نصف انقلاب وثلاثة ارباع ثورة , مصر التى فى خاطرى

احتبست انفاسنا ونحن نراقب مصرا , تجربة ديمقراطية جديدة ووليدة مرت بمنزلقات خطرة , فهل تجاوزتها ؟؟؟
اى اجابة متسرعة , ستكون مختزلة ومبتورة , لحظات الولادة هى اصعب اللحظات , هى اقساها واوجعها , نفس السؤال الذى سألناه يوما ما ابان انتفاضتنا المؤؤدة فى السودان , عاد المصريون ليسألوه بطريقة اكثر الحاحا , سنقدر ارتباك المصريين فى الأجابة , ولكن هل لنا عذر ان ارتبكنا نحن مجيبين ؟؟!!
‏ لماذا نقدر ارتباك المصريين فى الأجابة ؟؟ ولماذا لا نجد لأنفسنا نحن السودانيين عذرا ان اصابنا ما اصابهم من ارتباك ؟؟هل هناك قاسم مشترك بين التجربتين , وان بدأ لنا ان طرفا النزاع يقفان فى مكانين متبادلين , هل هناك فرق بين انقلاب وانقلاب , وابتداءا ما هو الأنقلاب ؟؟ وكيف يجوز لنا ان نستمع الى اصوات الشعوب ؟؟وما هى الطريقة المثلى لتمييز هذه الأصوات وتصنيفها ؟؟وهل هناك قاسم مشترك اعظم هو سبب كلا المعضلتين الديمقراطيتين اللتان مر بهما شعبا مصر والسودان وان اختلفت المواقع ؟؟

فى ابريل من سنة ستة وثمانين , انتفض السودانيون وقدموا درسا فى ثورات الشعوب السلمية , مثلما فعل المصريون ذلك فى يناير من العام الحادى عشر بعد الالفية الجديدة , ولكن لننظر لطبيعة الأنظمة التى ثار عليهما الشعبان , نظام نميرى ونظام مبارك , بدا نظام نميرى بنظريات يسارية , ولابد لى ان اسميها نظريات لأنها لم تتعدى كونها كذلك فى احسن ظروف النميرى , وانتهى به المطاف , فى الجهة المقابلة للنظرية التى ابتدأ بها , يمينا متطرفا مرتميا فى احضان يمين اليمين مقاربا حتى لمهوسيها , وجرف معه فى سنوات عمره الستة عشر , جماعات وجماعات واقعة من يسار التصنيف السياسى , الى وسطه , الى متصوفته , الى يمين الوسط , ثم اليمين , منتهيا الى ارتماءة يمين اليمين الفجة والبغيضة , وحقيقة الأمر ان مايو , بدأت باليسار النظرى , الا انها سرعان ما اكلت رموزه وفرقتهم ومزقتهم كل ممزق , بحيث ان ملخصها النهائى تصنيفيا , لا يمكن اعتباره الا حاصلا لجمع وضرب اليمين بطيفه السودانى الواسع الذى يبدأ من عمق الوسط السياسى , بينما ضاعت نكهة يسار الولادة والمنشا , منذ سنين مايو الأولى , حتى لم تعد تذكر , الا لرمى اليسار السودانى , بجريرة الأنقلاب والنكوص على العهود الديمقراطية الأكتوبرية , ولكن اذا قرئت هذه الجريرة , بحادثة طرد نواب الحزب الشيوعى المنتخبين ديمقراطيا فى برلمان اكتوبر , وعددهم لا يكاد يصل الى الأثنتى عشرة نائبا , باستغلال بشع وبغيض , تكالب عليه طيف اليمين السودانى من حدود وسطه الى حدود مهووسيه , والشخصيات هى نفس الشخصيات ما تزال , اقول لو قرئت جريرة الأنقلاب او تاييده او حتى التعاطف معه فى (اضعف ايمان) , لو قرئت مقرونة بوقائع الأعتداء على الديمقراطية ممثلة فى طرد نواب الشيوعيين من البرلمان الأكتوبرى , لأختلفت نتائج القراءة وحتى نكهتها وطعمها ويمكن كمان اللون

