د.عصام الدين الفادني يكتب عن رمضان و تسونامي المسلسلات

رمضان شهر له خصوصيته، وله رسالة، شهر البركة والخير والمغفرة والطاعة والعبادة. و في الاتجاه المعاكس، تحشد الملايين، و يغرى ويجند النجوم ليحملوا "الاستيكة" و يجتهدون في تمييع رسالة الشهر الفضيل، و يستغلون نجوميتهم في تسمير كل طبقات المجتمع أمام شاشات التلفاز، صغاراً و كباراً، نساءاً و رجالاً، و يبتعدون عن المسار التعبدي، و الابتهال لوجهه المتعال، والقصور في الحصول على النورانية في النفوس للتوقف عن الدعاء و ربما الصلاة لكي لايفوت الفرد متابعة جزء من المسلسل، فكيف تخبر المرأة جارتها أو زميلاتها في العمل و تستعرض مواهبها الاستيعابية لحيثيات المسلسل، و قدرتها الفائقة في متابعة كماً هائلاً من المسلسلات و البرامج "الترفيهة" الأخرى؟ و كيف يبرز الطلاب مواهبهم التحليلية لأحداث المسلسل أمام زملائهم في مدارسهم و جامعاتهم؟ و كيف يستطيع الصائم تمضية الوقت حتى موعد الافطار أوحتى موعد المسلسل الآخر بدون هذه "المخدرات الاعلامية"؟
من أوائل شعبان، تزاح الستارة عن تسونامي المسلسلات الرمضانية بإعلانات تتخلل الفواصل بين البرامج " قريباً في رمضان، قريباً خلال الشهر الفضيل، على شاشتنا في رمضان، حصرياً خلال رمضان، ..."، و تستمر عملية التشويق، و تتمثل صنارة جذب الصائم المشاهد في عرض اللقطات القوية من مسلسلات القناة الفضائية الحصرية و غير الحصرية، و التي تضع في بؤرة الضوء موضوع المسلسل و نجومه الفطاحل، الذين يتقاضون الملايين لأنهم يدرون على الشباك الملايين.
و لنأخذ المسلسلات المصرية لهذا العام 1435 هـ مثلاً و نستعرض موضوعاتها، "صاحب السعاد’" لعادل امام و لبلبة، موضوعه الغيرة و العلاقات العاطفية المحرمة و الغزل و الرقص الشرقي"تحلية المسلسل"، و مسلسل" أبوهيبة في جبل الحلال" لمحمود عبدالعزيز و مجموعة ضخمة من صائدي المشاهدين و موضوعه رجل متعدد العلاقات النسائية، ثم تم توظيف التاريخ في مسلسل " سراي عابدين" بحشد من النجوم و جاءعنه في الأخبارأن " المسلسل كان من المفترض ان يتم عرضه بداية من شهر أبريل الجارى بمعدل حلقة اسبوعيا، ولكن اصرار بطلته يسرا على التواجد الرمضانى وعدم قبولها لعرض مسلسل بهذه الضخامة خارج الموسم الابرز غير رأى الجهة المنتجة"، لا تستغربون!! هذا الموسم الأبرز ل"العفن الفني"، و يسمونه "المارثون الرمضاني"، ومسلسلات الجرائم كمسلسل "الاكسلانس" لأحمد عز، ثم مسلسل تامر حسني "فرق توقيت" و الذي هو حول علاقة الرجل بالمرأة من منظور معاصر، وكيف تطورت العلاقات الإنسانية والعاطفية والاجتماعية داخل المجتمع، من خلال مجموعة من قصص الحب، أما في الكوميديا "السوداء في ظني" هناك مسلسل "دلع البنات" و الذي يدور حول صراع طريف بين فتاتين إحداهما برجوازية والثانية شعبية، ثم مسلسل "أهل الاسكندرية" عن فساد المسؤولين، و مسلسل " الصياد" عن المغامرة والاثارة و الانتقام و القتل، و"سيدة مصر الأولى" ببطولة ممثلة اغراء، ثم مسلسلات تغني عناوينها عن فحواها "سجن النسا" و " أنا عشقت" و" الخطئية" و "ابن الحلال" و "سيرة الحب" و "كيد الحموات" و "وساوس"، ويأتي مسلسل " صديق العمر" ليحكي عن عبد الناصر و عبد الحكيم عامر و زواج المشير من برلنتي عبد الحميد، و مسلسل "امراض نسا" قصة رجل متعدد العلاقات النسائية، و خالد الصاوي ومسلسله "تفاحة آدم" الذي يقدم آلاعيب النصب والاحتيال و تدويخ السلطات الأمنية، و يعرض مسلسل "المرافعة" حادثة مقتل الفنانة سوزان تميم، و يقدم محمد سعد بطل الهرج و المرج، و الاسفاف الذي يسمى كوميديا " فيفا أطاطا". هذا السرد أو قاطرة الليل التي تحمل النفايات الملوثة للعقل، المخذلة لمن ينون قيام الليل، المضيعة للصلوات و السارقة لرمضان و التي لم تخرج موضوعاتها من العلاقات خارج أطر الزوجية، والغيرة، والقتل و كل ما تنفر منه الفطرة السليمة من جرائم و اخلاق متهتكة. مسلسلات تجاسرت وضمت في أحواشها الذين يضيعون أوقاتهم في غير طائلة، من أجهزة يفترض فيها ان تعين الصائمين على صومهم و القائمين على قيامهم و لكن طفحت بكل ما هو مسيء، فلنعقد العزم و نهزم الذين يظنون أنهم يحسنون صنعة، خاب فآلهم و بارت تجارتهم.
----------------
http://www.sudaneseonline.com/news-action-show-id-101828.htm