فنان كبير في زقاق صغير

في سالف العصر والأوان تعوَّد رضوان أن يخرج طاويًا كُم قميصه وأن ينزل من حافلات الثورة في الشهداء منتحيًّا قلب المحطة الوسطى أمدرمان لينطلق منها نحو هدفه بين الطالعين والنازلين وضجيج المارة والغناء الصاخب المرسل من أكشاك المشروبات الباردة.
وفي صباح هذا اليوم نزل بجوار حافلة احتدَّ ببابها راكب نازل مع كمساريها الذي تقاطرت من يده عملة معدنية على يد الراكب وهو يقول :
- لو تركتها لن تفلس ولو أخذتها لن تغنيك.
فقال الراكب بلهجة حازمة :
- حقي وأطالب به ، مهما قل فهو حقي.
فرد عليه الكمساري في أدب :
- مادمت مطالبًا بحقك فإنّه لا يضيع وقد نسيتك وجل من لا ينسى.
وبينما هما يتحاوران ينادي سائق الحافلة مصفِّرا بعربته تكرارًا أن انتهوا ، فاستدار رضوان سائرًا بزقاقه المعهود والخريف هب بكأسه ساقيًا بسخاء والأرض ليست عطشى فهي تشرب على ريث وتأن ولا خيار أمام الرّاجل في هذا الزّقاق الترابي إلا أن يمشي بجوار الحائط فيلمسه مرة ويقفز مرة ويميل مرة إلى أن يزيد وزن حذائه.
وأثناء هذا السير الممتع رأى رجلاً في الجانب الآخر من الزّقاق يمشي كمشيه فحدق به مليًا فألِفه في ثوان معدودة وسلم عليه سلاما خافتًا لم يسمعه الرجل مع إيقاع حركة السير واختفى كل في سبيله ولما بلغ آخر الزقاق المؤدي إلى الطريق المسفلت سأل نفسه :
- من هذا الشخص الذي مررت به ؟.
كأني أعرفه منذ زمان قديم ! ، من ؟! ، فارتفعت نبرته قائلاً :
الله ، الله أكبر الله أكبر ، ثم ابتسم وردد : آه يا نور النوار يا فرح الأفراح ....... ، وتساءل :
- أبو عركي ! معقول ! ، كيف طار مني؟.
وعاد كمن يهذي مترنمًا :
- ولما طارت في الفضاء .......................
ثم وقف كمن فقد شيئًا نفيسًا فضربه الشك على رأسه فقال :
- هل كان شبيهه ؟، لست أدري ، لا لا إنه هو.
ولما وصل طريق الأسفلت المتجه إلى المحطة مضى وغنى مغرِّدًا :
- أخاف أسأل عليك الناس ............................................

عبدالرحمن السعادة

إذا احتفظ القلب بصورة تراءت له أمام عينيه

رب صدفة في خيال كانت أمضى من صدفة في حقيقة

السعادة, يا مبدعا مولودا بأسنانه, سلام وتحية, بل وشكر لهذا القص الجميل. هذا, كم يوم مر, منذ أن لمحت عنوان هذا البوست بالغ الدلال, ولم أتمكن من فتحه سوى الآن, فكان ما قرأت مدهشا, إنسانيا, بسيطا وعميقا في آن. وللقاريء الكريم, هذا قاص مطبوع, رسام من طراز خاص, ضربات ريشته خفيفة, ولكنها متقنة, وتلامس جوهر الأشياء رأسا. وقد أتقدم في درب التعليق خطوة أخرى.

الأخ الأديب / عبدالحميد البرنس

تحية طيبة وزكية

أشكرك على الإطراء الكريم الذي جاء من فرط كرمك
وقد سعدت بقراءتك وأسعد بتعليقك
لك الشكر ثانية

سلامي ومودتي

كم من صدفة أنستك همك

رب زقاق وسع النفوس أكثر من طريق واسع

رب حبيب يُقتفى غاب فيه الملتقى

Quote: أشكرك على الإطراء الكريم الذي جاء من فرط كرمك

المسألة - أخي- لا ترتبط بكرمي, فكرمي في مثل هذه المواقف أشبه بضحكة يتيم, بل بجدارتك. كن بخير.

أخي عبدالحميد البرنس

لك أجزل الشكر على رأيك في هذه التجربة

تحياتي

أخي عبد الرحمن ..
قرأت نصك ـ و لست بقاص أو ناقد أو أي حاجة ـ فأعجبني ما كتبت ..
قرأت و أتكيفت لله كدة ..
و لما مررت على المداخلات و وجدت ـ زولنا ـ الأديب الأريب البرنس ..
و هو متكيف أيضاً ..
أيقنت تماما إنك زول ما ساهل ..
فأكتب يا سعادة و لا تبخل ..
و أهتبلها ـ حلوة دي ـ سانحة عشان أسلم عليك و على البرنس ..
وعلى كل من أتبع دربا عديل..

سلامات, يا عصام, وكل سنة وأنت والأسرة الكريمة ومن تحب بكل خير, وتقبل الله صالح الأعمال.

Quote: قرأت نصك ـ و لست بقاص أو ناقد أو أي حاجة ـ فأعجبني ما كتبت ..

أوجزت أخي فأحسنت, فذلك في ظني خلاصة طيبة لمردود ما يمكن أن يتوقعه كاتب من قاريء, حين يتعلق الأمر بجودة عمل إبداعي ما. الإحساس. نعم. هو الإشارة الأكثر صدقا لقياس الجودة الفنية لعمل إبداعي أو آخر. لا تلك الفذلكات التي تسمى في كثير من الأحيان "نقدا".

ويبدو لي أحيانا, حين أطالع عزلة كوحدة وغربة هذا النص, على مستوى الاحتفاء المتوقع, كما لو أننا أدمنا مديح "الميتة", بينما "ذبيح" الأطايب موائد سابحة في الفضاء عند المتناول دون أن نمتلك القدرة اللازمة على تذوقها, لأن أيدينا عادة ما تكون أسيرة لقيد علاقات غير موضوعية.

الأخ الكريم عصام دهب

شرَّفت وفرَّحت
طهَّر الله دربك من كل شائبة

سلامي ومودتي

أسف على أسف على التأخير القسري في الرد

لا غربة بحضور الكرام
اللسان ترجمان وعبدالحميد البرنس كلمات حرة تشف عن ضمير صادق نقي

صادق بحبه من أحبك دون أن تعرفه

الفن الراقي رقيٌّ لصانعه وسامعه

فوق ,,
جمعية مكافحة رص البوستات

الأخ الكريم عبدالعزيز الفاضلابي

تحية حارة

رفع الله قدرك

محبتي