رمل ونهر وديار

رمل ونهر وديار


01-21-2013, 06:54 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=420&msg=1358747666&rn=0


Post: #1
Title: رمل ونهر وديار
Author: جمال عبد الناصر محمد
Date: 01-21-2013, 06:54 AM

لم تكن رحلتي الأخيرة الي السودان
الا صورة متكررة من رحلات كثيرة الي تلك الديار
في العاشر من يوليو كل عام
أتأهب لمعانقة النيل
فتبدأ الاجراءات الطويلة الجميلة
قبل فترة من موعد السفر يجافي النوم مرقدي
طول تلك الأيام وأنا أنوي السفر وأخبئ الحدث عن صغاري
ولكني ألحظ من خلال بريق أعينهم أن خطب ما يشعر به هؤلاء الصغار
فيكثر تواجدهم حولي وتكرار الأسئلة المتعلقة بالسفر والترحال وهم يلحظون أنواع الأكياس بألوانها المختلفة تملاء أرجاء المكان وتحت المقاعد والأسرة
كانوا يمنون النفس في سفرة جماعية
ولكني كنت أخطط للإقلاع
وحيدا


نواصل

Post: #2
Title: Re: رمل ونهر وديار
Author: جمال عبد الناصر محمد
Date: 01-21-2013, 07:08 AM
Parent: #1

دائما ما أتخير الوقت للعطلة والمغادرة
غادرت منزلي وصغاري يغطون في نوم
وتسللت من بينهم حاملا أمتعتي صوب المطار الكبير
أحمل بين جبنباتي ألم الفراق والخوف من السفر
وكالعادة
أنهي الأجراءات بتوتر بالغ وواضح
ولكن يبقي عزائي الوحيد وجهتي وأهلي وصحبتي
عندما تقلع الطائرة ممتدة الي السماء يغوص قلبي بين قدمي
وما ألبث أن أردد الشهادتين وكثير من الادعية وعبارات الإستغفار
وعندما تستوي في سمائها أبدا في البحث عن التسويق الجوي والشبكة العنكبوتية وما سيقدم طاقم الطائرة لإفطارنا
تتفاعل في النفس كل هذه المتغيرات ويبقي الوجه متلألأ بقرب لقاء الأحبة
وما تلبث أن تتكاثر الغيوم والهموم طالما هناك أقلاع وهبوط
وفي برهة تجري بيوت الخرطوم وشوارعها الي الخلف عبر النافذة بسرعة عالية
ويستقر الجسم الضخم علي أرض الخير
ونغادرها وسموم حار يلفح الوجوه
وصوت أطفال وبكاء
وحافلات عيتقة ت
نقلك الي صالات ضيقة
تمتليء بأناس يحملون قلوبا فسيحة

Post: #3
Title: Re: رمل ونهر وديار
Author: جمال عبد الناصر محمد
Date: 01-21-2013, 08:16 AM
Parent: #2

تكتوي الوجوه بالحر اللافح
ولكن سرعان ما تبرد بابتسامات الحضور والمستقبلين
تجاهد سلطات المطار لتقديم أجود الخدمات لك
ولكنها تفشل في توفير عربات دفع العفش أو توسيع الصالة وزيادة آلات نقل العفش
نعاني مشكلة مزمنة في ضيق المكان
مع أننا نسمع بأننا أكبر دولة أفريقية
أخطأ مخططوا مرافقنا قديما عندما تخيلو بأن سكان الخرطوم مع القاددمين اليها لن يتجاوزو ا بضعة آلاف
في حين أن حمولة طائرتين قد تجعل مطارا كهذا ينوء بحمل ثقيل
والغريب انك لا تشعر بكل ذلك الضيق والوقت المهدر وانت تنتظر أمتعتك تتهادى في سير عتيق وقد تطايرت بعض الحقائب صرعى من تعرجاته
وتبدأ في تجميع الأمتعة ومطاردتها حتي يكتمل النصاب
فتغادر الي حيث يجلس القائمون علي أمر الفحص والتفتيش والجمارك
حتما ستقضي وقتا أطول حين ترسم في حقائبك بعض من خطوط متقاطعة خطتها أيد خفية
وحينها ستمر بمؤسسة الأسواق الحرة
ودائما ما أمر عليها سريعا دون الالتفات الي أرفف المحل التي تحمل أغراضا بأسعار خيالية
وينفتح باب صالة القدوم علي قوم يلفحهم الشمس ويغازلهم السموم
وهم يركزون أعينهم صوب ذلك الباب
ينتظرون أكبادهم العائدة
هناك وقد تصبب العرق غزيرا من شمس يوليو الحارة
غادرت المكان بصحبة أخي الذي أودعني شوارع الخرطوم
أتأمل ما جد فيها من مبان جديدة
وتتهادى العربة بنا
لنرتمي في أحضان من أحببت واحد تلو الآخر
حامدا شاكر لله سلامتي ولقائي بأهلي
وخاصتي

