موقف الفقه الإسلاميّ من الأزمة السياسيّة المصريّة الرّاهنة!

في هذا البوست:
Re: رسالة من المرشد العام للإخوان المسلمين إلى الشعب المصري
الّذي افترعه الأخ عمر صديق،
كنت قد عبّرت عن موقفي من الأزمة السياسية المصرية،
فقلت:
لا ريب عندي وعند كلّ من لا يُلغي وجود الآخر،
أن الإخوان المسلمين في مصر، هم مع الشرعية!
ومتمسكون بالعملية الديمقراطية التي تمت!
ولئن وافقوا الشرعية، فإنه لا ريب عندي كذلك،
أنهم في موقفهم هذا قد خالفوا الشريعة!
حتى لو افترضنا أن موقفهم هذا قد أثمر ثمرة طيبة لهم،
ولمصر، فإنه موقف مغامر،
وفقهاء الأمة الإسلامية، أدركوا جيّداً منذ وقت مبكر،
الموقف الشرعي المسئول جداً، من مسألة تغيير نظام الحكم؛
لإدراكهم بما يجرّ أو قد يجرّ إليه الخلاف السياسي
من مشكلات ومآس وكوارث!
فلذا وقفوا سدّاً منيعاً في طريق العمليات المغامرة،
فيما يتعلق بعملية التغيير، فلم يُبيحوا الخروج المسلح على الحاكم،
وسدّوا كلّ ذريعةٍ تؤدي إليه،
ما لم يتوافر شرطان:
الأول أن يكون الحاكم قد أظهر كفراً بواحاً،
والثاني: أن تكون الجماعة الخارجة على الحاكم، عندها من القوة
ما يؤدي إلى أن تتم عملية التغيير، بصورة ناجزة،
لا تؤدي إلى الفتنة وإراقة دماء الأبرياء!
فلذلك كان الموقف الصائب والحكيم في نظري والأكثر تعبيراً عن
(الحكم الشرعي)، هو أن يدعو مرشد (الإخوان المسلمين) جميع أتباعه،
إلى مغادرة الميادين، والتوقف عن أعمال التظاهر،
والتوجه إلى مواقع عملهم، درءاً للفتنة!

وقلت:
والأصل في كلّ ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:
قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ:
((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ،
فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟
قَالَ: «نَعَمْ» ،
قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟
قَالَ: «نَعَمْ» ، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟
قَالَ: «نَعَمْ» ،
قُلْتُ: كَيْفَ؟
قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي،
وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ» ،
قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟
قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ،
وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ))
[صحيح مسلم 3/ 1476]

لاحظ ذكر أسوأ الحالات التي يفقد فيها الإنسان صبره،
ويقرر فيها اللجوء إلى الخيار العسكري،
أو إلى التمرد على الحاكم!
والتمرد على الحاكم نفسه لا يجوز،
لأنه قد يؤدي إلى ذلك الخيار المرفوض!
أخيراً، شوف الآن ما يحدث في سوريا،
نتيجة الإعراض عن السنة النبوية في هذا الشأن،
يعني الرسول قال الحاكم ده مهما اعتدى عليك،
ابقَ معترفاً بواقع كونه حاكماً يحوز القوة!
ولا تنس أن وجود القوة العسكرية في جهة واحدة، هو في حدّ ذاته،
من ضمانات عدم سقوط الدولة في الفتنة!
ولاحظ إنو قال لحذيفة في وصف مثل هؤلاء الحكام:
(رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ)
أنا ما عارف علماء الامة ديل،
كانوا عاوزين الرسول صلى الله عليه وسلم،
عديل يقول ليهم: بشار الأسد والشبيحة والسيسي!؟

وبعد أن أكدت على حرمة الخروج المسلح على الحاكم،
ما لم يتوفر ذانك الشرطان، قلت مستدركاً:
لكن أن تقول كلمة الحقّ بين يدي سلطان جائر،
هذا أمر آخر:
لأن الحديث الآخر يقول:
((سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ،
ورجل قام إلى إمام جائر فأمره و نهاه فقتله)).
[السلسلة الصحيحة المجلدات الكاملة 1 - 9 1/ 373]
وهذا موقف بعيد عن موقف التمرد،
لأنه موقف تحمل مسئوليته فرد واحد، قال كلمة الحقّ في وجه السلطان،
ومضى بعد أن غرس في نفوس الآخرين بذرة الإباء والكرامة والإنسانية!

