"مُسدار جزيرة عِـبدِلَّة" لود بادي..من باب "ونحنا كمان طارين الحلة"..!

بعد التحية..
سأنقل لكم هنا موضوعاً كنت قد كتبته ونشرته بموقع ملتقى التشكيليين السودانيين في عام 2010..ولكن الموقع توقف قبل أكتمال الموضوع..
وهو عبارة عن محاولة مني لإستعراض قصيدة مُسدار جزيرة عِبدِلّة للشاعر د.محمد بادي العكودابي
..ولأن القصيدة حافلة بلغة بيئة ليست ببعيدة من بيئتنا حيث جزيرة عبِدِلة تقع جغرافياً جنوب غرب شندي ، ولأن ما جاء في القصيدة من كلمات كثير منها نستخدمه او يستخدمه اهلنا في حياتهم اليومية..
ولا أطيل عليكم ..وقبل نقل ما كتبته.. يمكنكم مطالعة تسجيل قديم للشاعر د. محمد بادي
تسجيل قديم له بتلفزيون السودان منشور على موقع اليوتيوب..وهي فرصة أولاً لسماع القصيدة من صاحبها ..وطريقة نطقه لبعض الكلمات..
وفي ظني أن في حالة أشعار ود بادي السمع (بيقطع الشك)..
بلا شك أن مهمة تناول الشعر لتبيان ما يعنيه أو ما يقصده الشاعر..مهمة ليست ساهلة..وتحتاج لـ "عِدة شُغُل" ..
خاصة إن كان شاعراً في قامة د.محمد ود بادي وإستخدامه لمفردة موغلة في بيئة البادية او الريف..بطريقة تحتمل معاني متعددة..!!!
كما أن بعض الاحيان السياق الذي وردت فيه هو الذي يحكم معناها..

وعليه..هي محاولة..عشمي ان أصيب فيها..
كما أثق في أعضاء المنتدى هذا ومنهم -بلا شك- من هم أعلم مني بهذه السيرة..
إذن هي محاولة.. ولتكن من باب (ونِحنَا كمان طارِين الحِلََة)على حد قول ود بادي نفسه..
----------------------
------------------
------------------

------------------
-----------------------
تقول قصيدة ود بادي- كتابةً-:

أنا أخو البِتْ اللَكعَت قَرن الخُمرة النازَّة
علي وِِردان الصبوة الراكزة
الجِنيات الهازَّة ..صُدورُهُن لازَّة
و رقّ النُص زي خيت الشَلَّة
بالحيل آ جني هي والله

الجِنيات الحَزَمو الجِبَّة
وعرَق الشتوي عليهم نايَا و صبَّ
قول ما دِلَ .. رُجالاً حصدوا الحَبَّة
عيشهُن هادو إنكال واتعبَّ
ومِنُّو كتير في الواطا انكبَّ
وباقِي مَصوبر واقِف قُبة
الحَمُد آلاف .. الشُكُر آلاف
العيش الرقَد أصناف ..أصناف
الولد الكال..عزَّام ..حلاَّف...ضيَّاف
الرِزِق الجانا مَدَلَة.. الحَلِق الجاف اِتبلَّة
بالحيل آ جني هي والله

الوادي الجَانا مَترقَّن
مدَّ جِناحو الطايِل شَرقاً وغرباً
القِبلِي بُروقُو علي القلعات إتضربَّن
الدُكُن البِعدَن قِربَن
فوق صَنقور المَحَلَة الطالت كَبَّن
قُول للمَحَلَة بِيوتِك خِربَن
قُول ما دِلَة.. الحَلِق الجَاف إِتبلَّ
بالحيل آ جني إيه والله

مُرحَاتنا شرابهِِن يوت ما غبَّن
شبعانات في الشِقِل أب شوك..ما شبَّن
الحُمَّل وِلدَن ..وربَّن
حلماتِن تِقلََن.. جَرَّن..
فوق سيقانن كبَّن
اللبن العاتِم في ضِرعاتِن جبَّن
المَغسَة إن كان ضِرعاتِن خِربن..
القَرعَة آ وِليد .. السِعِن آ بنيَّة
القِربَة كمان... كُبُوها الميَة
المَغسة إن كان ضِرعاتِن خِربَن..
شُوفوا النِعمة السالت فوق قيزان الرملة
ناس البندر لبن الشاي بالعُملة؟

سَمِح الخَمَج الفوق أسيادُو
سَمِح العِز المِن أجدادُو
الجِنيَات المَشُو ما عَادُو
كان بالرِِد دَا أكّانوا اتنادُو
غرَّب حامِد وشرَّق بَلَّة
كانُوا بِحلبُو الضَرِع الدَلَّة
كانُوا بِحضروا الخير القََدحُو مَعَلاّ
الجِنيَات ما كفرت بي نِعِمة الله !!
بالحيل آ جني إي والله

ذات في يوم والغيمة تَهتّف مَطراً نَقَّع
فوق نُوَّار الطَلِح الفقَّّع
رِيحة البَرَم إن جاتك ..
عِطراً فايت خُمَر الفوق أردافَا مَجَدَّع
شُفنا الوادي يقشقِش في دمعَات الليل
والتِعِل الشايِل بدا يتفقَّع
تَلَّب حامد فوق مخلُوفة أب زُور واِتربَّع
طلَق الرَسَن أب زَمة وسوَّا خَبِيباً بدّع
هـوّد في رُقَّّاب الصَيْ
لاقوه تلاتة زِبيديَّة
خالفِين سيقانُن فوق السِنكِيت
ورُقَاب أَلبِل بيناتُن مَرخيّة
مَحجُوبات بالخرَز الفَصلُو السومِيت
كُل واحد درَقة وسيف وطبنجية
وباقي جُرابُن مليَّان دلميت
الجِنيَّات اِتقَبلُو وضاقُوا الحارَة وضاقُوا المُرة
وكان حجَّازُن صقر الجَو
حامد كان عارفين ..ضاقوه رُجال قبَّالكُن
شُوفوا أرزاقكُن أخير من ضَو
حامد عوَج الطُندُب آ وليدات
عوَج الطُندُب نار القصَب الهَبلَت ما بِتعدلو
شُوفُوا شُلُوخو مَطارِق رقدَن
وكل تلاتة يمين سيَّاف إِتقبَلو
حامد راضِع مُخ التُرُك البَزْبَز من ضرب أهلُو
نِهار الركزوا تمام وإتعَدلُوا
حَبوب القارِح ... ما دِلَة
ولداً ما ختَّالِن زَلة
شِنْ قولك فيهو عليك الله ؟
بالحيل آ جني هي والله

وينا مَراتع الدَرَت الباسِط دايماً ببكي عليهِن
وين بنوت الحِلة البُكّر عصراً بَدري يسوَّن في شاهِيهِن
بعد الليل ما يهوِّد ونحنا نهوِّد..
عاد أُماتِن ينادن ليهِن
نمشي على القيزان نِتقادَم..
أقيس الختوة مع التاتاي ومَشيهِن
والله البُعد الحاصِل ما نَسَّاني
وحاتكُن في قَمراتنا بشُوفو وشِيهِن
الا النَضِم أب غُنة اللهَج السُكر وين بَلقاهُو
بنات الرِيل ..الدوب ليهِن
الخوف آ ناس كان يبقى الشوق الحاصل بينا مِعَشعِش فيهِن
مُقنَع سابِل وين بَلقاهو؟
وطرفاً ذابِل وين بلقاهو ؟
وعين بِتدَنقِر من واليهِن
الوَجنات الشَعّن بقَّّـن
ود العين النايِم زَرقَّن
مُو زايغ ..رَسيَان ومَيقَّّن
زولهِن كان خَدران ومَحَقَّّن ؟
من الشوفة عِرُوقو يطُقَّّن
كان الدنيا بِصَح تِتخلىَّ ؟
كُنا بَركنَا مَعاهِن فوق رَملاة الحِلة
إلا كمان بِنشُوفا مَذلَّة
الجِنيات الغابَت..جابت
إنتَ الجيب بس قايلُو قميص افرنجي وكرتونات كَرمِلَّة؟؟
لالا ..وحاتَك حاشَا وكلاَّ
ديل يوم عادُوا إتلافوا الجاهِل بي حُقوق الله
ديل كم لِحقُوا البِشهَق ضايِق وداوُوا العِلَّة
الولد الجايب حقايب سفرو تُقََال
تُقال من جِنِسِ كتاب ومجلة
الحِكمة النَضِم إيَّاهُو الكان
الحِكمة الولد إتوضا وصلّى
عادة البلد الدَخلت فِيهُن سكنَت
سَكنَت ..مَا بـتِتخلاّ
نِحنا كمان طارين الحِلة
ودُرنا الطَلَّة
نشِيلا معاهم فرحة ومِيتَة
حَلاة الموت كان في عِبدِلة
حلاااة الموت كان في عِبدِلة

