طفولة و ذكريات مبعثرة

مرت الأيام و السنوات سريعاً .... و هرمنا .... تلاشت كثير من الأحداث و المواقف من الذاكرة
و سوف أحاول تجميع ما تيقي منها للاجابة عن سؤال ظل يطوف بذهني كثيراً و هو ما هي أهم الأحداث
و المواقف و العوامل التي شكلك وعيك (يا ود يا حامد) ...... و نواصل

بداية السبعينات .... أذكر ان الوالدة متعها الله بالصحة اذكرها و هي تجهز العمود به ما لز و طاب
من الأكل و تحمله و تذهب .... لم يكن ذلك يعني بالنسبة لطفل مثلي ... فكثيراً ما تحمل النساء
هذا العمود للمستشفي .... و لكني اكتشفت شيء خطير .... و نواصل

لم تكن الوالدة تذهب للمستشفي ... بل كانت تذهب للسجن ... و سجن كوبر ... علمت ايضاً ان
خالي حبيس ذلك السجن ... و ان الخبر محاط عليه بهالة من السرية .... لماذا .. و نواصل

كان الخبر بالنسبة لي صدمة شديدة ....
ماذا لو عرف أولاد الحلة بهذا الخبر؟؟؟
لا بد انها فضيحة كبيرة
ماذا سوف أقول لهم ؟ و قد كنت كثير الحديث عن خالي
وقد كان يحكي لنا كثيراً عن دراسته باوربا و كنت اعيد لهم هذه الحكاوي كأني
كنت هناك باوربا.
كنت أعتز كثيراً بتلك الكاميرا التي أحضرها لي في واحدة من اجازاته
و أعتز بمشاهدته و هو يلعب الشطرنج مع والدي عليه رحمة الله
كانت ثقته بنفسه كبيرة
كثير النقاش و الحوار و بالرغم من جهلي التام بمحتوي النقاش الا اني منت
أحس ان حجته هي الأقوي.... و منطقه أكثر ثبات
تري بأي وجه سوف يقابل الناسبعد خروجه من السجن....
تمنيت أن يرجع الي أوربا و لا يعود ..... و نواصل

كان خروجه من السجن كرنفال و احتفال عائلي
الجميع يهني و يبارك
خرج و رأسه عالية (عكس ما كنت أتوقع)
خرج و الجميع يهني و يبارك و كأنه حقق نصراً كبيراً (عكس ما كنت أتوقع)
انشغلت باللهث الطفولي و لعب البلي مع أقراني .... و كانت المراسيل تحملني
الي الديوان بين حين و آخر حيث النقاش يدور بعنف و هو سيد الموقف كعادته
و بالرغم من جهلي من تفاصيل الحدث لكنني اكتفيت بحقيقة انه غير مذنب و الجميع
راضي عنه ... و لكن كنت خايف من ان يقول لي أحد ابناء الحي انت ما خالك كان في السجن؟؟؟؟
كيف اجاوب ؟ و لكن كانت كلمات جدي (عليه رحمة الله) عنه هي الاجابة و قالها بصوت
عالي يوم خروجه من السجن في الديوان
ولدي راضي عنه فهو ما حرامي و لا كذاب و لا .......و نواصل

القراءة .... القراية ... كانت مفتاح آخر من مفاتيح المعرفة منذ الصغر ....
كانت مجلات حواء ... العربي لا تغيب عن المنزل لحرص عماني علي قراءتهما ....
و كانت عمتي و امي نعيمة عليها رحمة الله تقلد اخر صيحات الموضة في تفصيل الملابس
و تحيلها الي واقع بواسطة ذكاء نساء ذلك العهد من مجلة حواء
و علي مستوي الحي ... كانت آخر ساعة و المصور ... و كثير من المجلات و الجرايد المصرية
تشكل حضور ... بل ايضاً مجلات غربية مثل
Time
التي كان يحرص علي قراْتها جدي مالك عليه رحمة الله
و كانت حصيلة القراية نقاش و حوارات يديرها كبار العائلة في كل شئون الدنيا
سياسياً .... اجتماعياً .... و حتي أخلاقياً و كان تحليل راقي
و طريف في كثير من الاحيان .... و نواصل

وجدنا ضالتنا في مجلة الصبيان و نكات عمك تنقو
ثم ذهبنا الي ميكي و سمير
و بعدعم المغامرون الخمسة
و ذكاء تختخ و غباء الشاويش فرقع
.
.
.
(خارج نطاق البوست ... دي اشارة ان الأطفال ممكن يتصرفوا
أحسن من المسئولين و ترسيخ لفهم أن المسئولين أغبياء)
.... و نواصل

بعد ذلك شكلت الشياطين ال 13
واجاثا كرستي و ارسين لوبين حضور له اثاره النفسية التي احسها حتي اليوم
الطريف ان المقدرة علي القرايه لم تكن متكافئة بيننا ... و كان بعضنا يدعي انه
قام بقراية هذا الكتاب ... و كان أكتشاف سهل بالحوار الذي نديره قبل و بعد
الدافوري العصري اليومي بكورة الشراب التي نجيد صنعها بعد سرقة فردة شراب
و قطع قماش قديمة و ممكن تكون ملاية تعني الكثير لعماتنا و خالاتنا .... و لكن بالنسبة
لنا كانت تعني حضور مقامنا الطفولي الذكي .... و نواصل

الشعر كان له دور فعال في تشكيلنا
بعد أن توسعت مداركنا
الرفض لشكل المؤسسة السياسية و الاجتماعية
التي تسيطر علي حياتنا
حجب المعلومات و التلقين و تحجيم عقلنا من أن يأخذ مساحته من التفكير
كل ذلك كان يطرح اسئلة بحثنا عن الاجابة لها بجهد في مهدنا الطفولي
.... و نواصل

من الأسئلة الجريئة التي طرحناها في طفولتنا البريئة
الأسلام دخل السودان من الشمال و الشرق؟
لماذا حافظ اهل الشمال ( المحس و الدناقلة و الحلفاويين) علي لغاتهم
و أهل الشرق الهدندوة و البني عامر علي لغاتهم
و سادت اللغة العربية علي وسط السودان منطقة الجعليين؟؟؟
هل هناك قفذ بالزانه؟؟؟؟؟.... و نواصل

و أنا حايم في المحطة الوسطي و جدت كتاب اسمه
أصل العائلة ... فريدريك أنجلز
الكاتب ذو لحية كبيرة و يبدو عليه الوقار
ورد الي ذهني انه رجل دين وقور و ملم ب اسرار كثيرة
و يمكن أن أجد في صفحات هذا الكتاب الاجابة لسؤال كيف قفذت
اللغة العربية الي وسط السودان بينما حافظ أهل الشمال و الغرب
علي لغاتهم و لهجاتهم حتي الان .... و نواصل

اشتريت الكتاب و معه كتاب اخر لماركس
لفت اتنباهي اللحية الوقورة مع البدله و الكرفتة بدل
العمة التي تتناسب مع اللحيه و قلت في نفسي هؤلا الشيوخ
لا بد أن يكون خلفهم سر باتع ... هكذا و ببراءة و طفولة متمردة.... و نواصل

,,,,,