جنيه واحد وسوط عنج

جنيه واحد وسوط عنج


08-19-2014, 08:48 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=470&msg=1408434531&rn=0


Post: #1
Title: جنيه واحد وسوط عنج
Author: عبدالرحمن أحمد السعادة
Date: 08-19-2014, 08:48 AM

صف ممتد من المراجعين ، هذا يحمل ظرفًا ، وهذا يحمل غلافًا بلاستيكيًا، وهذا يحمل جريدة رياضية أحاطت بأوراقه. المتقدمون طلع من سيماهم الأمل ، والمتأخرون فيهم من يقف وقفة كأنَّها عسكرية ، وفيهم من يستند بيديه على جنبيه وآخرون غطوا رؤوسهم من لهب الشمس بما يملكون.
جميعهم يريدون الخلاص من هذا الإجراء الذي لا بد منه ، وشُقة بعيدة تفصل بين نافذة الموظف وبين وسط ومؤخرة الصف المتعرج فأذن مؤذن :
- كلٌّ يُعِدُّ جنيهًا واحدًا لا غير ومن يأتيني بورقة صماء فلا رد له عندي.
فتقلقل الصف على طوله وسرى الكلام به كنار في هشيم فلا تسمع إلا خشخشة المحافظ ، فأخرج طه محفظته ولم يجد جنيها فذَّا فالتفت إلى من خلفه فلم يجد فسأل السماني وقد كان أمامه :
- لو سمحت عندك فكة.
- نعم ، عندي.
- جنيهًا واحدًا فقط.
- تفضل.
- شكرًا جزيلاً ، سأرده لك بعد أن نُعتق.
- لا تشغل بالك ، رسوم مُيسَّرة.
ولكن ثمة عاثرًا بحث بوعائه فوجد خُماس وعُشار الفئات ومضى سائلاً جيرانه فبحثوا في أوعيتهم وقالوا لا نملك غير جنيهاتنا وإنا لآسفون واستعصموا بجنيهاتهم . وحينما اقترب منه المتحصل ضج العاثر وعلا صوته احتجاجًا على نهج التحصيل ولغته التهديدية الوعيدية ، وتشابكت الأصوات فإذا بمنظم الصف ينهال على العاثر ضربًا بسوط ربما كان لأحد فرسان العنج منذ سقوط سوبا قائلًا له :
- هذا هو بلدنا وإن لم يعجبك الحال عليك أن ترحل إلى بلد آخر.
وجرَّه بصحبة أخي سوطٍ جرة ذئبية اعتقالاً إلى مكتب قصي فاختفى عن صف لسان حال سالكيه يقول « نفسي نفسي ».
وصل السماني النافذة ومد أوراقه فأمره الموظف بلهجة جافة وقاطعة :
- 25 جنيهًا.
فدفع على صدمة خفيفة إذ غرَّته إحدى صغار الأماني وتعلق بها لما زيَّنت له أن الجنيه المدفوع أولاً هو الرسوم المقررة التي راعت حال البؤساء لإجراء لا يستحق أكثر من ذلك لأنه نظرة وختم .
أنهى مهمته ثم أفسح لطه - من اقترض منه جنيهًا - وأخبره متبسمًا :
- الرسوم 25 ألفًا.
فقال طه بلسان مخلوع : والجنيه!!!.
فأومأ له السماني بعينيه فنظر فرأى عبر النافذة بركن المكتب متحصل الجنيهات الفردية مختصمًا مع رفيق له في تقسيمها فَيئًا إلى أكوام مختلفة أدخل كومًا منها في جيبه فامتعض طه ولحق السماني بنظراته صائحًا :
- قف انتظرني لتأخذ جنيهك.
فقال السماني غير آبه ودون اكتراث ودون توقف :
- انسَ.

عبدالرحمن السعادة

Post: #2
Title: Re: جنيه واحد وسوط عنج
Author: فرح الطاهر ابو روضة
Date: 08-19-2014, 09:42 AM
Parent: #1

مع انو سيطان العنج في المنبر هنا بتعمل الحساسية والشهادة لله سوطك غير
شكراً لك
وانت ترسم ملامح لمواطن ووطن منهوب
وانهيار اخلاقي في الخدمة المدنية
وكان الله في عون السماني ورفاقه

Post: #3
Title: Re: جنيه واحد وسوط عنج
Author: عبدالرحمن أحمد السعادة
Date: 08-19-2014, 02:09 PM
Parent: #2

أخي فرح الطاهر أبو روضة

تحياتي

لك الشكر المحيط على الزيارة والتعليق

محبتي

Post: #4
Title: Re: جنيه واحد وسوط عنج
Author: عبدالرحمن أحمد السعادة
Date: 08-20-2014, 08:07 AM
Parent: #3

كبد الانتظار

يتبع ...