Post: #4
Title: Re: رمل ونهر وديار
Author: جمال عبد الناصر محمد
Date: 01-22-2013, 07:14 AM
Parent: #3

أتخير العاشر من يوليو
فيه يتبدل الجو في الوطن
يبدأ الخريف بالإغارة علي السهول
ويبرد الجو وتنتعش الاشجار
تصفي الوجوه
بلقاء الخريف ولقاء الأحبة العائدين الي حضن الوطن
نعانق شوارع الخرطوم جيئة وذهابا للزيارة والمجاملات وتوزيع الأمانات والوصايا
إنها لحظات حميمة يمارسها كل عائد
وتبدأ نغمات الهواتف في الصياح فأهل البلد يعلنون حاجتهم الي الرؤيا المستعجلة
فالعاصمة وأهلها قد أخذو كفايتهم منك فلتعجل بالقدوم
وتبدأ رحلة العودة الي الجذور الي الأرض والمنشأ
وتتهادي الحافلات الأنيقة المريحة في الأنسياب عبر الشريان شمالا الي حيث الأهل والوالدان ا
لي مراتع الصبا وأرض الجدود ن
نيخ رحالنا ونضع عصا ترحالنا
آه لو كانت الأخيرة
أه لو بقينا ها هنا ولم نغادر ثانية
نركض بين النهر والرمل
أنه الوطن
نمارس طقوس الحياة الأولي
قبل أن نخطف عصا التجوال ونجوب أقاصي البلاد شرقا وغربا
أنا ضريبة ظالمة نؤديها
أبا عن جد
انها
الغربة
والبعاد

Post: #5
Title: Re: رمل ونهر وديار
Author: جمال عبد الناصر محمد
Date: 01-23-2013, 07:19 AM
Parent: #4

أولي الخطوات في شوارع القرية
حتما الي منزلنا ....
تتسارع الخطوات وتتسع ويقترب المكان القريب أصلا من القلب والوجدان
تقابلنا أمي بابتسامتها العريضة التي ما عادت تلك الأبتسامة التي ألفناها في صبانا جادت لنا بها ولكنها لم تكن كاسابقاتها ممتلئة حيوية وصبا
من بين ضفائرها البيضاء المنسدلة ووجها الحميم الغائب عنا كل هذه الأيام
تأتي ابتسامتها شاحبة وزغاريدها متقطعة باهتة
ووالدي يقف شامخا ينتظر دوره في العناق فدائما ما تسبقه أمي
ولكنه أخيرا يفوز بنصيب الأسد
كنا صغارا نعتلي قامته الطويلة ويحملنا فوق كتفيه لنلامس السقف
في تلك اللحظة هممت أن أحمله عاليا ليلامس السماء
حرارة اللقاء وحرارة الجو وأكواب الليمون الباردة
هذه المرة تسبح علي صفحة الكوب قطع الثلج لأول مرة بعد دخول الكهرباء بانتظام لتلك الأنحاء
عندما كان أبي يحل عائدا من غربته قديما كان بيتنا يمتليء بأهله المستقبلين القادمين من الجزر والحلال القريبة
يبيتون ليلة قبل وصوله وليلة بعد وصوله ويمتلي بيتنا بالمهنئين
يطلقون الزغاريد ويذبحون الشياة ويحتفلون
واليوم أعود وحيدا مع أخي الغائب لأقل من عقدين من الزمان قليلا
نعود وحيدين
وويستقبلنا والدينا في منزلنا الذي ما عاد منزلنا القديم
فيه تسرب المدنية والتحديث وبنيت حيطانه من الطوب الأحمر وسقفت بالحديد والاخشاب وتطاولت أعمدته .
. وزينت غرفه
فتذكرت بيتنا القديم بجدرانه الطينية الدافئة ونوافذه الصغيرة العالية
التي كانت تجود علينا بالهواء البارد بأصوات مخيفة
وتذكرت البرندات الطويلة المعروشة بسيقان نبات الطرفة وجريد النخل
تتدلي من عرشه عشرات المعاليق المصنوعة من سعف الدوم
كقناديل معلقة في قبة قصر أموي عتيق
في تلك الصالات المتربة
كنا نتقاسم العيش مع أغنامنا وحميرنا ودجاجنا وجيراننا
يخطئ من يظن أنه عاد اخيرا إلي حضن الوطن
فقد تبدلت الأحداث وصار المنزل غير المنزل والناس غير الناس ب
عد هذه الغربة الطويلة الموغلة في البعد
تعود وقد تساقطت أعمدة البلدة ورحل أعيانها وأهلها وسكانها
وحل مكانهم قوم آخرون من أرحامك وأهلك
وأكثرهم غرباء يتحسسون سبل العيش
وينكسر الفؤاد حين تحس بالغربة في وطنك وبين أهلك

وووو ...

