06:15 PM Dec, 14 2015 سودانيز اون لاين زهير عثمان حمد-السودان الخرطوم مكتبتى رابط مختصر أعتذر من صديقي الكاتب والسيناريست خالد خليفة، لأنني استعرت عنوان روايته البديعة كعنوان لمقالتي اليوم. وأعرف سلفا أنّه سيكون متسامحا كالعادة ولن يعارض. وأشجع أن تقرأ الرواية لا لأني سأكتب عنها اليوم، بل لأنها رواية تستحق القراءة فعلا، وقارئها يخرج مشبعا بجمال لغتها ومقارباتها الواقعية. حضرني عنوان الرواية لما أراه وأسمعه وأعيشه من تحريض على الكراهية بكل الوسائل المتاحة لنا إعلاميا وغيرها. حضرني أيضا أن الكراهية ليست وليدة الكراهية دوما، فأحيانا تكون وليدة الحب الجارف الذي نمنحه جزافا لأناس لا يستحقون… هم يكرهوننا لأننا فقط أحببناهم، ونحن نمضي في تلك اللعبة من العطاء، من دون مقابل حتى نبلغ المرحلة التي تفيض فيها الكأس فينقلب الحب في قلوبنا إلى كراهية. لماذا نكره؟ من يزرع بذور الكراهية فينا ويحولنا إلى أشرار نتمنى فقط لو نحصل على ضوء أخضر لنفرم الآخر ونحطمه ونكسره ونلغيه من الوجود؟ لماذا القلب نفسه الذي ينبض حبا يمتلئ حقدا فجأة ويرغب في تجريح غيره؟ ولا يشعر سوى بالاشمئزاز طيلة الوقت؟ ثم هذا الشخص الذي يكره لا يكون سعيدا أبدا، إنّه حزين، ولا يعرف كيف يخرج من نفق الكراهية تلك، ولا من قضبان أخرى تحيط به من كل جانب كاحتقار الذات، والشعور بالإقصاء، والألم الذي يمتد مثل كرات من حجر من المعدة إلى أعلى الحلق. شعور مؤلم يستمر من دون توقف فيدمر حامله قبل تدمير الآخر. يصدمنا الإنسان بسلوكه ونبقى حيارى حيال الإجرام الذي يمارسه ضد بني جنسه. لكن رغم ذلك فالجريمة لا تتوقف ولا تتقلص عددا وبشاعة، إنّها في ازدياد مستمر. حين أعلن سيغموند فرويد عام 1909 ليونغ وفرانزي أنه أحضر معه الطاعون، لم يكن خفيا على أحد أنه أزعج فئات سياسية شاسعة في العالم. وأن معلوماته العلمية لتفسير سلوك الناس كانت بدأت تضع رؤوس المجتمع الأوروبي والغربي عموما تحت المجهر، وأصبحت محاربته ضرورة ملحة أكثر منها ردود أفعال دينية واجتماعية بسيطة. كان فرويد قد رمى في ساحة شغلها لقرون جبابرة الحروب ومصاصي الدماء ما يقشّر عنهم أقنعتهم ويقدمهم للناس ببشاعتهم الحقيقية. وقبل الذهاب بعيدا في عمق دراسة إحصائية لأسباب الكراهية، وعرض صورتها عبر نماذج علمية وأدبية مثل مسرحيات شكسبير الشهيرة، لنختصر مسار الكلام والثرثرة في الموضوع ونعترف بأن إلغاء الآخر رغبة إجرامية لا يمكن تبريرها. علينا إيقافها. لكن كيف يمكننا إيقاف سيل الكراهية في أوجه وكل تلك المشاعر الهائجة من الغيرة والرغبة في الاستحواذ على مساحات الآخر؟ الكراهية مثل رياح السيروكو السّاخنة على رأي أورتيغا، تهب على الكاره والمكروه وتترك خلفها الكثير من الجفاف والقحط. إنها كارثة يصعب وصفها مع أنها تحتمل كل الأوصاف القبيحة. يعيدنا التحليل النفسي إلى جذور الكراهية فيلصقها بالعمر المبكر للطفل. لا شيء غير تلك المرحلة التي خبر فيها الطفل ضعفه وذاق كل أنواع الاحتياج لوالديه لحمايته وحبه ومنحه ما يريد بشكل صحي، لهذا كل غلطة مع الطفل تعتبر بذرة خير أو شر، حسبما يراه الوالدان مناسبا لابنهما. وللأسف أجيال عربية بالكامل من الخليج للمحيط تربّت بالضرب والإهانة والشتم والمقارنات اللامجدية مع الآخر، ما أعطانا أجيالا مستمرة في تدمير ذاتها. قد يقول البعض إن هناك نماذج من الأطفال يتوفر لهم كل شيء ومع هذا يلجأون للعنف وتدمير من حولهم بطرق