عموما ليس كل ما ذكر حتى الآن الا مقدمة موضوعية لمناقشة حالة مصر التى فى خاطرى , وحتى تكتمل المقدمة , فلننظر الى نظام مبارك , الذى تعود جذوره الى حالة سياسية يمكن اعتبارها (حالة وسطية ) , حتى ولو كان فى ذلك بعض التجاوز , الا انه تجاوز طفيف , يميل الى اليسار او الى اليمين حينا بعد حين , اذ ان مبارك ورث حكما بدأ بحركة الضباط الأحرار بعبد الناصر ورفاقه , ثم تصحيحية السادات الذى انتهى قتيلا بعد تنكيله بالمعارضين يسارا ويمينا , فوصلت الى مبارك , وتحول الأتحاد الأشتراكى اثاء هذه التحولات حتى صار حزبا وطنيا , ولكنه احتفظ بصفته الوسطية (تجاوزا) وان راودته حسناوات يساريات ويمينيات عن نفسه حينا بعد حين , ولكن مراودة حسناوات اليسار (والحق يقال ) كانت اكبر , دون ان يفلحا (لا اليمين ولا اليسار ) فى استمالته او مزاوجته او نيل كامل قلبه وميله , ولكن آفته كانت آفة (الشمولية الأزلية) , الجمود والتحجر الناتج من عدم التداول , فاصبح مبارك مصر مشابها لنميرى السودان , ولكن جنوح نميرى اليمينى عجل بنهايته فى ابريل من سنة خمسة وثمانين , بينما مراوحة مبارك الوسطية , مددت بقاءه الى الالفية الجديدة , ولكن المسافة بين السقوطين , وان كانت كبيرة بمقياس الزمن , الا انه يمكننا القول باطمئنان شديد , ما اشبه الليلة بالبارحة , وكأن الفرق بين خمسة وثمانين والفين واحد عشر , ليس ست وعشرون عاما كاملات , ولكن سنة واحدة او سنتان بعد سقوط مبارك , كانت اعمق بكثير , من السنوات التاليات لسقوط نميرى ومايو , وهذا ما سندخل فيه ولكن بعد حين

اقصد بتداخل استدعاء تاريخ مصر والسودان القريب , ليس المقارنة فقط , بل اننى اتعدى ذلك للمقاربة ايضا , فكلا الأحداث فى البلدين , تشبه وجه الصورة , ووجه الصورة المقابل , تماما مثل الغاز مجلات الأطفال التى تطلب منك خمسة او ستة فروقات بين صورتبن تبدوان متشابهتين , ثم تكتشف بعد ذلك ان الألوان خداعة , وتصل الى خلاصة ان التباين كبير , مثلما ان التشابه عميق , ولكن المغزى والمعنى هو من تقاربات البناء والديكور , وتداخلات التشطيب والهياكل , وفروقات نوع البوهية ولونها

يمين السودان المولود من رحم الأخوان المسلمين , وان تسمى باسماء عديدة اثر كل انقسام انشطارى تنتج عنه اجسام جديدة تقترب من السياسة كلما ابتعدت عن الدين (دون ان تنسى ان تصطحب شعاراته الجاذبة) , كان جزءا فاعلا ومكونا من نظام مايو , حتى ايام قليلة قبيل ثورة ابريل الشعبية الماجدة , وهم التيار الوحيد الذى داوم على مثل هذه الأفعال التقاربية الأحتوائية مع انظمة شمولية منقلبة على انظمة ديمقراطية , حتى انه يمكننا القول انه جلس باستمرار على كراسى الحكم والتشريع والتأسيس فى السودان منذ الاستقلال وحتى الآن , كذلك فعل رصفاءهم اخوان مصر وان اقتصر ذلك على فترات مختلفة نستثنى منها فنرة عبد الناصر وجزء من فترة السادات , باقى القوى وان تداخلت وتعاونت وشاركت , الا ان ذلك تم اما بصفات غير تنظيمية , او لفترات توافق متقطعة , الا ان الأخوان المسلمين فى مصر , ورصفاءهم السودانيين بتسمياتهم المختلفة , فعلوا ذلك بانتظام وباستمرار يعطيهم اجر الحسنات (ان وجدت ) , ويحملهم وزر الموبقات وما اكثرها

