رسالة من الشاعر أمل دنقل لزوجته عبلة الرويني...

رسالة من الشاعر أمل دنقل لزوجته عبلة الرويني...


06-26-2013, 12:38 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=430&msg=1372246717&rn=0


Post: #1
Title: رسالة من الشاعر أمل دنقل لزوجته عبلة الرويني...
Author: د.محمد بابكر
Date: 06-26-2013, 12:38 PM

Quote:
لو لم أكن أحبك كثيرا لما تحملت حساسيتك لحظة واحدة.. تقولين دائما عني ما أدهش كثيرا عند سماعه، أحيانا أنا ماكر، وأحيانا ذكي، رغم أنني لا أحتاج إلى المكر أو الذكاء في التعامل معك؛ لأن الحب وسادة في غرفة مقفلة أستريح فيها على سجيتي، ربما كنت محتاجا إلى استخدام المهارات الصغيرة معك في بداية العلاقة؛ لأنني كنت أريد أن أفهمك بحيث لا أفقدك، أما الآن فإنني أحب الاطمئنان الذي يملأ روحي عندما أحس بأن الحوار بيننا ينبسط ويمتد ويتشعب كاللبلاب الأخضر على سقيفة من الهدوء.

(2)
أكثر شيء أخافه هو تربيتك أو بالأحرى حياتك، ففي العادة تبحث كل الفتيات اللاتي لهن مثل ظروفك من الأمان في البيت والعمل عن قدر من القلق والانشغال وأنا لا ألومك في هذا بل وأصنعه لك متعمداً في كثير من الأحيان ولكن لا تنسي أنني رجل بدأت رحلة معاناتي من سن العاشرة، وفي السابعة عشرة اغتربت من كل ما يمنح الطمأنينة حتى الآن، وأعتقد أن السهم الوحيد الذي يمكن أن يصيبني في مقتل سوف يجيء من امرأة، ولذلك اتسمت علاقاتي دائماً بالرفض.

(3)
كنت أستغرق في الحب لكنني في صميمي كنت هاربا من التمسك به، وأحيانا كانت تصرفاتي واختباراتي لمن أحب توحي للناظر من الخارج بالجنون، ونقلت لك منذ البداية أنني أطلب ولاء مطلقا، لكنني قلت لك أيضا إنك لو عرفتني جيدا فلن تتركيني، إنني أحس بالرقّة النبيلة التي تملأ أعماقك كسطح صافٍ من البللور، لكنني أخشى دائماً أن يكون هذا مؤقتاً لقد علمتني الأيام أن القلب كالبحر لا يستقر على حال.

(4)
لقد قتلت عبر سنوات العذاب كل أمل في الفرح ينمو بداخلي.. قتلت حتى الرغبات الصغيرة والضحك الطيب؛ لأنني كنت أدرك دائماً أنه غير مسموح لي بأن أعيش طفولتي، كما أنه من غير المسموح أن أعيش شبابي.. كنت أريد دائما أن يكون عقلي هو السيد الوحيد لا الحب ولا الجنس ولا الأماني الصغيرة.. لقد ظللت حتى أعوام قليلة أرفض أن آكل الحلوى، وأنها في نظري لا ترتبط بالرجولة، وظللت لا أقبل كلمة رقيقة من امرأة؛ لأنني أضطر عندئذ إلى الترقق معها وهذا يعني بلغة إحساس التودد لها، وهو يمثل الضعف الذي لا يُغتفر، وقد لا تعرفين أنني ظللت إلى عهد قريب أخجل من كوني شاعرا؛ لأن الشاعر يقترن في أذهان الناس بالرقة والنعومة، وفجأة ها أنت تطلبين مني دفعة واحدة أن أصير رقيقا وهادئا وناعما يعرف كيف ينمّق الكلمات.

