أبو العروس " مؤتمر وطني " !

أبو العروس " مؤتمر وطني " !


08-14-2014, 04:50 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=470&msg=1408031451&rn=0


Post: #1
Title: أبو العروس " مؤتمر وطني " !
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-14-2014, 04:50 PM



أبو العروس " مؤتمر وطني " !



الليل غيرَ الليل في العاصمة المهجورة ليلاً . هجرها الأمن الشخصي ، وسكنتها أشباح الظلام ، من المرتادين بأجر مدفوع . إن تحركتَ في سيارة حديثة التصنيع نسبياً و لا تُعرضك لأعطال طارئة ، فأنت عائد من موت مُحقق إلى دُنياك من جديد .
تقاطر الجميع إلى الصالة الفخمة المؤجرة . الزينة على أعلى المستويات التي أخبروني عنها مقارنة بغيرها. علمت أن إذناً بحفل الزواج وتوابعه من الفلكلور الخاص بتجهيز العروسين سوف يتم في ذات الصالة ولمدة تطول عن المُعتاد . سيارات من الفئات الخاصة المميّزة ، وبعضها بأرقام مدنية و حكومية ،وأخرى بدون أرقام ؛ لا تعرف أسرارها إلا البيوت المظلمة التي تحمي النظام وأهله والمنتسبين .


(1)


كل الوجوه التلفزيونية الكئيبة ،الرمادية الظلال كانت موجودة داخل الصالة . ذات الشخوص التي لها زوجات سرّيات في الشقق المملوكة حديثاً ، كانت كلها موجودة داخل الصالة ، فالعُذر الشرعي إن اكتشفه أحد " زواج استخلاف ". جاءت الزوجات السرّيات لوحدهُنّ ، وأزواجهنَّ السريين جاءوا في العلن مع أُسرهم المعروفة . ضجيجٌ ما بعده ضجيج . الأطفال مثل رجال "المؤتمر الوطني" ، لا يُحسنون الاستماع للغناء ، يتسامرون بأعلى أصواتهم، رغم أن الاختيار قد تمّ من أفضل الموجود . الطعام على شاكلتين : للعامة صحائف ، ولأهل "المؤتمر الوطني" صحائف أخرى من الأطعمة والحلويات والمشروبات.


العريس ينظر كمن لا يصدق . عيناه تكاد تبرُز من محجريهما، رغم الهندام : جاكيت سوداء وقميص أزرق صافٍ بنقوش دقيقة ، وربطة عُنق حمراء . إلا إن الأمر تمّ وكأنه جاء إلى هذا العالم مع دهشة المفاجأة . ترقّب عينيه وهما تتجولان بالنظر ، تتحدثان عن غُربة حقيقية عن المكان والزمان والناس. كأن عقد الزواج صفقة !.


(2)


التقانا مُضيفنا ، وكان صديقاً أجبرنا بإلحاحه على الحضور . وأنتم جميعاً تعرفون طيبة أهل السودان ، ومسلك المتصوفة الموروث في الرضا بالقليل ، وجبر الخواطر . قلت في نفسي " ليس هناك من داعٍ لتقليب المواجع ، فقد نشهدُ سهرة ونقضي أمسية لا تعافها النفس ، وأرفه إن كان هناك من ترفيه في وطن ، سَرق البهجة من أرواح الجميع ،تنظيم يُحسنُ العيش بقوانين الظلام . وقَتِلَ كل إحساس بالفرح . لكني كنتُ أرجو صادقاً أن تُكذبني رؤيتي المُسبقة ،وأرفه عن نفسي ، بعد أن قضيت أيامي في التجوال بين المآتم ، وعقود الزواج في المساجد وزيارة المستشفيات؛ رغم أن الأخيرة "فرض كفاية ". تَمرٌ وعُلب المشروبات الغازية الهازمة للصحة والشاي الأحمر !. هذا عالم بئيس يتعين أن أهجره لحفل يقولون سيكون مرفهاً ،فوالد العروس " مؤتمر وطني " !


أنا وصديقي جئنا ، وفي ذاكرتنا نُردد في صمت بعض كلمات الأغنية المشهورة :


قُلنا لمَنْ عزلنا أنحنَّ هِنا انعزلنا
شرِبنا الود صافي سمونا وما نزلنا


تخيرنا مكاناً بعيداً لا يختاره الحضور عادة ، ولكنه يمكِّننا من مراقبة أنموذج من أهل السودان الذين تعالوا في البنيان بلا مقدمات منطقية ، ونحن نستلذ بالمقولة المعروفة " منْ راقب الناس مات همّاً " .