أنا أخُو البِت اللَكعَت قرن الخُمرة النازَّة
على وِردَان الصَبوة الراكزة
الجِنيَات الهازَّة .. سِدُورُن لازَّة
ورقّ النُص زي خيت الشَلَّة
بالحـيل آ جِني إي والله ..
--------
يبدأ بعبارة متعارف عليها في أدب البادية والدوبيت ..أنا "أخو" فلانة ..
انا أخو البت اللكعت قرن الخُمرة النازَّة
وهو الإشارة الى الأنثى أختاً كانت او بنت عم او محبوبة (عند شعراء آخرين)وغالباً دون ذكر الإسم..
إشارة الى كونه "أخوها"..وبالتالي هذه المكانة التي وضعها لنفسه تحتِّم عليه أسس..لا بد له أن يكون قدرها..
بحسب ثقافة ذلك المجتمع..وهي ايضاً بمثابة إشارة لتعريف الآخر به..وهي عبارة من باب الفخر..
قال انا اخو تلك البنت التي "لكعت" اي تمسَّحت..وإتلكّع الزول بالطين اي تمسّح بالطين عشوائياً..وتلكّع الطفل بالأكل..اي أكله عشوائياً فملأ وجهه..
تلك البنت التي تمسحت شعرة رأسها بالخُمرة ..ذلك العطر المعروف في أدوات تجميل المرأة السودانية..وله فعله المعلوم ..
و"لكعت" ايضاً تعني اسرعت..واللكعة المشي بسرعة..غير أن اللكعة في وصف مشي المرأة ليس محموداً بحسب فهم وثقافة اهل الريف..الغناي قال (مي أم لكعة المشيها خفيف)..
ولذلك ارجح المعنى الأول للكلمة..

الخُمرة النازة..النَز هو التشرُب..والتسرُب من بين المسام..وحين يسيل الدهن الممسوح على الرأس بعد تعرضه للشمس مثلاً..يقال:نزَّ الدهن..أي نزل عليه ..او (الارض نزّت) اي شربت عبر المسام بطيئاً..وفي أغنية لعبد الله البعيو (يا بحر الاتبراوي الساقي الرُجال بالنَز)..

الخمرة النازة فوق وردان الصبوة الراكزة
وردان..جمع وريد..الصبوة ..من الصبيّنة /الصبيان..الشباب ..الراكزة: ركز ..أن وقف ثابتاً للبُطان
(وهو الطقس المعروف أن يقوم الرجل بالوقوف أثناء الإحتفال..يقف ونصفه الأعلى عاري..ليتم جلده بالسوط..
وفي ذلك إشارة إلى الحضور وبالذات النساء أنه شجاع يتحمّل
الضرب القاسي دون أن ترمش له عين..وهي عادة لا زالت تمارس..ولها طقوسها وقوانينها..)..
الجنيات الهازة ..سِدورُن لازَّة
الجِنْيَات: المفرد جنىَ..والجنى في أكثرالأحيان إشارة للصبي تحديداً..الهازة:الذين يهزّوا مبشِّرين..والهز "وحسب بيئة ود بادي..جنوب غرب شندي"..
يكون بالعصا ..ان ترفع عصاك ملوِّحاً ..عبر عبارة "أبشِر بالخير"..كما هو معروف..في الافراح..
سُدورُن لازّة ..أي صدورهم مدفوعة الى الأمام..وهنا للمشهد دلالته الجميلة الواضحة ..
(لاحظ للنون بدل الميم ..صدورهُن..او صدورُن بدل صدورهم..).

و رَقَّ النُصْ زي خيت الشَلََة..
هذا الصبي وفي وقفته للبُطان وهو يمد صدره إلى الأمام ..بينما نصفه او وسطه "رقيّق" رفيع..وعبارة "رِقِّيق" هنا هي إشارة شكر..
كما أعتقد ..والصبي الرِقيَّق في كثير من الأحيان محبّذ أكثر من "الغليد" ..فالرقيِّق دائماً هو المحبَّذ..
غير أن الحاسم في الموضوع هو من يحدثه قلبه على الثبات والشجاعة..
قال نصفه رقيقاٌ كخيط الشَلَة..والشَلَة هي لفة الخيط ..

بالحيل آ جِني هي والله
بالحيل ..إشارة تأكيد..نعم أشدد على كل الذي قلته وسأقوله في وصفي هذا ..نعم اي والله ..

ولا أغفل هنا الإشارة الى أن محمد ود بادي ..رغم أنه جغرافياً من منطقة يمكن حسابها لقبيلة الجعليين -والمقام هنا مقام لسان ولهجة - وبرغم أنه شايقي ..ولكن لغته نجدها في كثير من الأحيان موغلة في
خصوصية البادية..وفي ظني هذا ما ميّز تجربة ود بادي الشعرية ..!!
--------------------
الجِنيَّات الحزمُوا الجِبة
وعرق الشِتوي عليهم نايا و صبَّ
قول ما دِلَّة .. رُجالاً حصدوا الحبة
عيشهُن هادو انكال واتعبّ
ومنو كتير في الواطا انكبّ
وباقي مَصوبَر واقف قَبة
الحَمُد آلاف .. الشُكُر آلاف
العيش الرقد أصناف ..أصناف
الولد الكَال.. عزَّام .. حلاَّف...ضيَّاف
الرِزق الجَانا مدلَّة.. الحلِق الجاف إتبلَّة
بالحيل آ جني إي والله ..
يستمر في تصوير مشهد الصبيان الذين يفتخر بهم وبإنتمائه لهم..وكيف انهم حزموا ما يلبسونه..والمشهد هنا حسب ظني مشهد عمل في الزراعة..
فيحزمون ما يلبسونه حتى تسهل عليهم الحركة وتشميراً للسواعد..
وهاهو عرَق الشِتوي يتصبب من جباههم ومن على ظهورهم وأصبح اثره في ملابسهم..والشِتوي فترة معروفة عند أهل الزراعة هناك..حيث يكون المزروع في عز نمؤه..
وإن جاء الشتوي على الزراعة ففي ذلك كثير من ضمانات النجاح..يقول برغم الشتاء هم يتصببون عرقاً بفعل العمل والكدح..
قول ما دِلة ..وهذا قول أقوله فيهم وليس إدعاء..
هؤلاء الرجال الذين حصدوا حبة العيش..مؤونة معيشتهم..ترى لمن يكون المدح إن لم يكن لمن زرع وحصد؟؟

عيشهُن هادوا وإنكال وإتعبا
ومنو كتير في الواطا انكبّ
وباقي مَصوبَر واقف قَبة
حصدوا عيش ذراهم..نظَّفوهو..ثم كالوه ..فعبّوه في جوالات الخيش المعروفة..
حيث كل جوال يسع ما مقداره 15 رُبُع..او سبعة كيلات ونصف ..بحسب المقياس المعروف عند اهل الذرة..
ثم طمروه في باطن الارض..مخزّناً ..ولا زال باقيه مصوبر..مردوم او مقنطر قناطر ..تذكرك بقباب الأولياء الصالحين..
فالحمد لله على هذا الخير..الوفير بكل أصنافه..
وكل منهم يكيل للناس ويهدي..ويناديهم عازماً ..ويحلف عليهم ..وهو بطبعه مضيافاً..
في ظني أن هذه الجزئية من قول ود بادي إشارة موفقة منه الى أن المزراع حين يحصد زرعه..فتراه موزعاً خيره على المحتاج ..
كيف لا وفي الزراعة رزق وقبله أجر..وفي مجتمع اهل الزراعة -وخاصة المطرية-تكافل يقوم على السجية وبطبيعتهم الترابطية..
لقناعتهم ان ذلك كله هدية من الله أن أنزل ذلك الخير المتدلي النازل مطراً..فسقى كل الحلوق الجافة وإبتلت..فشربت إرتوت كما أكلت..وشبعت..
نعم اي والله ..
------------------------------

الوادي الجانا مَترقّن
مدّ جناحو الطايل شرقاً وغرباً
القبلي بروقو على القلعات يضّربن
الدُكُن البِعدن قِربن
فوق صنقور المحلة الطالت كبّن
قول للمحلة بيوتك خِربَن
قول ما دلة.. الحلق الجاف اتبلّ
بالحيل آ جني إيه والله

