معرض الزهور ..موسم العبَق والرحيق !

01:13 PM Mar, 05 2015
سودانيز أون لاين
shazaly gafar - امدرمان
مكتبتي في سودانيزاونلاين



معرض الزهور ..موسم العبَق والرحيق !
شاذلي جعفر شقَّاق

تركتُ خلفيَ عنت يومٍ طويلٍ من العمل الرتيب ، تحلَّلتُ ما أمكن من مَخيط الحياة وفعلها الطبيعي اللاهث من (هوَّز) و(أبجد ) مَعاش ..تخفَّفتُ إلاَّ من عشقٍ مؤثَّلٍ للجمال أينما وكيفما كان لتسوقني خُطاي نحو الحديقة النباتية بمقرن النيلين بالخرطوم حيث يُقام معرض الزهور السنوي اعتباراً من 27/2/2015 إلى 14/3/2015م .
كانت عشيَّةً مُبلَّلة الأردان بالعبَق ، مُفعمة المياسم بالرحيق .. نديَّةً كخدود البَتَلات (المجرتقة) بحُبيبات الندى الهيمانة .. عند المدخل الشرقي للحديقة استقبلني الأريجُ ممزوجاً بصوت (الكابلي) المُترع بالتطريب مُنبعثاً من ذاكرة الورد الخصيبة وهو يعالج رائعة (العقَّاد) : شذيٍ زهرٍ ولا زهْرُ *** فأين الظِلُّ والنهرُ ربيعُ رياضِنا ولَّى *** أمِن أعطافِكَ النَّشْرُ وهذا النَّوْرُ يبسمُ لي*** عن الدُّنيا ويفْتَرُّ ! *****************
وفي ظلِّ هذا الكرنفال الناضر البديع قرَّرتُ أن أنقل همسَ الأزاهر وبوحها الشفيف إلى الصحيفة مباشرةً .. وقفتُ أمام (محلات المشتل) ومشرفته (فاطمة) سألتها عن أنواع الأزاهير عندها وأسعارها وشرائح زبائنها ..فقالت : (( الزهر الإنجليزي( مشكَّل وعادي ) يتراوح ما بين خمس وعشرين إلى خمس وثلاتين جنيهاً ، أمَّا الزهر الموسمي فما بين خمسة عشر جنيهاً إلى عشرين ، كذلك النخيل المملوكي بمائة وسبعين جنيها .أمَّا السايكس الظلِّي بخمس وعشرين إلى ثلاثين جنيهاً . فيما يتعلَّع بالزبائن فأغلبهم من الهُواة وبعضهم مختصين وأساتذة جامعات وطلاَّب باحثين يسألون غالباً عن النعناع و الصبَّار )). *******************
تركتها وأنا اتجوَّل بين أروقة الخضرة والماء والوجوه الحسنة ..لفتت انتباهي (ليمار ) الصغيرة ذات الثلاث سنوات تقريباً ، وهي تداعب (سارة) الإنجليزية ذات الثغر الأحمر القاني ، وكانت سارة تمارس ميسانها الراقص داخل أصيصها البُني الأنيق لتضوع رقَّة وحبوراً ! سألت والد الطفلة الأستاذ هاشم عثمان سليمان (موظف علاقات عامة) عن علاقته بالمعرض والزهر فقال: ( أنا اعشق الزهر جداً ، ومن لا يفعل ؟ لدي حديقة منزلية صغيرة جداً ولكن احرص سنوياً على زيارة المعرض لغرض التسوُّق والترفيه )
. *******************
توقَّفتُ عند مشتل الدكتور واستطلعتُ صاحبته إيمان محمد إدريس ،فقالت: (لدينا ورد (الروزيس) الإنجليزي والـ (اكسوريا) والظليَّات (إن دور) وكلاًّ ثمنه ما بين خمسة عشر جنيهاً إلى عشرين ،أمَّا السايكس فبحسب حجمها تتراوح ما بين ألف خمسمائة إلى ثلاثة ألف جنيه ).