(3)


أطربنا سليل " البنا " بفاصل غنائي ، عطّره بأغنيات " الحقيبة " التي أعاد فيها روحاً جديدة بالتطريب . وكِدنا نُصدق أن الغناء صار أفضل ، وأن مشاريع اغتيال البهجة من صدور الناس قد رحلت إلى الأبد . وجاء الفاصل الثاني ، لمطرب رأيته لأول مرة ، ويُشاع في الصالة أنه " أمن وطني " ، يصلُح للضجيج لا غير. اهتاجت عناصر "المؤتمر الوطني"كلها ، نساؤها ورجالها وأمنها، وبدأت تباشير الفرح في وجوههم. لم ينقصهم إلا أصبع السبابة ، يتهكمون فيه بدعوات الصلاح ! . انطلقت الجلابيب المتسعة ، التي لم تتمكن من إخفاء البطون المنتفخة والمتدلّية من اثر أموال السُحت " الإغاثي " الجديدة. لم تنتظر هي النعمة أن يكتمل موعد أُكلها ، حتى تبدّت . فبنعمة ربها حدّثت وأفصّحت ، بل صرخت مع الصارخين في أفراح أهل "المؤتمر الوطني" .!


(4)


قلتُ لنفسي سوف أُكمل الليلة العبثية . وأراقب الزيجات السرّية ، كيف تفترق وكيف تلتقي؟ ، علها تفضح ُنفسها . قرب مائدة حولها عائلة أحد "المتآمرين الوطنيين" ، مرت سيدة فاتنة ، صغيرة السن ، ترتدي ثوب الموضة " الخليجي " الصارخ اللون . تقول حناؤها إنها متزوجة ، وليس معها رفيق . نظرتْ قرب منضدة رب الأسرة فاكتشفته من نظرته . التقت عيونهما وابتسمتْ، وفقر الشيخ فاهاً أبلهاً !.
تغير وجه الزوجة الأولى الجالسة أمامه وقالت :


( بِسْ على نسوان الزمن دة..القاهرات )


(5)


تتبعت مائدة مسئول " المؤتمر الوطني " ، وقارنت بين الزوجة الأولى والزوجة السريّة الفاتنةالتي اكتشفتها ، وهي تحمل مفتاح سيارتها الصالون الصغيرة ، تهزه في يدها .
كل أوجه " المتآمرين الوطنيين " انتبهت ، وانبعثت من عيونهم شواظ النيران ، تحمل كل ما في الدُنيا من خِصال السوء : الطمع والحسد والانفلات والشهوات التي لم تستطع أن تستتِر . كأنهم في صلواتهم التي يجوّدون قرآنها ، لم يقرؤوا :


(...لَاتَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ...) 131 طه


(6)


جلست السيدة الفاتنة ، وحالما أحاطت بها الخدمات الخاصة ، وطعام لا يشبه طعامنا . لم نُصبْ بأي حسد . كنتُ قد أخرجت نفسي من هذا العالم المتناقض ، وقلتُ لنفسي " سوف أصنع من نفسي مُشاهداً لفلم سينمائي سوداني عن أهل السلطة، يمتلئ بالخونة من أصحاب الرذائل الذين يدّعون التُقى والصلاح ".
قارنت بين الزوجتين : للزوجة القديمة: فمٌ ضخم ٌ ممدود ، وللفاتنة الصُغرى يصدُق الشعر الغنائي :


( أقيس الفم بودعة وألقى الودِع زائد )
( أقيس بالليل شعرهُ وألقى الفرق شاسِع )


(7)




سمِعت أن المسئولية الاجتماعية ، قد أسهمت في حفل الزفاف . فاثنين من شركات الأمن التجارية والاتصالات ، قد مدّت يداً لا يعرفها البُسطاء مثلنا ، إلا بعد أن يستوثِقوا . ظهر مهنئون ، أمسكوا بالميكرفون في فواصل بعينها تُجلب الانتباه . تغزلوا في العروسين ، ودلفوا بيسر يهنئون " أبو العروس " ، مُشيدين بكرمه واجتماعياته ، وشراكته " العمل العام " !.



