بوحُ المياسم !

بوحُ المياسم !


07-04-2013, 02:03 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=440&msg=1372943004&rn=7


Post: #1
Title: بوحُ المياسم !
Author: shazaly gafar
Date: 07-04-2013, 02:03 PM
Parent: #0

بوحُ المياسم !
شاذلي جعفر شقَّاق
[email protected]

أزحتُ عني الغطاء للمزيد من الاستمتاع بالنُّسيْمات الشاربات من نداوة الفجر ، المضمَّخات بالدعاش والرذاذ ..أخرجتُ هاتفي المحمول من تحت الوسادة ..ألغيتُ مهمَّةَ المُنبِّهِ الذي يفصل بيني وبين رنينِ جرسه نصفُ ساعة ..لا حاجة لنا بالمُنبِّهات عندما ننام على وعْدٍ بهيج ، إذ يصحو الترقُّبُ المؤرَّقُ لهفةً كما طفلٍ غريرٍ يعزف أيقونة مناغاتِه على أوتار خصلات أمَّه النائمة !
شقشقةُ العصافير المتناغمة مع حفيف الأشجار ورفْرفة الملاءة ؛ تشي بميلاد الحبور ..قسمات الفجر الوسيم تحاول رسْم ما يجوس بداخلي من صورةٍ أنَّى نظرتَ إليها طارتْ في المدى وانداحتْ دائرةَ ضياءٍ مُنمْنمةَ الحواشي بمِدادِ قو س قزح .. كنتُ خفيفاً كلحنٍ راقص ..كدرويش في حلقةِ تَجَلِّيات ٍ أنبتْ له التَّهيامُ جناحين أخضرين من جُبَّة العشق العتيق !
رنَّقتُ على صهوةٍ صافرةٍ - من مخزونِ عُمرٍ تجاوز الخمسين – وأنا أشرعُ في دخول الانعتاق عبر طقوسِ إزماعِ الإياب الراحل أو الرحيل الآيِب ! حلَّقتُ بمنْطادِ أغنيتي الأثيرة بعد أن قصَّرتْ الصافرةُ عن لحاف نشوتي ! تحمَّمتُ بنِثارِ الأمنيات العطرات ورحيق القوافي الأبكار ..تعطَّرتُ بأنفاس البتائلِ وبوحِ المياسم وهمس الياسمين ..زهوتُ على أمشاطِ الترفُّقِ من غبطةٍ مٌبلَّلة ِ الأردان مؤتزرةِ الوعد الوشيك !
ملأتُ رئتيَّ شاهقاً كغطَّاسٍ طفا بعد غوصٍ عميق .. توقَّفتُ وسْطَ فناء وحْدتي ..هززتُ رأسي الأصلع كما ينبغي لعصفورٍ بلَّل ريشَه القطْرُ .. أصاب كتفيَّ وابلٌ أثمرتْ على إثْرِه حديقتان ..سجعتْ حمامتان ..هززتُ رأسي مرَّةً أُخرى ؛ اعْشوشبَ داري..اشرأبَّتْ السنابل بأعناقها فوق الحيطان ..شققتُ طريقي بين سيقان القصب المكتنزة والحشائش المتشابكة ..دلفتُ غرفة أحلامي حيث يرقد بطمأنينة على طرف السرير الجلباب والسروال والسديري والشوتال وعصا الخيزران !
تنفَّس الصُبح المخضَّب بالخريف ..تنفَّستُ الصُّعَداء ..استدرتُ حول نفسي كما ينبغي لعاشقٍ مُرتَبِكٍ على أُهْبةِ اللقاء المهيب ..وقعتْ عيني على صورتي في المرآة ..أعدتُ النظرَ كرَّةً أُخرى وأنا أحاول أن أزيح سُدفةً تحجبُ عني الرؤية ؛ فإذا بشَعر رأسي قد نبتَ ونما واستطال حتى تدلَّتْ خصلاتُه السوداءإلى أرنبةِ أنفي .. ! يا إلهي مَنْ هذا ؟ هل يوجَد سواي في هذه الدار التي طالما تمنَّيتُ أن يُشاركني إيَّاه أحد ؟تُرى هل نبشتْ هذه المرآةُ اللعينةُ الصورةَ من قعر ذاكرتها السحيق ؟مَن لي بشخصين إثنين يضعان يديهما على رأسي ليُقرِّرا أنها لا تخصُّني ؟ مَن استبدل تلك الرأس التي طالما مسحتُ عليها أنْ قد هرِمــتُ وفاتني القطــــــار !!
سُحقاً ، ما هذا ؟ الأزيز ..الطنين ..الهدير .. الجلبة ..الضوضاء ..أصوات تهشيم رِقاب القصب وضلوع النباتات..صرير الجذوع.. تأوَّه الأغصان وشهقات الفسائل.. تطمرها أصوات متداخلة كأنَّها وقْع أقدامٍ لزاحفين خِفافاً أو مُولين أدبارهم تحرُّفاً لمواجهة ما .. ما هذه الفوضى في هذا اليوم الأغرِّ ؟من أين جئتم أيها المُقالون من عالم السكون إلى هذا الحدِّ من التغلغُل والتقلقُل والتمكين المتين؟ أيُّ شِعْبٍ يريدكم وأيُّ شعابٍ تسلكون ؟ولكن كان الدُهماء في شُغلٍ عني يفكهون ..لم يِجِبْني أحدٌ من داخل المرآةِ أو خلف إطارها أو خارج الدار !!
