Post: #1
Title: الذي لا يسمى ...
Author: حسن العمدة
Date: 01-01-2016, 06:42 PM
05:42 PM Jan, 01 2016 سودانيز اون لاين حسن العمدة-دولة الامارات العربية المتحدة مكتبتى رابط مختصر الذي لا يسمى.... كانت المرآة تعكس صورة وجهي، أنف ضخم، وفم رفيع، وشفاه غليظة، وشعر أكرد،ملامح خشنة لاتخلو من وسامة بائسة مجهولة تحتاج الى تدقيق وبعد نظر لتكتشف، إسترقت نظرتي الروتينية اليومية الى ذلك الندب الذي ترك وشما أبديا على وجهي، علامة مثل علامة الصليب، كأنما لم يجد المصلوب مكانا ليصلب فيه إلا وجهي، مسيحا آخر أراد أن يموت مصلوبا ويتعذب من أجل ذنوب العالمين، فكرة المخلص لا تروق لي أبدا، ليس عدلا أن الناس ترتكب الخطايا والذنوب ويصلب هذا المخلص التعيس المسكين ويضع علامته في جبيني، ليس عدلا أن يصلب شخص لذنوب الآخرين، أولئك الذين يزدادوا مضيا في غيهم ويعلمون فنون فجورهم لشياطين الزمن اللديح وبلا خجل يدعون مخلصهم الطيب الحنون ليعود مصلوبا على مراياهم التي تلطخت بالدم.. الصديد..اللحم المتعفن من عورتنا و تاريخنا العاري، منتظرين عودة المسيح مرة أخرى ليصلبوه مرة أخرى على ما أستحدثوه من خطيئات، كما ليس عدلا ان يوشم وجهي دون وجوه الخاطئين الآخرين، فليبحث هذا المخلص التعيس عن وجه آخر، وجهي أسطورة الزمان وأيقونته القديمة، وجداره الذي يرسم عليه لوحاته، يخططه بالسنين والشهور ويتفنن في تشكيله فبعد أن زحفت علي الرأس أثار الصلع من علٍ،وكسا السوالف شيب متناثر بصورة عشوائية على ما تبقى من جزر الشعر في مساحة الرأس الواسعة، لكن لا يهم فأنا لست من عشاق الشعر ثم أن الصلع لا يعري الرأس إنما يبرز فيه علامات العبقرية والإبداع والنبوغ فالطبيب الأصلع متميز، والمهندس الأصلع ضليع، والمخترع الأصلع حاد الذكاء ولكن (الذي لايسمى) ينتمي الى قبيلة حفاة الرؤوس مثلي و هو باطش جبار، سبحان الله..!! لست أدري لم خلق هذا المخلوق بتلك الصفات العجيبة فعقله لا يعمل طوال الوقت .. حتى عندما يعمل فإنه يخافه ويذهب ليتطبب من وباء الفهم القاتل " ولكنه هو الممتد عبر التاريخ القديم والحديث ، هو في كل زمان ومكان، لابد له أن يكون موجودا، لايمكن للناس أن يعيشوا وتستوي أمورهم من دونه، فهو من يذلهم ويهينهم ويمنيهم ويعدهم ويربيهم إذا كانوا قليلي الأدب أو مهذبين لدرجة عالية فأدب الناس الزائد يزعجه أيضا، لذلك فوجوده يخلق الرعب في الناس بالردع المبرر أوغير المبرر لايهم، المهم أن يكون رادعا مرعبا لايهمه فناء الورى بل يثبته على رؤوسهم ورقابهم الخاضعة له . هو من يصنع قدرا كبيرا من الأحداث التي تملأ كتب التاريخ القديم والحديث و صفحاته بالدم والفظائع، في كل أرجاء المعمورة ظل يقرأ من كتابه الوحيد،تتعدد الأسماء والأشكال والثقافات و الظروف ويبقى هو هو الخالد الممتد عبر العصور والأزمنة ، هو الآمر الناهي ،وهذا لا يحتاج الى عبقرية فقط السلاح والمجنزرات