حياة ستالين

حياة ستالين


05-06-2014, 06:22 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=460&msg=1399396922&rn=0


Post: #1
Title: حياة ستالين
Author: محمد الطيب محمد
Date: 05-06-2014, 06:22 PM



محمد موسى

في مشهد أرشيفي نادر من جنازة القائد الشيوعي فلاديمير لينين في عام 1924، يظهر خليفته ستالين، والذي كان وقتها عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي، وهو يحمل مع مجموعة من المقربين من لينين، تابوت هذا الأخير. كان ستالين وقتها في السادسة والأربعين من العمر، بشارب أسود كثيف لن يفارقه حياته كلها، وسحنة جديّة لا تخطئها العين. سيقتل ستالين وبعد بضعة أعوام فقط من زمن الجنازة تلك، كل الذين حملوا كفن لينين معه في ذالك اليوم البارد من شتاء شهر يناير. بل إنه كان يترك أحياناً ملاحظات لفرق إعدامه السريّة، بأن يُمعنوا في تعذيب المدانين وحتى الموت.




إنه "أكبر مُجرم بتاريخ البشرية". هكذا يصف الفيلم التسجيلي الفرنسي "ستالين بالألوان" للمخرجين ماثيو شوارتز، سيرج دي سامبيغيني وإيفان ديميرلاندري، الزعيم الشيوعي المثير للجدل، الذي قُتل في سنوات حكمه ما يُقارب الثلاثين مليون روسي وغيرهم، بعضهم بالإعدامات المباشرة، والكثير منهم نتيجة سياسات وحروب صغيرة وكبيرة وتصفيات عرقية. بقيت سيرة ستالين غامضة وبعيدة عن التشكيك لسنوات طويلة، فانتصاره في الحرب العالمية الثانية حوله إلى أيقونة، وشغل الروس وغيرهم عما اقترفه في سنوات حكمه قبل الحرب تلك، فالمنتصرون هم الذي يحددون مسيرة التاريخ كما يُقال.

كتُوم، مهووس بالسلطة، كان يخفي قِصره بإرتدائه أحذية بكعوب عالية، ويُصر على الصعود على صندوق خشبي يخبيء تحت المنصة، حتى يبدو طويلاً في خطبه العامة، مُدمن على تناول الفودكا الروسية، وعلى مشاهدة باليه "بحيرة البجع"، والتي كانت تنتج كل عام من أجله. وكان أحيانا يترك المسرح ويذهب إلى "الكرملين"، من أجل توقيع مزيد من أوامر الإعدام. هذه بعض خفايا ستالين التي يعرضها الفيلم التسجيلي، والذي يستند، وبالإضافة إلى المادة الأرشيفية الصورية، على شهادات مقربين من الزعيم الشيوعي وشهادات تاريخية لروس وغيرهم، وصلت للعلن بعد سنوات من رحيل ستالين في مارس عام 1953.




يعثر الفيلم التسجيلي الذي أنتج العام الماضي على مجموعة من الأفلام الملونة النادرة لستالين وزمنه ، لكنه واستكمال المشهد الذي ينوي تحقيقه، سيعرض أيضا أفلاماً صورت بالأسود والأبيض، بعضها شهيرة، وأخرى لم تستهلكها البرامج التلفزيونية التاريخية، كالمشاهد التي صورها ديبلوماسي بريطاني في بداية عقد الثلاثينيات لموسكو، التي كان ينهشها الفقر والظلم وقتها. يصور الفيلم جياعا روسا، بعضهم من نبلاء زمن ما قبل الشيوعية، هائمون بالشوارع بعد أن جردتهم هذه الأخيرة من كل ما يملكون، وآخرون من النخبة المتعلمة الروسية يشحذون على الطرقات بعد أن عاقبهم الحكم الشيوعي بسبب مواقفهم غير الموالية له، كما يعرض الفيلم التسجيلي الفرنسي، أفلام دعائية روسية، صور بعضها تهديم كنائس وقتها (جزء من سياسية قطع الصلة بالماضي الرجعي). تشير هذه الأفلام اليوم، وعند وضعها في موازاة ما سببه حكم ستالين من ثمن بشري، إلى وحشية غير مسبوقة، طالت الإنسان والحضارة.

وستحظى عائلة ستالين باهتمام الفيلم التسجيلي. هي ستقدم هنا كمثال على جنون القائد الشيوعي وطغيانه، فرغم أنه اجتهد كثيراً لإبعاد عائلته عن الأضواء، إلا أن السنوات التي أعقبت موته ستكشف الكثير عن المحنة التي مرت بها العائلة. فابنته حاولت الانتحار مراراً، وزوجته الثانية "ناديا" انتحرت في عام 1932. يقدم الفيلم في هذا السياق مشاهد من التغطيات الرسمية لجنازة الزوجة، والتي أعلن في حينها أن سبب الوفاة كان أزمة قلبية. أما أبناء ستالين فعانوا من الإدمان على الكحول لسنوات طويلة.

وعندما لا تتوفر أفلام أرشيفية عن حقبات وأحداث معينة، يستعين الفيلم التسجيلي بعشرات الأفلام التي صورتها ماكينة الدعائية السوفيتية وقتها، فالجوع الذي كان يقضي على الملايين في الريف الروسي، تم إعادة إنتاجه إعلامياً ليكمل صورة اليوتوبيا الشيوعية، فيتحول الخراب إلى صور لفلاحين سُعداء يسيرون في حقول خضراء. سيصاحب تلك المشاهد الأرشيفية تعليقات وشهادات من ذلك الزمن، تشير إلى القسوة الشديدة لحياة أبناء الأرياف، والتي لا تختلف عن تلك لأبناء المُدن الكبرى، الذين كُدس كثير منهم في بيوت مُشتركة، وكانوا يقضون أياماً في صفوف طويلة في البرد الروسي، منتظرين دورهم للحصول على بضائع أساسية، كانت شحيحة كثيراً.




يسير "ستالين بالألوان" على خطى برامج وأفلام تسجيلية من الأعوام الأخيرة مثل : الحرب العالمية بالألوان، وهتلر بالألوان، أي بتوظيفها أفلام أرشيفية نادرة صورت بالألوان في تقديم جديد للقصص والأحداث التاريخية المعروفة. ما يُميز فيلم "ستالين بالألوان"، هو تلك الشهادات التاريخية التي ترافقه والتي منحته الكثير من الإثارة وأحياناً العاطفية الشديدة. فهو مثلاً يستعين بشهادات مثقف روسي أبعد إلى سيبريا، كواحد من الملايين الذين عوقبوا بالنفي هناك، ليقدم تفاصيل الحياة اليومية في معسكرات الموت تلك. وكيف كانت تلك المعسكرات تجمع متعلمي روسيا ومثقفيها، والذين قضى أغلبهم في صقيع تلك الجهة من الدولة الشيوعية. شهادة أخرى ستصف المشهد في أحد المعسكرات عندما وصل خبر موت ستالين في مارس عام 1953، وكيف أن كثيرين سجدوا على ركبهم وبدأوا في البكاء. فلقد رحل أخيراً المجرم الذي حكم البلد ببدلة الشيوعي العامل لما يقارب