وفى كل الأحوال , وفى كل الهبات الشعبية التى افلحت فى الثورة على النظم الديكتاتورية المستبدة , كان اليمينيون يجنون ثمار قربهم من الحكم وانظمته , وحفاظهم على كتلهم التنظيمية , فبظهرون بشكل اكثر تنظيما , حتى ولو كان انضمامهم الى صقوق الثوار فى اللحظات الأخيرة , وهذه النقطة تبدو اكثر وضوحا فى الحالة السودانية , وان لم تكن الحالة المصرية بعيدة عنها , الجبهة الأسلامية القومية كانت فى سدة الحكم حتى مارس خمسة وثمانين , تحديدا حتى باعهم النميرى بثمن بخس ارضاءا لبوش , وزج بهم فى سجونه الممتلئة بالثوار الحفيفيين اللذين واظبوا على مقاومة نميرى وحكمه سنوات طوال , فى المقابل , تمثل الاخوان المسلمين فى البرلمان المصرى قبل الأخير , يثمانية وثمانين نائبا كادت ان تزيد , لولا ان التزوير والتدليس كان لعبة محفوظة ومعروفة , وقتها ركب الأخوان مكنة (حزب العمل ) , وطاروا بجناح الحزب الوطنى , ولم يفلحوا فى انجاز اى تغيير من الداخل كما زعموا ويزعمون , ولكنهم حفظوا تنظيمهم , ورضعوا وتغذوا من حليب السحت ومال الشعب الحرام , ثم التجقوا بالميدان على استحياء , والتسجيلات والمستندات مليئة بانهم كانوا على استعداد للتقبل والتعايش مع كل اطروحات (الساعة الخامسة والعشرون) التى طرحها مبارك والحزب الوطنى , الا ان المد الشعيى كان طاغيا , كان عاتيا , كان كبيرا حتى اكثر من توقعات الجميع , فاسفر ذلك عن تنحى مبارك , ويدأت حقيبة انتقالية هى بيت القصيد ومربط الفرس , كان فيها فى السودان , سوار الذهب وعثمان عبد الله والجزولى دفع الله , مثلما كان فيها فى مصر , مجلس عسكرى اثبتت الأيام مهنيته والتزامه بدوره الوطنى , وسناتى الى تفصيل ذلك لاجقا