Post: #5
Title: Re: جنيه واحد وسوط عنج
Author: عبدالرحمن أحمد السعادة
Date: 08-20-2014, 02:59 PM
Parent: #4

رجــــــالٌ خلف سياج حديدي متين غير أنه ليس بالسجن. لا يستطيعون تجاوزه بأمر النظام والاحترام ، ينظرون منه إلى باب لا يستطيعون النفاذ به ، يُفتح مرة ويُغلق مرة تواليًا بخطو أقدام العابرين.
إنَّهم ينتظرون في هذا المطار ما يقرب من ساعتين أهلهم القادمين من الخرطوم في قلق وترقب وهم قيام يتداولون أمرهم :
- الخرطوم - الرياض وصلت.
- زحام آسيوي مبين.
- آسيا تتفوق على إفريقيا بعدد السكان.
- أخشى أن يتعقد خروجنا.

Post: #6
Title: Re: جنيه واحد وسوط عنج
Author: عبدالرحمن أحمد السعادة
Date: 08-21-2014, 08:16 AM
Parent: #5

كلما فُتِح الباب اندفعت العيون ببصرها نحو الداخل تبحث عن أهلها ولكن هيهات
حتى ظهر طاقم قيادة طائرة فدار حديث :
- هذا هو ربان طائرتنا.
- كيف عرفت ذلك؟.
- قلبي من كلمني.

Post: #7
Title: Re: جنيه واحد وسوط عنج
Author: عبد الحميد البرنس
Date: 08-21-2014, 11:21 AM
Parent: #6

نصّ بديع آخر. يمر في صمت أو يكاد. شكرا، أخي.

Post: #8
Title: Re: جنيه واحد وسوط عنج
Author: عبدالرحمن أحمد السعادة
Date: 08-22-2014, 11:24 AM
Parent: #7

أخي الأديب عبدالحميد البرنس
أهلاً بحضورك الأميري الكريم

تحياتي وتقديري

Post: #9
Title: Re: جنيه واحد وسوط عنج
Author: عبدالرحمن أحمد السعادة
Date: 08-22-2014, 05:52 PM
Parent: #8

وظلت العيون مشدوهة نحو الباب والقلوب إلى أعماق بعيدة . العيون تتفرس وجوه المسافرين الخارجين فتفاوتت في درجات قوة النظر ومتى استبشرت وجدت أنها قد شُبِه لها.
فقام أكبرهم من يُخال أنّه اقترب أن يصطدم بعتبة السبعين ، ذو لسان ساخر يسأل :
- من تنتظر أنت؟.
- أنا انتظر أمي وأبي.
- أنت الرابح.
- ومن تنتظر أنت؟.
- انتظر أمي.
- أنت الرابح.
وقبل أن يسألوه أجاب عن نفسه متحسرًا بنفس آسف :
- لكنني انتظر زوجتي.
فابتسم الحاضرون ابتسام الرضا وكأنهم يتفقون معه في حسراته فطردوا الملل من جانبهم.

Post: #10
Title: Re: جنيه واحد وسوط عنج
Author: عبدالرحمن أحمد السعادة
Date: 08-23-2014, 10:33 AM
Parent: #9

وما بين فتح الباب وقفله خرجت صيحة :
- أمك ! ، الشلوخ ظهرت.
- أنا أمي مشلخة كاروهات.
وبدأت قطرات الندى ببل الصدى وما إن خرج أحد إلا وجد له من يتلقفه بتلهف إلا هذا الذي تأخرت أمه فذهب إلى رجل أمن وقال له :
- هل تسمحون لي بالدخول لأساعد أمي التي تكاد أن تمشي وتكاد أن ترى.
- نأسف ممنوع الدخول.
- رجاء.
- قلت لك ممنوع.

Post: #11
Title: Re: جنيه واحد وسوط عنج
Author: عبدالرحمن أحمد السعادة
Date: 08-24-2014, 11:30 AM
Parent: #10

أفل إلى حيث يكره خلف السياج يكابد الانتظار ورأى جل المنتظرين ممن معه يصحبون أهلهم ويغادرون وهو في اضطرابه ارتفع صوت المايكرفون مناديًا باسمه طالبًا منه الحضور إلى داخل المطار بطريق رجل الأمن الذي منعه من قبل ، فعبر الصالة ورأسه يصطرع بماذا حدث لأمه خشية أن يكون قد أصابها مكروه.