*******************
أوقفتُ بعض الشباب وسألتهم عن علاقاتهم بالورود وتقييمهم للمعرض وانطباعاتهم فقال عنهم صابر على ميدان (خرِّيج) : ( بصراحة نحن هنا لغرض الترفيه فقط والتغيير شوية من ضغوط الحياة والقهر والفقر والعطالة والبطالة والحال المائل في كل شئ ، كل شئ ..) قلتُ له وأنا أحاول أن أُفرغ ما جوفه حتى يستطيع أن ينشق عطر الأزاهير ونشْرها المُسكِر : - لماذا كل هذا اليأس يا صديقي فلسوف تصفو الليالي بعد كدرتها ** وكلُّ دورٍ إذا ما تمَّ ينقلبُ !! ما هو رايك في المقولة الشائعة : إذا كان لديكَ قرشان ؛فاشترِ بأحدِهما رغيفاً وبالثاني زهرة ؟! ضحكوا جميعاً حتى قلتُ ليتهم سكتوا ،ثم قال ميدان قبل أن يغيبوا في الزحام : -ده بالنسبة للعندو قرشين يا عمَّك !!
*******************
واصلتُ مسعاي مستطلعاً الأزاهير .. لحظتُ لدى مشتل جمال محمد عثمان إحداهنَّ وقد وضعت على رأسها طاقية (سعف) ترشُّ - بتفانٍ وحبٍّ عميقين - ورودها الجذلى المفرهدة بخرطوم المياه وتستحثُّ معاونيها لجلب المزيد من الزهر فمازحتها – قبل السؤال- برائعة صديق عبَّاس(ما أصلو الورد بجرِّح سقَّايو ) : فماذا قالت؟ : ( هيام أحمد العبد ، عضو جمعية فلاحة البساتين ،نحن شعب عاشق للجمال عموماً وكثير الاحتفاء بالزهر على وجه الخصوص وزبائننا كثيرون الحمد لله .. لدينا الـ (الروز ) وثمنها مابين عشرين وخمس وعشرين ، ولدينا (لدانيا) وثمنها ستين إلى مائة وخمسين ، وكذلك (ملكة الليل) التي لا تفوح إلاَّ مساءً وتحجب عطرها في الصباح وثمنها ثلاثين جنيهاً ..ولدينا (مورية) بثلاثين جنيهاً ).
*******************
خرجتُ من الحديقة النباتية في هزيع الليل الأوَّل ولمَّا يزل بعدُ في تُويْجات الأزاهير نجوى وهسيس وفي مياسمها عبق وأريج .. خرجت لا أحمل منها باقات ورد ولا أُصُص فخار مثل (صابر على ميدان) وآخرين من دونه ولكني كنتُ مُشبَّعاً بفيضها المجَّان وسرَّها المذاع كما يقول قبَّاني: (ليس بوسعها ألاَّ تفوحَ مزارعُ الدرَّاقِ !!) ..كنت خفيفاً كنسمة وأنا أمخر النيل الأبيضَ صوب أمدرمان تغسلني أنسامه النديَّة وصوت (الكابلي) و(العقَّاد) لم يغادرا أُذُنَيَّ : خُذُوا دُنياكمو هذي *** فدُنياواتُنا كُثرُ !!!


الوفاق-اليوم الخميس 5/3/2015م

عزيزنا الفنان شقاق
سلامات
ليك عظيم التحية علي رسم الحروف المزركشة العبقة من دأخل جنتنا الجميلة وهي تحاول مقاومة القبح .
والتحية عبرك للفنانة المجاهدة فاطمة علي التمسك بمحاربة بور الأرض وتصحر المدينة المسكينة .
أكرر التحية والشكر أخي شقاق

يا سلااام اخي الاستاذ شازلي هذا البوست اجتر علي ذكريات جميلة وايام لا تنسى كنا نقضيها ما بين الحديقة النباتية بالمقرن وقاعة الصداقة في تلك الايام التي كان يعقد فيها معرض الزهور ولا انسى تلك الانسانة الجميلة الاستاذه سميرة خليل والتي عرفت منذ مدة وجيزة بوفاتها ولا اعرف اذا الخبر صحيح ام غير صحيح , على العموم تلك ايام لا تنسى ,, فاتمنى ان يكون معرض الزهور كما في السابق ليالي ابداعية وثقافية لانها تروح عن الناس بالاضافة للزهور الجميلة الموجودة ,,,

تحياتي : ياسر العيلفون