(8)


قلت لنفسي لأتخذنَّ من الزوجتين حال المتآمرين قبل ، وبعد أن أرخى " المؤتمر الوطني " للمنتسبين سعة في الرزق ، فتجد رعاة الشاه يتطاولون في البنيان . فنحن أمام سيدة صابرة أكل الدهر منها حُسنها القديم ؛ خدمت أسرتها إخلاصاً وجاءها الثراء بعد أن انطفأ العمر الجميل . ابنها الجامعي يبدو فرِحاً و في ذهول غريب، تكاد أنت تتعرف على حبوب الهلوسة و أثرها على حركة قارب عينيه المتراقص ، يسكر بلا سُكر .تتوهج الألوان من حوله ويتضخم الانفعال .


بعد أن بدأ الفاصل الثاني بغناء التهريج الذي ذكرنا ، انفلت الوقار . تحرّك الزوج " المتآمر " الذي أتتبع سيرته وتسللت عيناي تُراقبه .هرب ليجالس سيدته السريّة . يتضاحكان . هي في عُمر ابنته . فرح الأطفال رأيته في عينيه . فعجبت بالتضييق على المرأة في قوانينهم ، وانطلاق شهواتهم في الحقيقة بلا قيود !.هؤلاء لا يحسنون الحديث مع المرأة ، عطايا المال والذهب المشغول تتحدث إنابة عنهم . ما قطعتْ مُتعته إلا صوت من ميكرفون الحفل يقول :


( دايرين أبو العروس )


*

Post: #2
Title: Re: أبو العروس andquot; مؤتمر وطني andquot; !
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-16-2014, 10:44 AM
Parent: #1

*

Post: #3
Title: Re: أبو العروس andquot; مؤتمر وطني andquot; !
Author: د.محمد حسن
Date: 08-16-2014, 01:11 PM
Parent: #2

شقليني
ايها المشاهد الممتع
بدءا
كل عام وانت بالف خير
شكرا ان جعلتني اليوم اقرأ مأساة ملهاة
وانا منتظر ابو العروس

Post: #4
Title: Re: أبو العروس andquot; مؤتمر وطني andquot; !
Author: عبدالمنعم الطيب حسن
Date: 08-16-2014, 01:41 PM
Parent: #3

روعة الحكي الجميل تكمن، في نقلك لعالم الحدث ومكانه،
فكأَنا كنا معاكم، وطربنا لطربكم اولا مع غناء الحقيبة، وسددنا اضنينا لمن
صرخ الامنجي الخفيف، ولم نفرح كما ينبغي، لان كل هناك كان مزيفا ومصنوعا ...
والصغيرونة دي، الناس ديل ما بخجلوا يبحلقوا كدة، دي حتى في عمر بناتهم ... تبا لهم
شكرا لك يا شقليني، اذ من المأساة، خلقت لنا ملهاة ممتعة ...
ومتابعين .....

Post: #5
Title: Re: أبو العروس andquot; مؤتمر وطني andquot; !
Author: بله محمد الفاضل
Date: 08-16-2014, 03:51 PM
Parent: #4

تتكئ الأشياءُ كلها على الوجعِ العظيمِ الذي يحيطُ
بحياةٍ تيبست في البِلادِ
ولم يعد يُرى فيها أي رائحةٍ
حلوةٍ
تمد بقُبلةٍ إلى أصابِعٍ تود أن تذهبَ
في كتابةٍ ما.....



تحياتي، محبتي واحترامي...

Post: #9
Title: Re: أبو العروس andquot; مؤتمر وطني andquot; !
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-17-2014, 04:07 AM
Parent: #5

الأكرم : الشاعر : بله محمد الفاضل
لك التحايا والأمنيات الطيبات

هذا هو الوجع الموحي ... كل الدنيا من حولنا ،
غيروها إلى الخلف وأفشوا الضغينة بين الناس
وحاولوا أن ينزعوا الخير من نفوسهم ..

لك شكري وتقدير ي

Post: #8
Title: Re: أبو العروس andquot; مؤتمر وطني andquot; !
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-16-2014, 06:32 PM
Parent: #4

Quote: روعة الحكي الجميل تكمن، في نقلك لعالم الحدث ومكانه،
فكأَنا كنا معاكم، وطربنا لطربكم اولا مع غناء الحقيبة، وسددنا اضنينا لمن
صرخ الامنجي الخفيف، ولم نفرح كما ينبغي، لان كل هناك كان مزيفا ومصنوعا ...
والصغيرونة دي، الناس ديل ما بخجلوا يبحلقوا كدة، دي حتى في عمر بناتهم ... تبا لهم
شكرا لك يا شقليني، اذ من المأساة، خلقت لنا ملهاة ممتعة ...
ومتابعين .....