والعتاد الحربي و إمتداداته السرمدية الموشمة بالنجوم والمقصات و السيوف والحراب والصقور والكلاب والأبل والدواب، فقد قلد نفسه تلك التي تدل على وجوده وسيطرته برمزه الأسطوري الذي يرمز لعينه الوحيدة اليقظة ورصده لأنفاسنا اللاهثة المسبحة بحمده خوفا وطمعا فهو من صنع القتل والطحن والفتك وخطط لمحارقه العظيمة في زمان نازيته اللانهائي، فهو دائما حين يحدث الناس عن روعة مجيئه في الكون الذي يسميه دوما بالفتح العظيم ليمسك بخناقنا قسرا ويضيق علينا عيشنا ويوسع مداخلنا و مخارجنا حتى أصبحنا مجوفين تماما مثل فمه وعقله و إمتداداته المستمرة أبدا. فهو دائما يرغي ويزبد بأجوف الكلام وكاذب الوعود، تميزه عن بقية عباد الله سطحيته المطلقة ،غباءه المفرط، فهو الخالد الباقي القاهر الممتد عبر الزمان والمكان والحامل ميثاق النيل وماحوله وما فوق الأرض وما تحت الثرى، هو رمز العزة والكرامة والوطن والدين والحب والتاريخ هو تميمتنا ضد الفناء والتشظي والضعف والخوار، هو من قال لا فرفضنا ومن قال نعم فوالينا، في بعض الأحيان كان يمتحن صبرنا بالإبتلاءات العظيمة ويمد لسانه لنا ويصفنا بأننا شعب كسول ولا نستحق الحياة في عالم تحكمه المقدرات والمهارات والأفضلية، عالم طاحن كل منا يأخذ موقعه في ماكينة العمل الضخمة ورقمه في البورصة التي إن إنخفضت إنخفض ضغط الدم وتبدل لون البول وإسود الوجه وزاغت الأبصار وظننا بالله الظنون، هو من ينكل بمن يخالفون رأيه أولئك العملاء الخونة المرتهنين للقرار الأجنبي والموالين للإمبريالية والتوسعية و أوجه الإستعمار الجديد، هو وحده يحق له أن يبصق على مقدساتنا و موروثاتنا دون أن يرمش له جفن، فهو القادر والقاهر والواهب والقوي والعزيز ذو البأس، صاحب المليشيات المجنزرات و القتلة المدربون لقتل ضعف الشعب أو يزيد، كانت تصريحاته فطيرة وخميرة ولزجة تصدر بصورة راتبة وحين يواجهها معارضوه في اليوم التالي بالسخرية والتندر، يصادر أصواتهم ويشوه وجوههم ويشردهم يعتقل ما تبقى من أصحاب الرأي المحتملين،حتى أولئك الذين لم يصرحوا بما في دواخلهم ولكنهم أشاروا الى موافقة المعترضين، أو ابتسموا لهم أو حيوهم في الطريق العام، ويخرج متحديا مرة أخرى و يشير بعصاه للناس ويخبرهم بأنه الحاكم بأمر من الله مباشرة وأن الله أعطاه من المزايا ما لم يعطه حتى لأنبيائه وملائكته المقربين وأنه قدر هؤلاء البؤساء الى الأبد و يتقدم صفوف جوغته ملتحون منتفخو الوجوه وظيفتهم أن يحدثوا الناس بأنه هو المخلص وأن الخروج عليه حرمة توجب النار والهلاك في الدنيا والآخرة و حين يتحدث الناس عن المعاناة والضنك والمهانة يحدثونهم بأن مخلصهم برئ من كل هذا وأنه يحبهم ويدعمون قولهم بمساندة فريق الحلمنجية، هؤلاء قوم مهمتهم أن يحلموا بالحلم الذي يناسب مصلحة ( الذي لا يسمى)، فأحدهم حكى على الملأ أنه رأي عمر بن الخطاب يمسك بيد أحد مساعدي (الذي لايسمى) ويتلو عليه