يرجع لوصف كيف جاء هذا الخير..نازلاً عبر الوادي ..الجانا مترقن ..تَرقَن ..يُترقِن ..فهو مَترقَن..اي مملوءاً حتى تدفق خارجاً..
(الكُباية دي مترقنة شاي..) أي مملؤة حتى تدفقت..
فالوادي إنحدر مملوءاً فتدفق على جنباته..وإمتدت أجنحته شرقاً وغرباً..
وهاهو البرق القِبلي ..والذي يكون ناحية القِبلَة..اي ناحية الشرق..أو مائل قليلاً الى الشمال..بحسب جغرافيا منطقة ود بادي..
(والقِبلِي عند أهل البادية في السودان برق لا يخيب أبداً..لذلك نجده كثيراً ما يرد في أغانيهم ودوبيتهم وترنيماتهم..بشارة خير وامنيات..
لذلك إستخدمه بعض الشعراء في اشعارهم..حتى الشعراء غير الشعبيين..مثال محجوب شريف في رائعته
"وا حلالي القبلي شال شبال.. لمع برق المهيرة.."..وذلك الإستخدام الذكي والموفق..
كما هناك البرق العبّادي..

* الصادق اب آمنة..أحد شعراء البطانة قال:
الليلة البطانة إتخلفنلها القِبلِي والعبَّادي
ونفضنو المِتل جبب أب صريمة يدادي
.....
والبرق العبّادي هو الآخر برق لا يخيب..وهذا كله يقع ضمن معرفة إنسان البادية
للبيئة وتوقعاته لهطول الأمطار..

إذن ود بادي يقول هاهي البروق إشارة المطر القبلي..على القلعات ..جمع قلعة..وهي التلة الخفيفة الإرتفاع..هاهي البروق في لمعانها تتضارب متقاطعة..
الدُكن ..الداكنات..والسحائب الزرقاء الداكنة المملؤة بالمطر..إقتربت..
ستكب فوق أعلى رأس هذا المحل والجدب الذي طال أمده..وكلمة صنقور وهو الرأس حسب ظني لا تخلو من تشفِّي في المحل..
(تجي المطر تكب الموية فوق صنقورك دا..)..:)
فقل للمحل هذا المطر جاءك وسيخرب بيوتك..ويوقع بك هزيمة ماحقة..
فيبتل الحلق الجاف من جراء الجدب..وهل هناك شيء مفرح اكثر من المطر بعد محل وجدب؟؟
------------

يتبع..

----------



-----------
رسم من الذاكرة :) لنوّار شجرة الطلِح ..أو بَرَم الطلح الذي ذكره ود بادي في مسداره..


ونواصل..

ونواصل مع د. محمد ود بادي:

سَمِح الخَمَج الفوق أسيادُو
سَمِح العِز المِن أجدادُو
الجِنيَات المَشُو ما عَادُو
كان بالرِِد دَا أكّانوا اتنادُو
غرَّب حامِد وشرَّق بَلَّة
كانُوا بِحلبُو الضَرِع الدَلَّة
كانُوا بِحضروا الخير القََدحُو مَعَلاّ
الجِنيَات ما كفرت بي نِعِمة الله !!
بالحيل آ جني إي والله

سمح الخمج الفوق أسيادو
وسمح العز المن أجدادو
يعود بالإشارة الى اولئك الذين زرعوا فحصدوا..فيقول هكذا يجب أن تكون حياة الرغد..
واظن ان كلمة خمج هنا ليس مقصوداً بها التبزير أو عدم الإكتراث في فعل الشيء..كما في المعنى الآخر..وإنما المقصود هو الشبع الكامل..من خلال توفير ماهو اكثر وأكبر من الحاجة..بإعتبار أن ذلك كرماً فياضاً حسب ثقافة تلك المناطق..
إن وصف فلان بأنه خمجان فهو يعني المدح بأنه كريم فائض الكرم ..كما ان إسم "الخمجان" إسم متعارف عليه هناك بل من الأعلام المعروفة..
يقول هكذا يجب ان يكون الإعتزاز بالكرم الفياض طالما هو موروث من الجدود..
الجِنيَات المَشُو ما عَادُو
كان بالرِِد دَا أكّانوا اتنادُو
غرَّب حامِد وشرَّق بَلَّة
كانُوا بِحلبُو الضَرِع الدَلَّة
هناك من سافر منهم ..ففات عليهم حضور كل ذلك الخير..منهم من "غرَّب" بالإتجاه غرباً..
ومنهم من "شرّق" بالإتجاه شرقاً..يقولون:غرّب..وشرّق..وسفَّل /السافل شمالاً..وصعَّد/الصعيد جنوباً.. بحسب تعريفهم الخاص للإتجاهات..في قاموس اللهجة الدارجة هناك..
كانُوا بِحضروا الخير القََدحُو مَعَلاّ
الجِنيَات ما كفرت بي نِعِمة الله !!
فلو كانوا موجودين بالرِد دا..الرِد ..الجهة..يقولون:رأيت فلان حايم في رِِد السوق العربي..أي في جهة من ..او نواحي السوق العربي..
ولو كانوا موجودين في معنا هنا في جهتنا هذه ..لكانوا تنادوا على بعضهم ليحلبوا اللبن من ذلك الضرع الذي تدلى..
ولكنهم إبتعدوا من هذا الخير..ولكن يا حليلهم كأنهم كفروا بهذه النعمة..!!

-------------

وهنا حكاية كاملة يصورها ود بادي في مشاهد بديعة من مسداره هذا:

ذات في يوم والغيمة تَهتّف مَطراً نَقَّع
فوق نُوَّار الطَلِح الفقَّّع
رِيحة البَرَم إن جاتك ..
عِطراً فايت خُمَر الفوق أردافَا مَجَدَّع
شُفنا الوادي يقشقِش في دمعَات الليل
والتِعِل الشايِل بدا يتفقَّع
ذات في يوم والغيمة تَهتّف مَطراً نَقَّع
ذات مرة والمطر نازل خفيفاً..نقَّّـع: أي ماء المطر وصل درجة بِرَك صغيرة..
يقولون لوصف درجات صبيب المطر: نقَّطَت ..رشّت..ثم نقَّّعَت..ثم سيَّلَت..السيل..

فوق نوّار الطَلِح الفَقّّع
رِيحة البَرَم إن جاتك ..
عِطراً فايت خُمَر الفوق أردافَا مَجَدَّع
ونوَّارة شجرة الطلح وهي البَرَمة والجمع بَرَم ..والبرمة هي زهور الاشجار الشوكية..(مثل السيّال..السَلَم..السَمُر..السُنُط..الطلِح..)وهي اشجار منتشرة في منطقة الجعليين منطقة الشاعر..
فللطلح زهرة صفراء اللون..لها رائحة ذكية جميلة..بالذات في موسمها..وهو نفس الطلح الذي إستخدمته المرأة السودانية..
في تجميلها وعن طريق دخان حطبه..الذي يصبغ عليها لوناً خاصاً..كما أنها علاج أيضاً للبشرة ولغيرها..وشجرة الطلِح شجرة كبيرة في حجمها..لحاها طريء ولونه أحمر..
وبالفعل هي شجرة عزيزة..
وبالطبع هنا أقصد شجرة الطلح التي تنمو على ضفاف النيل..والمقام مقام جزيرة عِبدِلة..
فربما إختلفت شجرة الطَلِح التي تقع في مناطق إنتاج الصمغ العربي..بعيداً عن النيل..فتلك حجمها صغير بخلاف التي على النيل.!!
يقول هذه الزهرة عندما تتفتح إن جاءك عطرها فإنه يفوق رائحة الخُمرة وما والاها من العطور المعروفة..
بقوة نفاذها وجمالها..وبكل ما تحمله من دلالات ..في علاقتها بجمال الجسد ..!!

