النص الأدبي كائنًا وكيانًا

النص الأدبي كائنًا وكيانًا


04-09-2015, 08:37 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=480&msg=1428608256&rn=0


Post: #1
Title: النص الأدبي كائنًا وكيانًا
Author: هشام آدم
Date: 04-09-2015, 08:37 PM

07:37 PM Apr, 09 2015
سودانيز اون لاين
هشام آدم-Liège - Belgique
مكتبتى فى سودانيزاونلاين



في الاتجاه الأكثر شيوعًا في النقد الأدبي يتم الاعتراف بوجود تفاعلٍ بين عناصر الأدب كسمةٍ أصيلةٍ في توليد وإنتاج وتهذيب وظيفة الأدب وشكله، ويتم رسم حركة تفاعلية الأدب كمنتوج ثقافي وفكري وفلسفي بثلاثة أضلاع أو زوايا رئيسة؛ هي: النص وهو العمل الأدبي والناص وهو الكاتب والمتلقي/ن، وهذه الحركة التفاعلية -على الأرجح- لا تتمثل في مسار أُحادي انسيابي من ضلع إلى آخر أو من زاويةٍ إلى أخرى (راجع الشكل رقم:1)؛ بل تأخذ التفاعلية مساراتٍ ثنائيةٍ مزدوجةٍ بين كل ضلع وآخر، أو بين كل زاوية وأخرى (راجع الشكل رقم: 2)؛ إذ في المقترح الأول يَنتج النص عن الناص عبر مخاض تفاعلي ذا اتجاهٍ أو مسار واحدٍ (من الناص إلى النص)، ليكون في هذه الحالة الناص هو السبب، والنص هو النتيجة أو الأثر، ثم يمر النص بعد ذلك بمخاضٍ تفاعلي ثانٍ، وأيضًا باتجاهٍ أو مسار واحدٍ (من النص إلى المتلقي/ن)، فيتحوَّل النص في هذه المرحلة إلى سبب، والمتلقي/ن إلى نتيجةٍ أو أثر، وهو القبول أو عدم القبول، والذي بدوره ينعكس سلبًا أو إيجابًا على الناص صعودًا.

Post: #2
Title: Re: النص الأدبي كائنًا وكيانًا
Author: هشام آدم
Date: 04-09-2015, 08:44 PM
Parent: #1

ويتم تحديد موقف الناص من مُجمل حركة الأدب نتيجةً لموقف المتلقي/ن من النص؛ بحيث يُصدر حكمًا معلنًا أو غير مُعلنٍ تجاه بأنَّه جيد أو غير جيد. هذا المسار الانسيابي ذي الاتجاه الواحد يُشكل -إلى حد بعيد- موقف النقد الكلاسيكي من الأدب وحركته ووظيفته، بينما في الرؤى النقدية الأكثر حداثةً يتم اقتراح حركةٍ ثنائيةٍ مُزدوجة التفاعلية بين كل ضلع من أضلاع الأدب؛ إذ يتفاعل الناص مع النص قبلًا وبعدًا، بحيث يتفاعل الناص فينتج نصًا ويتفاعل النص مع الناص فينتج تاريخًا أو موقفًا تاريخيًا خاصًا بالناص. ورغم مسارات النص في ضلعه المُستقل مع ضلع المتلقي/ن يظل النص نفسه مُتفاعلًا مع الناص مُشكِّلًا آثار أقدام الناص في درب الأدب وتاريخه؛ فيتقدَّم تارةً ويتراجع تارةً وفقًا لحيوية النص نفسه، والتي تحكمها تفاعلية المتلقي/ن معه، مع احتفاظ هذه التفاعلية بطبيعتها الثنائية المزدوجة؛ إذ يكون النص سببًا ونتيجة في الوقت ذاته، ويكون المتلقي/ن سببًا ونتيجة في الوقت ذاته أيضًا، ويظل كل ضلع منهما يتبادل السببية والتأثير مع الضلع الآخر باستمرار، وهو ما يظهر في بعض النصوص التي لا تجد صدىً إلا في حقبٍ تاريخيةٍ مُتأخرةٍ، أو كارتباط بعض النصوص بأحداثٍ تاليةٍ تجعل النص عرضةً للتأويل، واعتباره نبوءةً تقودنا –قسرًا- للنظر إلى ضلع الناص بعينٍ مغايرةٍ، وهو ما يأخذنا إلى الحركة التفاعلية الثالثة في هذا المسار بين المتلقي/ن والناص.