من القواسم المشتركة بين مصر والسودان , مآلآت ثورتيهما , فكل ثورة تتبعها بالضرورة فترة تحول ديمقراطى تطول او تقصر , ليس صحيحا ابدا ان ثورة ابريل السودانية , ويناير المصرية , اعقبتهما فترات ديمقراطية , بل اعقبتهما فترات تحول ديمقراطى غير ناضجة وغير مكتملة , فترات تحول ديمقراطى (خديج ) وناقص النمو , الا ان هاتين الفترتين تختلفان بعض الفروقات الجوهرية هنا وهناك , ففى السودان , انخدعت القوى الثورية وتخلت عن مدها الثورى بشكل اسرع من اللازم , حتى فترة الأنتقال , تركت فى السودان لهجمات ارتدادية عديدة , عرابوها سدنة مايو من حاملى راية اليمين الدينى الأسلاموى , الذى رضع من ثدى كل الأنظمة السودانية منذ الأستقلال , كان الأسلاموييون , حاكمون او قريبون من سدة الحكم فى كل الأوقات تقريبا , لم يعانوا سجنا ولا تنكيلا الا فى اوقات محدودة مقارنة بالقوى الثورية السودانية الأخرى , حتى فى مقارنة رصفائهم فى كامل الوطن العربى وتحديدا مصر , فان اخوان السودان بتسمياتهم المختلفة والمتقاسمة والمنشطرة , عاشوا وترعرعو اما حكاما او عرابين للحكام فى ابعد ايامهم عن سدة الحكم , فى فترة الأنتقال للتحول الديمقراطى , فصلوا قوانين انتخابات مستفيدين من وجود المتعاطفين معهم (حتى لا اقول اياديهم ) , كفلت لهم وجودا برلمانيا لا يتناسب مع حجمهم الحقيقى وسط الجماهير , واستطاعوا فعل ذلك بحكم انهم آخر المتواجدين فى اوساط الأتحاد الأشتراكى المحلول , استفاد الأخوان من دوائر الخريجين التى كفلت لهم وجودا برلمانيا جعلهم الكتلة الثالثة الميكانيكية , والكتلة الأولى النوعية , وهذا الوجود النوعى جعلهم فى صراع نوعى غير متكافىء مع اغلبية ميكانيكية جغرافية (محسوبة على الوسط ) , ولكنها تصب فى خانة اليمين النوعى استنادا على الأداء النوعى الضعيف لعضوية الأمة والأتحادى , فكانت نتاج ذلك حكومات ائتلاف وسطى غاية فى الضعف والترهل , امام معارضة نوعية قوية مسنودة بصوت اعلامى جهور , ووسط كل ذلك قدمت دائرة الصحافة وجبرة , نموذج العمل الديمقراطى المسنود والمستند على برنامج مرحلى يتبع سياسة الخطوات المرحلية لتقوية وتعضيد التحول الديمقراطى المنشود , ولكن نموذج الصحافة وجبرة كان نموذجا وحيدا للأسف الشديد , ولم يتم الأخذ به واعتماده كبرنامج تحول ديمقراطى منشود , وتعددت الأجسام والتكوينات الثورية , التى لا يفرقها الا فروقات غير جوهرية خاصة فى مرحلة التحول الديمقراطى المحتاجة لأن تكون اهدافها واضحة جلية , الا وهى تثبيت الديمقراطية , ووضع اسس واضحة لها , وقوانين احزاب متفق عليها , وقوانين انتخابات مجمع عليها , ولما تعذر كل ذلك بخطأ استراتيجى مشابه لما حدث فى مصر (فى فترة تحولها الديمقراطى بعد يناير ) , تعاظم صوت اليمين وبدأ اكثر وضوحا وعلوا , ولو قدر للدورة الديمقراطية الأولى فى السودان ان تكتمل , وبلغت مرحلة الأنتخابات التالية الى كانت مقررة فى العام تسعين للميلاد (بعد اقل من سنة من انقلاب 30 يونيو ) , لما احتاج الأسلاميون والأخوان , لأنقلابهم ذاك) للوصول لسدة السلطة , ولكان ذلك خيرا كبيرا للسودان , ولكن الأخوان فضلوا قطف الثمار وهى (نيئة) , وما صبروا شهور قليلة ليقطفوها ناضجة , وهاهم ياكلون (النيىء والفطيس ) حتى يومنا هذا , ورمو ثمار غرسنا الطيب , فى المزابل وسلال المهملات , وهاهم يبحثون عنها الآن , ولكن هيهات

اذن فالمشهد السودانى القديم , يقول ان تجربة ديمقراطية اسفرت عما اسفرت , كتل برلمانية مخطط لها بقوانين انتخابات احسن ترزى اليمين تفصيلها على المقاس , ومع ذلك ما صبروا على لبسها وما انتظروا ليلة العيد القريب , اكلوا من ثمرها الحرام والناس (صيام) , فكان حكمهم حكم مفطر رمضان عمدا ودون عذر شرعى , واكملوا طبخة فترة الأنتقال المحبوكة , بتمثيلية القصر والسجن الركيكة , الماسخة , التى كانت نتيجتها الحتمية , اختلاف السجان والعراب , المرشد والعسكرى , والمشهد الحقيقى يقول , ان ثورة الشعب السودانى كانت على مايو وتبعاته , على النميرى ومستشاره , لا يهمنا ان كان يستشار او لا يستشار , ولا يعفيه من هبة الشعب كونه ذهب الى السجن , الذى طالما اودع فيه المخالفين والمناوءين , وان جريرة القوى الثورية التى لا تغتفر , هى اهمالهم لمحاسبة امثالهم , بدءا بمن قادوا انقلاب مايو , انتهاءا بمن اطالوا عمره وثبتوه ودعموه , فى المراحل كلها ,

