جدلية السلطة والمعارضة في بلاد العرب

جدلية السلطة والمعارضة في بلاد العرب


08-25-2015, 06:59 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=480&msg=1440525585&rn=0


Post: #1
Title: جدلية السلطة والمعارضة في بلاد العرب
Author: Khalid Basheer
Date: 08-25-2015, 06:59 PM

06:59 PM Aug, 25 2015
سودانيز اون لاين
Khalid Basheer-
مكتبتى فى سودانيزاونلاين



Quote: جدلية السلطة والمعارضة في بلاد العرب

تاريخ النشر: 13/08/2015


د.علي محمد فخرو
لا توجد سلطة في أيّ مجتمع في العالم لا تتضايق من وجود معارضة لها، تنتقد نشاطاتها، وتعرض على المواطنين أفكاراً وبرامج بديلة عن تلك التي تتبنّاها السلطة، بل وأحياناً تسعى لإزاحتها والحلول مكانها.
وفي الواقع فإن السلطة لا تفرّق في توجُّسها بين معارضة ومعارضة، إذ إنها تشعر في أعماقها بأن كل معارضة، مهما صغرت، تحمل إمكانية الاتّساع والتقوي والنجاح في المستقبل، أي تحمل إمكانية اختزان أخطار لم يحسب لها أحد حساباً.
إذاً، تلك ظاهرة اجتماعية وسياسية عرفتها البشرية عبر تاريخها وتعرفها في حاضرها. لكن هناك اختلاف جوهري بين المجتمعات يتمثّل في منهجية وأسلوب تعامل السلطة مع معارضيها.
ففي بلاد العرب لا تكتفي السلطة بأن تكون مثل الآخرين في القبول على مضض بتواجد معارضة. إنها تريد شيئاً آخر يجعلها شاذّة عن المنطق والأعراف في التعامل مع هذا الموضوع المعقّد.
إنها تريدها أولاً معارضة مظهرية في جلباب هي، أي السلطة، تضع مقاساته، إن لم تقم بخياطته، وينتهي الأمر بوجود معارضة مطأطئة الرأس، محنيّة الظهر، تدرك في كل كلمة تنطقها وفي كل فعل تقوم به أن العين لا تعلو على الحاجب، وأن صورة وهَيبة السلطة خطّان أحمران مقدّسان لا يحقّ لأحد تجاوزهما.
إنها تريدها ثانياً، معارضة شبه موالية للسلطة، لا تختلف عن موالي السلطة الحقيقيين إلا في ادعائها أمام الناس، وفي تسميتها الرسمية بأنها معارضة.وتستطيع المعارضة أن تفاخر بأن ولاءها هو للوطن، ولا غير الوطن، طالما أنها تدرك في قرارة نفسها أن السلطة هي الوطن والوطن هو السلطة.
مطلوب من المعارضة أن تتصرّف كعضو في أسرة تحكمها العلاقات البطركيّة، حيث من الممكن للابن أن يكون مشاغباً ولكنه لا يجرؤ على أن يمسّ مكانة وهيمنة وتبجيل ربّ الأسرة.
كما في العائلة العربية يجب أن تكون ساحة السياسة العربية. من هنا إصرار بعض رؤساء الدول بين الحين والآخر على إسباغ لقب ربّ الأسرة على أنفسهم ومخاطبة مواطنيهم كمخاطبتهم لأبنائهم القصّر المحتاجين للرعاية والعطف، وأحياناً التربية.
وقد ساهم فقهاء السلاطين عبر القرون الطويلة في ترسيخ صورة وضرورة هذه العلاقة الأبوية، غير النديّة وغير المتوازنة، بين السلطة والمجتمعات التي تديرها. ف«الأب» يجب أن يطاع لتجنُّب الفتن والمنازعات في داخل أسر المجتمعات، وحتى إذا مارس الأبوّة من خلال ارتكاب الأخطاء المضرة للغير فيجب أن ينصح برفق واحترام شديدين يليقان بمكانته وسلطته وصورته المجتمعية وكونه راعياً لرعيّتة.
ما الذي يبقى من فكر وممارسة السياسة في هكذا مجتمعات، وتحت هكذا ثقافة، وبشروط علاقات كهذه؟ يبقى شبح اللعبة السياسية القائمة على علاقات زبونية نفعية ذليلة تهمش قوى المجتمعات المدنية جميعها، وعلى الأخص قواها السياسية والنقابية والإعلامية.
ترى، أين تكمن أسباب وجود تلك الظواهر المريضة في علاقة السلطة بالمعارضة في الحياة السياسية العربية؟ إنها في الأساس تكمن في تعامل الأدب السياسي العربي، عبر قرون طويلة، مع مفهوم سلطة الدولة. فسلطة الدولة العربية، أيّاً تكون تسمية تلك الدولة، تعتبر سلطة مستقلة بذاتها، متعالية ومنفصلة عن مجتمعاتها، محتكرة لكل الوسائل الضابطة لنشاطات ساكني تلك المجتمعات، وبالتالي فإنها غير قابلة للمساءلة الجديّة، وإنما تقدم لها النصيحة ويتمّ التعامل معها بالصبر والرّجاء.
إن ذلك الفهم لطبيعة سلطة الدولة، وهو الفهم الذي ميّز مسيرة الدولة العربية والإسلامية عبر تاريخ طويل، والذي أعطاها الحق في التعامل مع أية معارضة بقوة البطش، ذلك الفهم لا يزال موجوداً في الحياة العربية السياسية، وإن بنسب متفاوتة وأشكال مختلفة.
ذلك الفهم يتعارض بصورة كاملة مع وجود معارضة مستقلة واقفة على قدميها وندية، لأنه لا يسمح بالمشاركة المجتمعية الفاعلة المؤثّرة في برامج وقرارات وممارسات سلطة الدولة العربية.
والنتيجة هو إما سحق المعارضة، أو تدجينها، أو اختراقها، أو تشويه صورتها ومقاصدها. والضحية في النهاية هو السلم الأهلي والمجتمعي، والضحية أيضاً، وهذا أمر خطر للغاية، هي إمكانية حدوث النضج والكفاءة والإبداع في منظومة الحياة السياسية العربية.
وهذا كله سيعيق الانتقال إلى نظام ديمقراطي معقول وعادل.


المصدر:
http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/265a9a7e-0a88-4b31-b99e-34214a806218http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/265a9a7e-0a88-4b31-b99e-34214a806218