الدولة ليست مسجداً

دروس مصرية ببلاش


كلما سقط طاغية عربي طالبنا باستلهام العبر والدروس، واليوم جاء الوقت كي نتعلم من الرؤساء المنتخبين بعد أن حفظنا دروس الطغاة جيدا، ولأن دروس التاريخ لا تتكرر كل ثلاثة أيام، علينا أن نتأمل جيدا في تجربة الرئيس محمد مرسي كي نعرف كيف استطاع رجل أتت به صناديق الاقتراع أن يصنع حالة انقسام حادة في بلد موحد منذ سبعة آلاف سنة؟!، كيف أضاع حلم الدولة المدنية الديمقراطية التي ناضل من أجلها شباب الثورة؟ وكيف قاد البلاد بعد أشهر قليلة من توليه الحكم إلى حافة الانهيار الاقتصادي؟ وكيف تحول الرئيس الذي كان من المفترض أن يكون أيقونة (الربيع العربي) إلى واحد من أبرز صانعي (الفوضى الخلاقة)؟!.
أول درس هو أن السياسي الحقيقي من يفهم مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) قبل أن يطبقه، فالديمقراطية في مصر الجديدة هي الغاية بينما مصالح الحزب هي الوسيلة، ولكن الرئيس مرسي فهم نظرية ميكيافيلي بالمقلوب حيث اتخذ من الديمقراطية وسيلة للوصول إلى الحكم لتحقيق مصالح الحزب فخسرت البلاد وحدتها وخسر الرئيس حلفاءه!.
وثاني درس أن لكل قرار متسرع ثمنه الفادح، فضرب استقلالية القضاء بحجة تطهيره من فلول النظام السابق أنهى مصداقيته وجعل الناس لا يحترمون أحكامه بل ويخرجون عليها جهارا نهارا، والانفراد بكتابة الدستور جعل البلاد دون مرجعية مشتركة يتمسك بها جميع المصريين، وتحجيم دور الجيش - الذي سجل موقفا تاريخيا مشهودا أثناء الثورة - أضعف قدرته على إعادة الأمور إلى نصابها، أما محاصرة وسائل الإعلام فلم يزدها إلا شراسة في مواجهة التفرد بالقرار.
وثالث الدروس أن بلدا عظيما مثل مصر يصعب أن يقوده رجل جاء إلى الحكم بالبركة، فمرسي كان المرشح الاحتياطي لجماعة الإخوان المسلمين وتمت تسميته بعد شطب المرشح الأساسي، وحين جاءت مرحلة الإعادة وجدت القوى الثورية المصرية نفسها مضطرة للتصويت له كي لا يفوز المرشح المحسوب على النظام السابق وقد أخذت عليه العهود بأن يحافظ على التعددية، ولكنه للأسف ضرب بتعهداته عرض الحائط حين وصل إلى السلطة، ومنذ ذلك اليوم وهو يقود البلاد بالبركة. ورابع الدروس أن التدين صفة محمودة في رجل الحكم ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن رجل الدين قادر على الحكم، فالدولة ليست مسجدا بل هي أيضا محكمة وبنك وثكنة عسكرية وجريدة!.



بقلم / خلف الحربي