وهذا كلّه يعني شيئاً واحداً، وهو شرعية النضال المدني!
لكن من الواضح من خلال هذا الموقف الشرعي:
أن التمرد على الحاكم مُستثنى من وسائل ممارسة النضال المدني!
التمرد على الحاكم، حتى لو تمّ عن طريق المظاهرات، مرفوض!
فما قامت به حركة تمرد مرفوض شرعاً وديمقراطية!
والإخوان الآن يحاولون استخدام نفس سلاح حركة (تمرد)!

في الممارسات الديمقراطية الأصيلة،
من حقك دائماً أن تتظاهر، وتعبر عن موقفك ورأيك،
مطالباً الحاكم بما تراه من المطالب،
أما أن تتمرّد على الحاكم المنتخب نفسه،
وتطالب بإزالته بغير الطرق التي بيّنها الدستور،
فلا شك أن ذلك مخالف لأبسط معاني الديمقراطية!
جوهر فكرة الديمقراطية: هو ضبط الصراع
من خلال إجراءات محدّدة، اتّفق عليها الجميع!

المهم،
بعد أن قررت ما قررت من وجهة نظر،
برز لي الأخ الأستاذ عبد القادر أبو شيمة،
فوجّه لي النقد التالي:

Quote: الأخ صلاح عباس فقير لك التحية ورمضان كريم فتواك هذي جانبها الصواب وفيها انحياز، وخلط للأوراق ومعذرة إن قلت لك: وهي إيه الدغمسة غير تشيل إيدك تغمسا ومن وين تجيب المدرسة عشان بي مزاجك تهندسا هو الاجتهاد بالوسوسة قول العلم بالدسدسة قال عقلاني قال وبيهمسا قول الرسول شرع حنيف عجب أن تقتنع باقتلاع الشرعية ثم تنصب النظام الغاصب للشرعية أنه أولى بالطاعة أنسيت أن الانقلاب على الشرعية يحتاج إلى العقوبة المجزية بدلاً من أن تطالبني بطاعته من هو الأولى بحقن الدماء الحاكم الذي بيده مقاليد الأمور والبناء أم المحكوم المظلوم الذي أريقت له الدماء. يا أخي ما هذا الهراء أين آراء الفقهاء الأحكام الشرعية لا تدار كما أدرتها فهلا أنصفت؟

ورغم ما في هذه الكلمات من نقد شديد،
لا أدّعي البراءة ممّا يتضمنه من (صفات)،
لكن قالبها الشعري الطريف،
يستثير فيّ كلما نظرتُ إليها بداية ضحكة
صادرة من الأعماق!
المهم!

فرددت عليه بمداخلة عاجلة:

الأخ عبد الفتاح، سلام الله عليك ورحمته وبركاته،
وشكراً على ما تضمنته كتابتك من نقد،
بيد أنّي أبيّن لك في هذه العجالة:
أن الأمر ليس أمر فتوى من قبلي، واجتهاد خاص أسوقه،
وإنما هو حكم مقرر في كتب الفقه،
وفعلاً كان ينبغي الإدلاء بأقوال الفقهاء وأهل العلم الشرعي،
وعدم الاكتفاء بتقرير ما هو مقرر في وعيي عنها،
وإنما منعني من ذلك الانشغال،
وأعدك بأن أفعل ذلك عاجلاً بإذن الله في بوست قريب فترقبه!


فهذا البوست هو محاولة للوفاء بالوعد
الذي بذلته للأخ عبد الفتاح،
آمل أن أتمكن من الوفاء به حقّاً،
رغم الشواغل العديدة،
وطبعاً أبرزها (الدوام)
في عالم كاد المرء أن يتحوّل فيه،
من (إنسان) إلى (موظف)!

وإثارة الكلام عن الفقه الإسلامي،
مدعاة لإثارة كثير من سحائب الشك والغموض والرؤى السحرية،
الساخرة، من واحدٍ من أروع ثمرات الحضارة الإسلامية!

