العفاف في زمن الجفاف

العفاف في زمن الجفاف


03-06-2014, 06:28 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=460&msg=1394083689&rn=1


Post: #1
Title: العفاف في زمن الجفاف
Author: وليد محجوب
Date: 03-06-2014, 06:28 AM
Parent: #0

قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون)
جاء في تفسير البغوي: جعل بين الزوجين المودة والرحمة فهما يتوادان ويتراحمان ، وما شيء أحب إلى أحدهما من الآخر من غير رحم بينهما.
وجاء في تفسير القرطبي: المودة حب الرجل امرأته ، والرحمة رحمته إياها أن يصيبها بسوء.
كنت أظن أن الجفاف العاطفي هو أحد الصفات التي تميز السودانيين, فعباءة الصرامة والتجاهل التي يرتديها الرجل بُعيد شهر العسل, غالباً ما تكون تفادياً "للسرج أب عكف". وهو مصطلح متداول بين الأزواج كنايةً عن تحكم الزوجة في زوجها لضعفه المترتب عن حبه لها. فكل من يُبدي ليناً وحنواً في تعامله مع زوجته أو يُبدي لها مكنون قلبه فهو موعود بالتسلط واستغلال المشاعر, فيأتي الحل في اخفاءها. قال لي أحد الأصدقاء في معرض حديثنا عن الإلفة بين الزوجين, أن زوجته سألته يوماً: بتحبني؟ فأجابها بسرعة: في زول بحب مرته؟!!! منتهى الإحباط.
غير أن احتكاكي في بلاد الاغتراب بجنسياتٍ مختلفة كشف لي أن هذا سلوكٌ شائع عند الرجل الشرقي, حتى من كنا نظن أنهم ملوك الرومانسية. فقط يمكنني الزعم بأننا نتفوق فيه على الآخرين.
لماذا يتوقف التعبير عن الحب بُعيد شهر العسل؟ لماذا نبخل بكلمات هي عند المرأة أجمل من كل ذهب الدنيا؟ إن المرأة بطبيعتها تحتاج إلى الإرتواء العاطفي. فهي تتعطش لسماع عبارات الثناء والغزل من رفيق حياتها, إطراءً لما تطبخ أو ترتدي, عبارات تنفذ للقلوب بصفاء فتشكل الوقود المحرك لحياة زوجية سعيدة تكون أكثر قابلية لتوريثها للأبناء صانعين جيلاً مُعافى.
غير أن الكثيرين منا يعشق الجفاء والجفاف مجانبين سنة المصطفي صلى الله عليه وسلم في التلطف مع النساء. فقد ورد عن حبر الأمة, عبد الله ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: إني أحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي المرأة، لأن الله تعالى يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ـ وما أحب أن أستنطف حقي عليها، لأن الله تعالى يقول: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ). وتَـزَيُّنْ ابن عباس دلالة على حبه لإمرأته. حب لا ينكره أمام الملأ. يُزين حياته ويملأها دفء وأمان.
إن التعبير اللفظي الصريح يعطي المرأة حقها في الشعور بحب زوجها لها, وهذا يندرج في باب حسن المعاشرة التي أمر بها المولى عز وجل في قوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف). والتصريح بالحب لا ينقص من قدر الرجل شيئاً بل يزينه في عين الزوجة ولنا في رسول الله أسوةٌ حسنة. فحينما سأل عمرو بن العاص رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن عقد له اللواء في معركة ذات السلاسل وهو حديث عهد بالإسلام: أي الناس أحب إليك؟ كان الصحابي الجليل يمني النفس بأن يقول له الرسوك الكريم أنت. لكن إجابة أفضل الخلق أجمعين جاءت واضحة: عائشة. إجابةٌ مباشرة لا مداورة فيها. عائشة, باسمها الصريح لا كنايةً ولا صفاتٍ فضفاضة. فخيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي.
وحينما تزوج جابر بن عبد الله ثيباً قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلا تزوجت بكراً تلاعبها وتلاعبك. هذا النمط من الحياة المفعم بالمداعبة والملاعبة هو ما تفتقده الزوجات لغلبة الجدية والتخشُن على حياتنا. وبهذا نكون قد فوتنا على أنفسنا نعماً كثيرة, متذرعين بأن هذا ما وجدنا عليه آباءنا, وأن تغير إرث الأجداد المُعظِم للجفاف العاطفي كالخروج من الملة.
إن الكرم العاطفي والتلطف الجميل يقوي العلاقة بين الزوجين ولا يسمح للملل بالتسرب إليها. بل هناك ما هو أخطر. حيث أن كثير من المحظورات التي تقع فيها النساء تكون بسبب الجفاف العاطفي وتعطشهن للإرتواء. فيدعو داعي الشيطان ويزين هتك المحارم للذئاب المعسولة اللسان والتي تجيد الولوج للقلوب العطشى. وهنا تُمني المرأة نفسها بشي من حلو الحديث دون تجاوز الخطوط المحظورة. لكن الولوج بخطوة واحدة في هذا الطريق الشائك يُفقدها نفسها وربما بيتها. على الرغم من أن الجفاف العاطفي لا يبرر الخيانة الزوجية على الإطلاق, إلا أن الواقع يقول أنه أحد أسبابها. ولا يسد هذا الباب غير تغير نمط السلوك الجاف وتغليب الدفء على حياتنا. فهلا عصمنا نساءنا بحسن التبعل لهن.