الى عمى و صديقى( إبراهيم ) فى ذكراه الأولى

الى عمى و صديقى( إبراهيم ) فى ذكراه الأولى


05-17-2013, 05:48 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=430&msg=1368809293&rn=0


Post: #1
Title: الى عمى و صديقى( إبراهيم ) فى ذكراه الأولى
Author: Mohammed Badawi
Date: 05-17-2013, 05:48 PM

إبراهيم
كانت ضحكته التي تجلجل من القلب تجعلك تدرك كم هو قادر على التعبير عن السماحة فهى تخرج بشكل كرنفالى معادل للغبطة والسرور. كل شىء فيه يعبر عن أنه خلق ليصبح معلماً فهو مسكون بجينات التدريس. فأدمنت طوابير الصباح عناقه. فأضحى وجوده مظهراً للضبط والالتزام في أذهان تلاميذ المدرسة التجانية الإبتدائية وهم يحاولون جهدهم لتفادى التأخير. صوته الذي يحمل جينات التوجيه والتأنيب شكل إيقاعاً داخلياً لديهم للحفاظ على اللوائح.
ضحكته كانت إعلان حضوره في المكان, فهى تبدأ كإبتسامة لدنة شيئاً فشيئاً إلى أن تبلغ تطورها الطبيعى لتخرج مجلجلة بالمودة. على ناصية (الحوش الكبير) يطرق مسامعك صوته عصراً وهو يحيى المارة القادمين من السوق. (وين يا كسلا) هكذا تعود أن يحيى (ست الجيل) بأن يناديها (بكسلا) يتبادل معها السؤال عن الحال والصحة فتنتهى تلك الموادة بضحكتين من كلاهما لتتفاجأ بها ضحكة واحدة لما يسكب فيها من سماحة روحه فتخرج (جزلة من كليهما) قبل أن تمضى (كسلا) إلى حال سبيلها.
أحلامه كانت بذات القدر الذي تعبر عنه ضحكته فهى في بساطتها تحمل جينات السترة وأمنيات العافية وراحة البال. فأقبلت في يسر منقادة فكان الزواج وإنجاب أربعة أطفال (كنبتة النعناع) حملوا منه إدمان الإبتسام والتحايا حينما ظل هو يمسك بالطباشور من أجل أن تظل تلك النبتة ترفل في طمأنينة.
الأيام تمضى وكلما زاد التذمر من قسوتها لم يكن هو ليزيد من (غايتو الله يهون), لدانة تعبيراته تجعلك تحس بأن تلك القسوة تقف حائرة من ردة فعله المنتمية إلى رغبة إصلاح حال في يسر.
حباه الله بقدم باسطة تضرب في الأرض جيئة وذهابا في مشاوير لم يكل منها, فظل في عمق حراك الحياة اليومية مشاركا في فرح أو ترح, محافظا على مساحات التواصل بطيب خاطر. (ود الشفيع) المسكون بحب كرة القدم وتشجيع الهلال تجده ينفعل مبتسماً من تعليقات إبراهيم التي ترمى لإشعال مساحة المودة بمشاكسات تزيد في ألفة اللحظة بين الناس.
حضوره بهى حينما يدلف زائراً في صباح يوم الجمعة وإبنه (محمد) ممسكاً بيمينه. يتفقد للأرحام فهو واجب جوهره في حال تفقد الحال من دون الخوض في سيرة الآخرين إلا في إطار عرض الحال بالخير.
سبق إسمه لفظة حوش فأصبح يعرف بـ (إبراهيم حوش) كناية عن الحوش الكبير الذي تربى فيه, لم يكن اللقب صدفة إنما كان تعبيراً عن تميزه بين أفراد الحوش الذي تسكنه أكثر من ثمانى أسر، ذلك التميز الذي تشعله ضحكته معلنة حضوره السمح الذي ينتسب إلى حب الناس.
والحال يسير كما تشتهى أحلام إبراهيم البسيطة. حينما بدأ الحال في التبدل والظروف تعلن قسوتها بوتيرة متسارعة أصبح إبراهيم يضع كلتا يديه في منتصفه حينما يقرر أن يقف كأنه يحاول أن يأخذ نفسا من رهقها دون أن يمارس أى فعل للشكية أو التذمر. ظل كما هو يجاهد في إنجاز ما إعتاد عليه بصبر. ظهرت آثارها بشقوق على قدميه, وبرغمها ظلت السترة هي كل محتويات فهرس أمنياته لم تجبره ما بدأت تخلفه قسوة الأيام عليه أن يضيف كلمة (سيارة) إلى قاموس أحلامه إلا أن القدر أضاف إسم إبراهيم إليها. رحل إبراهيم وهو تصدمه سيارة قبل أن تكتمل إبتسامته إلى ضحكة حفاظاً على وقار نيته في اللحاق بصلاة الجمعة. إرتحل وظلت ضحكته تجلجل في القلوب بذات الإلفة التي بذرها في أزهار أحلامه البسيطة.