ونصل الآن الى حالة مصر التى فى خاطرى , فما يحدث فيها هو نصف انقلاب وثلاثة ارباع ثورة , وهوتوصيف ينبع من ثنايا المقدمة الموضوعية الماضية , فمصر عانت من ماض التحول الديمقراطى وارهاصات سرقة الثورة , او فلنقل سحب البساط من تحت اقدام مفجريها , لا يمكن الا ان نقول ان ثورة يناير كانت نتيجة لتضافر اطياف الشعب المصرى كلها بنسب متفاوتة , هذه النسب لا يهتم الباحثون بتوثيقها ايام المد الثورى لأنهم يرمون للنتائج فقط , وهذا شىء مفهوم ونهج حكيم , فليس مقياسا ضروريا (من لحق بمن) امام مكاسب ازالة نظام تجذر فى مفاصل المجتمع المصرى لسنوات طويلة , الا ان حسابات فترات التحول والأنتقال , تبقى مهمة , وحقيقة الأمر ان هذه هى معضلات الثورات الحقيقية , فمعظم الثورات المضادة تتكون من رحم حسابات التحول الديمقراطى الخاطئة , وآفة البلدان العربية ودول العالم الثالث , انها واقعة بين محاور الأستقطاب اليمينى اليسارى القوية والحادة , على حساب كتلة الوسط التى يفترض فيها ان تحفظ توازن الأمة وتلعب دور رمانة الميزان المطلوبة , ولكن مثلما عانى اليمين واليسار من التشتت والتشرزم , فان معاناة الوسط كانت اكبر , لذا فان هذه القوى الوسطية المفترضة , تملأ الساحة , مثلما يملأ (الماء البطون الجائعة) , فتمتلىء دون ان تحس شبعا , وسرعان ما تترك مكانها لأى عمل منظم يأتى من اليمين او اليسار , ومثلما قلنا ان (اليمينيون والمتأسلمون والأسلامويون ) كانوا دائما الأقدر على ملء هذه الفراغات فى السنوات الأخيرة , لأنهم ظلوا قادرين على الأحتفاظ بقربهم من مقاعد الحكم (فى البلدين) كحاكمين فعليين او مشاركين) , وعلينا ان نعرف يقينا ان فترات الأنتقال الديمقراطى الناجحة فى كل ثورات العالم , لم تنجح الا برعاية (وسطية متوافقة) , وهذا مالم يحدث بعد اى ثورة فى بلدان العالم الثالث , لذا فاننا لم نحظى بتجربة تحول ديمقراطى اكملت دورتها واجرت انتخاباتها (دورتين متتاليتين ) , لذا فان القول الدارج عن وأد الديمقراطيات العربية فى مهدها , قول غير دقيق , والراجح عندى انه من الأصوب الحديث , عن تجارب تحول ديمقراطى فاشلة , اما اذا سألنا عن القول الفصل فى (هذا الفشل ) , فهى الأنقلابات العسكرية ولا شك , يتساوى فى ذلك انقلاب السودان (اليمينى) , مع انقلاب الجزائر (الليبرالى ) , باعتبار ان الجيش المؤدلج , وهذه نقطة مهمة وجوهرية , هو من انقلب فى الحالتين على حكم مدنى وحكومات منتخبة , اسفرت عن حكومات احزاب لا تتواءم وتوجهات العسكر الحامل للسلاح بيد , والفكرة الحزبية باليد الأخرى , ولكن و هل تنطبق هذه القياسات على ما حدث فى الثلاثين من يونيو فى مصر التى فى خاطرى ؟؟!!

