حسن ابو كشوة يرثى السلطان كوال دينق مجوك

حسن ابو كشوة يرثى السلطان كوال دينق مجوك


05-06-2013, 02:45 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=430&msg=1367847953&rn=2


Post: #1
Title: حسن ابو كشوة يرثى السلطان كوال دينق مجوك
Author: abubakr salih
Date: 05-06-2013, 02:45 PM
Parent: #0

Quote: الحزن يتخير يستقبلك عند الباب واقفاً أمام دِيوانه الفسيح الذي سقفه من القش ، بابتسامة تشع ثقة و حفاوةً وأملاً، كاشفاً عن أسنانٍ أفريقيةٍ ناصعة البياض، طويل القامة تكسوه بشرة سوداء داكنة، تلقاه دوماً في داره يرتدي عراقي أبيض طويل و سروال، حاسر الرأس. و حين يكون في عمله اليومي يحرص على قميص قصير الأكمام بسيط الهيئة أو بدلة أفريقية هادئة الألوان، كان بسيطا في ملبسه طيباً في معشره كريما في سجاياه، يحدثك بهدوء و وقار حديث الحكمة التي تحمل ميراث مئات السنين من دِربُةِ القيادة و الحنكة، فالقادة يُوْلَدُونَ و يُصْنَعُونَ Born and Made – تغالط نفسك إن أردت صناعتهم من غير معدنهم ، فالمادة الخام لا تتوفر كثيراً- ، كثيرا ما كنا نجالسه في باحة ديوانه التي تبعد بضع عشرات من الأمتار عن قبر والده (السلطان دينج مجوك) في أمسيات أبيي الرطبة و المدينة تتهيأ لاستقبال الخريف، يمر به أهله في طريق عودتهم من أرض زراعتهم و مرابط ماشيتهم، حين يجدون معه ضيوفا يحيونه من بعيد برفع أيديهم فيرد على كل واحد بلهجة الدينكا، كان كثيراً ما يحمل في يده "هبابة" من الريش يهب بها عليك الهواء ليخفف عنك إحساس الحر و الرطوبة العالية، حتى تستحي أن الرجل يصر أن يفعل ذلك بنفسه و هو المُهابُ في عشيرته و عشائر الدينكا، شخصيته تحمل كل سمات القيادة، لم يكن أكبر أهله و أسرته سناً و لكنهم كانوا ينقادون إليه و يقدّرونه كأنه الأسن، كان إذا أشار بإصبعه أو أومى برأسه فهموا و مضوا في العمل، لمسنا فيه أدباً جماً حين يتعامل مع كبار السن من العشيرة، و كان فوق ذلك يجيد الاستماع و يحسن الأنصات. عندما تجلس لشباب دينكا نقوك في الليالي المقمرة على رمال النجمورا (و هو رافد من روافد نهر "كير" أو كما يسميه العرب "بحر العرب" يمر بمدينة أبيي فيقسمها لجزء شرقي و آخر غربي) تجدهم يتحدثون عن السلطان كوال دينج بفخر و اعتزاز، يقصون عليك كيف أن اختياره كان و هو بعد شبل صغير عن رضا و استحقاق من بين كل أخوته، لشجاعته التي ما خيبت ظنهم يوماً. كان مسلماً يقود قبيلة فيها كل التنوع، مسلمين و مسيحيين و أهل ديانات عرفية، فيهم المعارض و فيهم الموالي. فيهم حتى من ينتمون لطائفة الأنصارو حزب الأمة و المؤتمر الشعبي و الحزب الشيوعي و لكنهم كانوا يشتركون في شئ ما، كانوا يحبونه. يوم أن كنا في أبيي و حملت الأنباء أن بعض "شذاذ الآفاق الحقيقيين" قد اغتالوا أخيه "مولانا إبراهيم ألور- إمام المسجد العتيق بأبيي" أرسل إلينا السلطان كوال شباباً من أهل داره ليلاً في البيت الذي نقطنه، حملوا إلينا نبأ اغتيال مولانا ابراهيم ألور، و أخبرونا بأن السلطان كوال يقول لكم:
نتوقع ردة فعل عنيفة داخل المدينة بسبب هذا الحادث، و لكنكم تحت حمايته الشخصية، و أضاف أحد الشاب الذين حضروا إلينا: لن يمسكم أحد بسوء إلا ان نموت جميعاً!