Post: #12
Title: Re: جنيه واحد وسوط عنج
Author: عبدالرحمن أحمد السعادة
Date: 08-24-2014, 03:11 PM
Parent: #11

وصل إلى مصدر الصوت فوجد أمه واقفة لاستقباله فشملها بسلامه وشملته بشوقها ، ثم جذبته أمه وقالت له تعال سلِّم على البنت الطيِّبة من ساعدتني في الرحلة ، فسلم عليها وشكرها وعرض عليها أن تصحبهم فاعتذرت وعرض عليها أن يوصلها إلى من قدمت فاعتذرت أن أحدًا ينتظرها، وطلب منها هاتفها لتتعرف عليها أسرته فاعتذرت قائلة :

Post: #13
Title: Re: جنيه واحد وسوط عنج
Author: عبدالرحمن أحمد السعادة
Date: 08-25-2014, 09:13 AM
Parent: #12

- أخذت هاتفكم من أمك.
فشكرها مرة أخرى وذهب بأمه وسألها :
- ما الذي أخرَّكم ؟.
فقالت على بطء كما هي تمشي على بطء :
هذه البنت.
وقاطعها قائلاً :
- البنت التي ساعدتك؟.
فاسترسلت :
- أقسمت هذه البنت الطيبة ألا تتركني إلا لابني وأخبرت الضابط بذلك.
فقال مفتخرًا :
- هكذا هُنَّ الطيِّبات ولو النساء مثلهن لفُضِلت النساء على الرجال.

Post: #14
Title: Re: جنيه واحد وسوط عنج
Author: عبدالرحمن أحمد السعادة
Date: 08-26-2014, 03:01 PM
Parent: #13

ثورة في طابور

يتبع ...

Post: #15
Title: Re: جنيه واحد وسوط عنج
Author: عبدالرحمن أحمد السعادة
Date: 08-27-2014, 03:17 PM
Parent: #14

هم في حضرة حاجتهم يقولون :
- إذا قلت كلمتك لمن به صمم فلن يسمعك.
- إذا كنت ممن يقولون لا فقل الآن نعم.
- صبرنا كثيرًا وقد حان الفراق ولن نبتئس.
هيئتهم هيئة مسافرين تجمعوا من نواح شتى. جاءوا مبكرين فنشأت بينهم مودة غامرة. ما التوى طابورهم وذهب إلى التبعثر إلا وُجِد من يعظهم بالرجوع إلى الطريق المستقيم . يوصون بعضهم بعضًا بحفظ الجار وحق الجار حتى لا يأتي ذو مكر متأخِّرًا فيتخلل من بينهم .
فُتحت النافذة ومع فتحها وتقدم رائدهم ذاع خبر عشرة جنيهات فانتقل الخبر خلالهم انتقال تيار الكهرباء في سلك عظيم القدر حتى انقطع في أرق نقطة فخرج لهب ثورة في شاب كأن اقتراب سفره بعث فيه روحًا غير روحه القديمة وعزمًا ضعف عزمه المكبوت وصوتًا غير صوته الهامس . أعلن أنه لن يدفع ووصل صوته إلى أهل الدار فعرفوه وحين وصل إليهم أعلنوا أن الإيصالات قد نفدت وأغلقوا النافذة.

Post: #16
Title: Re: جنيه واحد وسوط عنج
Author: عبدالرحمن أحمد السعادة
Date: 08-28-2014, 12:12 PM
Parent: #15

وكان إغلاقها قتلاً للزمن وللزمن حساب ، فإن فات فيه أمر فليس بالمستطاع إعادته ، وما كسب من كسب إلا بنظره إلى زمنه وأي طريق آخر يغفل حساب الزمن فستعتريه الصعاب ، فقال أحد الذين يقفون وراء الثائر :
- « يا أبو الشباب خلِّص نفسك ».
فرد متحديًا :
- لن أدفع .
ونصح آخر ضائقًا يقول :
- لا تكن عقبة أمام نفسك.
فأصر وتطرف في عناده قائلاً :
- لن أدفع على ما لم ينزل به سلطان.
فخاطبه جاره بقوله :
- سنتأخر جميعنا أنظر إلى من خلفك.

Post: #17
Title: Re: جنيه واحد وسوط عنج
Author: عبدالرحمن أحمد السعادة
Date: 08-29-2014, 05:17 PM
Parent: #16

فهدأ وفكر في أنه إذا خرج من الطابور فسوف يفقد مكانه ، وفي المصائب التي ستحل عليه إن لم ينجز المطلوب ، فبدأ بقرع النافذة المغلقة قرعًا زادت حدته تصاعدًا لما لم تُفتح له فورًا ، معلنًا استسلامه في حربه الباردة القصيرة أمام خصم ذي قوة وحيل لا طاقة له بها ثم فُتِحت النافذة وعاد التيار الكهربائي إلى سلكه المنيع.