لا شئَ سيحول بيني وبينك يا قُرمزيَّة الشفاه ويا حمراء الوُجهة والعُنوان .. يا محجَّتي ومُبتغاي وسِدرة مُنتهاي ..سيِّما وقد أسقطتُ من عمري الهارب منِّي زُهاء ثلاثين سنةٍ بفضلِ هذه الرأس الجديدة أو المستعادة من رحيق الزمان الأوَّلِ !
الآن سأترك زِيِّ المفضَّل ولو بعض حين تماشياً مع طلَّتي الشبابية الجديدة أوليس لكُلِّ حالةٍ لبوسُها ؟سارتدي بنطال الجينز والتي شيرت والحذاء الرياضي الخفيف ..سأخطف منديلاً من البشكير أجفِّف به عرَقي الذي سينهمر دون شكٍّ حياءً وارتباكاً عندما ألقاك !
كلُّ الطرقاتِ كانت تسير في اتّجاهٍ واحدٍ ..الراكبون ..الراجلون ..كباراً وصغاراً يتدافعون صوب محجَّتي وأنا لا يهمُّني إنْ وافقت خطاهمو خُطاي في الطريق بقدر ما يهمّني الوصول إليك وحدكِ لا سواك !
هأنذا أسير كما (فلورنتينو اريثا ) - في رواية الحُب في زمن الكوليرا - متعجِّلاً وبالإصرار ذاته لتقديم عهد الحُب لـ (فرمينيا ) في نفس يوم وفاة زوجها ، وإذا ما طردتْه مُشيَّعاً بالشتائم والإزدراء ؛ لا تعوذه العزيمة لفتح شُرفة الأمل على باحة العقلانية المجنونة أو الجنون العقلاني ..حتى يُقيَّض الحبُّ عُشَّاً لزوجين - تجاوزا عقدهما السابع – على متْن سفينةٍ ترفع علم الوباء الأصفر كأنَّهما يحقَّقان أمنية كُثيِّر عزَّة :
ألا ليتَنا يا عزُّ كنَّا لذي غنًى ........... بعيرين نرعى في الخلاءِ ونعزبُ
كلانا به عرٌّ فمن يرَنا يقُل .......... على حُسنِها جرباءُ تعدي وأجربُ !!
تلك السفينة لا تني تمخُر ماء النهر جيئةً وذهاباً لا تتوقَّف إلاَّ للتزود بالوقود في دائرة حبٍّ غير متناهية ..!
يبدو أنَّ المدينة تحتفل على مستوى الحكَّام بيومٍ سياسيٍّ ياهتٍ مكرورٍ كأساطير الأوَّلين ..بضع عربات كانت تسير في الاتّجاه المعاكس لحركة أشواقي وبقيَّة الأقدام الزاحفة ! افترَّ هاتفي عن رسالةٍ نديَّةٍ تُفيد بالتحرُّك نحو المُلتقى ..حثثتُ سيري بدقّاتِ قلبٍ تتزايد وأنفاسٍ تتلاحق !
حال بيني وبينها جسرٍ حاسدٌ ،توقَّف عنده نبضي ..حُلمي ..اقتربت الشمس من الرؤوس ..حمي ا########س ..التفَّت السوق بالسوق ..أصبح باستطاعة المرء لحس مرفقه بلسانه ..اقتربت الشمس من الرؤوس ..نبت شعر الراحتين بلغ العرَق الصدور ..هززتُ رأسي تساقط شعري ..سُحقتْ حديقتان ، أصبحتا صعيداً زلقا ..هززتُ رأسي مرَّةً أخرى طارت حمامتان ..أغرقت الأرضُ بما رحُبتْ !!
لم يعد هناك جدوى من قفل الجسر الحاسد وقد اشتعلت السماء حرارةً وعلا الماء فأصبحت غريزةُ البقاء مُدرِّبةَ سباحةٍ من الطرازِ الأوَّلِ ..غير أنَّ العشق أٌقوى من أنْ يخور عزمه أمام المتاريس !
في الضفَّة الأخرى لقيتها شبه عارٍ ولكن متلفِّعاً عشقي ..متجلبباً شوقي ..مُنتعلاً صبري الجميل ..تأبَّطها سمراء ، فارعة القوام ، وضَّاحة المُحيَّا ..حُلوة الغمَّازتين .. متبرقعةً بحياءها ..متجوربةً طلْحاً ..قُفَّازاها نقْشٌ حنَّاءٍ بديع ..متسرولةً بشرفها ..سابلة بُحيرتي عينيها العسليَّتين ..شاهرةً نُدبةَ حاجبها الشمال ..في صلَف مهرةِ عصيَّة المراس ..باذلةً قلبها مدائن وقُرى وحواري وطُرقات وأزِقَّة ً ..وجسدها حرْثاً طيَّباً أنَّى شاء عاشقُها الأبدي !