Post: #6
Title: Re: رمل ونهر وديار
Author: سليمان القرشي
Date: 01-23-2013, 07:36 AM
Parent: #5

ودعبد الناصر حبابك

اخذتنا في سفر جميل عشنا معك كل تفاصيل السفر واجمل لحظه عندما التقيت الوالدين حفظهم الله ورعاهم .
اخي عبد الناصر ليست ابتسامة الوالده فقط هي التي تغيرت فالكل في وطني تغير من الانسان ومابداخله الي المكان ومايحتويه هي سنه الحياة اخي لاتبقي علي حال ولكن نتمني ان ينصلح الحال تسلم ياانيق الحرف

Post: #7
Title: Re: رمل ونهر وديار
Author: جمال عبد الناصر محمد
Date: 01-23-2013, 07:40 AM
Parent: #6

أخي العزيز سليمان
طاب وسعد يومك
شااكر تزيينك هذه الصفحة ومرورك بهذه الدروب
دروب الغربة القاسية التي كتبت علينا نتوارثها جيل بعد جيل

شاكر حبيب وكل تقدير لك

Post: #8
Title: Re: رمل ونهر وديار
Author: عبيد الطيب
Date: 01-23-2013, 09:21 AM
Parent: #7

Quote: ويستقر الجسم الضخم علي أرض الخير
ونغادرها وسموم حار يلفح الوجوه
وصوت أطفال وبكاء
وحافلات عيتقة ت
نقلك الي صالات ضيقة
تمتليء بأناس يحملون قلوبا فسيحة



رائع يا زول يا سمح يا زين[

QUOTE]تكتوي الوجوه بالحر اللافح
ولكن سرعان ما تبرد بابتسامات الحضور والمستقبلين
تجاهد سلطات المطار لتقديم أجود الخدمات لك


ولكن سرعان ماتبرد بابتسمات الحضور والمستفبلين

شكرا ليك كتير كتير استاذ جمال كتابة صادقة وناضرة امتعتنا
لك محبتي

Post: #9
Title: Re: رمل ونهر وديار
Author: جمال عبد الناصر محمد
Date: 01-23-2013, 09:38 AM
Parent: #8

Quote: شكرا ليك كتير كتير استاذ جمال
لك محبتي


عبيد الطيب يا حبيب
وكما لك محبتي أيضا
مقدر طلتك وحسنك ..
ربنا لاوراك وجع الغربة

تحيات وتحيات

Post: #10
Title: Re: رمل ونهر وديار
Author: جمال عبد الناصر محمد
Date: 01-26-2013, 07:54 AM
Parent: #9

تعانقنا و تصافحنا وأمتد بنا السمر الي ان جن الليل
وأرخي سواد عبائته علي الكون
ومن ثقوبها برزت نجوم تتلألأ وتملأ قبة عظيمة
في ليلة غاب قمرها
أستلقيت علي فراشي أرقب هذه القبة العظيمة لا تراها الأ هنا في بلدتنا
قبة أبدع خالقها في رص نجومها
وكحل أجنابها بشهب صغيرة تومض وتختفي في سرعة هائلة
وبدأ عقلي في الدوران تارة يطير الي صغاري
وتارة يتأمل هذا الجمال
وتارة يسترق السمع الي معزوفات كنت أسمعها قديما
أصوات حيوانات متفرقة أو أصوات ما كينات الماء علي جانبي النهر مختلطة بأصوات حشرات مختلفة
كل يعزف علي ليلاه
وأصوات كلاب تنبح أو بقرات تخور في فضاءات المزارع القريبة
وأصبح أنسنا همسا وتقطعت بنا الكلمات
وصرنا الي ثبات عميق تداعبنا بعض من نسمات الشمال الباردة تحمل كل الأشواق
وكثير من الغبار

Post: #11
Title: Re: رمل ونهر وديار
Author: جمال عبد الناصر محمد
Date: 01-27-2013, 07:49 AM
Parent: #10

