الحالة 21 !

الحالة 21 !


12-16-2012, 01:00 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=410&msg=1355659258&rn=0


Post: #1
Title: الحالة 21 !
Author: shazaly gafar
Date: 12-16-2012, 01:00 PM

الحالة 21
شاذلي جعفر شقَّاق

البارحة ..وعلى غير العادة عِفْتُ كلَّ الصُحُف الصادرة في الخرطوم وأشحتُ بوجهي عن تُرَّهات الساسة وتنظيراتهم الفاسدة فسادَ ما يزكم الأنوف وتصريحاتهم التي ليس من وراءها طائل .. وكذلك وضعتُ إصبعيَّ في أُذنيَّ من الجلبة والضوضاء وجعجعة طواحين (اللَّتْ والعجن ) البلدية حذر الإزعاج ! حثَثْتُ خُطاى لا ألوى على شئ ريثما أدخل في دهليز خلوتي لأُعاقرَ نوبات صمتي المُتهدِّج !
لو رأتْني زينوبة قبل عشرين عامٍ لضحكتْ ملء عذوبتها قبل أن تُزيح خصلتها الجامحة لتشخيص حالتي تلك بأنَّها (الحالة 21) ربيبة الاستياء وعشيقة القهر وإحدى صُويحبات الجنون المُبكِّر والتي ليس منها فكاك سوى أن تُغادر من تلقاء نفسها ! تصوَّرتُها وأنا أُخلِّل موضع الشَّعَر في صعيدٍ زلقٍ لأتحسَّس منابت بُصيلات غادرن من تلقاء هنَّ دونما استئذان ..أياماً تساقطتْ كأوراق التوت ، لا نزولاً عند رغبة الذبول فحَسْب ، إنَّما تأكيداً لفكرة الاستمرار وتواصل الايراق ! ولكن لماذا لا تُغادر الأشياء غير الجميلة بمبادرة منها؟! هل لأنها تعشق الخلود أم أنها على موعدٍ غرامي مع الاستئصال الذي هو مُدركها ولو كانت في بروجٍ مشيَّدة !
سحبتُ يدي من زينوبة لا عن زُهدٍ – حاشا لله – ولكن لاختلي خلوةً شرعيةً بعبارتها الحاضرة الغائبة ! وأنا استرجع تفاصيل لم يجفْ مدادُها بعد ، والرجلُ النرجسيُّ يحمل معطفه الأنيق من على المِشجَب المُذهَّب وهو يغادر مكتبه الفخيم ونحن المظلومين فيه جلوسٌ قائلاً : اشربوا من البحر !!
دلقتْ زينوبة ضحكتها السخيَّة حتى بدتْ غمَّازتاها الساحرتان كجنَّتين من نبيذٍ محفوفتين برغبتين جامحتين وبينهما إبليس وهي تزجُّ في فمي حبَّة ( تُرمُس ) طازجةً لتُنشدَ الغدَ المسافر :
نمضي ونعرف أنَّنا لن نلتقي ** نمضي ونترك ما تبقَّى من الشراب
فأكملتُ وأنا أنفثُ في وجه الطَّمِي والأصيل الموردابي :
أوَّاه لو تهدي اللُّفافةُ حائراً ** أوَّاه لو تعِدُ القصيدةُ بالإياب !
فطفرت دمعتاها القريبتان قبل أن يشربْهما إبهامي الظمآن .. اتقهقرُ قليلاً ..اترك بيني وبينها خطوتين ..لا تهرُّباً من استدْرار ضحكةٍ أُخرى أو ابتعاد من حرمِ الدموع ، إنَّما لأتأمَّل من مسافة ما علِقَ بالرمشين من قطْرِ الشَّجَن وأنا أُجرجر خطىً لم تخلع نعْلَ خيبتِها بعد قافلاً من وكالةِ المُنى للسفَر أو قُل للهروب من الجحيم ..أيُّ بلاغةٍ هذي التي اُختير بها الاسم البديع ، فكأنَّ مَن اختاره هو الخليفة العبَّاسي المعتز بالله بن المتوكِّل الذي أطلق على زوجته الروميَّة الجميلة اسم قبيحة لجمالها الأخَّاذ على سبيل أسماء الأضداد !
هنا أدخلتُ ابتسامتي في غِمْدها مثلما أعدتُ زينوبتي بكامل بهاءها وسحرها الخالد في هودج القلب الوثير ، ثم أقبلتُ على صفحتي في الفيس بوك عسى أن أجد فيها قبساً أو خيطاً من النور يُخرجني من دهليز خلوتي وعتمة وحدتي ، ولكن للأسف لم أجِدْ لها من أثر .. وإنْ شئتَ الدِّقَّة وجدتُها بيضاء لا شِيَةَ فيها ما خلا تحديث بُرج الحمَل والذي بادرني : تمرّ عليك سَنةٌ عجفاء لم ترَ مثلها منذ عقدين كاملين من الزمان .. يلازمك عارضٌ لا ينفكَّ يعرقل خُطاك أينما يمَّمتَ وجهك ..في العمل غير مرغوب فيك لأنَّك لست من تلك البطانة ..عاطفياً ؛ زينوبة بتسلِّم علـيـــك !!
ضحكتُ حتى ظننتني طلَّقتُ (الحالة 21) طلاقاً بائناً بينونةً صُغرى ، ثم ضغطتُ على أيقونةِ (أعجبني) ثم خرجتُ من صفحتي لأدخل عُزلتي مرَّةً أُخرى !!


* نُشر بالوفاق الخميس 13/12/2012م