والتِعِل الشايِل بدا يتفقَّع
التِعِل..وهو صوب المطر..أو قل إتجاه المطر وهو نازل في شكل خيوط على جهة محددة ..يسمونه تِعِل..والجمع تِعُول..او تعّال..
الشايل..يقولون السحاب شايل..اي مملوء بالماء ورابط جاهز للصبيب..ويقولون السماء شايل..اي مملوء بالسحاب..والزرع شال..أي أظهر ثمره..
وفي غنائنا كثيراً ما ترد الكلمة ..مثلاً يشيرون في وصف البنت أن صدرها شال..اي كبرت وأظهر ما عليه..كما في الأغنية الشعبية:
( لايق شعري فيهو براهو
دا الشال الثمار ..تكّاهو
يا ود حاج حمد تلفاهو.. )
(عمر الحواري/غرب كبوشية/فنان شعبي)

وعند اهل البهائم النعجة الشايل او الشول (هي الوالدة وبرفقتها مولودها..ولعل إسم "الشول" إسم المؤنث..ربما من نفس المعنى..والله أعلم!!).
يقول هاهو المطر الرابط بدأ سحابه ينفتح ويدفق ما يحمله..فتنزل خيوطه مطراً.
------------
تَلَّب حامد فوق مخلُوفة أب زُور واِتربَّع
طلَق الرَسَن أب زَمة وسوَّا خَبِيباً بدّع
تلَّب: قفز..نطَّ..او ركب بكل خفة..(وقبلها قال أنه الصبي الرقِّيق خيت الشلة) فهنا جاء دور الخِفة والرُق..فتلَّب..على مخلوفة أب زور: أب زور هو الجمل..والمخلوفة هي سرجه..ولكنها مخصصة فقط للركوب ..
وبالذت للمسافات الطويلة..وللمخلوفة توابعها وادواتها بأسماءها الخاصة..فحين تكتمل توابعها تجعل من الراكب على الجمل يبدو في منظر وهيبة بديعة..
كما أنهم يختارون لها جملاً خاصاً..له مواصفات "جمل الركوب" .. !!
(كما تذكرون في صورة ساعي البريد القديمة التي كانت مرسومة على النقود السودانية..والتي توضح شكل الجمل المسرع..وهو مشدود بالمخلوفة..بكل توابعها..).
لذلك جاء شكلها مريحاً في الجلوس..والمخلوفة هي بخلاف "الحَوِيَّة" التي هي السرج المخصص للتحميل..والخدمة..على ظهر الجمل.

ركب حامد جمله ..وتربَّع عليه..بأن جعل رجليه مخلوفات يرسمان شكل حرف الـ X..وهي طريقة معروفة لركوب الجمل عندما يكون مسروجاً بالمخلوفة..
ثم أطلق العنان للرسن اب زمَّة..وهو عادة ما يكون حبل مغزول من الشعر..ويتفرّع منه خيط رفيع ليشبك الجمل من أنفه كزُمام..لمزيد من التحكم في سرعته..
أطلق العنان لجمله السريع ..وسوّا خبيباً بدّع..والخبيب درجة من درجات المشي عند الإبل..
فيقولون في مشي الإبل تحديداً: مشى ..ثم خبَّ..ثم كَربَت "من الكربتة وهي الجري المتوسط"..ثم جرى كما في حالة السباق..
كما يقولون "برطَع" في حالة الجري الغير موزون..وأمصع ..جرى جرياً أشبه بالجنون..كما في حالة أثناء تطويعه/ تدريبه مثلاً ..
والخبيب هي درجة الجري المريح للجمل..(ممكن تقول "جَكة موزونة")..بحيث تأخذ أرجل الجمل في حركتها الشكل الحركي البديع في هندسته الربانية..
وهنا يمنح راكبه إيقاعاً خاصاً يصلح تماماً للنم وللغناء..وحسب ظني أن شعراء الدوبيت في تلك اللحظة ..يتنَّزل عليهم شيطان شعرهم ..المجنون..
فيترنمون بقول بديع..!!!!

**********

وبرضو بقولها

حلاة الموت فى جرابك المليان يا قيسان عشا الضيفان

دمت بألف خير والتحية عبرك للشاعر الفذ د. ود بادى الذى تربى على تلك الضفاف ذات المآثر الثرة والتى كثيراً ما صاغها شاعرنا الدكتور فى شعره الجميل.

لك وله منى آلاف التحايا والتبريكات.

-----------
هذه هي "التربيعة" في ركوب الجمل..
وفي ظني أن التربيعة لا تكون مريحة في الركوب غلا عندما يشّد الجمل بالمخلوفة..

"فوق مخلوفة اب زور وإتربع"..



ونواصل في مسدار ود بادي الحافل بالصور..

لاقوه تلاتة زِبيديَّة
خالفِين سيقانُن فوق السِنكِيت
ورُقَاب أَلبِل بيناتُن مَرخيّة
مَحجُوبات بالخرَز الفَصلُو السومِيت
كُل واحد درَقة وسيف وطبنجية
وباقي جُرابُن مليَّان دلميت
الجِنيَّات اِتقَبلُو وضاقُوا الحارَة وضاقُوا المُرة
وكان حجَّازُن صقر الجَو
حامد كان عارفين ..ضاقوه رُجال قبَّالكُن
شُوفوا أرزاقكُن أخير من ضَو
حامد عوَج الطُندُب آ وليدات
عوَج الطُندُب نار القصَب الهَبلَت ما بِتعدلو
شُوفُوا شُلُوخو مَطارِق رقدَن
وكل تلاتة يمين سيَّاف إِتقبَلو
حامد راضِع مُخ التُرُك البَزْبَز من ضرب أهلُو
نِهار الركزوا تمام وإتعَدلُوا
حَبوب القارِح ... ما دِلَة
ولداً ما ختَّالِن زَلة
شِنْ قولك فيهو عليك الله ؟
بالحيل آ جني هي والله
--------------
يقول حينما قفز حامد على جمله ..وابعد في "الصي" وهو الخلاء..اي الارض المبسوطة الممتدة..
فهناك قد إلتقوه ثلاثة من قبيلة الرشايدة..الذين يعرفون أيضاً بالزبيدية..
(زبيدية إشارة الى زبيدة زوجة هارون الرشيد التي يُعتقد أنهم ينحدرون منها نسباً..والرشايدة نسبة لهارون الرشيد)..
وقبيلة الرشايدة معروفون بأنهم اهل رعي ..وأهل إبل ..وهم متواجدون في البادية الشرقية "البطانة".
.فاصبحوا ضمن نسيجها الإجتماعي ..
وبالتالي أثّّروا وتأثروا بكثير من عادات وتقاليد القبائل الرعوية التي حولهم..
يقول إلتقوه ثلاثة زبيدية ..خالفين أرجلهم وهم ركوب ..على ظهور الإبل "ألبِل..بلغة أهل البادية"..والسِنكِيت هو سنام الجمل ..
فكانت جمالهم مزيّنة بالأحجبة "الحِجبات"..مع الخرز الذي يتخلله السوميت..والسوميتة هي خرزة ملونة..
لها دلالتها في الإستخدام غير زينتها كونها دارئة وكافة من العين ..وحافظة..وجالبة للفال الحسن..
وكل واحد من هؤلاء الزبيدية ..مسلّح بالدرقة والسيف والطبنجية "السلاح الناري"..ثم يبالغ في وصف مدى تسلحهم أن كل واحد منهم
يملأ باقي جُرابه بالديناميت !!!..
والجُراب هو وعاء من جلد الغنم ..يشبه في هيئته "القِربة" و"السِعن" ..ولكنه يقوم مقام الشنطة..مخصص لحفظ الأغراض..
وصف درجة التسلح عند هؤلاء الرشايدة حسب ظني أن ود بادي يهيئنا بإشارته الى هؤلاء وكأنهم
"همباتة"-اقول لأن للكلمة حضور في مشهد شجاعة اهل البادية- همباتة طمعوا في جمل حامد..
لأن الشاعر ود بادي يريد في نهاية الأمر تهيئتنا لوصف مدى شجاعة حامد ولوصف كيفية مقابلته لهذا المأزق..

-------------
وكان حجَّازُن صقر الجَو
تقابل هؤلاء الجنيات..الشباب..وتقابلوا وجهاً لوجه ليتقاتلوا..وكانت معركة شرسة..
ذاقوا فيها المُر..حيث ليس هنالك "حجّاز" ..واسطة خير.. ليدخل ويفصل بينهم..
لا أحد..ما عدا صقراً يحلق في الجو ..بحسب تلك الطبيعة وذلك "الصَي" البعيد..!!

