دراسة حول بعض كتاياتي القصصية بقلم الأستاذ سعد سليمان

دراسة حول بعض كتاياتي القصصية بقلم الأستاذ سعد سليمان


12-18-2012, 10:42 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=410&msg=1355823740&rn=0


Post: #1
Title: دراسة حول بعض كتاياتي القصصية بقلم الأستاذ سعد سليمان
Author: Yahia Elhassan
Date: 12-18-2012, 10:42 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
كُليمة.. لا تفي بالغرض:

أكاد أجزم أنها ليست المحاولات الأولى في كتابة القصة القصيرة للأستاذ الأديب يحيى الحسن الطاهر.. يؤيد ذلك التقنية العالية التي اتبعها في مجريات السرد، قفزاً ما بين الراوي إلى المشارك، وتحريكه الأحداث بين الحاضر واسقاط الماضي وفق منظور الإخراج السينمائي بأسلوب الـ Flash back .. راحلاً بالقارئ إلى عوالم متشابكة في عناصر الزمان وأحياناً المكان.
وكأن تكريس هذه التقنيات لم يك كافياً لإثارة شغف المتلقي، فآثر أن يقحمه في جدليات تميل إلى الفلسفة أكثر من كونها – مُقبِّلات – أدبية تدخل في صميم النص السردي.. هذا الخيط الفلسفي أعتقد أنه يسري في تفاصيل كل الحكايات الرائعة التي يضمها هذا الكتاب، فالأمر عند الكاتب المبدع ليس مجرد حدث ينقله إلينا عبر صور قلمية متحررة من قمع المحاكاة، والوقوع تحت سطوة التقليد، وطائلة المأمول والمتوقع.. بل يغرد منفرداً بموسيقاه الخاصة، ولغته الحادة، ومفرداته المدببة.. إنه لا يكيل بمكيالين ليرضي الذائقة المترعة بما هو كائن، تلك الواجفة من تجليات الكلمة على واقع مختلف، بل أرى مكياله واحداً يجسد رغبته الكامنة في حرق جسور كثيرة ليقول كلمته التي ارتضاها للتعبير عما يجيش في خاطره.. إنها مخاطرة حقيقية لانتقاء لون معين من ألوان الطيف الأدبي، وعلى بقية الألوان أن تتخذ الموقف الذي يناسبها - قبولاً أو رفضاً - لهذا الكائن الجديد: الذي يجمع بين السرد، والهلوسة، والفلسفة، والفن.
لقد قُدِّر لي أن أرى الأستاذ يحي الطاهر وهو يشرف على ولادة هذه القصص من رحم الغيب، كان يجلس أمام لوحة مفاتيح الكمبيوتر في توجس غريب، مشرئباً إلى الشاشة متبتلاً، أو مرتبكاً ، أو في حالة مائعة بين الرعب والسكينة، إنها في الحقيقة لحظة قلق تنتابه وتتلبسه بالكامل، وخيل إليَّ وهو في تلك الحالة أن شخصاً ما .. غير مرئي .. يملي عليه ما يكتب.. فأصابعه تتجول بين الحروف في سرعة خاطفة، ولعدة دقائق، ثم يصيبها شيء من الخمول، بينما يحملق في الشاشة أمامه غير عابئ بما يدور حوله في الغرفة.. ويعاود الطرق على الحروف بعناد وقوة .. وفق ما يمليه القاص الخفي !!
لا أنكر أنني وجدت صعوبة في الغوص أو التجديف بين دفتي هذا الكتاب قبل أن ينتظم بشكله النهائي، فمثل هذه الكتابة تحتاج إلى نمط معين من المتابعة ومحاولة فك رموزها، ومسايرة الكاتب في تهويماته التي تميل أحياناً نحو الصوفية، وأخرى نحو الحس الجنسي الواضح أو الفاضح إن شئت، وما قصة "الثقب" إلا توظيف للتوتر العاطفي ابتغاء تطويع الخيال لخدمة الواقع الذي يرشح دماً عندما تمتد اليد نحو ثقب المرآة في محاولة بئيسة لقبض الريح من فم الأسد (هل تراه كلاماً غير مفهوم؟)..حسناً.. للقارئ أن ينسج ما يتمنى من إسقاطات هذه المشاهد على ما يشاء من حماقات سياسية، وأوضاع اجتماعية مأساوية، وتصرفات خرقاء في عالم الاقتصاد، وامبراطوريات الفساد .
أجلب بخيلك أو برجلك في تلافيف هذه القصص، فلن تخرج منها إلا باليسير من المتعة المتوقعة من العمل السردي العادي.. حاول الالتفاف حولها، وبين سطورها علها تمنحك بعض المشتهى، ولكن لا تندم على وقت قضيته معها، فقط عد إليها مرة ومرات أخرى، فسوف تكتشف شيئاً ما في كل مرة.. وذلك هو العزاء.

سعد سليمان

سعد سليمان