Post: #1
Title: السبَّابة والوعيد !
Author: shazaly gafar
Date: 01-10-2013, 12:00 PM
السبَّابة والوعيد ! شاذلي جعغر شقَّاق [email protected]
أحكم رابطة عُنقه جيِّداً كحبْل المشنقة وهو يهزُّ رأسَه يُمنةً ويُسرة تلذُّذاً بالعطر الباريسي الفاخر المتضامن مع ما عَلِق بالغرفة من بقايا ليلةٍ شتويَّةٍ مُمعنةٍ – فيما يبدو - في الدِّفءِ والسَّكن .. أخذ يرصد بعض الشيبات عبر مرآته غير الصادقة وهويتحسَّس استدارة لحيته الخفيفة ريثما جاءتْ زوجته بالمعطف الأنيق .. أدخل يديْه واحدةً تلو الأخرى- بمعاونة كفَّين بضَّتين - مثل طفلٍ مُطيع ، ثم استدار للخلف نحو الزوجة كما ينبغي لجنرال سعيدٍ ليطبعَ على خدّها قُبلةً عجلى كقُبلةِ أمرؤ القيس المائة ، قبل أنْ يغادر مزهوُّاً تتبعه الدعوات والأشواق المؤجَّلة وذيول العطر الطاؤوسيَّة ! عند مُدخل البناية الرحْبة ودون أن ينبس ببنْتِ شَفةٍ مع سائقه الخاص ؛ ترجَّل السيِّد (أحمد عَطاءات ) من فارهته لينفذ إلى الداخل مُسْرعاً كقضاء ، شاهراً تقطيبتَه الملازمة له في الغُدُوِّ والرواح وهو يُعالج أمر مكالمةٍ عبر هاتفه المحمول كان قد اجترحها توَّاً لكي يمرَّ على خُطَّابِ وُدِّه الافتراضيين الطامعين في زيارته بالاستقبال مرورَ الليثِ بالرّممِ ، وحتى يترك انطباعاً لدى مرؤوسيه أنَّه في حالةٍ مزاجيةٍ ليست على ما يُرام ، فيلزم كلُّ واحدٍ منهم جحره ويطوي ذيله ليجلس عليه ، فتُؤجَّل بذلك كلُّ الطلبات وتتبخَّر أفكار الرجاء والعشم ! ما أن جلس السيد (أحمد عطاءات ) على كرسيه الوثير ؛ حتى ضغط على زرِّ الجرس ليفْترَّ البابُ عن ممشوقةٍ فتَّانة المُحيَّا ، وبينما تحاول أن ترسم شفتاها القُرمزيَّتان تلك الابتسامة المُداهنة ؛ ينتهرها الرجل : أين المستشار القانوني ؟؟ بعد أن تُوصَد كلُّ المنافذ القانونية على السُذَّج المغفَّلين ، وتُفتح قنالات الخبث والمُكر والدهاء تحايلاً على الصيد في يوم السبت ؛ يُطلق الرجلُ ضحكةً مجلجلةً يفوح منها ثومُ الخُيلاء وفلفل الغطرسة وفجل السُّحت .. تتبعها ضحكة المستشار الرقيقة المكائد الحادَّة الانتهازية ، يعقبهما صريرُ الكرسي الوثير واستغاثاته المكتومة ، ثمَّ آهةٌ عميقةٌ من جوف (عطاءات ) الغريق ليقول : - تُضحكني تلك الصحيفة الغبيَّة التي سوَّدتْ صدرها بأنَّ حرثنا قد نفشتْ فيه غنمُ القوم !!! أيُّ قومٍ أيها الرعاع وأيةُ غنمٍ لإبليس تستطيع أن تدنو من حرْث (أحمد عطاءات ) وفيه بقيةُ من رمَق ؟!! فما أقرب نجوم السماء من هذه التُرَّهات والأمانيِّ الباطلة !! الآن - يا أستاذ – ليس أمام هؤلاء الغوغاء سوى الجلوس على مائدة التفاوض والتسويات بعد أن غلَّقنا دونهم أبواب القضاء بـ (الضبَّة والمفتاح ) !!