قوله تعالى(الذين إن مكنا لهم أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة)صدق الله العظيم، ويبثون بين الناس أن الفشل في كل مناحي الحياة يحدث نتيجة ما أقترفته أيديهم وفساد السلطان من فساد الرعية وكيفما تكونوا يولى عليكم،و كل من يتحدث عن الوعي والحقوق والحرية في مرأى ومسمع عيونه الكثيرة هالك لا محالة، الله يغفر ولكن منقذنا ومخلصنا لا يغفر أبدا. إني أحاول تجاهله تماما رغم أنني أحسه خلفي دائما يراقبني بأعينه الكثيرة فعندما أمشي في زقاق مظلم، أحسه خلفي أركض مبتعدا من نظره حتى لا يوسوس له الشيطان فيقتلني، أسمع ضحكته الساخرة، علام؟ ربمامن خوفي الأبدي من ذكره في المجالس العامة، فقد كنت أردد قولا متلعثما لا يعني شيئا بالمطلق، خوفي منه حتى وإن كنت وحيدا، فهو من صنع الخوف في قلبي، هو من يتابعني ليحسب أنفاسي فإذا كان نفسي منتظما فأنا هادئ ولا أكذب الأشياء ألوانها و لا أعتزم الحديث عن قدسيته وعظمته وأحقيته في أن يكون سيدنا، أنا لا أحبه ولكني لا أتحدث بهذا حتى لنفسي، الناس في بلدتنا يتحدثون عنه رمزا لا صراحة عسى أن يكون ذلك واقيا من غضبه وناجيا من عيونه الكثيرة وآذانه فهو معنا دائما يسمع ويرى، اللهم أجعل أفكاري بعيدا عن أعينه وسمعه، اللهم آمين...! مالي أنا و (الذي لا يسمى)؟ حسبي ربي وصورتي التي تعكسها المرآة لوجهي عبر حزمة الضوء التي تدخل إلى غرفتي بصورة عشوائية عبر النافذة ويصنع إنعكاسها من وجهي على المرآة دوما تشوهات فمي ملامحي فيطول وجهي بشكل فظيع ولكن هذا يعجبني وانفي والندب والعيون الصغيرة التي تشي بمكر غير مأمون كما أخبرني صديقي الواثق وشعري الذي أخذه الدهر فيما أخذ من أشيائي المهمة، كل شئ تعودت عليه الا ذلك المصلوب على جبيني، يا أيها الناس جبيني هذا ليس للصلب والتضحيات ، انا احب القبلات والبسمات في الحياة الدنيا وقبل الممات..!! لا زلت أذكر اليوم الذي قذف أخي الأصغر المرآة بحجر صغير و تشظت وأنا انظر الى وجهي الذي تشظى على القطع اللامعة الصغيرة المتناثرة في فضاء الغرفةكان مشهدا دراميا وتراجيديا ولكني لم أكترث لذلك فقد كنت رائعا مثل كل يوم بقميص وبنطال موحدين لا يشاركهما في جسدي الا عضات البعوض ليلا عبر ثقوب العراقي الذي أنام به كل يوم، نفس العراقي و السرير و الأرق لأستيقظ، إن نمت، في يوم جديد ولكنه نسخة طبق الأصل من البارحة، ذات الملابس والمرآة المتناثرة على المدى والوجه والفرشاة والأسنان والندب والفم الرفيع والانف الغليظ، نفس الطريق نفس مكان العمل والزملاء، كل شئ مصبوغ بصبغة التكرار، برغم الروتين القاتل الذي تكيفت على الحياة فيه إلا أنني إفتقدت المرآة كثيرا فقد كانت تدهشني كل يوم بعرض صورتي على شاشتها المسطحة المتسخة التي بها الكثير من الكشط، استمتع بأن أحدد الجزء الذي أود رؤيته من وجهي وأوجهه بزاوية حرجة ليقع بين كشطين كبيرين على السطح المصقول، إنه أنا..!! وجهي