حامد كان عارفين ..ضاقوه رُجال قبَّالكُن
شُوفوا أرزاقكُن أخير من ضَو

يخاطب هؤلاء الثلاثة رشايدة...فيقول لا أظنكم تعلمون أن حامد هذا ..من قبل حاولوا
فيه رجال اشجع منكم ولكنهم فشلوا في سلب جمله منه..
..حاولوا تذوقه فوجدوهو مُراً..حيث أذاقهم طعم الهزيمة..
("ما بِنبلِع بي هيِّن أصلو مُر".. كما ورد في الأغنية الشعبية)..
فإني أرى ان تتركوه وتذهبوا الى حالكم والبحث عن أرزاقكم ..
من ضَوْ ..يعني منذ فترة باكرة "من بدري"..وأصلها بمعنى من قبل زوال ضو الشمس..قبل غروبها..
اي إنصرِفوا من الأول قبل ان تضيّعوا زمنكم ..
وعبارة "شوفوا ارزاقكم"..تدعم ظني في انهم همباتة..!!
إنصرفوا لأن حامد "عوج الطُندب آ وليدات"..
آ وليدات .."آ" هنا أداة نداء..بمعنى "يا" ..وقوله "وليدات" تصغيراً ..اي مقارنة بحامد فهم أطفال صِغار..

حامد عوَج الطُندُب آ وليدات
عوَج الطُندُب نار القصَب الهَبلَت ما بِتعدلو
حامد أشبه بعود الطُندُب..
ولست متأكداً إن كانت إشارة "عوج" أي إلتواء عود الطندب هل يقصد بها الندرة..
حيث يندر وجود إعوجاج في عود شجرة الطندب؟؟ حقيقي لست متأكد..
إلا أنه -وكما قلت من قبل- أن شجرة الطندب أو التُنضُب(وهي شجرة منتشرة في السودان شجرة خضراء غير مورقة..
وعندما يموت فرعها يصبح لونه أصفراً فاتحاً..وثمرتها تسمى "الحُنبُق" أو "الحُمبُق" حمراء ..حلوة الطعم)..
عود الطُنضب معروف بقوته وصلابته كما انه عندما توقده يمنحك ناراً حامية ولفترة طويلة..
فلا يمكن مقارنته او معادلته إطلاقاً مع نار القصب السريعة الهشة ذات الدخان الكثيف..مهما إلتهبت وكبرت..
وفي الأغنية الشعبية "سمحة الهيبة فوق مختار" مقارنة قريبة من هذه حيث المقطع :
يا ماسك الدريب طلّش
لي ناس رحمة ما بتنغش
وما تساوُوا الحديد بالقش
أو (شِن جاب الحديد للقش)..

شُوفُوا شُلُوخو مَطارِق رقدَن
وكل تلاتة يمين سيَّاف إِتقبَلو
حامد راضِع مُخ التُرُك البَزْبَز من ضرب أهلُو
نِهار الركزوا تمام وإتعَدلُوا
يقول أنظروا لحامد ..ذو الشلوخ المطارق..والمطارق هي الشلوخ ذات الخطوط الرفيعة..
بينما "العوارض" هي الشلوخ الخطوط العريضة الرأسية..

(وفي ظني ان بإشارته لشلوخ حامد وكونها مطارق راقدة ..اي أفقية..والخطوط الأفقية هي شلوخ قبيلة الشايقية ..
وهنا تبدو شايقية محمد ود بادي في شعره واضحة..
كما تبدو شايقية أهل جزيرة عِبدِلة من خلال ملامح وجه حامد..رغم وقوعها جغرافياً الى الجنوب الغربي القريب من شندي مركز قبيلة الجعليين..!!
غير أن الذي يبدو لي في اشعار ود بادي أن "شايقية جنوب غرب شندي" قد إكتسبوا من خلال تفاعلهم بثقافة تلك المنطقة..
ثقافة وتراث يختلف عن تراث شايقية الشمال..
ففي ظني أن شايقية الشمال -والمقام مقام شعر- دايماً ما يرصدون صور حياتهم على
النيل
أن صور الحياة فيها كثير من انفاس منطقة الجعليين وباديتهم..تلاتة زبيدية/إبل/ صي/طندب/مطر/زراعة عيش/ بُطان/شتم/..إلخ..
وكلها رموز ثقافة منطقة الجعليين..بل باديتهم ايضاً..
حسب ظني ان أقرب بادية لمنطقة شندي هي البطانة ..ومن خلال ذكر "الزبيدية" يبدو لي أن ود بادي يقصدها..
عليه ..هنا يبدو لنا إكتساب المبدع لتفاصيل الحياة من حوله خاصة في جانب التراث..وبالتالي منحه لصور صادقة وزاخرة ميّزت إبداعه..)..

يقول حامد بشلوخه الثلاثة الراقدة ..ثلاثة منها على يمين خده..إلتقاهم بسيفه مقابل سيوفهم الثلاثة..
فحامد اهله وجدوده حينما قاتلوا الأتراك فقتلوهم..وجعلوهم موتى وعظامهم وجماجمهم مكسّرة يخرج منها المُخ..دهناً..رضعه حامد شجاعة موروثة من أجداده..
الذين ثبتوا امام العدو نهاراً جهاراً ..والعين تقابل العين..حيث كان الموت ضُحىً..كما في أغنية شعبية..

حَبوب القارِح ... ما دِلَة
ولداً ما ختَّالِن زَلة

حبوب القارح..يا له من شاب..شديد العود والساعد..والقارح ..قرح بمعنى شاباً بلغ الرجولة ويتباهى بها..
وتعني البلوغ حتى عند الحيوان..القارح صعب القيد..لا ينصاع بالساهل..
ورد في الأغنية الشعبية..:
كاتم سِرُّو مُو نضَّام
وغالي..المُدفع الرزّام
قمر السبعتين الضوّا ضلام
قارحـاً ما بِرِكزو لجـام ..
أي كأنه فرس قوي صعب الركوب فحتى اللجام لا يركزه..

حبوب القارح ..وكلمة "حبوب" تستخدم للإشارة في حالة الشكر والمدح..مثلاً يقولون "حبوب حلالي".."حبوب الراكز"..
فحامد حبوب القارح ..ليس ولداً هيناً..سهل الهزيمة..
ولداً ما ختَّالِن زلة..
شِنْ قولك فيهو عليك الله ؟
أي هو صبي شجاع لم يسجل شيئاً مشيناً مثل الخوف او عدم الثبات ..
لم يضع في سجله عند نساء مجتمعه اي كلمة ليس في مكانها..فإن اي هروب او عدم ثبات سيحسب عليك عند النساء هناك..
ولا ننسى عندما إبتدر ود بادي قصيدته ..بالإشارة الى أنه (أخو تلك البنت) التي لكعت قرن الخمرة..
فللنساء بحسب ثقافة ذلك المجتمع حكماً على مواقف الرجل ..حكماً ليس بالهين..
وعليه يُبنى مركزك الإجتماعي عندهن وعند الآخرين..
فإن لم تكن ثابتاً وشجاعاً..فإنك لستَ أهلاً لأن تكون "مُقنعهِن" غطائهن..حارسهن ومغطيهن ..كما يقولون..
ولكن يبدو أن حامد الفتى القارح ..لم يسجل عليهن زلة لسان او كلمة ليس في مكانها..بل سجل لهن فوزاً بشجاعته..
شِن قولك فيهو عليك الله..؟؟!!
بالحيل آ جني هي والله..

--------------
وينا مَراتع الدَرَت الباسِط دايماً ببكي عليهِن
وين بنوت الحِلة البُكّر عصراً بَدري يسوَّن في شاهِيهِن
بعد الليل ما يهوِّد ونحنا نهوِّد..
عاد أُماتِن ينادن ليهِن
نمشي على القيزان نِتقادَم..
أقيس الختوة مع التاتاي ومَشيهِن
والله البُعد الحاصِل ما نَسَّاني
وحاتكُن في قَمراتنا بشُوفو وشِيهِن

وهنا يتساءل ود بادي وهو يحن..الى مراتع الدرت الباسط..مراتع/مرتع ..المرتع المرعى المُشبِع..و رتعت البهيمة..أي أكلت بنهم وبكل راحة والأكل متوفر..والدرت..هو فترة الحصاد ..خاصة عند اهل الزراعة المطرية..ولكن هنا جاءت مرتبطة بالمرتع المرعى ..والدرت عند أهل الرعي هي الفترة التي تعقب الحصاد..أو فترة (الطُلاق) كما يسمونها أيضاً..وهي عندما يقطع المزراع (القندول) من نبتة الذرة فإن الباقي يصبح (طُلاق) اي يتم طلق البهائم فيه دون حُجر..وعلى أي حال فترة الدرت عند الرعاة تعني الخير الوفير من لبن وسمن وتوالد وزيادة في المراح وبالتالي زيادة حتى في أفراح الناس..لذلك الدرت عندهم بسطاً لا يدانيه بسط..
وهنا إشارة أخرى الى أن ود بادي يمتلك ثقافة أهل الزراعة المطرية وثقافة أهل الرعي..رغم أن المسدار يختص بجزيرة على النيل..!!