يُمكنك أن تحشرهم الآن في قاعة البحبوحة الكُبرى ، ولكن ليس قبل أن تضع بين يديَّ خطبةً من مزارع تسمين الكلام ، تتخلَّلها الوعود العرقوبيَّة وتقديم المشيئات ..دعنا نبتلعهم – يا أخي – من خلال التسويف وكسب الوقت !! هنا يصلح المستشار القانوني من من رابطة عنقه وجلسته في محاولةٍ منه لتأكيد إبليسيَّته وأهميَّة دوره ..يتنحْنح ثم يقول : - عفواً سيِّدي .. لا زالت سياسة ليّ الذراع الموسومة بـ جوِّع ######ك يتبعك سارية المفعول ! وأنا لديَّ خطبة جهنّمية ستضع حدَّاً لحفنة تلك الجرذان التي شبعت وبدأت تتقافز هنا وهناك .. مع الوضع في الاعتبار سائر احتمالات ردود الأفعال .. هذه خطبةٌ بلا كلمات .. تعتمد كُليَّاً على اللغة الجسدية ، وإن شئت الدقَّة سيدي فإنها تعتمد على إصبع السبَّابة فقط لا غير !! ببساطةٍ شديدة يُمكنك أن تُشهره في وجوههم لغرض التهديد والوعيد ، فإن تقهقروا راضخين كان بها ، وإلاَّ رفعته قليلاً كعلامة التوحيد ! نُريد ألاَّ نتنزَّل عند رغباتهم من أوَّل وهلة فإنَّ في المناورة خيرٌ وبركة إنشاء الله !! في الصالة الفخمة وعلى أنغام قعقعة الأنخاب السائغة للشاربين وبهرجة الأضواء الفاترة وشاشات البروجكتور الإعلانية المتحرِّكة ، انتصب ( أحمد عطاءات ) بعبوسه المعهود وتقطيبته الملازمة دون أن ينطق بحرف أمام المتكوّمين الذين قنعوا من غنيمة حقوقهم المكفولة بكُلِّ الشرائع والقوانين، بإياب ما يجود به الرجل فضلاً وإن خالطه المنُّ والأذى! وفي اللحظة التي أشهر فيها (أحمد عطاءات ) سبَّابته ؛ اُجتُثَّتْ من مَنبتها ثم طارت حتى علِقتْ بإحدى لمبات الزينة بسقف القاعة ، ليُرسل َ مَنبتُها ضوءاً أحمراً قانياً مثل أشعة الليزر لـ (يخربش ) – دون هدىً – على الجُدُر والكراسي والوجوه والشاشات البروجكتورية مُشكّلاً لوحةً سيرياليةً لا تُبقي - سوى الأحمر- ولا تذر ! فيتهاوى (أحمد عطاءات ) مغشيَّاً عليه لتنتقل اللوحةُ ذاتُها معه إلى عالم لاوعيه وشاشات غيبوبته التي يطلُّ منه سيف الإسلام القذافي عُقيب إلقاء القبض عليه من قبل الثوَّار الليبيين .. ثم لا يلبث أن يعود إلى الأحمر القاني .. إلى جهنم .. إلى قهقهات إبليس الشامتة ..صرخات الجنيَّات الماجنة ..عزيف الريح الصرصر .. الطوفان ..الجراد ..القُمَّل ..الضفادع .. الدم .. الدم .. الدم .. ثم لا يملك (عطاءات) إلاَّ أن يصرخ بأعلى صوته فتنكفئ عليه زوجه الرؤوم : قُل بسم الله يا حبيبي ، اللهم اجعله خيراً ..قل بسم الله ونَم ..وهو يرتعد مُلاحقاً أنفاسَه ومصوِّباً عَيْنيه نحو منبت سبَّابته ..! قُل بسم الله ، ألا فبَّح الله الكوابيس فقد حكمتْ علينا بالهجْر في المضاجع !!!!
نُشر بالوفاق الخميس 27/12/2012م
|
|