تشييدُ عمارتين في طَرْفةِ عين !

تشييدُ عمارتين في طَرْفةِ عين !


03-09-2013, 11:41 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=420&msg=1362825675&rn=1


Post: #1
Title: تشييدُ عمارتين في طَرْفةِ عين !
Author: shazaly gafar
Date: 03-09-2013, 11:41 AM
Parent: #0

تشييدُ عمارتين في طَرْفةِ عين !
شاذلي جعفر شقَّاق
[email protected]

عُدتُ وأنا أُجرْجرُ قدميَّ بعد نهاية يومٍ عمليٍّ يبلغ عمرُه عادةً وعلى أقلّ تقديرِ عشرَ ساعاتٍ ..أسلك شارع بيتنا المُزدان جانباه بالدَّمَسْ السعودي الموسوم شعبيَّاً على سبيل التندُّر بـ (المؤتمر الوطني ) بجامع سُرعة النموِّ وتطاول الفروع في كُلٍّ ! والذي برُغْمِ محاولةِ إشانة سُمعتة وقد كانت حسنةً – أيْ الدَّمَس – بكونه يُغلق أنابيب المياه والصرف الصحي ويشقِّق الجدران ؛ لا يزال يافعاً يتراقص خضرةً ونضاراً إذْ لم تُفلح عملية استئصال بعضه في حجبه عن الأنظار وهو المنتشر انتشارَ البعوض ، المستشري استشراء الفساد المؤثَّل في شوارع أحياء المدينة وداخل أروقة البيوتات والمرافق العامة وغير العامة !
أُحاول أن أُلقي وراء ظهري تفاصيل يومٍ رتيبٍ وكئيبٍ يصادف أربعاء وعقاب شهر وإنْ أصبح أوَّلُ الشهر وآخره كهاتين (السبَّابة والوسطى ) ..يُسائلني زميلٌ لي وهو عليمٌ إن كان اللهُ قد فكَّ أسْر (المائةجنيه) وهو يُشير إلى زيادة الأجور بتوجيه السيد رئيس الجمهورية والتي صادق عليها مجلس الوزراء غير أنَّها لا زالت رهينةَ محبس وزارة المالية .. أقول له : أيُّتهما تعني ، الأولى أم الثانية ؟ يقول ضاحكاً كالباكي :الثالثة واقعة ..ننفجر ضاحكين بلا حافز قافزين فوق الحواجز ! يقول زميلٌ آخر : ابشروا بالخير ، تمَّ الاتّفاق مع (الجماعة ) على نقل البترول عبر أنابيب ومنشآت وميناء السودان .. أقول :مع الجنوبيين ؟ ..يقول : لا مع التشاديين ! يقول آخر : ومتى يتم توقيع الهُدنة مع جيوش الجوع ووقْف نزيف النجوع ؟ ومتى يتنفَّذ على أرض الواقع وقْف إطلاق النار من قِبَل السوق والتجَّار ؟ نضحك مِلء يقيننا بلا دموع ، ونبكي بلا قهقهات ثم نلوذ بالكلام !
ولكن لا بأس ، الآن تحفُّني الخُضرة .. أذرُع الدَّمَس الطويلة المشتعلة تلوِّح للفضاء مُشرئبةً إلى ما لم يأتِ شغَفاً مُسْتندةً إلى سوقها المستويَّة .. ربما لتغيظَ شانئيها و (تحَنْدِكهم) بما هي فيه من دَعةٍ ونعيم .. أو ربَّما لتقنعهم بوجود الخصب والنماء ! فمهما يكن من أمرٍ فإنَّ الخُضرة تنعش الروح المُتعبَة .. وشقشقات (ودّ أبرق ) و(عاشة بت كدِّي ) وسجْع القمري على الغصون .. وأصوات الفنادك داخل بعض المطابخ تشي بوجود (الويكة) و رائحة (الكِسْرة) المنبعثة من (الرواكيب) وعبق الطلح لأَشْياءٌ تجعلني أُحرِّفُ رائعة الدوش :( الدنيا ما زالت بخير .. أهو ناس تعوس وتفرُك وتنْبَسِط ....!)
