خطاب ٌ أبكم !

خطاب ٌ أبكم !


07-25-2013, 08:48 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=440&msg=1374742104&rn=0


Post: #1
Title: خطاب ٌ أبكم !
Author: shazaly gafar
Date: 07-25-2013, 08:48 AM

خطاب ٌ أبكم !
شاذلي جعفر شقَّاق
[email protected]

باغتَتْني أفواجُ التداعي من كلِّ حدَبٍ وصوب دونما سابقِ إنذارٍ أو أوان ..نازَعَتْني عُزْلتي المجيدة بلا هوادة ..راودَتْني همْهماتُها القشيبة عن أسمال خلوتي الممشوقة البيان ..همَّتْ بلساني المعقود التُّرجمان ، وهمَّ بها لولا أن سقطتْ البصيرةُ الغاربةُ مغشيَّاً عليها فوق غلالة الشفق الشاحب !
ترجَّلتْ عُمامتي عن رأسي لا بإرادتها ، إنما خضوعاً لثورةِ الصِّبا ضدَّ التصابي واشتعال الشيب الوِلْداني المائج في جذور الوقار النَّخِرة ومفارق البؤس الخضيبة بالسواد الزائف ! انشطرتْ عمامتي إلى نطاقين ، وإن شئتَ الدِّقَّة إلى إزارين لأنثيَيْن ؛ قصيدةٍ وقِصَّةٍ عاريتين إلاَّ موضعين !
شحذتُ لُغتي على حجَرِ عَثْرةٍ ظلَّ رفيقاً دائماً وصديقاً وفيَّاً لخُطوتي الأثيرة .. أشهرتُها في وجه الفكرة الجريئة مُنافحاً بها فلول المعنى المخلوع بالخطأ إنابةً عن جاره المقيت ..مكافحاً بها سدَنة النظامة القديم وأساليبه البائدة ! جشَّمْتُها عبء روحي المُثْقلة بالألم العتيق حتى ضاقت عنها آنيةُ الأبجدية المُذهَّبة وأوعية الحروف المزركشة بنقوش الكوشية البديعة وطلسماتها الفصيحة ، ثم حرستُها بحاجبين ذَكَرين ؛ السِّحْرِ والغموض ، يتقاطع رُمحاهما خلف (كَنْداكة) الحكمة في زفَّةٍ فرعونيَّةٍ تبتغي وجه النيل الغارق في الخلود ..كريرُ حناجر ..عزيف جنيَّات ..تناغُم قيان ..تداخل دفوف ..تقاطع زغاريد حفيف سعف ..بخور طمي ..(جَرْتِقْ) جروف ..عطور نسائم ..رائحة طلْع يباهي بذكورته البادية للأُنوف !
لتُعلنَ عن ميلاد فرحٍ جديدٍ أو فرحةٍ جديدةٍ تتقاسمها قسماتُ الفجر الندي وأسارير الضياء الطليق ..تتقافز بشاراتها بين الشفاه والمسامع ريثما ترسو سفائن الدهشة في مرافئ الطمأنينة الخضراء لينبلج – لاحقاً- السؤالُ عن نوعٍ الوليد ! كلُّ يُغنِّي بلسانٍ مُبينٍ ويصلِّي بقلبٍ أغلف ، ويسعد بما قيل له كُنْ فكان ..ومَن شاء أنْ يرفُلَ في عباءةِ التجنيس العريقة ؛ فلا تعوذه حيلة السؤال وسْط كرنفال الميلاد ..فإنَّ جَدَّتنا (العجميَّة) التي نسختْ هذه الصفةُ ؛ صفة العُجْمة اسمَهَا الجميلَ لكونها لم تنعمْ بحاستَيِّ السَّمْع والكلام ..فقد كانت تستفسر – على طريقتها – عقبَ كلِّ ميلادٍ عن نوع المولود بسبَّابةٍ منتصبةٍ ، أو إدخال الإبهامٍ بين البِنْصِرٍ والوسطى من ذات الكفِّ !