هو الشئ الوحيد الذي يخصني في هذا العالم وإنعكاسات الوجه على السطح هي موقفا يتخذه وجهي في الحياة، يعجبني أن يكون لوجهي موقف راسخ لا يحيد في زمن لا موقف فيه. سأفتقد مرآتي هذه طويلا ولن يجد الضوء المبعثر ما يخترقه أو ينعكس عليه بعد ذهاب مرآتي صديقة الضوء والوجه وإنعكاسات الأشياء في وجهي ووجوه من مروا على غرفتي العظيمة، لن أقيم عزاءا على مرآة تشظت فالأوطان تتشظى ولا أحد يهتم، و جل من مر على غرفتي مر سرا والقليلون الذين مروا بأوراق رسمية، فهم جميعا لا يكترثون لمرآتي الفقيدة المسكينة التي شق قلبها أخي علي بحجره المشئوم ذاك، سأحتمل ألم فراقك يا مرآتي وسأشتاق لوجهي وندبه الشهير، سأشتاق الصليب الذي يشبه ما عاناه المخلص المسكين من لعنة الناس الملاعين وخطيئاتهم وأوهامهم.. و إستيقظت ذات صباح مكرور لأجد نفسي في غرفتي وكانت المفاجأة أن مرآتي كانت مبعثرة على المدى وصوت عمر صديقي يناديني من الشارع: - أمرق يانصر الدين تأخرنا، الناس ديل إتصلوا وقالوا وصلوا كان عمر بلال صديق جيد، طريف، مرح، فهو دوما يحدثني عن بطولاته الوهمية حين كان تاجرا في الحدود السودانية الإثيوبية، وعن الاثيوبيات الجميلات المثيرات ذوات الأجسام المتناسقة والمؤخرات المستديرة والأنوثة الفائقة، عاش فترة طويلة هناك وله زوجته "مسراك" من ضواحي اديس ابابا، لقيها في إحدى رحلاته المتعددة وتزوجها في حفل بسيط أقيم على مطعم قرب الفندق الذي كان يقيم فيه حضره أخواها وخالتها وصديقاتها المقربات وبعدها مباشرة توجها الى شواطئ مصوع الرائعة ليقضيان شهر العسل وعاد الى السودان مع زوجته ولكنه قوبل بإستهجان شديد ووالدته – رحمة الله عليها- كانت من أكثر المعارضين لهذه الفكرة ولكنها حين عاشرت الإثيوبية لفترة أحبتها جدا وجعلتها الأقرب إليها من بين جميع زوجات أبنائها بل من بناتها أنفسهن. عانت "مسراك" كثيرا مع أسرة عمر وخصوصا أخواته فقد كانت جميلة الى درجة لاتوصف ورقيقة و كان حب عمر لها يزيد من دواعي الحرب عليها وكان لها مقدرة إسطورية على إمتصاص الآخرين وتبديل مواقفهم من الضد الى الضد أنا كنت أسير نصف نائم وأحس بثقل في جسدي وحاولت أن أقول شيئا لمشاركة الرجل في الحديث ببطء ونعاس لذيذ يدغدغني و يوسوس لي بالبقاء في سريري، مع إستحالة ذلك مع إلحاح عمر الذي لا يهزم أبدا: - من سيأتي ومن لن يأتي ؟ - الكل سيأتي إن شاء الله ، الصادق وعلي وعروة و شيبون والمغيرة وآدم وبيتر وجونسون و سمير الوحش - وكنجة واللامنتمي والواعي، ألن يأتوا؟ - من هؤلاء يا نصر الدين؟ - لم تعرفهم؟ أو ليسوا أصدقاءك أنت أيضا.. أتنسى أصدقاءك بهذه السرعة؟ إبتسم عمر إبتسامة باهتة لم تعجبني، وأعتذر بسرعة: - يا نصر الدين ياصديقي كيف أنساهم فقط كنت أمزح معك، ولكني آسف لأنهم لن يأتوا لظروف عملهم وإرتباطاتهم كما قالوا. - لا بأس، من حدثك فيهم يا عمر؟ - كنجة - خير يا زول على بركة الله
|
|