صحونا باكرا علي شقشقة طيور تستعجل الإصباح
كانت الشجرة الظليلة التي تتوسط حوش منزلنا وحولها شجيرات الحنة ونخلات شتي مصدر تلك الشقشقات الحبيبة الي النفس
وكان الطير قد بدأ دوامه اليومي باكرا
وأصبح رؤساء القوم يصدرون التعليمات والتوجيهات بنبرات حادة الي أفراد القبيلة لانهاء أعمالهم اليومية
نظرت متثاقلا ألي حيث ترتع بعض السخلات الصغيرة ودجاجات تكرض يمنة ويسرة من غير هدى
وكانت الشمس لا تزال في خدرها .. لم تخرج بعد
ولكن كل هذه المخلوقات قد عرفت بأن ساعة الإشراق قد حانت
وأصبحت تمارس هوياتها الصباحية
غير أن طلوع الشمس قد تأخر نوعاما في ذلك اليوم فقد حجبت قبة السماء بسحب بنية داكنة
استمر النسيم العليل القادم من الشمال في تلطيف الأجواء
كان أبي قد إستقدم من يقوم بذبح شاة صغيرة لطعام الفطور
ونشطت بناتنا في تحضير وإداد الطعام
وطفق البعض في تنظيف آثار عزائم الأمس
وبدأ الاطفال في الظهور من غرف جانبية يستعدون للذهاب للمدرسة
فتذكرت أياما خلت ونحن نصحو باكرين لننطلق للحقل ونجلب علف الأغنام قبل الذهاب للمدرسة
ونأتي مسرعين للبحث عن شنطة كتبنا وكراساتنا لنكتشف أن تلك الأغنام التي نقوم بخدمتها صباحا قد أغارت علي كتبنا وكراساتنا مساء .
ومن نقوم بخدمتها صباحا . ترسل صغارها للتدريب علي أجسادنا ونحن نيام
علي كيفية القفذ والجري
كانت أيام ... جميلة خلت .. نقوم بتذركها كلما حانت لنا فرصة ..
وترافقت مع أخي خارجين من البيت ووقفنا بالخارج نتحاور هل نولي وجوهنا نحو الغرب لزيارة أهلنا أم نولي وجوهنا صوب الشرق حيث الرمل والنهر
وبدون سابق انذار كنا نجر أرجلنا صوب الشرق في دروب البلدة القديمة
علي اليمين بيوت خربة وعلي الشمال أيضا
بيوت أخوالنا وأعمامنا الذين رحلو عن الدنيا قبل أزمان بعيدة
تهدمت الجدر وتخلعت الأبواب وطارت العروش
ونحن نتأمل تلك البيوت التي كانت مرتعا لصبانا وممهدا لأطفالنا
ومسكنا لأحباء غادروا
الي حيث يغادر كل الأحياء

ووو

Post: #12
Title: Re: رمل ونهر وديار
Author: جمال عبد الناصر محمد
Date: 01-28-2013, 08:03 AM
Parent: #11

تسارعت خطواتنا على الدروب المتربة القديمة
جاوزنا البيوت القديمة المتهدمة
بيوت مليئة بأشجار النيم الضخمة وامتلأت فناء الدور القديمة وغرفها بالحشائش والطيور
وتحولت معظمها الي مساحات زراعية يزرعها الأبناء والأحفاد
وصلنا الي بداية غابات النخيل دروب ضيقة وحشائش وأشواك وأراضي بور وحيوانات متفرقة
ولا أحد
قديما كان المكان يعج بالمزارعين الأشداء وأبنائهم وحيواناتهم
ولكن الآن كل قد هجروا الأرض الضيقة وغادروا
جناين المانجو والبرتقال ..
ذابلة جافة
والجدول الكبير ..
والبابور الكبير أصابه القدم وتهدم بناءه الشامخ
وصلنا الي النيل
ما ذال يجري الي وجهته الأبديه بكل شبابه وعنفوانه
الوحيد الذي لم يتغير ولم يتبدل
غير أنه أغار علي أراضينا ونخيلنا وجروفنا
في الوقت الذي أجاد لآخرين بأرض جديدة بالجانب الآخر
قضينا سحابة يومنا نرقب النيل وبعض المراكب الصغيرة والكبيرة التي تجري كل فينة وأخرى
وبعض صائدي السمك من الغرباء يجوبون النهر طولا وعرضا
وفي الجانب الآخر من النهر حيث الجزيرة الخضراء نرقب جماعات من المزارعين تعمل بجد
وقد تفرقت حيواناتهم حولهم وبدت عششهم وبيوتهم المبينة من القش
تذكرت ايام الشهر الفضيل رمضان
وكيف كنا نقصيه علي ضفاف هذا النهر تحت الأشجار الظليلة
سبح مع أترابنا ونلهو
قبل أن نتسابق إلي الحلة قبيل أذان المغرب
جسلت وأخى ما شاء الله لنا أن نجلس
وعدنا ادراجنا ونحن نحمل كثير من الذكري
وكثير من الألم والشجن ..