قيسان يا فنان الريشة والقلم والكلم .

لكم التحية .

حقيقة أشعار ود بادي مدهشة ، وبالرغم من إختلاف بيئتنا ( حيث نشأنا) إلا أنني بالحيل أتكيف ليهو وهذا المسدار حافظوا تب منذ أكثر من خمسة وعشرون عاما ، وأيضاً يدهشني كسحته للشمال حيث جده سعيد ولد بادي العكودابي ، - كسحت شمال وحس طنبوركم الولوال نحاس أبواتكم الرزام إلى أن يصل - جدي سعيد ولد بادي العكودابي دحين يا أبواتي كان بينكم - وفي المسدار وصف جميل للكرم والوفادة والشجاعة وذكريات الأجداد .

لكم تحياتي

قيسان الزول الفنان .... الله يديك العافيه وانت تسرح بنا فى دروب ود بادى المدهشه وصوره الفذه
ياخى قراءه جميله وشرح رائع

up

جمال ما بعدو جمال



شكراً يا فنان ..

قول آ جني ..

قول وسوي النم .. نماً جمرو حي

نِم آ جني .. قول وسوي القوق

------

الحديث ساهر بينا وشال منام عينينا

ويا عزيزنا بلدنا الغالية كيف مراصيدا !!!؟؟؟

قيسان انا من تلك النواحى وما بعيد من عبدله الجزيرة ام خير
قيسان ياخى عولقتنا
قيسان اقول ليك شى غلبنى !!
ان شاء الله تموت تانى شنو؟

Quote: قيسان اقول ليك شى غلبنى !!

قريتو كلمة كلمة وعدتو تاني كلمة كلمة
ولي سنين طويلة اردد هذا المسدار
وما لقيت غير تعقيب ود الموج دا
والصديق ما بغلبو الا الشديد القوي
كمان انا مع شنو يا قيسان امام هذه اللوحات الابداعية
دكتور محمد بادي الله اديك العافية محل ما تقبل
ولك مثلها يا قيسان
وايضا كذلك صديقي اللذيذ ود الموج
تحياتي

الأعزاء
علي أحمد النعيم
ولياب
سامي عبدالمطلب
مبارك عثمان
تيسير عووضة
ناصر حسن
صديق الموج
عبدالله ود البوش

والاعزاء المتداخلين عن طريق الفيس بوك..
Ali Hamed Shater
و
Sayd Abdo


لكم مني جميعاً التحايا..
وساعود لكل واحد منكم.. وعذراً على الغيبة بسبب المشغوليات..
اعود لأتابع معكم وبكم قراءتي لمسدار جزيرة عِبدلة..لـ د. محمد بادي..

كونوا بخير..

ونواصل مع ود بادي..
قال:

مُرحَاتنا شرابهِِن يوت ما غبَّن
شبعانات في الشِقِل أب شوك..ما شبَّن
الحُمَّل وِلدَن ..وربَّن
حلماتِن تِقلََن.. جَرَّن..
فوق سيقانن كبَّن
اللبن العاتِم في ضِرعاتِن جبَّن
المَغسَة إن كان ضِرعاتِن خِربن..
القَرعَة آ وِليد .. السِعِن آ بنيَّة
القِربَة كمان... كُبُوها الميَة
المَغسة إن كان ضِرعاتِن خِربَن..
شُوفوا النِعمة السالت فوق قيزان الرملة
ناس البندر لبن الشاي بالعُملة؟

مُرحاتنا..المفرد مُراح..وهي المجموعة من الحيوانات..ضان كان او ماعز او بقر او إبل..يقول انه الى جانب الخير في الزراعة، لهم ايضاً
مِرحات من البهائم ..شرابهن يوت..اي شرابهن في أي وقت يريدن أن يشربن..دائماً ومتى ما ارادن..ويوت المقابل لها في ثقافة الرعي هي كلمة(الغِب) -ما غبّن- وهي تعني ان الشراب يوم بعد يوم بالنسبة للضأن مثلاً..اي أنها تغيب يوم او يومين وترد الماء يوماً أخر..وذلك بحكم البادية والمرعى ومورد المياه ، حيث الماء لا يتوفر عن قرب دائماً. ولكن ود بادي يقول ان بهائمه تشرب يوت متى ما ارادت.
شبعانات في الشِقل اب شوك..الشِقِل الأشجار الصغيرة..ما شبّن..اي في متناول فمهن ولم يحتاجن لأن يشِبَّن..يقفن على أرجلهن الخلفية ليصلن لفروع بعيدة في الشجرة..لم يحتاجن لذلك ..
الحُمّل ولدن..وربَّن..الحامل منهن ولدت..وربت صغارها..(و كلمة "ربَّن" ايضاً في ظني تعني ان كل شاة ارضعت صغيرها وشبع..ثم ارضعت صغيراً آخر ليست هي أمه ..وهذا يذكرني بمعلومة عند اهلي يقولون أن الماعز هي الحيوان الوحيد الذي يمكنه ان يرضع صغيراً آخر..فالعنز او "العَـز" – بحسب لغتهم- يقولون هي الوحيدة التي لبنها يصلح لصغير الضأن وصغير البقر وصغير الإبل وبالطبع صغير الإنسان ولله في خقله شئون..لذلك أسموها (ربّاية اليتامى)..في ظني أن ود بادي يقصد الماعز بدليل أنهن شبّن..وبدليل ربّن..ويبدو ان ود بادي يعرف تماماً تفاصيل تلك الثقافة..!!
حلماتِن تِقلن..جرّن..
فوق سيقانن كبَّن..
حلمات ثدي الشاة اصبحت تقيلة..لأنه مليء باللبن..حتى اصبح ضرعها يجُر بالواطة..وتدفق اللبن منه على سيقانها..
اللبن العاتِم في ضِرعاتِن جبَّن
اللبن العاتم..عتمت الشاة أو البهيمة..اي اصبحت جاهزة للحليب ووجب حلبها..أي درَّت..وهذه الكلمة تستخدم في حالة الناقة..التي عندما (تعتم) تصدر (حنيناً) معيناً لإبنها..بأن الحليب قد در فيذهب لها جناها..وهنا وجب على من يريد أن يحلب الناقة ان يسارع لها بماعونه..فيبعد الحاشي ويقوم بحلبها..
يقول الفنان الراحل عبدالكريم ود الحوري..(منطقة الباوقة) في إحدى رمياته:
(من صِغيِّر فوق الهانة والميل
فرشِي النار وغُطاي المَلِيل
ليَّ درّت وعتمت قِبيل
ما حلبتها فأمري بستيل..).

وهناك مدحة نبوية قديمة..تقول :
(ابوك يا فاطمة..الشوق ليهو..
أب شريفةً خاتمة..الشوق ليهو..
تمامة الخاتمة..الشوق ليهو..
العجوف ليك عاتمة.. الشوق ليهو..)..
عليه الصلاة والسلام..
اي حتى الجائعة الهزيلة تدر لك الحليب..

يقول ود بادي كونهن شبعانات فضرعهن المليء باللبن الذي اصبح جاهزاً للحليب..حتى أنه "جبَّن"..اصبح جبنة داخل ضرعهن لأنهن لم يجدن من يحلبهن اول بأول..
المَغسَة إن كان ضِرعاتِن خِربن..
القَرعَة آ وِليد .. السِعِن آ بنيَّة
القِربَة كمان... كُبُوها الميَة
المَغسة إن كان ضِرعاتِن خِربَن..
شُوفوا النِعمة السالت فوق قيزان الرملة
ناس البندر لبن الشاي بالعُملة؟
فإن لم يتم حلبهن اول بأول فتلك مشكلة لان ضرعهن سيخرب..فهيا آتوا بكل الاواني الموجودة لحلب اللبن فيها..القرعة..والسِعِن..وحتى قربة الماء فأفرغوا الماء من اجل حليب اللبن..لأن اللبن نعمة اغلى من الماء..
شُوفوا النِعمة السالت فوق قيزان الرملة
ناس البندر لبن الشاي بالعُملة؟
يقول ومن كثرة اللبن في ضرعات البهائم يتضطر الناس لحليبهن في الارض على قيزان الرملة حتى لا يخرب الضرع..يقول شوفوا هذه النعمة ندفقها على الارض ولا نجد من يشربها..بينما سكان المدن يشترون حتى لبن الشاي ..القليل.. يشترونه بالقروش..وود بادي كثيراً ما يقارن ما بين سكان الريف و المدن وكثيراً ما ينتمي لأهل الريف ساخراً من حياة المدينة واهلها..وله في ذلك الشأن عدة قصائد.

