الزميل صلاح الفكي وأحزان لها تاريخ

ن دار الغاوون صدرت رواية ( أحزان لها تاريخ) للكاتب صلاح الفكي

صدرت للزميل الكاتب الصحفي صلاح الفكي رواية ( أحزان لها تاريخ) عن دار الغاوون في بيروت في 214 صفحة .
صلاح الفكي الذي يقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ 17 عاما يتناول في روايته الحالة السودانية منذ الاستقلال بكل ما فيها من هزائم كبيرة وانتصارات صغيرة ، حمل النص الوجع السوداني والحلم السوداني و هموم السودانيين في منافيهم، وداخل وطنهم، محملاً قضاياهم الكبرى في الاستقرار والحياة الكريمة بلغة أدبية عالية واسلوب شاعري.

ونواصل ...

نقرأ من الرواية
[قادة الحزب يجتمعون ذات مساء سوداني في منزل زوجي خالد، حديقة المنزل أُعدت منذ الصباح، النافورة في وسطها تتلألأ بانكسار بلورات الماء على أرضيتها الرخامية المضاءة بمختلف الألوان. كراسي وثيرة ذات مقعد واحد، ومقعدين، وثلاثة. "ترابيزات" صغيرة صُفت بجانبها. وعلى جانب من الحديقة خيمة للمشروبات الباردة والساخنة، وأخرى لإعداد العشاء. الآن أنا أكثر نضجا.. أكثر تجربة.. أكثر خبرة، الآن أستطيع أن أناقش.. أن أشارك.. أن أقول رأياً. الحديث يدور حول عودة الممتلكات والدُور المُصادرة إبان الفترة العسكرية. هذا يقترح.. وهذا يعارض، وهذا يُثنّي، وآخر يطالب بتعويضات عن الفترة التي قضاها بالخارج، وعن الأضرار التي سببتها له حكومة مايو.
أتأمل الوجوه، هذا الذي يجلس أمامي ويرتدي زيّا سودانياً كاملاً ويضع رجلاً على رجل، كان يتحدث لأجهزة الإعلام قبل الانتفاضة عن المظاهرات ويقول: "إنها أعمال تخريبية يقوم بها بعض المندسين وسط الطلاب والصبية، وأن لا عودة لأكتوبر، وإن مايو جاءت لتبقى". وحتى بعد سقوط مايو كان يراهن على عودتها، لم ُيسلّم سيارة الاتحاد الاشتراكي إلا بعد أكثر من شهر، ولا تزال صورة الرئيس السابق معلقة على مكتبه إلى وقت قريب، أبدلها أخيرا بصورة سوار الذهب.

وآخر يرتدي بدلته الأنيقة المستوردة من أحدث صالونات الأزياء الأوروبية، يتملق كل حكومة، يصل إلى كرسي الوزارة زحفا وتسلقا، وعندما تشارف الحكومة على السقوط يخرج منها شاتما ولاعنا، ُيؤلّف كتابا، يحسب أنه يمسح به خطاياه ويكفر ذنوبه. مثل هذا هو طُحلب كل حكومة وفيروس كل انتفاضة.

وثالث أثرى في كل الحكومات، والآن يحجز لنفسه مقعدا مريحاً يُمكّنه من مواصلة مجهوداته الرائعة.

ورابع كل أولاده خارج البلد، يمضي كل سنوات عمره متنقلاً بين عاصمة أوروبية وأخرى، يعود للسودان عندما تستوي "الطبخة" ليأخذ نصيبه منها. لا يعرف عن السودان غير القصر الجمهوري ومجلس الوزراء، ومنزل فاخر وسط الخرطوم. والخامس رجل زئبقي، ينكمش بالعسكر ويتمدد بالأحزاب، لا منبت له أرجعه إليه، غير أنه واحد من طفيليات كثيرة ملأت بركة السياسة الآسنة منذ الانتفاضة.

وتاجر "ملح" أثرى من حرب الجنوب. والسابع ملك لكل الانتخابات، حقق الفوز في كلها، سواء جرت في عهد حزبي أو عسكري، لم يترك كرسيا في مجلس الشعب بمختلف دوراته إلا جلس عليه. والآن في الجمعية التأسيسية.

والثامن خبير في المهرجانات الشبابية، يعرف كيف يحشد طلاب المدارس عند كل احتفال، يحملون صور الرئيس وشعارات الثورة.

وهذا الجنوبي ورث عن أبيه الوزارة على مر الحكومات، والمرة الوحيدة التي خرج فيها من الوزارة دخل الغابة، وأعادوه بوزارة وعمارة في قلب الخرطوم.
وبين هؤلاء فنان، كانت الإذاعة حتى صباح الانتفاضة تبث أغانيه التي ُتمجّد مايو.

هؤلاء هم الذين سيحكموننا، تجار السياسة وتجار السوق، وهم دائما في اتفاق مع بعضهما ضد المواطن. حضرت الأحزاب؛ وغاب الوطن، لم يصلوا عليه صلاة الغائب.

كان يوم فرح أقرب إلى حزن. كنا نريد من الأحزاب أن تعطي للوطن بريقه، للناس عافيتهم، للشباب دورهم، للحياة حيويتها]

نواصل ...

بداية قوية لقلم مبدع ...