الوفاق – اليوم الخميس 4/7/2013م

Post: #2
Title: Re: بوحُ المياسم !
Author: Abuzar Omer
Date: 07-05-2013, 04:22 AM
Parent: #1

تحياتى و الشكر على هذا النص المفعم بالعاطفة و الذى تحفه الشعرية من كل جانب..

دعوة للقراءة، فالكلمة المبدعة دوماً تلامس شغاف الروح..

Post: #4
Title: Re: بوحُ المياسم !
Author: shazaly gafar
Date: 07-06-2013, 12:00 PM
Parent: #2

Quote: تحياتى و الشكر على هذا النص المفعم بالعاطفة و الذى تحفه الشعرية من كل جانب..

دعوة للقراءة، فالكلمة المبدعة دوماً تلامس شغاف الروح..


ولك التحيات النديَّات أخي أبا ذر

شكراً لك وأنت تُشهر إبهامكـ استحساناً أو تُشير بسبَّابتك داعياً لمشاركة القراءة ..
تسلم

Post: #3
Title: Re: بوحُ المياسم !
Author: ملهم كردفان
Date: 07-05-2013, 07:06 AM
Parent: #1

شكرا على النص المترع البهاء ذو الحروف الفارهه التفتح ياشاذلى جعفر
احترامى

Post: #5
Title: Re: بوحُ المياسم !
Author: shazaly gafar
Date: 07-06-2013, 12:20 PM
Parent: #3

((شكرا على النص المترع البهاء ذو الحروف الفارهه التفتح ياشاذلى جعفر
احترامى))
__________________




وشكراً لك أخي مُلهم كردفان على إطلالتك البهيَّة على حديقة الحرف الخلفيَّة ..

تسلم

Post: #6
Title: Re: بوحُ المياسم !
Author: معاوية الزبير
Date: 07-06-2013, 12:32 PM
Parent: #5

والله ما قايل اللغة العربية فيها كلام جميل زي دا

شكرا يا شاذلي

Post: #7
Title: Re: بوحُ المياسم !
Author: معاوية الزبير
Date: 07-06-2013, 12:33 PM
Parent: #5

والله ما قايل اللغة العربية فيها كلام جميل زي دا

شكرا يا شاذلي

Post: #8
Title: Re: بوحُ المياسم !
Author: shazaly gafar
Date: 07-07-2013, 05:41 PM

شكراً ليك أنت يا معاوية
على هذه الدفعة المعنوية
تسلم يا صديق

Post: #9
Title: Re: بوحُ المياسم !
Author: زهير عثمان حمد
Date: 07-07-2013, 07:22 PM
Parent: #8

أيها الحبيب نص رائع بحق
متعك ربي بالعافية
والله أخشي عليك أن تذوب أنت رقة

Post: #10
Title: Re: بوحُ المياسم !
Author: shazaly gafar
Date: 07-08-2013, 02:12 PM
Parent: #9

أيها الحبيب نص رائع بحق
متعك ربي بالعافية
والله أخشي عليك أن تذوب أنت رقة
_____________________
ومتَّعكـ الله - عزيزي زهير عثمان- بالصحة والعافية
يثشرِّفني جداً هذا التوقيع ..
مع فائق الشكر