يبدو واضحاً ان ود بادي متشبع بثقافة البادية فهذه الكلمات لا تقف عند جزيرة على النيل بل تتخطاها الى ثقافة اكثر بداوة واقرب لثقافة الرعاة الرُّحل..وفي ظني هذا ما جعل أشعار ود بادي اكثر جمالاً..

يا سلام ياخ!! متعتني والله في حنان حناني زاتو!!

Quote: يا سلام ياخ!! متعتني والله في حنان حناني زاتو!!

يظهر يا ود الصايم حنانك الطاغي فاض ووصل لحنان بلولو وغرق حنان عشراوي زاتها .

شكراً لهذه الإضاءة على كلام ود بادي الطاعم.

سمعت القصيدة مع أخريات وحفظتها منذ حوالي الـ 30 سنة.

كما تفضلت، القصيدة مليئة بالصور الحية ... رغم ذلك، فهذه الأبيات:

مُقنَع سابِل وين بَلقاهو؟
وطرفاً ذابِل وين بلقاهو ؟
وعين بِتدَنقِر من واليهِن
الوَجنات الشَعّن بقَّن
ود العين النايِم زَرقَّن
مُو زايغ ..رَسيَان وميقَّن
زولهِن كان خَدران ومحقَّن
من الشوفة عِرُوقو يطُقَّن

ظلت ترن في أذني طوال هذه السنوات.

______
ملحوظة: لست شايقي، وليست اللهجة الشايقية هي لهجة أهلي ..... لكن هذه القصيدة لم تفتني فيها مفردة ..... فالصورة الفوتوغرافية لا تحتاج شرح.

Quote: فوق نوّار الطَلِح الفَقّّع رِيحة البَرَم إن جاتك .. عِطراً فايت خُمَر الفوق أردافَا مَجَدَّع ونوَّارة شجرة الطلح وهي البَرَمة والجمع بَرَم ..والبرمة هي زهور الاشجار الشوكية..(مثل السيّال..السَلَم..السَمُر..السُنُط..الطلِح..)وهي اشجار منتشرة في منطقة الجعليين منطقة الشاعر.. فللطلح زهرة صفراء اللون..لها رائحة ذكية جميلة..بالذات في موسمها..وهو نفس الطلح الذي إستخدمته المرأة السودانية.. في تجميلها وعن طريق دخان حطبه..الذي يصبغ عليها لوناً خاصاً..كما أنها علاج أيضاً للبشرة ولغيرها..وشجرة الطلِح شجرة كبيرة في حجمها..لحاها طريء ولونه QUOTE]أحمر

الفنّان المبدع عبد العزيز "قيسان
لك التحيّات الزاكيات شكرا لسواري ود بادي التي هطلت علي ارواحنا الممحلة
ود بادي شاعر مفردة الموروث الوهيطة ونجد في شعره
1-مفردة الموروث الموقلة في التراث

2--طعم البادية الهمباتة والريافة والنشوق والرحيل الدعاش والرزمي والرعود.........الخ
3-عبق النيل النخيل والخضرة والجروف وريحة التراب والساقية ..........الخ
- 4-التصوف السماحة والشفافية والصدق والرقة والشيّوم........الخ
من طلعت "الكافرة" وصباح حماد علي إبريقو قمت مغبون وقايم علي الشّرف بلحيل
وجيت أتَّاوق وإتناطيت وسمعت "الطَّانب" وقلت عبدالعزيز دي وجها صبوح
وزولا ترايمو الرّوح
احسن اغشاهو وأرد التِّحية ومن بعيد جاني الهمبريب وكرفت ريحة الرّيم
شكرا يا قيسان لدعاشاتك التي ضمختها ببرم طلح ودبادي
و نوّار سعاته وسمره
او كما يقول شيخي الدلال
كبَّن لي الرشايم فوق عقابات صيفو
نوار سمرو صرَّاهو الدِّعاش في طريفو
الناس الكبا ر حضرو الزمان بي عريفو
ما قالولنا لاقاهن جدي بي شيفو
محبتي وبجيك صاد

Quote: الوادي الجانا مَترقّن مدّ جناحو الطايل شرقاً وغرباً

تشبيه في غاية الروعة وكما قلنا سابقا البادية موجوده في شعر ود بادي

الشاعر جمعه الكباشي البري

Quote: الوادي الرَّفَس سقَّايو في الصنقور ضَهبان سيلو في صدرو الشّدر مَدفور مِدّرِّع رقبتو ؤمِمّغي ومِمسُور ؤفار جِنحينو متمَدِّد بعيد مَغرور

محبتي

Quote: رسم من الذاكرة :) لنوّار شجرة الطلِح ..أو بَرَم الطلح الذي ذكره ود بادي في مسداره..

Quote: ذات في يوم والغيمة تَهتّف مَطراً نَقَّع فوق نُوَّار الطَلِح الفقَّّع رِيحة البَرَم إن جاتك .. عِطراً فايت خُمَر الفوق أردافَا مَجَدَّع شُفنا الوادي يقشقِش في دمعَات الليل والتِعِل الشايِل بدا يتفقَّع

يا سلام من ريشتك وابداعك في نوّار او برم الطّلح
ويا سلام من روعة واناقة ود بادي في المقطع
وأظن ودبادي وشخصك يا قيسان من انصار قول الشاعر حنفي حاج الطيب
إن برم الطلح اجمل واروع عنده من بوخة المرأة لأنه إبن بادية وريف ونظر بعين ود بادي
الي جمال (ذات في يوم والغيمة تَهتّف مَطراً نَقَّع
فوق نُوَّار الطَلِح الفقَّّع
رِيحة البَرَم إن جاتك ..
عِطراً فايت خُمَر الفوق أردافَا مَجَدَّع)
أنظر الي حنفي ماذا يقول في ذلك
مقطع من قصيدة له بعنوان شكل جديد

Quote: أفرح كتير ساعة المغيب لمَن حريق طَلحِك يقيف وجنب الهشاب فى كم قِطار يتهادى صمغو على الرّصيف ما الرّاعى والريم والطيور محتاجه لى ضُلُّو الوريف وين ُ ُإنتصارك لى الورود ؟ ما قلتى إحساسِك رهيف كيف يِرضَى ليك تِتعَصفرى وتأتمى البرَم البِقوم

محبتي

وينا مَراتع الدَرَت الباسِط دايماً ببكي عليهِن
وين بنوت الحِلة البُكّر عصراً بَدري يسوَّن في شاهِيهِن

وهنا يتساءل ود بادي وهو يحن..الى مراتع الدرت الباسط..مراتع/مرتع ..المرتع المرعى المُشبِع..و رتعت البهيمة..أي أكلت بنهم وبكل راحة والأكل متوفر..والدرت..هو فترة الحصاد ..خاصة عند اهل الزراعة المطرية..ولكن هنا جاءت مرتبطة بالمرتع المرعى ..والدرت عند أهل الرعي هي الفترة التي تعقب الحصاد..أو فترة (الطُلاق) كما يسمونها أيضاً..وهي عندما يقطع المزراع (القندول) من نبتة الذرة فإن الباقي يصبح (طُلاق) اي يتم طلق البهائم فيه دون حُجر..وعلى أي حال فترة الدرت عند الرعاة تعني الخير الوفير من لبن وسمن وتوالد وزيادة في المراح وبالتالي زيادة حتى في أفراح الناس..لذلك الدرت عندهم بسطاً لا يدانيه بسط..وهنا إشارة أخرى الى أن ود بادي يمتلك ثقافة أهل الزراعة المطرية وثقافة أهل الرعي..رغم أن المسدار يختص بجزيرة على النيل..!!

ويتساءل عن بنوت الحلة وعملهن للشاي من عصراً بدري..فكل شي هناك له مواعيده وللمرأة الا تتأخر عن فعل اي شي في مواعيده..فشاي المغربية عندهم يعملنه من عصراً بدري..فاللبن متوفر والخير باسط..

