
الاسطورة محمود عبد العزيز ومضة عشنا على اشراقها فانقضت عجلى وما اصغت الى ترجياتنا و نداء روحنا المتعطشة الى غزير انتاجه و جيد اعماله المتتالية التي كانت تثبت لنا في كل صباح جديد مدى عبقرية هذا الشاب النحيل البنيان الذي يرتدي الفانلة الطويلة الاكمام التي تكاد اكمامها أن تغطي انامله , جاء هذا الفتى المشحون بالنغم و الشجن الحزين ليكون متنفساً و رئةً لبني جيله لينفثوا عبره دخان صدورهم التي تغلي من شدة الاثخان و الحمل الذي نائت بثقله نفوسهم فكان محمود هو المزمار الذي يخرج هذه الآهات ليريحهم من عذاب السنين و غدر الزمن , لم يدرك الناس عظم نفس (حوتة) الا بعد ان غادرهم بغتةً فبحثوا عنه في كل مكان ولم يجدوه الا في مكان واحد وهو مغمور فيه حد الثمالة وهذا المكان هو وجدانهم , بكوا كما الاطفال و ناحوا كما تنوح المكلومة بفقد وليدها الوحيد و الاوحد الذي لا اخ ولا اخت له , في يوم رحيله اسودت الايام و الليالي و فقدت الاطعمة و الاشربة نكهتها وطعمها و تغطت سماوات الدنيا و اراضينها بالشحوب و الجفاف و المرارة , يوم الاعلان عن فاجعة سكوت الرباب و انتقاله الى عالم الغياب هو بمثابة الاعلان عن ثورة عارمة تصاغرت دونها الهمم و العمم و الهامات التي كانت تضج بها الساحة السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية و انهزمت فيها كل النفوس المزيفة و الغاصبة لبراءة الانسان السوداني النبيل , يوم غياب عندليب الالم الموشح بمآسي هذا الشعب الجميل كان هزيمة كبيرة للمتشبثين بتلابيب الفانية من طلاب السلطة و الجاه والمال , جائوا جميعهم الى ساحة عزاء بيته المتواضع و كل واحد منهم مطأطأ لرأسه ذليلاً و منكسراً أمام هذا العملاق بحب الناس الغُبش له و بحبه لهم و بتواضعه الذي أستحى منه التواضع