(5)
اللحظات الوحيدة التي يمكن أن أكون نفسي أنا، وأؤمن أيضا أنك ستكونين نفسك أنت معي هي اللحظات التي تحرصين على رفضها، لا أعرف لماذا لكنني أحترم رفضك هذا؛ ليس لإيماني بما ترددينه عن المجتمع والناس، لكنني لا أستطيع أن أجبر إنسانا على أن يكون صادقاً معي إلا إذا أراد هو ذلك، وما دام لم يهب لي هذا الصدق من تلقاء نفسه فمن العبث التحايل والتسلل إلى لحظات الصدق النورانية التي اكتشفت فيها ذاتي القلقة، وأريد أن يستمر هذا الاكتشاف معك إلى ما لا نهاية.
لا أحب النثر كثيراً لكن هذه القضية الشديدة الخصوصية تجعلني على مفترق الطرق عن مدى استعدادك لتحمل هذا الذئب المتوحّد الذي يلبس دائما عباءة القط أو ال###### الذي يتودد إلى صاحبه..
وأعتقد أن هذا التشبيه سخيف، ولكنه ليس أسخف مني عندما أشرح نفسي بهذا القدر من الوقاحة النفسية مع فتاة من المفروض أنها تحبني، وبالتالي تفهمني أكثر مني.
صباح الخير في المثلث الشمسي الممتد من الشباك إلى زاوية سريري أراك متمددة في الذرات الذهبية والزرقاء والبنفسجية التي لا تستقر على حال تماماً كنفسيتك، ومع ذلك أبتسم لك وأقول صباح الخير، أيتها المجنونة الصغيرة التي تريد أن تلفّ الدنيا على أصبعها، والتي تمشي فوق الماء وتريد ألا تبتل قدماها الفضيتان.
المسافة بين أمس واليوم لقاؤنا الممتد طريق ينشق في قلبي، في كل مرة أضطر إلى أن أتركك أحس أن لقاءنا الأول هو لقاؤنا الأخير، والعكس صحيح.. لا أعرف تماماً لماذا هذا الإحساس، لكني أرجح أنه نابع من إحساس بتقلبك الدائم وبحثك المستمر عن الحزن، لا أريد أن أفكر كثيراً في خلافاتي معك، فهذا الصباح أجمل ما فيه أنه يقع بين موعدين، بين ابتسامتين من عينيك، صحيح أنهما سرعان ما تنطفئان، لكني أسرقهما منك، وأحتفظ بهما في قلبي، وأتركك تغضبين وتغضبين.

(6)
حسنا لا يهم؛ فلقد عوَّدت نفسي على أن أعاملك طبقاً لإحساسي وليس طبقاً لانفعالاتك.. أحبك ولا أريد أن أفقدك أيتها الفتاة البرية التي تكسو وجهها بمسحة الهدوء المنزلي الأليف، هل تصدقين أنني أصدّق كل مواعظك الأخلاقية الصارمة؟؟ لو صدقت أنت أني أصدق لألقيتني في أول سلة مهملات معلقة في أعمدة الشارع، ولو صدقت أنا خطبك البليغة لقدمت لك طلباً لعضوية جمعية مكارم الأخلاق، وتركتك تتزوجين رئيسها المبجّل.

(7)
أحبك كثيراً، لا أعرف الحالة التي أحبك عليها ولا أريد أن أعرف، لكنني أحسّ بالحب لك في كل الحالات، حتى عندما ينشط عقلك ويتصاعد في أبخرة الأوهام والتحليل العصبي والتنقيب في أشياء لا وجود لها، أحبك مبتسمة وغاضبة، حاضرة وغائبة، راقصة المشية أو هامدة الجسد، حتى عندما تقولين لي لا أحبك فإنني أحبك؛ لأنني أعرف أن هذا معناه عكس ما تقصدين تماماً يا حبيبتي الصغيرة..
صباح الخير أخرى.. سأحاول أن أعود للنوم؛ فالساعة الآن لم تتجاوز العاشرة، هناك أربع ساعات باقية على موعدك، وأنا لم أنم جيداً، سأحاول أن أنام، أن آخذك بين ذراعي، وأخبئ رأسك العنيد في صدري لعله يهدأ ولعلي أستريح.

Post: #2
Title: Re: رسالة من الشاعر أمل دنقل لزوجته عبلة الرويني...
Author: محمد محمود محمد
Date: 06-26-2013, 01:53 PM
Parent: #1

أيدوم النهر
______________
أيدوم لنا بستان الزهر
والبيت الهادئ عند النهر
أم يسقط خاتمنا في الماء
ويضيع ..يضيع مع التيّار
وتفرّقنا الأيدي السوداء
ونسير على طرقات النار
لا نجرؤ تحت سياط القهر
أن نلقي نظرة خلف الزهر
ويفيب النهر
___________
أيدوم لنا البيت المرحُ
نتخاصم فيه ونصتلحُ
دقّات الساعة و المجهول
تتباعد عنّي حين أراك
وأقول لزهر الصيف ..أقول
لو ينمو الورد بلا أشواك
ويظل البدر طوال الدهر
لايكبر عن منتصف الشهر
آهِ يازهر
لو دمت لنا
أو دام النهر..
______________________________
من أجمل قصائد المرحوم أمل دنقل...كتبها بعد أصابته بالمرض اللعين..و إحساسه بقرب فراقه من زوجته (عبلة الرويني)
التي كتبت بعد وفاته كتاب (الجنوبي)...حكت فيه بشاعرية عن حياتها مع هذا الأنسان الأستثنائي....
لك الشكر د. محمد بابكر ..أن أعدت لنا ذكرى هذا الرجل النبيل