articleimage.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

Post: #3
Title: Re: النص الأدبي كائنًا وكيانًا
Author: هشام آدم
Date: 04-09-2015, 08:46 PM
Parent: #2

بإمكاننا رصد أحد أهم الملاحظات القيِّمة من خلال الحركة التفاعلية ذات المسار الثنائي المزدوج، وتتمثل في ثلاث نقاط أساسية، هي: الديمومة، والصيرورة والحيوية؛ فباستمرار تظل الحركة التفاعلية -في هذا المسار الديناميكي- فاعلةً ونشطةً، وباستمرار تتمتع هذه الحركة التفاعلية بالصيرورة، التي يصعب معها وضع تصوراتٍ أو تكهناتٍ مآليةٍ حاسمة، كما أننا نلاحظ أنَّ كل هذه العناصر ناشئةٌ في أساسها من طابع الحيوية التي تم خلعها على النص، وهو ما لم يكن متوفرًا في النقد الكلاسيكي. إن النظر إلى النص باعتباره كائنًا حيًا له حركته الخاصة والمستقلة جعلنا ننظر إلى مُجمل عملية صناعة الأدب بطريقةٍ مختلفةٍ ومُتطورةٍ لا تعترف بالجمود ولا بالآراء والأحكام المطلقة. هذه الرؤية الحيوية للنص متأتيةٌ في أساسها من التغيرات الكبرى التي طرأت في فهمنا للغة ووظيفتها وأنظمتها التراكيبية والدلالية، وحتى القواعدية إلى حدٍ بعيد، وذلك على اعتبار النص جزءًا لا يتجزأ من اللغة، كيف لا، والنص يستخدم اللغة أداةً له للتعبير عن محمولاته ومكنوناته. وأمام التغيرات المطَّردة في اللغة وتاريخها، يُصبح النص أمام امتحان صعبٍ جدًا، فكثير من النصوص لا تستطيع أن تصمد -بلغتها الثابتة بثبوت النص- أمام التغيرات البيئية والاجتماعية والثقافية، التي تؤثر سلبًا وإيجابًا على اللغة، ليُصبح من الصعب علينا مقارنة نصٍ ثابتٍ بواقع ولغةٍ متغيِّرين باستمرار، ليُعيدنا مرة أخرى إلى اعتبار النص نصًا تاريخيًا من حيث تاريخية لغته ومفرداته، ومن حيث قدرته على التعبير عن واقعه التاريخي والثقافي، واللذان لاشك أنهما عرضةٌ للتغيير باستمرار.

Post: #4
Title: Re: النص الأدبي كائنًا وكيانًا
Author: هشام آدم
Date: 04-09-2015, 08:52 PM
Parent: #3

إذن؛ فالنص –أي نصٍ- هو نصٌ تاريخيٌ لا محالة، وليست هنالك إمكانية ترجيحية للتصديق بوجود نصٍ مُتجاوز للتاريخ، الأمر أشبه بالتقاط صورة فوتوغرافية لسيدةٍ في الستينيات من القرن الماضي. بالإمكان ملاحظة الفروق الكبيرة في موضة تصفيف الشعر، والزي، وطراز المباني، ونوع السيارات وموديالاتها وما إلى ذلك من عناصر داخل الصورة؛ فالصورة "تجميد" للحظة زمنيةٍ معينةٍ في بَكَرَةٍ طويلةٍ جدًا من شريطٍ زمنيٍ لا يتوقف، وكذلك التنصيص (=كتابة النصوص) ما هو إلا "تجميد" للحظةٍ زمنيةٍ معينةٍ يلتقط فيها النص الجو الثقافي والاجتماعي العام لتلك الحقبة، متمثلًا في المفردات ودلالتها، والأسماء، والبنية التركيبية، والنظام النحوي والقواعدي إلى حدٍ بعيدٍ أيضًا. وإذا قرأنا السونيتة الثامنة عشر من سونيتات ويليم شكسبير، والتي تقول:
Shall I compare thee to a summer’s day?
Thou art more lovely and more temperate:
Rough winds do shake the darling buds of May,
And summer’s lease hath all too short a date;
Sometime too hot the eye of heaven shines,
And often is his gold complexion dimm'd;
And every fair from fair sometime declines,
By chance or nature’s changing course untrimm'd;
But thy eternal summer shall not fade,
Nor lose possession of that fair thou ow’st;
Nor shall death brag thou wander’st in his shade,
When in eternal lines to time thou grow’st:
So long as men can breathe or eyes can see,
So long lives this, and this gives life to thee.