الغربيّون أنفسهم لما اطّلعوا على الفقه الإسلامي،
ولم يجدوا في أنفسهم ما يدعوهم إلى الاستهتار بهذا المجهود العلميّ
الضخم، والانتقاص منه، لم يجدوا إلا أن يرموه بتهمة عدم الأصالة،
فقالوا: إنه مجرد ترجمة للفقه الرومانيّ القديم!

عموماً، إثبات عظمة الفقه الإسلاميّ وأصالته أو إنكارهاا،
ممّا لا يمكن أن يسبر غوره العوامّ،
فلا أملك في هذه السانحة، إلا أن أذكر بعض شهاداتٍ شهدت بها أشهر
الهيئات القانونية والفقهية والحقوقية في العالم،
ممّن ينبغي أن يخضع لقولهم، غير المتخصّصين في هذا المجال،
إلى أن تُتاح لهم القدرة على رؤية الحقيقة بأعينهم،
لا بأعين الآخرين!

الأمر يتعلق بثلاث قرارات اتخذتها بعض الهيئات الفقهية العالمية’
تعترف فيها بأصالة الفقه الإسلامي،
واستحقاق أن يكون واحداً من مصادر القانون الكبرى في العالم!
المهم هذه هي القرارات أو المواقف:







المصدر: كتاب الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد،
للعلامة الدكتور مصطفى الزرقاء!

تعذّر عليّ رفع الصور،
إذن سأضطر لطباعة محتواها، وهو كما يلي:

القرار الأول:
اتخذه (مؤتمر الحقوق المقارنة) المنعقد بمدينة لاهاي،
في شهر آب من عام 1937م،
وهو يتضمن ثلاثة مبادئ:
[1][اعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً من مصادر]
[التشريع العام]

[2][اعتبارها حيّةً قابلةً للتطور.]

[3][عتبارها تشريعاً قائماً بذاته، ليس مأخوذاً من غيره.]

القرار الثاني:
اتخذه (مؤتمر المحامين الدولي) عام 1948م،
وهذه ترجمته:
[اعترافاً بما في التشريع الإسلاميّ من مرونة،
وما له من شأن، يجب على جمعية المحامين
الدولية، أن تقوم بتبني الدراسة المقارنة، لهذا
التشريع، وبالتشجيع عليها]


والمجال متاح لتعليقات الأخوة القانونيين في هذه النقطة!
وأكتفي بهذين القرارين، لأن القرار الثالث مطوّل إلى حدٍّ ما،
اتّخذه مجمع الحقوق المقارنة الدولي، المنعقد في باريس،
عام 1952م، بمناسبة عقده لأسبوع الفقه الإسلامي!

طيب أبدأ بعرض بعض مواقف الفقهاء المسلمين،
من القضية محلّ النزاع،
ألا وهي:
هل يجوز إعلان الحرب المسلحة، على أيّ نظامٍ سياسيّ،
سواء كان قد وصل إلى السلطة، عبر اختيار القاعدة الجماهيرية،
أو كان قد استولى على السلطة السياسية بليلٍ!
وابتداءً، هل يجوز التمرد عليه، بمعنى إثارة الجماهير الغاضبة،
وجرّها وجرّ البلاد إلى مصيرٍ مجهول، والحال أن هذا السلطان
مدجج بالسلاح!
فهل من مصلحة الجماهير، مواجهته بالقوة؟
وهل من العقلانية، إيقاف عجلة الحياة الطبيعية عن الدوران،
الأمر الذي من شأنه كذلك، أن يؤدي بالثوار إلى ارتكاب أعمالٍ
ضدّ مواطنيهم، من أجل إثارتهم وتحريكهم للتظاهر ضد النظام،
وذلك ما اعترف به معارضو الرئيس نميري، من أنهم كانوا يزورون
الوثائق الرسمية، وأنهم ربما استولوا على كميات كبيرة من المواد
التموينية وألقوا بها في البحر!
يكفي أن ذلك سيؤدي إلى إشعال نار الحرب!
وما أدراك ما الحرب؟