الأكرم : عبد المنعم الطيب
لك التحية والود

في الطريق العام مادة غزيرة .. تمكنك أن تتعرف على هذه المأساة الملهاة
بيسر ، وهي حياة الذين خربوا الحياة السودانية ...
لك شكري ومحبتي

*

Post: #7
Title: Re: أبو العروس andquot; مؤتمر وطني andquot; !
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-16-2014, 06:27 PM
Parent: #3


د. محمد حسن
تحية طيبة وكثير ود
نعم كم تفضلت هي المأساة الملهاة ،
الحياة عندنا لو قطفت منها تجد مزرعة غنية بالقص ،
تقول لك خُذني

لك الشكر والمحبة

Post: #6
Title: Re: أبو العروس andquot; مؤتمر وطني andquot; !
Author: عبدالله الشقليني
Date: 08-16-2014, 06:21 PM
Parent: #1

*

Post: #10
Title: Re: أبو العروس andquot; مؤتمر وطني andquot; !
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-05-2014, 03:16 PM
Parent: #6

أبو العروس " مؤتمر وطني " !

Post: #11
Title: Re: أبو العروس andquot; مؤتمر وطني andquot; !
Author: Osman Musa
Date: 09-05-2014, 04:05 PM
Parent: #10

عزيزنا أستاذ الشقليني
سلامات
يحكي لينا عمنا بشتغل في تصليح السراير ونجارة وتكريب العناقريب في العاصمة المثلثة رعاها الله .
قال جابو الدرب وجابتو القسمة وأقع علي فطور عرس كيزان في منشية من المنشيات الجديدة .
عمك يا الشقليني حلف : قال : في دأك الفطور لقيت عندهم شعيرية تكندش الجوف . هلا شعيرية عمارات .

Post: #12
Title: Re: أبو العروس andquot; مؤتمر وطني andquot; !
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-31-2014, 08:50 AM
Parent: #11


الأستاذ : عثمان موسى
لك الشكر الجزيل
*

Post: #13
Title: Re: أبو العروس andquot; مؤتمر وطني andquot; !
Author: محمد حيدر المشرف
Date: 10-31-2014, 09:55 AM
Parent: #12

لو راقبته مراقبة لصيقة لشهدته منسربا من العرس خلسة, ليهاتف زوجته الثانية في دبي, حيث تدير هي وأخوها شركته الخاصة هنا ك..
لا أعتقد أن الزوجة الثانية تعلم شيئا عن الزيجة الثالثة ..
والا كان "عمك" فهم حاجة!!!


شكرا يا شقليني على هذه الكتابة الحية..

Post: #14
Title: Re: أبو العروس " مؤتمر وطني " !
Author: الطيب عثمان يوسف
Date: 10-31-2014, 10:58 AM
Parent: #1

Quote: لم ينقصهم إلا أصبع السبابة ، يتهكمون فيه بدعوات الصلاح ! .




*** في هكذا مناسبات يستبدلون السبابة بالوسطى ، تركيزك مع اسير الفياجرا منعك من متابعة استجابة الوسطى لما ترتاح لرخيص الموسيقى .



*** مزيج من متجدد ابداعاتك فشكرا لك سيدي بيكاسو .

Post: #15
Title: Re: أبو العروس " مؤتمر وطني " !
Author: dardiri satti
Date: 10-31-2014, 04:42 PM
Parent: #14

Quote:
( دايرين أبو العروس )


أستاذ شقليني ،
ياخي أبو العروس دا أنا منتظره لي ستة شهور!!!
فما ممكن بعد الرحلة الممتعة دي كلها ،
تخلينا مشحوطين كدا ....
أكلنا وشربنا وغصباً عننا استمعنا إلى
ما(وليس من) يسمى (فنان) ....
فنان رسالي أم أمنجي .... لاأدري
صفه بما شئت.
المهم لازم نعرف باقي الحكاية
لأنه دي لازم تكون كل الحكاية
ولو الحكاية انتهت على كدا
أنا شخصياً ما حإرتاح
وخايف أحاول أتم الحكاية
وأبوظ هذا السرد الجميل
وهذا الضرب من المؤانسة الماتعة.

( دايرين أبو العروس )

ولك والجميع

تحياتي