ان ما حدث فى مصر , يتقلب توصيفه عندى ما بين كونه بعض انقلاب وبعض ثورة , والأصح ان اقول , ثلاثة ارباع ثورة يشوبها نصف انقلاب , وحاصل جمع الأثنين لا يستوجب واحدا صحيحا بطبيعة الحال , فما ينقص هذا لا يكمله ذاك , وما ينقص ذاك ,لا يفدر على اكماله هذا , فالمشهد المصرى , فيما يلى ثورة الخامس والعشرون من يناير , التى شاركت فيها طوائف الشعب المصرى كلها , بقدر او بآخر , وغض النظر عمن أتى قبل من , فان فترة التحول الديمقراطى , عموما كانت افضل فى النوعية من مثيلتها السودانية , وان لم تكن فترة تحول ديمقراطى مثالية بالطبع , واستخدم فيها الأخوان المسلمون مقدراتهم التنظيمية , وكون انهم احتفظوا بكياناتهم منظمة الى حد كبير مستفيدين من قدراتهم (الحربائية) الهائلة على التلون والتشكل , حتى انهم كانوا ممثلين فى برلمانات مصر كلها تقريبا بطريقة او بأخرى , مع حزب العمل او مستقلين او حتى فى اطار الحزب الوطنى نفسه , مهادنين ومتنازلين حتى حدود المهادنة والتنازل التى تكفل لهم البقاء والتفاعل , وهذه قدرات ميكافيلية لا يعرفها ويحذقها الا الأسلاميون بطيفهم المتحول الواسع من الأخوان المسلمين وحتى الجبهة الأسلامية وصولا حتى لكونهم (مستقلين ) , والشعار المرفوع دائما هو (الأسلام هو الحل ) حتى اذا ما وصلنا الى النهايات , ما وجدنا لا اسلاما ولا حلا , والسودان خير مثال , مشاكل من كل نوع وجنس تزداد وتكثر , واسلام نراه فى الشعارات اكثر مما نجده فى القلوب والسلوك , ولكن هذه الميكافيلية الدينية التى بدأت (بمعالم فى الطريق) ولم تنتهى (بفقه الضرورة) , كفلت لهم ان يستعيدوا قوتهم التنظيمية فى وقت اقصر مما يحتاجه اى كيان آخر , فكانت سطوتهم على بدايات فترة التحول الديمقراطى , فى مقابل قصر نظر سياسى فى تنظيمات العمل السياسى الأخرى , التى كان ينبغى عليها استبعاد التنافس على التفاصيل حتى اتمام ارساء قواعد العمل الديمقراطى السليمة , وبدأت فترة التحول الديمقراطى بعد جدال طويل عن ما يجب ان يسبق الآخر , الدستور اولا , ام الأنتخابات , وفى الأنتخابات هل تسبق انتخابات الرئاسة , ام انتخابات البرلمان , فكان ان جرت انتخابات البرلمات وجاءت بأغلبية ميكانيكية اخوانية , وسط تشتت قوى الوسط واليسار , ولا يهمنا هنا تشتت قوى اليسار فدورهم السياسى فى العمليات السياسية فى الدول العربية ودول العالم الثالث , دور محدود بطبيعة وجودهم الجماهيرى المحدود , ولكن قوى الوسط المستنيرة , هى القوى الغالبة التى يحد التشتت والتشرزم من قوتها الفاعلة , وحتى فى الدول الكبرى والديمقراطيات الراسخة , نلاحظ انها لم تستقر على اداء ديمقراطى فاعل , الا بعد ان اتفقت رؤاها على برامج مرحلية متوازنة , فما يجمعها فى ذلك , اكثر بكثير مما يفرقها

