|
أيقونةُ مُهشَّمة !
|
أيقونةُ مُهشَّمة ! شاذلي جعفر شقَّاق [email protected]
تُمْسِكُ عن مائدةِ الرغبة راضياً مَرضيَّاً ..تخرُجُ من قعْرِ غُرفة الوجود المُعْتمة عبر مضيقِ ردْهةِ ذاتِكَ إلى فناءِها الفسيح .. تنسلُّ من معزوفةِ السَّحَر لحناً نديَّاً بجَناحَيْن ؛ أسود وأبيض ..تمْخُر بهما فضاءَ الوسيلةِ المُتساميةِ فوق جدليَّة الحياة وثنائيَّتها المحتومة صوْب غاياتها المُعلَّقة بخيوطِ الغيوبِ الغائمة ..تقلعُ في الحين عن عادةِ التأمُّلِ المُفْضيةِ – رُغْم شَرْعيَّتها – إلى شوارع البوْحِ الرافضة ! إلى أزِقَّةِ الاستفهام الهائمة على وجوهها في مُدُنِ الضباب المائجة بفعلِ الرياح الثائرة ! تُمعنُ في تحليقكَ الشاهقِ فوق ذُرى التغافُلِ والتعلُّلِ بمحدوديَّة الحيلة وقِصَر البصر والبصيرة ..تجلس على (فرْوة) سحابة ٍ ناسكةٍ فوقها رُكامٌ ، من فوقه رُكامٌ ، ظُلماتٌ بعضها فوق بعض .. تستقبلُ لا وُجهة ، مُتجلْبباً بيقينٍ فضفاضٍ يصطفقُ في نشوةٍ ثيِّبٍ ..مُتعمِّماً بتَوْقٍ تتطاير عَذَبَتُهُ خلفَكَ كذيلِ مُهرةٍ جمَّاحة .. ما بين عزيفِ الريحِ ومَرَدَتِها وطمْطمات التسليم والهواجس الفتيَّة ؛ تندلع نوبات السُّعال المفاجئة ونحْنحات الصمت العقيم مخلِّفةً صوتاً غير شرعيٍّ كناطقٍ باسمِ الاختراق الخنزبيِّ الغريب والقادر على انتزاع الانتباهة من براثن الخشوع رُغم صياصي الوجْد المنيع ومهابة المقام الرفيع أنْ هيَّا إلى العبثِ الصفيق أو حَيَّ على المجون في خدورِ مُلْهماتِ الجنون ! تدَّعِي الصَّمَم وأنتَ سميع ..تنتحلُ الجهلَ وأنت عليم ..تنفِّذ انقلاباً أبيضاً على رأس الحكمة ..تُبقيها تحت الإقامةِ الجَبْريَّة داخل أفواه المجانين ..تُنصِّبُ فطرَتَكَ حَكَماً على حُمْقِكَ ، تجعل لها من خيالكَ وزيراً لها .. ومن بنات أفكاركَ وَصِيفاتٍ رافلاتٍ في الحُسْنِ ، كواعباً أتراباً ..تعودُ على صهوةِ قعْقعةٍ كقصفِ الرَّعْدِ إلى مُبتدأ السَّهْوِ المحذوفِ وجوباً ..تبحث عبثاً عن يسارِكَ فلا تجد له من أثر ! تنقشع رؤياكَ الداكنة عن طبقةٍ أشدّ حُلْكةً ..تنبلج حزمةُ أشِعَّةٍ بين سُدْفتين تَشِي بمُفْتَرَقِ الطريق ، أيُّ مُفْتَرَقٍ لها هنــا ، فما كان انحرافُكَ إلاَّ تنكُّباً طريقاً جديدةً لا تمُتُّ إلى الأُولى بِوُجْهة ! وددتُ لو أنَّكَ قفلتَ راجعاً .. ولكن الخُطى ليستْ خُطاك ، والمطيَّةُ مسخَّرةٌ للريحِ أو الريحُ مُسخَّرةٌ لها ، وأفواجُ السحاب تجري حواليكَ زُرافاتٍ ووُحْدانا ..مُتشابكاتٍ ومُتدافعاتٍ ..تلك سحابةٌ حلوبٌ وبُهْمها يُناغي ضروعَ السخاء ..وهذي سحابةٌ خلوب لا تني تقدِّم الوعود وتتعلَّل بالعشم ..وهاتان عقيمتان عجوزتان ، انقطع عنها طمْثُ الأمل لا تحلُمان بأيَّامٍ أُخَر يتساوى فيها عطاءُ الأفواج ولا موسماً تدرُّ فيه الضروع اليابساتِ وقد مضى زمانُ المُعجزات ..!رُفعتْ أقلامُ اليانصيب وجفَّتْ صُحُف الهِبات وقراطيس التسويات والتزكيات ! إنما تتساوى جميعاً في تلبية نداء الرحيل الأزليِّ صوب الأفول ! أيُّ أفولٍ والمدى يلتحف السواد ..ما خلا اصطكاك أسنان برقٍ خاطفٍ إثر قعقعةِ الرعد ..يتبدَّى أمامك قطيعٌ من المُصفَّدين المغروسين كأوتاد في أرضٍ جديبة ! الراسفين في أغلال ضعفهم وقلَّة حيلتهم ..بلوِّحون بأذنابهم الطويلة وآذانهم المُشْعرة أن سُحقاً لأبناء اللواتي أنْجبنَ لهم من أرحامهنَّ ما يقوم مقامنا و أفضل من ذلك ! من بني جلدتكم ويستعيذون بالله منَّا ويحجّون البيت ويعتمرون ..يُطلقون اللُّحى وسيماهم في وجوههم من أثر السجود ..ويقدِّمون على أسماءهم ألقاباً لا عداد لها أولئك العُتُق المتسربلين بعباءات الطمأنينة ..يصولون ويجولون ويضربون بِرِجْلهم في أرض اليقين ٍ والِغينَ في آنية الذهب والفضة .. يذبِّحون أبناء الصبر الجميل ٍ ويستحْيون نساء الجزع الكفور .. ويتبوَّلون على بعد أميالٍ خار ج دائرة سطوتهم كنوعٍ من أنواعِ التحدِّي ..وفرض الهيبة ! أرباب المعاول ..جُند الخراب الذين يفرِّقون بين المرء وأحلامه .. ينتزعون الابتسام من الشفاه .. والأصوات من الحناجر .. والتُّقى من القلوب ..يشربون المياه من الوجوه ..والدماء من الشرايين ..يُفرغون الألفاظ من المعاني .. والوعد من الوفاء و المقدَّسات من القداسة.. يغرسون الجدْبَ فيى خصب الجروف ..والجبن في أقبية الأفئدة ودهاليز النفوس ! يقتحمون فناء داركَ الفسيـح ..يتغلغلون عبر مضيق ردهتها ..إلى قعر غرفتكَ اليتيمة .. ولمَّا لم يجدوا شيئاً ذا بال يهشِّموا أيقونةَ اليقين الرابضة على المنضدة الأرملة !
الوفاق - اليوم الإثنين 15/7/2013م
|
|
|
|
|
|