|
Re: نيفاشا 2 و المرتشي امبيكي و عرمان و الصاد� (Re: Mustafa Mahmoud)
|
الحوار السوداني ومواصلة السير في الحلقة المفرغة
محجوب محمد صالح
«الحوار الوطني» أصبح مصطلحاً سياسياً راسخاً على المستوى الإقليمي على اعتبار أنه من الوسائل المتاحة لمعالجة الصراعات السياسية الحادة أو الحروب الأهلية الداخلية في أي بلد مثله مثل أية آلية أخرى لفض النزاعات يمكن أن ينجح أو يفشل في تلك المهمة حسب تطورات الأحداث في البلد المعني، ولكنه في كل الحالات لا يمكن أن يبدأ في أية دولة ما لم يكن هناك توافق بين كل الأطراف المتصارعة على أسس موضوعية؛ لذلك يقوم الحوار على قواعد إجرائية لإدارته.
وفي السودان ظل شعار (الحوار الوطني) مرفوعا على مدى سنوات دون أن تتهيأ ظروفه، بل ودون أن تتفق الأطراف المعنية على الهدف منه؛ ولذلك ما زال الداعون للحوار يدورون في حلقة مفرغة ويمشون إلى الحوار في دائرة ليعودوا كل مرة إلى نقطة البداية، ولو تمعنوا في تجارب الدول الأخرى لاكتشفوا أن أي حوار ناجح أدى إلى تغيير حقيقي سبقه اتفاق جماعي على أن هدف الحوار هو إحداث تغيير حقيقي في السلطة وإقامة نظام حكم جديد، بل حتى في الحوار الفاشل انطلق الحوار من الاتفاق الشامل على إحداث التغيير، ولكن الحوار فشل لأن أحد أطرافه نكث عهده ولم يقبل مبدأ التغيير عبر مخرجات الحوار ولجأ للقوة لحسم الصراع، وكثير من الساسة السودانيين المسرفين في التفاؤل يضربون المثل بجنوب إفريقيا، بينما يضرب المتشائمون المثل باليمن التي انطلق فيها حوار وطني جامع بموافقة كل الأطراف، لكن لجوء بعض الفصائل إلى تجاوز الحوار وفرض واقع جديد بقوة السلاح أدى إلى فشل الحوار والعودة إلى مربع الحرب الأهلية التي تطورت لاحقا إلى حرب إقليمية وحرب بالوكالة.
في جنوب إفريقيا نجح الحوار لأن البيض وصلوا إلى قناعة بأن حكم التمييز العنصري وصل إلى نهايته ولا سبيل لاستمراره؛ لأن استمراره يؤدي إلى انهيار كامل وسيفقد البيض ليس السلطة فحسب بل الثروة أيضاً إذا انهار النظام، ومن ثَمَّ آثروا أن يكونوا جزءا من الحل بدلا من أن يظلوا أساس المشكلة، وفي الوقت نفسه وصلت قيادة المعارضة الإفريقية إلى قناعة باستحالة تحقيق انتصار حاسم للسود عبر عنف المعارضة وأن استمرار المعارضة المسلحة والمدنية من شأنها أن تقوض أساس الدولة وتقضي على الجميع. وعند وصول الطرفين لهذه القناعة تهيأ الملعب لحوار وطني جامع بحثا عن إجابات للأسئلة الصعبة وقد احتاج ذلك لكثير من الصبر ومن المثابرة ومن ابتداع الحلول.
الظروف التي أنتجت هذا الواقع في جنوب إفريقيا قل أن تتكرر في موقع آخر، وقد تمثلت في عزيمة وإصرار ونشاط المعارضة السوداء وتحملها تبعات النضال سجنا وتشريدا وقتلا دون أن تهن عزيمتها، ثم حالة العزلة التي فرضها المجتمع الإفريقي على نظام البيض وفوق هذا وذاك الحصار الثقافي والسياسي والاقتصادي الذي فرضه المجتمع الدولي على نظام التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا، وكان هذا المناخ الضاغط الذي أسهم في نجاح الحوار هناك.
الحوار الوطني في اليمن جاء ليس لقناعة راسخة لدى أطراف الحوار، بل نتيجة ضغوط دول مجلس التعاون الخليجي والاتفاقية التي توصلت لها والتي قبلتها مضطرة بعض الأطراف دون قناعة ذاتية أو إرادة سياسية لإنجاز مصالحة حقيقية؛ ولذلك انفجر الموقف في اليمن بعد الحوار عندما تهيأت الظروف لبعض أطراف الصراع لكي تسعى لفرض واقع جديد بقوة السلاح.
الحوار إذن ليس مجرد شعار يردد ولا مجرد أماني وأمنيات يعبر عنها أفراد هنا وهناك، الحوار لا يصبح آلية نافذة للحل إلا إذا كانت هناك قناعة راسخة لدى الممسكين بزمام السلطة أن نظامهم وصل إلى نهاية الطريق، وأن من مصلحتهم أن يقبلوا حلا تفاوضيا واقتنعوا أن الغرض من الحوار هو تغيير نظام الحكم تغييرا شاملا، إذا لم تحدث تلك القناعة فلا أمل في أي حوار ذي مصداقية، والواقع الآن في السودان يقول إن الحوار يعني شيئا للحكومة وشيئا آخر للمعارضة.
المعارضة تريد حوارا يلغي الحكم الأحادي الحالي ويؤسس دولة جديدة على أسس جديدة، والحكومة تريد حوارا يحافظ على نظامها الحالي بتوسيع محدود في قاعدته باستقطاب حلفاء ثانويين في مركبها، وهذا هو جوهر الخلاف ولذلك كل يتحدث عن الحوار الذي يريد وكل يغني على هواه.
وعندما يكون الخلاف حول الهدف من الحوار لا يجدي ولا ينفع الحديث عن القضايا الإجرائية التي تطالب المعارضة بحسمها في مؤتمر تحضيري يعقد في العاصمة الإثيوبية، وهو مطلب ترفضه الحكومة دون أن يتوقف أحد ليسأل نفسه السؤال المحوري حول (هدف) الحوار الوطني المقترح، وهل هو (تجميل) وجه النظام بتوسع محدود في قاعدته أم قيام نظام حكم جديد في السودان عبر تغيير شامل، وإذا لم يحسم هذا السؤال فإن أي اجتماع تحضيري يقدر له أن يلتئم في أديس أبابا لن تكون نتيجته سوى ممارسة السير في الحلقة المفرغة.
| |
 
|
|
|
|
|
|
|