واول كوارث التحول الديمقراطى المضطرب فى مصر , جاء خصما على مكاسب (الأخوان المسلمين نفسهم ) , اذ ان طعنا دستوريا افلح فى الغاء نتيجة الأنتخابات البرلمانية , فى ظل انها جرت قبل الأقرار والتوافق على دستور جديد , ثم تراجعوا عن تعهدهم بعدم تقديم مرشح لأنتخابات الرئاسة , وتقدموا بمرشح اقل درجة من قامة (مرشد الجماعة ) , فاعطى ذلك ايحاءا عن ريئس يتلقى اوامره من جهة اعلى فى حالة فوزه , ثم جاءت النتائج لتفرز واقعا يحدد احجام القوى السياسية بقدر ما نال مرشح كل قوة من اصوات , فنال اليمين (الأخوان المسلمون) المدعومون من يمين اليمين (الجماعة الأسلامية وحزب النور السلفى) ما يقارب 23بالمئة من الأصوات , تلاه مرشح الوسط الذى اعتبره البعض (فلولا) , حوالى واحد وعشرون بالمئة , تلاهم ثلاثة او اربعة مرشحين يمكن اعتبارهم ما بين الوسط ويسار الوسط اصواتا تتراوح ما بين العشرة والعشرين بالمئة من الأصوات ومثل مجموعهم الكامل حوالى الستة وخمسون بالمئة , علما بان احد المرشحين يمكن تصنيفه من تيار (يمين الوسط) وهو ابو الفتوح و كان من الضرورى ايراد ذلك حتى نمضى فى شرح الفكرة, ونشير الى ان هذه النتائج والأرقام , تعود الى نتائج انتخابات الرئاسة .

سلامات منصورنا
مشكور على هذه الشهادة وعلى السرد الممتع والمتوازي في آن
قراءة قيمة من "شاهد" على الانقلابات والثورات في عدوتي الوادي

Quote: ومع ذلك ما صبروا على لبسها وما انتظروا ليلة العيد القريب

100%

قواعد اللعبة الديمقراطية فى انتخابات الرئاسة , كانت تقتضى اعادة لها فى حالة عدم تخطى احد المرشحين لنسبة اكثر من خمسين بالمئة من اصوات الناخبين , هنا يستوجب الأمر ملاحظة قوية لفرز الكيمان , فالنتيجة الأولية للأنتخابات الرئاسية اقتضت ان يخوض ممثل الأخوان الأنتخابات منافسا لأحمد شفيق ,وهنا وقع الخطأ الأستراتيجى الكبير لباقى القوى السياسية , فقد وقفوا ما بين مؤيد لمرشح الأخوان , وممتنع عن التصويت , ولاحظ معى الفرق الضيئل ما بين ما احرزه مرسى وشفيق , وكلاهما عضو سابق فى الحزب الوطنى , ففاز مرشح الأخوان بمقعد الرئاسة , بمجموع اصوات يتراوح بين الواحد والخمسين والأتنين وخمسين بالمئة , مقابل حوالى تمانية واربعين فى المئة لأحمد شفيق , اى ان مرشح الأخوان , اضاف لل23 بالمئة التى احرزها فى الجولة الأولى , حوالى 29 بالمئة من اصوات قوى لم تصوت له فى المرحلة الأولى فذهب عضوا الحزب الوطنى الذى ثارت عليه الجماهير المصرية , احدهما الى القصر (ريئسا) والثانى الى المنفى طريدا وملاحقا , يعنى طريد ومنفى فى مصر , فى مقابل , ريئس وحبيس فى السودان, فتأمل !!!!!!!!!

حيدر حنين (يا صاحب)
سعداء وممتنين للمرور والأطلاع
والأشادة كمان
انتا غاطس وين ياخى ؟؟؟

يعنى حساب شرعية مرسى هى كالآتى , تلاتة وعشرين فى المية خدمة يمين وعرق جبين , زائدا تسعة وعشرين بالمية مجبر اخاك لا بطل ممن عملوا بقاعدة اختيار اهون الشرين واحسن السييئن , زائدا تمانية واربعين فى المية , ما دايرنو حتى ولو يكون البديل احمد شفيق زاتو!!!!

