أحلام مِنْ أقبية المنافي .. الحلم الرابع

أحلام مِنْ أقبية المنافي .. الحلم الرابع


04-01-2013, 02:24 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=430&msg=1364822690&rn=3


Post: #1
Title: أحلام مِنْ أقبية المنافي .. الحلم الرابع
Author: Dr. Salah Albashier
Date: 04-01-2013, 02:24 PM
Parent: #0

أحلام من أقبية المنافي

الحلم الرابع

أسدل الليل أستاره في ليلة من ليالي فبراير القارسة والأرض قد اكتست بلون الجليد الأبيض، ومحمد يجلس في خمول في أحد فنادق شارع كينج استريت بولاية فيرجينيا، ينظر إلى الساعة بعينٍ فاترة كأنه لا يريدها أن تحرك ساقيها باتجاه العاشرة مساءاً، لا زال أمامه بعض الوقت، رن جرس هاتفه الخليوي شاهد شاشته تنبهه أن المتصل هو صديقه جوش، لم يشأ أن يرد عليه، وتهاوت يده حتى سقط هاتفه، مد ساقيه إلى منتهاهما وتمطى وهو يتثاءب بصوتٍ عالٍ، ثم أرخى جفنيه الفاترين في إهمال وأسلمهما إلى دغدغة النعاس، فانسلت مشاعره وروحه هاربة من برودة الشتاء إلى دفء الوطن.
... استلقى محمد على "عنقريبه" بحوش الدار يطالع القمر ليلة تمامه، تتأرجح في مخيلته الآماني والآمال، وهو يرى الوطن قد ضاق بهم بعد أن كان يسع الجميع في حياةٍ نقيةٍ راقية ليس فيها مكاناً للعجز والخمول، حياة تنسم فيها الجميع هواء الحرية العليل، وأقبلوأ فيها على العمل الجاد منذ أن أسفر الصبح إلى أن جنحت الشمس إلى الغروب فإذا عادوا إلى أهلهم، غرسوا فيهم حب الخير، والرفق بالضعيف والبر بأولي القربى، واختطفوهم من الأثرة والجموح في الذود عن أثرة النفس اختطافاً، فاطمأنت القلوب في مودة ورحمة انتظمت سائر الناس. سكنت نفسه إلى حيث هذه الصورة القديمة واطمأنت، فنهض واقفاً وأمسك بفرشاته يترجم هذا الإحساس الجميل إلى خطوطٍ تداعبها ألوانٌ هادئة.
وقفت بجانبه أخته زينب تنظر إلى اللوحة الجديدة وهي تتشكل، وفي يدها لفافة تهزها هزةَ ذات معنى. نظرت إليه في حنان قائلةً:
• يبدو أننا سنرى عملاً جديداً إن شاء الله!
التفت إليها وهو يراقب اللفافة ترتفع أمام عينيه وتهبط، وأجابها:
• نعم .. هي لوحة جديدة .. لم تكتمل بعد ..
هزت لفافتها بشدة، وقالت:
• يبدو أنك قد استمرأت الكسل، فأصبحت لا تُكمل عملاً أبداً!
نظر إليها وعيناه زائغتان بينها واللفافة وقال:
• كيف ذلك يأختاه وأعمالي قد أذهلت الجميع، ومعارضي حازت رضاهم في العالم كُله، ويكفيني أن لوحة "العروس الحالم" قد اختيرت كأعظم عمل أفريقي خلال السنوات العشر الأخيرة وقد بيعت ...
قاطعته زينب وهي تنظر إليه حانية:
• ومع كل الذي تقول يأخي العزيز، هنالك عمل عظيم لم تكمله بعد، وهو العمل الوحيد الذي يمكن أن أطلق عليه صفة عظيم ..
أدهشته كلماتها، وأسرته اللفافة وهي لا تزال ترتفع وتهبط في يدِ شقيقته، قال:
• أتمزحين! .. لا يوجد بين أعمالي عملاً تركته دون أن يكتمل ..
مدت إليه اللفافة ملحة:
• فما بال هذا الرسم لم يكتمل ..
تناول اللفافة بيدٍ مرتجفةٍ، ثم فردها يناظر محتواها، سقطت اللفافة على الأرض كأنها ثقلت على يديه، وزاغ بصره كأنها سكرة الموت، تناولتها زينب في هدوء ووشدتها على حامل اللوحات، ربتت على كتفيه، وقالت راجيةً:
• إن هذه اللوحة أحق أن تكتمل من كل أعمالك التي أكملتها، فهذه هي العروس الحالم الحقيقية يأخي، أليس كذلك؟
اشتعلت في نفسه عواطف متداخلة، كتلك التي تثور في نفس الفتى حين يستحضر أطرافاً من حياته، عاش فيها مستمسكاً بالآمال والأماني العذاب التي لا سبيل إلى بلوغها ولا مطمع في تحقيقها، فسكن قلبه حزناً وحرماناً لا يمكن استدراكهما ولا إلى اتقاء ما يثيران في النفس من المضض واللوعة والأسى فانقطعت عنها تلك الآمال والأماني التي طالما تعلقت بها. تسمرت عيناه على اللوحة المشدودة، وتحدرت منها دمعة سخينة.
تناهى إلى مسامعه صوت بعيد، مد أنامله يمسح دمعته فإذا به يفرك عينيه والصوت يرتفع قليلاً قليلاً ثم يهدأ، تلفت يمنة ويسرى فإذا هو لا يزال متمدداً على كرسيه في غرفة الفندق نفسها، وإذا صوت الرنين الذي سمعه منذ قليل يعاود الإرتفاع ثانية، وإذا شاشة هاتفه الخليوي تنبهه بأنَّ صديقه جوش قد عيل صبرا. لم يشأ أن يرد عليه، بل نهض عنْ كرسيه إلى سريره وقد أثقلته الهموم، يريد أن يهرب من برد المنافي إلى دفء الوطن مرة أخرى، واللفافة المشدودة إلى حامل رسمها تستجديه أن يكملها.



وتتواصل أحلامنا بإذن الله

Post: #2
Title: Re: أحلام مِنْ أقبية المنافي .. الحلم الرابع
Author: Dr. Salah Albashier
Date: 04-02-2013, 01:25 AM
Parent: #1

***

Post: #3
Title: Re: أحلام مِنْ أقبية المنافي .. الحلم الرابع
Author: Dr. Salah Albashier
Date: 04-02-2013, 02:11 PM
Parent: #2

لمزيد من الاطلاع