تلتقيني لدى الباب كعادتها صغيرتي (رواح) كأجمل قصيدةٍ يُمكن أن أتنفَّس من خلالها في زمانٍ يودُّ لو أنَّه عبَّأَ الأوكسجين في اسطوانات ليحْتكره لذوي القُربى والولاء والمحاسيب ! تعُدُّ العُدَّةَ للعب غير آبهةٍ بما يدور حولها .. تتوسَّط ألعابها ودُماها وتدعوني للمشاركة ..أقترح عليها أن تلاعب عفاريتها – كما تُطلق عليهم أمي ذلك – لاكتفي أنا بمتابعتها عن كثَب متكِّأً على العنقريب في ظلِّ العصر ، غير أنها تشجب وتستنكر وتدين وتُعلن العصيان المدني حتى أرضخ نزولاً عند رغبتها الغير قابلة للمساومة !
اتناول القوالب البلاستيكيَّة أركبِّهنَّ طبقاً فوق طبق بسرعة فائقة ، فإذا ما استوتْ في شكلِ بنايةِ هندسيَّة فارهةٍ ؛ صحتُ بها محاولاً تحفيزها على السرعة والاتقان : وييي بنيتْ عمارتي قبلك !!
تشحذ الصغيرة همَّتها ..تُعيد يداها الصغيرتان تركيب القوالب مرَّةً أخرى وهي ترمقني خشيَّة أن أسبقها ثانيةً ..وأنا أتباطأ عمداً ..وعندما تنتصب عمارتها ذات العشرة طوابق ؛ تنتفض الصغيرةُ وقد أخذتها نشوة الانتصار صائحةً بلثغتها الجميلة : وييي سبقتك ..وَتَنِيييي!
هنا اندلقتْ ضحكتي صادقةً هذه المرَّة من أقصى أعماق روحي رفدتُها بقهْقهاتٍ متتالية ..اندغمتْ معها قهقهاتٌ متوالية ، حنى جاءني صوت زوجتي من الداخل :
-مالك بتضحك كده .. الليلة صرفتوا ؟
- لا والله !
- قيضتو ماية الرئيس ؟
- كضباً كاضب !
- طيِّب الضحك فوق كمْ؟!!
ثم يأتيني بعد ذلك صوتُ أُمِّي من بعيد :
- يسم الله الرحمن الرحيم .. الجِنْ بِنْداوى يا ولدي كعبة الانْدراوة !يكون رقّوك بقَوكْ باش كاتب!
- الله كريم يا حاجَّة !
إنما الذي أضحكني ببساطة هو أنَّه عندما كنتُ ألاعبُ (رواح) قبل يومين ، كلَّما فرغنا من تشطيب عمارتين في طرْفة عين ؛ أقول لها :(مؤتمر وطني ) وأنا أشيرُ إلى الدَّمَس طبعاً حتى لا تذهبنَّ بكم الظنون إلى البعيد ! وما كنتُ أظنُّ أنَّ الكلمة سترسخ في ذاكرتها الصغيرة وهي التي لم يتجاوز قاموسُها اللغوي بضع كلمات فقط ، بالطبع لم تكن كلمة (المؤتمر الوطني ) بينهنّ !
أصحيحٌ في عالم السياسة أنَّ كلَّ مولودٍ يولد على القوميَّة فأبواه يُوطِّنانه أو يُشعِّبانه أو يُصدِّقانه أويُمرْغنانه أو .. أو .. أم أنَّ التلقين ضرْبٌ من ضروب العبث الببغائي لا يتجاوز إصدارَ الأصوات المشابهة وترديد الكلام المسجوع ومضغ الهتاف الممجوج ورصف حلقات التكرار طَبَقاً فوق طبق حتى تبدو مثل عمارتَيْنا اللتين لا يُرفع عنهما القلم في ملء استمارة براءة الذِّمَّة !!


الوفاق – الاثنين – 11/2/2013م

Post: #2
Title: Re: تشييدُ عمارتين في طَرْفةِ عين !
Author: yousif saeed ali
Date: 03-09-2013, 11:50 AM

أصحيحٌ في عالم السياسة أنَّ كلَّ مولودٍ يولد على القوميَّة فأبواه يُوطِّنانه أو يُشعِّبانه أو يُصدِّقانه أويُمرْغنانه