والتراكمات السياسية التى حدثت بعد اختيار مرسى ريئسا بالشكلية التى شرحناها وفصناها , تجعل الأغلبية ما بين رفضه تماما و او اختياره على مضض , بنسبة تصل حوالى السبعة وسبعون بالمية , اى ان مطلب رحيله بعد قياس ادائه السياسى لسنة كاملة , وبعد حزمة قرارات اخفق فيها , ما ين اصراره على دستور كان يجب ان يتم التوافق عليه , وكذلك استعداؤه للجهاز القضائى , وتعديه على الدستور باعلانات دستورية معيبة , واصراره على اقالة النائب العام وتعيين نائب عام بالمقاس , كل هذه التراكمات والأخطاء , تجعل من الحشود غير المسبوقة , والتوقيعات التى جمعت ووثقت , والتى تقول كلها له بصوت واحد , ارحل فانت غير مرغوب بك و تجعل منها حشود حقيقية وغير مستغربة وواقعية بمنطق الأشياء والأرقام , خاصة اذا ما اضفنا الى ذلك الأداء الأقتصادى السيىء لحكومته خلال السنة التى امضتها على راس الجهاز التنفيذى

ولكن هذه الأصوات والحشود , نادت بانتحابات رئاسية مبكرة , لأيمانها بان الأصوات المعتمدة , هى اصوات الصناديق , واصوات الصناديق فقط , فلا عبرة للحشود و الا عبرة اصدار الأوامر بالفعل السياسى المطلوب من الجماهير , ولا مناص للحاكم المنتخب , من الأستماع لهذه الأصوات وتحويل رغباتها الى فعل سياسى ملموس , ولكن مرسى اعرض عن ذلك , وغلب راى الحزب على رأى جمهور الشعب المحتشد , وتحول الأمر الى انقسام يقارب الفتنة , وكل هذا يمثل (ثلاثة ارباع الثورة ) , ولكن تعنت مرسى وتنظيمه , احوجها الى (نصف انقلاب ) يتمثل فى انحياز الجيش لجموع الجماهير المحتشدة , وحجته فى ذلك انه يحمى الشعب بنص الدستور الذى تم اقراره , اذ ان حماية خيارات الشعب ,واجب اصيل بنص الدستور الذى اقره مرسى وجماعته , فربع (الثورة الناقص والذى لم يكتمل ) كان يقتضى اصرارا على الأحتشاد , كنت شخصيا احبذه واتمناه , الا ان الكثيرين رحبوا بنصف الأنقلاب المكمل لثلاثة ارباع الثورة , درءا لفتنة محتملة وقريبة

ولكن الأمر لم ينتهى هاهنا , ففى الأحداث بقية , وعند الشعب المصرى ان يكمل ثورته الناقصة , مثلما ان فى يد القوات المسلحة المصرية , ان تكمل نصف انقلابها الذى بدأته , واى الطريقين يمضى اسرع , رهين بفعل كل طرف , وما اغلاق محطات التلفزيون واعتقال بعض قادة الأخوان المسلمين دون مسوغات قانونية , الا مضيا فى طريق الأنقلاب الناقص , وما قدرة الشعب المصرى على الأستمرار فى اسماع صوته للعالم , سلما بقدر ما يستطيع , الا اكمالا لثورة مضى منها ارباع ثلاثة , رغم ما يعترى هذا الطريق من فتنة وتقاتل , وفى كل الأحوال , فاننا كسودانيين نرثى لحالنا , فها هم بعضنا , يهللون لثلاثة ارباع ثورة , بينما هم لا يقدرون على انجاز قدر قليل منها او ما يشبهها , بينما بعضنا الآخر يسرف فى لعن وادانة (نصف انقلاب ) , تاركين الأنقلاب الكامل , يعيش جاثما على اعناقنا , ربع قرن من الزمان مرشحة لأن تزيد , ولئن اقتنعوا بحجة البلادة (ان البديل منو ) , فحرى بهم ان يصمتوا على نصف انقلاب , قام واتخذ مكانه لنصرة , ثلاثة ارباع ثورة )

---------

منص كتابة راقية وتحليل عميق كما عودتنا دائماً

شكراً يا جميل

شكرا يا صديقى زهير
تحياتى

----------