائل المشتركة بين المؤسستين بشأن كيفية تعزيز دعم المجلس وأساليب عمله فيما يتعلق بالمحكمة، انطلاقاً من مبادرة مماثلة ومفيدة للغاية أُطلقت في تشرين الأول/أكتوبر 2014 تحت رئاسة الأرجنتين. فالمزيد من فرص الحوار وتبادل الآراء
بين المحكمة والمجلس من شأنه أن يُفضي إلى نشوء الأفكار والحلول العملية، وهو ما من شأنه أن يمكن المجلس من الاستجابة للمسائل المتعلقة بالمحكمة بمزيد من الفاعلية.
السيدة الرئيسة،
21- إن وضع حد للإفلات من العقاب على ارتكاب أخطر الجرائم وأكثرها زعزعة للاستقرار في العالم ليس حكراً على مؤسسة بعينها. بل هو مسؤولية جماعية مُلقاة على عاتق الجنس البشري ككل باعتباره المستفيد منه.
22- والدعم الملموس والثابت والقائم على المبادئ الأساسية الذي يقدمه المجلس إلى المحكمة سيكون عاملاً مهماً لا في صون السلم والأمن الدوليين فحسب، بل في صون قضية العدالة الجنائية الدولية في هذا القرن الجديد أيضاً. والحق أقول، إن السلم والأمن يتوقفان على تلك الأخيرة في نواح ٍكثيرة.
23- وكما ورد تفصيلاً في تقريري، ثمة مزاعم تفيد استمرار ارتكاب جرائم فظيعة في دارفور. والعمل القوي والملتزم من جانب المجلس والدول هو السبيل الوحيد لوقف ارتكاب جرائم جسيمة في دارفور وضمان إخضاع مرتكبي الجرائم السابقة للمساءلة.
24- وبالتأكيد، سيقف التاريخ شاهداً على صلابة إرادتنا وقدرتنا على الوفاء بالتزامات كل منا.
المصدر : https://www.icc-cpi.int/en_menus/icc/press%20and%20media/press%20releases/Pages/ar_otp-stat-15-12-15.aspxhttps://www.icc-cpi.int/en_menus/icc/press%20and%20media/press%20releases/Pages/ar_otp-stat-15-12-15.aspx