على أيِّ جنسٍ أدبي سأقدِّمُ محنتي وأنا الذي ما نلتُ من البيان مثقال خردلة ! ليتني أسطيع أنْ أضاجعَ نساءَ الصمت على أرائك البوح الأبكم ..ليتني أسطيع مواعدة القصائد على شواطئ الخُلْسة الغنَّاء على حين غرَّةٍ من عين الرقيب ..ليتني اسطيع التسلُّل إلى خباءِ القصص الأبكار كــ (إمرئ القيْسِ) وهو يقتحم هودج (عُنَيْزة)ويُميل قميطَه حتى يعقر بعيرها أو يكاد ! آهِ لو استطيع ؛ إذن لكفيْتُكم عنَتَ التغربب ومشقَّة التهيام في بوادي النجوع والتعثُّر بين نجاد النوى ووهادِ الإياب في ديمومة التهجير من عالَم القُبحِ المُعاش إلى عالَم الجمال المُرتجى !
ولكن وآهٍ من لكن الحتمية هذه ، التي لا تُجرِّم فاعلاً ولا تُبرأ مفعولاً ..ولا تقدِّم ولا تؤخِّر مُبتدأً أو خبرا ! ولكن لمَّا كانت هذه الأجناس قاطبة حَرْثاً لنا نؤتيه أنَّى شئنا رافثين في ليل الصيام ؛ فلا مناص من الصدور عن رِيِّ الجنون ، ما دام القلمُ مرفوعاً عن التابوهات ذوات الحصون ..نؤومات الضُّحى اللائي يكمن في وصيدِ خدورهنَّ الموتُ الزؤام الوالغ في بحور الهوس والظلام ..المتحفِّز ######يَّةً بقوائم الفتاوى الفتيَّة ، هدَّارة الدماء نُباحاً ومخلباً ونابا !!
كم انتهزت قطةٌ لعوبٌ هذا الاتغماسَ الجشع في عطَن الملذَّات ، وعرَض الاكتناز الزائل ؟ كم تمسكنتْ حتى تمكَّنتْ وهي تُدخل مخالبها في أغماد وداعتها أثناء تناومها الصاحي أو صحْوها المتناوم ..، قبيْل الانقضاض على زُغب أحلامٍ ينتظرن الريش عارياتٍ إلاَّ من شفوف الأنسام !
على أيِّ بحرٍ نسجتْ عنكبوت الغواية قصيدة (الحبائل الساحرة ) قبل أن تتوارى تحت ذريعة موت المؤلِّف ريثما يشنِّف أذنها الطنين ! وبأيِّ لُغةٍ تكتب ديدان السريالية سِفْرها البهيم على أرض المعاد .. عن أيِّ شيٍ تبحث هذه الحقيقةُ الهائمةُ على وجوهِها التي لا تُحصى ولا تُعد !
من أيِّ قاموسٍ استقي كلماتي وقد تنكَّرتْ لمعانيها القديمة وبدَّلتْ تبديلاً بفعل تلاطم الأغراض وتناحر المصالح المُفضي إلى التوليد غير الشرعي واستنساخ المُسوخ من أحسن التقويم ..عندما ترتدُّ شعارات النسك الناضرة إلى أسفل سافلين ..عندما يلهج السُّحت والرِّبا باسم الحقِّ المُبين ..عندما ينتحل الكذبُ شخصيةَ الصدق ويرتدي شاراتِه و يتجمَّل بنياشينه .. عندما يقدِّم الخَوَّارُ الطريرُ نفسَه بالقويِّ الهصور ..عندما ينقِّر الجورُ على منضدة العدل إيذاناً بالشروع في اغتصاب الحقِّ السليب ! عندما يُصبح المجاز زير حقائق ؛ يُمسي العشيق بَعلاً في الأوراق الرسمية ..تفارق الأسماءُ مسمَّياتِها فراقَ غير وامق ..تمتلئ دور النصوص والحواشي بعلامات التعجُّب والاستفهام ..لتفتح فضاءات التأويل على مجاهل الغيوب !
عندما يصبح الواقع سريالياً إلى هذه الدرجة ويصيح صائحٌ ألاَّ تكونوا صُمَّاً ولكن كونوا بُكماً ؛ أحمل ريشتي .. أدخل غاليري المُلهِم مُعلناً ارتباطي الأبدي بلوحةٍ لا بُدَّ إنها أنثى ..أرسم قبضةَ كفٍّ ثائرة ولكن دون أن يدخل الإبهام المبتور بين البِنْصِر و الوُسطى .. أفرغ منها أضع ثِنْيةَ ذراعي تحت رأسي ..اتثاءب ..وأموت !!!!


الوفاق – اليوم الخميس 25/7/2013م