Post: #3
Title: Re: رسالة من الشاعر أمل دنقل لزوجته عبلة الرويني...
Author: Bushra Elfadil
Date: 06-27-2013, 11:27 PM
Parent: #2

شكراً يا دكتور محمد على هذا البوست وشكراً يا محمد محمود على غيراد القصيدة .
***
هكذا يكون الشعراء يبحثون عن صدق المشاعر حتى لو كانت ضدهم في بحر الحب العميق .
عبلة الرويني مثقفة مصرية من الطبقة الوسطى المصرية .كتابها الجنوبي وحبها للجنوبي
يضافان لرصيد الشاعر الراحل ذي الشاعرية القوية الحاسمة.وكلمته هنا في لغتها ومراوحاتها
فتح في كتابة النثر الفني.


-------
*****

تعرفت على عبلة الرويني في منتصف التسعينات بمصر واجرت معي مقابلة
على مدى ثلاثة أيام .سألتني بصورة محترفة وكان من المفترض أن تنشر في أخبار الادب ودعتني لمسرح الطليعة عدة مرات
ودعت الكاتبة السودانية سلمى الشيخ سلامة؛ لكن المقابلة لم تنشر لأن عبلة تركت العمل فجاة في أخبار الأدب في تلك الأيام
ربما لخلاف مع إدارتها. بعد الثورة أصبحت رئيسة لتحرير أخبار الأدب لكن (الأخونة) بعد فوز مرسي أزاحتها سريعاً من المنصب .

Post: #4
Title: Re: رسالة من الشاعر أمل دنقل لزوجته عبلة الرويني...
Author: محمد حيدر المشرف
Date: 06-28-2013, 00:35 AM
Parent: #3

يا سلاااام يا دكتور ..
كيفك وكيف كيف يا صديق ..

أدب الرسائل كان اول ما تعرفت عليه رسائل غسان كنفاني لغادة السمان ..
الكلام ده كان زماااان يا محمد ..
من زمن كانت لحكايات العشق المكتوبة ما يوازيها في الحياة, وكانت مسجلات الكاسيت لا تسكت عن تلك الأغاني الفارهة .. من "اشتقت ليك" لمحمد ميرغني ليييي "اسبوع تمام" عند هاشم ميرغني ...
هسع قريت رسالة أمل دنقل وطوالي جريت قوقلت ذلك الزمان .. وأعني رسائل غسان لغادة

Quote: أريدك بمقدار ما لا أستطيع أخذك، وأستطيع اخذك بمقدار ما ترفضين ذلك، وأنت ترفضين ذلك بمقدار ما تريدين الاحتفاظ بنا معاً، وأنا وأنت نريد أن نظل معاً بمقدار ما يضعنا ذلك في اختصام دموي مع العالم!!!”

Post: #5
Title: Re: رسالة من الشاعر أمل دنقل لزوجته عبلة الرويني...
Author: طه جعفر
Date: 06-28-2013, 03:55 AM
Parent: #4

دكتو محمد بابكر
بوستك سمح و فيهو ناس سمحين خالص

يا المشرف المشرف بمجد الكلام و عز الكتابة
اجمل القصص هي التي حدثت فعلا
هكذا تكلم قبريال غارسيا ماركيز
اما الفتي الأسمر و عبلة الرويني
و الجميل خاتف الألوان دكتور بشري
النفسي في داخله أعاين
فهم كنوز
و اناس إستثنائيين
ليس عندنا يالمشرف المشرف إلا أن أن أن نحبهم .. نحبهم ....نحبهم
و بس
شكرا علي البوست السمح


طه جعفر

Post: #6
Title: Re: رسالة من الشاعر أمل دنقل لزوجته عبلة الرويني...
Author: طه جعفر
Date: 06-28-2013, 03:58 AM
Parent: #5

نفسي في داخلك أعاين
و اروي روحي و اشوف منابعك
صحرا في عيني تتواثب
جناين
......................
يا دكتور كملتا الشعر