Post: #5
Title: Re: النص الأدبي كائنًا وكيانًا
Author: هشام آدم
Date: 04-09-2015, 08:55 PM
Parent: #4

نجد مدى الاختلاف بين "المفردات" التي استخدمها شكسبير ما بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلادي، والمفردات المستخدمة في قرننا الحالي، فمفردات مثل: (thee) و (Thou) و (art) وغيرها مما كانت مستخدمة في زمن كتابة النص القديم "الثابت"، لم تعد موجودةً أو مستخدمةً اليوم، وبعضها تم استبدالها بمفرداتٍ أخرى "حديثة"، وفهمنا للنص هنا مُرتبط بمعرفتنا بمعاني هذه المفردات في زمنها، فهذا النص في الواقع "جمَّد" لنا تلك الحقبة الزمنية بمفرداتها المستخدمة على الأقل في العمل الأدبي الشعري آنذاك، مما لم يعد موجودًا أو مستخدمًا اليوم، وقد لا يبدو النص المُستشهد به مُعضلًا وذلك بسبب حداثته النسبية، ولكن خطورة الأمر وصعوبته تظهران جليًا مع النصوص والمخطوطات القديمة، التي يعود تاريخها إلى آلاف أو عشرات الآلاف من السنين، وعلى أية حالٍ، فإنَّ اللغة تظل مكتسبة للحيوية؛ طالما ظلت حياة المجتمعات الإنسانية متغيرةً على الدوام، وسوف تظل كذلك، فهذه حتمية تاريخية لا مناص منها.

Post: #6
Title: Re: النص الأدبي كائنًا وكيانًا
Author: هشام آدم
Date: 04-09-2015, 08:55 PM
Parent: #5

أحد أهم اسئلة مابعد الحداثة تتمحور حول كون النص كائنًا أم كيانًا، وهو ما حاولت عرضه في الأمسية الأدبية التي أقيمت في مدينة لاهاي الهولندية في الحادي والعشرين من شهر مارس المنصرم، ولكن بطريقةٍ أكثر مباشرةً وأقل تأسيسًا مما سأحاول فعله الآن. محاولتنا هنا لمعرفة ما إذا كان النص كائنًا أم كيانًا متربطة في المقام الأول بعلاقة النص بالناص من عدمها؛ فالنص كائنٌ من حيث هو مرتبط بالناص وفق الحركة التفاعلية المبدوءة بالناص والمنتهية بالنص نفسه، ولكنه كيانٌ من حيث هو نصٌ متفاعلٌ مع عناصره الداخلية اللغوية والثقافية من ناحية، ومتفاعلٌ مع المتلقي/ن من ناحيةٍ أخرى، مع بقاء الارتباط مع الناص قائمًا من حيث هو كائن قبل أن يكون كيانًا مستقلًا؛ إذ أنَّ النص –أي نص- هو كائنٌ في البدء وكيانٌ بعد انتفاء علاقته الظاهرية بالناص، وأقصد هنا بالعلاقة الظاهرية بين النص والناص هي تلك العلاقة التفاعلية أثناء فعل الكتابة ذاتها. وحتى نفهم الأمر بشكلٍ أقرب وأسهل، فالعلاقة بين النص والناص هي كعلاقة الآباء البيولوجيين بأبنائهم؛ فالأبناء دائمًا مدينون لآبائهم بتلك الموروثات الجينية التي اكتسبوها منهم، وهي أعطتهم صفة الكائن الحي، وهي ذات الموروثات التي جعلتهم يصبحون كيانات مستقلةً عن آبائهم البيولوجيين.

Post: #7
Title: Re: النص الأدبي كائنًا وكيانًا
Author: هشام آدم
Date: 04-09-2015, 08:56 PM
Parent: #6