بعد الليل ما يهوِّد ونحنا نهوِّد..
عاد أُماتِن ينادن ليهِن
نمشي على القيزان نِتقادَم..
أقيس الختوة مع التاتاي ومَشيهِن

بعد الليل ما يهوّد..أي يتقدم..ويقولون اضلم الليل وهوّد ثم هجّّع ..يقول بعد يتقدم الليل ونحن أيضاً نهوّد..اي ننعس ..ونهوّد قد تعني نُقرِّب..(لا تهوِّد من ناحيته) أي لا تقترب منه..ولكنها هنا اظن وردت بمعنى النعاس..
فأمهاتهن ينادن عليهن..فيذهبن إليهن..بينما هو والصبيان يذهبون الى قيزان الرملة ليتونسوا ويسهروا..

- اقول ذلك مستبعداً فكرة أن الصبية وبنوت الحلة يذهبوا للونسة على القيزان مع بعضهم، استبعد ذلك لأن البيئة التي يتحدث عنها ود بادي لا أظنها تقبل الونسة المختلطة، حتى وإن كانت الونسة محروسة بقيم الريف وعفته وسماحته وهي مسموح بها وشائعة في بعضالأحيان- لذلك ارجح فكرة انه
يقول يذهب للقيزان وهو يتقدّل في مشيته..وهو يتذكر مشية بنوت الحلة..فيقيس خطوتهن كيف انها تشبه مشية الطفل الذي يتعلم المشي (التاتاي)..خطوة خطوة..!!.

والله البُعد الحاصِل ما نَسَّاني
وحاتكُن في قَمراتنا بشُوفو وشِيهِن
رغم بعدي عنهن في سفري هذا..ولكني اتذكرهن جيداً لدرجة أنني ارى وجوههن في في دائرة القمر عندما اطالعه في الليل..وفي وجه القمر كثير من الاشكال التي تتراءى للناظر إليه..وكل يرى حسب قراءته للشكل..فود بادي يقول أنه يرى فيها وجوه بنوت الحلة..الجميلات كالقمر..
إلا النَضِم أب غُنة اللهَج السُكر وين بَلقاهُو
بنات الرِيل ..الدوب ليهِن
الخوف آ ناس كان يبقى الشوق الحاصل بينا مِعَشعِش فيهِن
ترى اين اجد حلاوة كلامهن بأصواتهن الخفيفة..وهن الجميلات كالعزلان..فالشوق لهن..ترى هل هن ايضاً يبادلننا هذا الشوق بل وقد سكن الشوق وعشعش في تفكيرهن..

(مُقنَع سابِل وين بَلقاهو؟
وطرفاً ذابِل وين بلقاهو ؟
وعين بِتدَنقِر من واليهِن
الوَجنات الشَعّن بقَّّـن
ود العين النايِم زَرقَّن
مُو زايغ ..رَسيَان ومَيقَّّن
زولهِن كان خَدران ومَحَقَّّن ؟
من الشوفة عِرُوقو يطُقَّّن )
ويستمر في وصف بنوت الحلة..
مقنع سابل: المقنع غطاء الرأس..ثوباً كان او طرحة..سابل : اي مرمي علي جنبات الوجه ومغطي باقي الرأس..
طرفاً ذابل: أي عيون ناعسة بجفونها..
وعين بِتدَنقِر من واليهِن..لأنهن بنات قرية وريف، فإنهن لا يرفعن عيونهن على واليهن ابوهن كان او عمهن او اخوهن وهو رجل الاسرة بشكل عام..بل ينظرن الى الارض إحتراماً له وتقدير..بحسب ثقافة ذلك المجتمع.
وجناتهن مضيئات يشعَّن نوراً واضحاً..
ود العين النايم زرقن..إنسان العين او السواد الذي في عينها النعسانة..زرقن اصبح لونه اسود.. والأزرق يوصفون به اللون الاسود بحسب لغتنا الدارجة..
مو زايغ رسيان وميقن..
عينها ليست زايغة..لا تنظر هنا وهناك في خفة..وإنما راسية وتقيلة ومتيقنة تماماً ..وكل ذلك إشارة ادب وتربية..
زولهِن كان خَدران ومَحَقَّّن ؟
من الشوفة عِرُوقو يطُقَّّن
من يرى هذه العيون حتى ولو كان مريضاً ومخدّر غايب عن الوعي من اثر حقنة التخدير..فإن رآهن فإنه لا يتمالك نفسه حتى الدم يخرج من عروقه..من جمال هذه العيون وصاحباتها..
كان الدنيا بِصَح تِتخلىَّ ؟
كُنا بَركنَا مَعاهِن فوق رَملاة الحِلة
إلا كمان بِنشُوفا مَذلَّة
الجِنيات الغابَت..جابت
إنتَ الجيب بس قايلُو قميص افرنجي وكرتونات كَرمِلَّة؟؟
لالا ..وحاتَك حاشَا وكلاَّ
لو كان جري هذه الدنيا يمكننا ان نتركه ونخلى عنه..لما كنا سافرنا وإبتعدنا عنهن..بل كنا نجلس معهن على قيزان الرملة حول الحلة..ولكننا نرى ذلك مذلة ونقص لقدر أن الرجل يجلس في الحلة..فكل الذين سافروا رجعوا ومعهم المال..وكل ما يحتاجه اهلهم..
فالذي يسافر ويرجع من السفر ليس فقط قميصاً أفرنجياً يلبسه ..وكرتونة بها حلاوة "كرمِلَّة" وهي حلاوة معروفة في السودان..
وهي صورة تذكرني بالمسافرين ايام العيد من الخرطوم الى البلد فيرجعون معهم كرتونة بها بعض الاغراض..
يقول..لا..فالعائد من السفر يأتي باشياء اخرى..اكثر أهمية:
ديل يوم عادُوا إتلافوا الجاهِل بي حُقوق الله
ديل كم لِحقُوا البِشهَق ضايِق وداوُوا العِلَّة
يقول ود بادي ..وهو الدكتور الطبيب..يقول هؤلاء عندما عادوا لأهلهم بعد سفر..جابوا معاهم عِلمهم..الذي تعلموه، فـ إتلافوا اي لحقوا..بالجاهل الذي لا يعلم ما عليه من حقوق تجاه ربه فعلموه..وكذلك عالجوا المريض الذي وصل مرحلة الضيف في التنفس..
خاصة وان ود بادي دارس الطب وهو الآن الدكتور المعالج..
الولد الجايب حقايب سفرو تُقََال
تُقال من جِنِسِ كتاب ومجلة
الحِكمة النَضِم إيَّاهُو الكان
الحِكمة الولد إتوضا وصلّى
عادة البلد الدَخلت فِيهُن سكنَت
سَكنَت ..مَا بـتِتخلاّ
هؤلاء العائدون الى بلدهم جاءت حقائبهم مليئة بالكتب والمجلات ثقافة وعلماً لأهل القرية..هذا العائد ما زالت لغته هي نفس اللغة عندما كان في القرية..لم يغيّره السفر او الغربة..بما فيها محافظته على الصلاة..فعادات اهله وبلده ساكنة فيه..ولا يمكنه أن يتخلى عنها..

نِحنا كمان طارين الحِلة
ودُرنا الطَلَّة
نشِيلا معاهم فرحة ومِيتَة
حَلاة الموت كان في عِبدِلة
حلااات الموت كان في عِبدِلة
وهو رغم السفر بإسمرار طاري ومتذكر للبلد وأهلها وكل تفاصيل حياتهم..ولذلك دائماً ما يحب الرجعة للبلد..ويعيش معهم كل افراحهم واتراحهم..والعائد من السفر عليه أن يواصل كل الناس إجتماعياً ..إما مباركة فرح أو تعزية في موت ..هذه العادة واجب إجتماعي معروف من الصعب التنازل عنه..
ثم يختم مسداره حول جزيرة عِبدلة بقوله أن الموت في تلك الديار وبين أولئك الناس حياتهم بتلك التفاصيل الجميلة..أن الموت وسطهم ما أحلاه.

----------------
التحية للدكتور محمد ود بادي..ولمسداره جزيرة عِبدلة التي كثيراً ما نلجأ إلي كلماتها وتفاصيل صورها..التي تنقلنا الى هناك..لذلك جاءت محاولتي لقراءتها -والتي أتمنى أن أكون قد وُفقت فيها-وكما قلت فلتكن من باب (ونحنا كمان طارين الحِلة)..:) :)


تحايا للجميع..

حبيبنا ازيك
والله كلامك سمح بالحيل مع انو في حاجات كتيره رايحة لي

Quote: وعذراً على الغيبة بسبب المشغوليات..

المشغوليات دي اللي بالي بالك ولا حاجة تانية؟؟؟؟