وكنا قبلها بيوم قد صلينا الجمعة في المسجد العتيق بالمدينة و أمّنا للصلاة خطيباً فصيحاً و هو "ابراهيم ألور" المعلم، شقيق السلطان، خطب فينا الجمعة و قال حديثا عن التقوى .ثم لما كان من صباح اليوم الذي تلاه توجه بأسرته لغرض ما قاصداً مدينة الأبيض، في الطريق إغتالوه – أمام أعين أطفاله و زوجه- يومها وقف الناظر كوال دينج مخاطباً أهله وشباب الدينكا المتحمسين داعياً إياهم لضبط النفس و قال لهم: "ليس في الأمر مؤامرة، ليس الجناة سوى قطاع طرق قتلوا رجلاً أعزل، سنلجأ للقضاء و جارٍ البحث عن المجرمين بواسطة الجهات الشرطية" ثم طلب منهم ان لايتعرضوا لأحد بسوء، ثم ذكر أخاه بخير و لم يكمل، بكى الرجل حينها، و ما أقسى أن ترى القائد يبكي كمثل الطفل. ثم تحلّقَ الناسُ يقرأون القرآن على روح أخيه، بينما هو يستقبل المعزِّينَ من كل عشائر الدينكا و العرب في أبيي، و يبسط الطعام للناس.
و هاهو "كوال دينج مجوك" اليوم يترجل و معه الشاب اللطيف صاحب الحيوية و النشاط مرافقه "ملونق"، هاهو يرحل تاركاً الأرض التي طالما أحبها و النهر "كير" و "النجمورا" حزانى. كثيراً ما جالسناه في هدأة الليل فحدثنا و حدثنا و حدثنا، حدثنا عن التاريخ و عن الحاضر و المستقبل، حدثنا عن والده دينج مجوك أروب السلطان و دينج مجوك أروب الوالد و دينج مجوك أروب القائد و هو كلما ذكره كان يسميه بقوله (الوالد رحمةُ اللهِ عليه) و حدثنا عن نميري و عن المجلد و الفولة و رمبيك، و لكنه قال حديثاً عن القضية الفلسطينية، حديثاً أذهلني،
و عرفت عندها كم أنا جاهل بهؤلاء القوم، كلما ذكرت حديثه ذاك طفرت الدمعة من عيني حين أذكره و هو يختم بقوله : بالله شوف يا باشمهندس أنحنا كنا وين و بقينا وين؟!
كان مهموماً بحفظ حقوق الناس من غير قبائل الدينكا في مدينة أبيي، و لعل ذلك كان يزعج الكثيرين. قال لي: أنا أعرف سكان هذه المدينة و منزل كل واحد منهم و أنا مامون على حقوقهم حتى يعودوا.
كان يحرص على أن يدعونا لشاي المغرب أمام ديوانه ثم يتلوه بالعشاء المبكر، ويجلسني إلى يمينه، يحرص على أن يصب الشاي، و يقدمنا على من سوانا مجلسه الراقي و النظيف.
إن لرحيل كوال دينج بهذه الصورة البشعة تداعيات نسأل الله أن يخففها، و إن ما قرأت في الصحف من حديث يدل على جهل متعمد و قصد لتجهيل الناس بقدر الرجل و عظم المصاب يجعلني قلقاً و حزيناً، لقد كان الرجل شخصية مفتاحية في ضبط إيقاع الأمور المنفلتة في المنطقة، و لن يجد الناس بديلاً بمواصفاته بسهولة.
أخي كوال، إن أنا كتبت عنك الصفحات ما وفيتك حقك، و إني حق حزين، أخي الأستاذ علي دينج أعزيك في مصابك في أخيك إن كنت تقرأ ما أكتب أو لعله يُنقل إليك، أو قل لعلها دعوة تسري بغيب لروح أخينا. أخوتي أهل و أسرة السلطان كوال أبناؤه و بناته و أزواجه أسأل الله القدير أن يخفف عنكم مصابك و أن يبدله الجنة داراً و أن يلهمكم صبراً و جَلَداً و سلوى،
إخوتي و أهلي في أبيي، شول، مانجطانق ، أعزيكم في رجل كان قامة و شامة ناصعة في تاريخكم الحديث. رحم الله السلطان كوال دينج أروب ناظر دينكا نقوك و أسكنه فسيح جناته، إنا لله و إنا إليه راجعون.
صلاح حسن أبوكشوه
الخرطوم - في 6 مايو 2013م


http://www.sudaneseonline.com/index.php?option=com_...9-17-14-27andItemid=55

Post: #2
Title: Re: حسن ابو كشوة يرثى السلطان كوال دينق مجوك
Author: أسامة العوض
Date: 05-06-2013, 03:43 PM
Parent: #1

نسأل الله للسلطان الفقيد الرحمة والمغفرة وأن يسكنه فسيح جناته ولآله الصبر وحسن العزاء
خالص المواساة والتعازي لآله وذويه