كل الأبناء –دون استثناء- مرتبطون بآبائهم البيولوجيين بتلك الموروثات الجينية التي اكتسبوها منهم، سواءٌ أعرف الابن أباءه أو لم يعرف، وسواء برَّ الابن أباه أو لم يبره، تبقى تلك الرابطة البيولوجية "التكوينية" جزءًا أصيلًا من الأبناء، وهي المتفضلة عليهم بصفة الحيوية أي كونهم كائناتٍ حية، ولكن ورغم هذا الارتباط التكويني القسري، فإنَّ كل الأبناء –في الوقت ذاته- مستقلون عن آبائهم ككيانات لها شخصيتها المستقلة، حتى مع وجود أوجه الشبه التي لا تصل إلى حد التماثل أبدًا، فالآباء لهم حيواتهم وشخصيتهم الخاصة والمستقلة بهم، والأبناء أيضًا لهم حيواتهم وشخصيتهم الخاصة والمستقلة بهم كذلك، دون أن نتجاهل رغبة كثير من الآباء جعل أبنائهم نسخًا مُكرَّرةً أو مُعدَّلةً عنهم؛ فكذلك النص يدين للناص بكونه هو من أوجده وجعله كائنًا، وأعطاه الطابع النصوصي منذ البداية، وسواء كانت تجارب الناص الشخصية وخلفيته الثقافية والفلسفية قد أثرت فعليًا في "خلق" نصه، فإنَّ النص -بعد انتهاء العلاقة الظاهرية مع ناصه- تكون لديه استقلاليته الكاملة أمام التاريخ البشري (المتلقي/ن)، وعندها لا تعود تجارب الناص الشخصية مؤثرةً على تفاعل المتلقي/ن مع النص، لأنَّ مسار التفاعلية الثنائية بين المتلقي/ن والنص هي علاقةٌ مُستقلةٌ تمامًا عن علاقة النص بناصه، تمامًا كما يتعامل الآخرون باستقلاليةٍ تامةٍ مع الأبناء، بصرف النظر عن معرفتهم لآبائهم البيولوجية من عدمها، وإن كانت تلك المعرفة قد تبدو –أحيانًا- مؤثرةً في تفاعل البعض مع بعض الأبناء، إلا أنَّ هذا التأثير يتلاشى أثره مع استمرار التفاعلية، وهنا يظهر أثر ديمومة الحركة التفاعلية ذات المسار الثنائي المزدوج، والذي تكلمنا عنه آنفًا.

Post: #8
Title: Re: النص الأدبي كائنًا وكيانًا
Author: هشام آدم
Date: 04-09-2015, 09:08 PM
Parent: #7

إنَّ التجارب الشخصية للناص وخلفيته الثقافية والفكرية والفلسفية والعقدية قد تؤثر بطريقةٍ أو بأخرى على "تكوين" النص، ولكنها لا تؤثر على كينونته؛ إذ بانتهاء العلاقة الظاهرية "الكتابية" بين النص والناص، يقع النص مباشرةً في علاقة تفاعليةٍ أخرى مع المتلقي/ن ذوي التجارب الشخصية والفكرية والفلسفية والعقدية المختلفة؛ وبالتالي فإنَّ هذه العناصر القرائية الجديدة –حتمًا- تؤثر على شكل التفاعلية، فلا تعود تبدو كالعلاقة التفاعلية القائمة بين النص وناصه أبدًا، وهذا يُفسَّر لنا سر تعدد الأفهام للنص الواحد؛ ففي حين ينظم الشاعر قصيدةً غزليةً، قد يرى فيها قارئٌ ما أنها قصيدةً ثوريةٌ رمزية. وسواء أعرف المتلقي/ن سيرة الناص الشخصية أم لم يعرف، فإنَّ هذه المعرفة لا تؤثر سلبًا أو إيجابًا على شكل العلاقة التفاعلية بين النص والمتلقي/ن، لأنَّ مكوناتهم وعناصرهم الشخصية الخاصة سوف تساعد على خلق علاقةٍ تفاعليةٍ جديدةٍ كليًا، دون أن نُغفل -على الإطلاق- دور هذه المعرفة غير المفيدة عن سيرة الناص على خلق معرفةٍ -غير مفيدةٍ أيضًا- حول النشأة التكوينية للنص، ولهذا فإنني أنصح القراء أن يتجنبوا قدر الإمكان البحث وراء سيرة الناصين إذا كان بحثهم هذا محاولةً للربط بين الناص ونصه، فهي معرفة لا يضر أبدًا إسقاطها، ولا يُفيد أبدًا الإصرار عليها، على أنَّه لا ضرر –قطعًا- من البحث عن الناص ككيانٍ مُستقلٍ عن نصه؛ إما لأغراضٍ إنسانيةٍ شخصيةٍ، أو لأغراضٍ توثيقيةٍ أو تأريخيةٍ؛ كما هو الحال في مجال التراجم والسير والتاريخ.

Post: #9
Title: Re: النص الأدبي كائنًا وكيانًا
Author: هشام آدم
Date: 04-10-2015, 04:54 PM
Parent: #8

إلى الأعلى مجددًا