مفاجئة. ويذهب بنا التحليل النفسي إلى فكرة غاية في الأهمية وهي نوع من الكراهية أطلق عليها اسم «الكراهية المجمّدة»، بحيث تنام خلال العمر الغض للطفل الذي يهتم به أهله بشكل مبالغ فيه، ولكنّه يتعرّض لضغوطات من كل محيطه الذي ينتظر منه أن يكون شيئا عظيما. تلك المطالبة بنجاحه مقابل ما حصل عليه من اهتمام ودلال تجعله يقف أمام أسود، إذ لا خيارات لديه سوى ما اختارته العائلة له، فيذهب بشكل غير مباشر لتدمير ذاته وكراهيتها أولا، وهذا النموذج موجود ونراه منغمسا في المشاريع الفاشلة، في الإدمان، في تدخين الحشيش، في البحث عن متع ممنوعة، أكثر من ذلك، الأم التي تهتم بجمالها وأناقتها وصديقاتها ومناسباتها الإجتماعية أكثر من اهتمامها بطفلها، تولد لديه تلك الكراهية لذاته لأنه في أعماقه لم يكن في حياتها الابن المهم. الأب الذي يهتم بكلبه وحديقته أكثر مما يهتم بطفله، يولد العقدة نفسها لدى طفله. نعم على رأي الديلاي لاما «الإنسان تركيبة معقدّة» لكن هذا هو الواقع. الآن لماذا عرضت عليكم هذا الموضوع؟ ولماذا أتمنى أن نقف عنده ونثريه؟ ربما لأنه موضوع الساعة بامتياز، ولا أدري هل يمكن إنقاذ ما تبقى من النفس البشرية المشتتة عندنا بسبب رياح الكراهية التي عصفت بنا؟ لقد كنا ولا نزال نتعامل مع الفرد بضغوطات عاطفية هي أشبه بالقتل منها بالحنان والمودة. فيما أحيانا نشعر الآخر ببرودة عواطفنا خوفا من أن يفقد شيئا من «رجولته»، فقد اعتبرنا القسوة طريقة لجعل هذه الرجولة أكثر متانة من الحجر نفسه، فنتمادى في تدريب الطفل وكأنّه مجنّد في الجيش. من الجهة المقابلة للعالم يبدو الغرب «الإنساني» الذي يتعامل مع أبنائه بلطافة زائدة وبسلوكات حضارية تبلغ مستوى لا نستوعبه، ينسى كل نظرياته العلمية والبسيكولوجية والبيداغوجية فيقلع بطائراته نحونا ليقضي على الإرهاب الذي نصدّره له…! ألا يبدو الأمر حلقة غبية لإنتاج مزيد من الكراهية والعنف؟ إلى اليوم لم نر حملات ثقافية منظمة ترسل لهذا الشرق الجريح لإخراجه من ظلمات التراشق بالمتفجرات والقنابل المسيلة للدماء؟ كل شيء يحدث عندنا هو تركنا ننتحر تحت محدلة لا تتوقف في ابتلاعنا وتركنا جثثا مسطحة. وإن كان علاج الكراهية هو فتح حوار هادئ مع ماضينا وتفكيك عقدنا عقدة عقدة، فإن السبيل نفسه يجب أن يسلك تجاه ما يحدث في ساحات الوغى التي يقتل فيها الظالم والمظلوم بالطرق نفسها. وما أريد أن أختم به مقالتي من دون أن تكون نهاية للموضوع، هو أن بلوغ الضفة الأخرى من الشاطئ تحتاج لزورق متين، أو عبّارة جيّدة وليس إلى صواريخ نقصف بها الآخر. أما علاج طفولتنا فيبدأ بالابتسام للأجيال الجديدة، واحتضانها ومنحها الحرية لتحلق في سماء جميلة حين يحل ربيعها. من الظلم أن ننجب أطفالا ونقدمهم قرابين لحروب خاسرة، ووقودا لنار تلتهم الأخضر واليابس، من دون أن نفهم فعلا لماذا أوقدنا النّار ولمن؟ وعلى ذكر «مديح الكراهية» لصديقي خالد خليفة يمكنكم قراءتها إن عرفتم أنها نص يغوص في أعماق الكراهية ويخرجها مفتتة للقارئ وكأنها سلّة من الحصى… وللرواية حكاية، قد أرويها لكم ذات يوم، أو يتكرّم أحدكم لسردها… في كل الحالات أؤكد لكم أن صراع الخير والشر موجود منذ الأزل وكلنا نعرف ذلك، لكن المتعة الحقيقية حين نجعل الشرّ ينحسر مثل غيوم عاصفة مجنونة… ونستمتع بالشمس ونبضات الحياة بعدها. شاعرة وإعلامية بحرينية بروين حبيب
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة