مرثيّة لأحمد الطيّب عبدالمكرم

مرثيّة لأحمد الطيّب عبدالمكرم


11-08-2012, 09:42 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=410&msg=1352364127&rn=3


Post: #1
Title: مرثيّة لأحمد الطيّب عبدالمكرم
Author: عبد الحميد البرنس
Date: 11-08-2012, 09:42 AM
Parent: #0

لعلك، حقا، تشتاق لمعرفة ما حدث بعد اقتلاعك؟!.

حسنا، أخي، لا تشعر بالخذلان، كما لو أنّك تترنح ولم تجد حين الحاجة الماسَّة كتف صديق إلى جوارك، إن قلت لك: لا شيء على غير المتوقع حدث. لا شيء. ظلّ الليل والنهار يتعاقبان بمقدار. والدجاج الدجاج، يا مُكرَّم، كعهدك القديم به، "يلقط الحبة ويجري وهو فرحانا". أجل، لكأنّ "عيونه خرز". العراء، كذلك، لم يتوقف، لثانية واحدة، عن بثّ حنينه ذاك للغطاء. أما الضوء، عربيد الأثير ذو العين القزحيّة الملتويّة من نعومة، والذي لم يدع حانة في الفضاء السديميّ إلا غشاها، فلا يزال يرقص، بخطى وثنيته الأولى نفسها، على تلك الأوراق المبللة بقطْرِ الندى. والهواء، كعادته التي تعلم، لا يني يحدث صوتا، كلما تخلل الفروع، أوالتفّ حول الساق صاعدا كدعاءٍ نحو سماء بدا كما لو أنها لا تعبأ بأحزان أحد، لو لا الرجاء.

هكذا، أخي، لا شيء على غير المتوقع حدث. لا شيء. غير أن أغصان روحي أمست أكثر ثقلا. لا لأن عشّاقا علقوا عليها خلسة مراجيح أحلامهم. لا لأن ثمارا مُرة نمّتْ في غير موسمها. لا بل لأن العصافير التي درجتْ، في أوقات المغيب، على أن تبيتَ مغنيّةً على أغصانك، لم تجد في مكان غرسك سوى الفراغ، فأخذتْ تحوِّم دائرة حول نفسها ملتاعة، إلى أن لجأتْ إليَّ أخيرا من يأس وتعب. فقط، لو تعلم أنت كم عانتْ عصافيري طوال تلك الليلة من نواح العصافير الوافدة؟!.

الآن، وقد غادرتني العصافير مجتمعة صوب مسعاها النهاريّ، أواصل التحديق، بأسى لا يليق سوى بعابر سبيل يعلم جيّدا أنه لن يصل قطّ إلى غاياته، في ساقك المنتزعة من الجذور حديثا، مدركا أن المنشار القادم لا محالة يعمل حينا برفق، وحينا بقسوة فاتها أن تدرك رقة رغباتنا الأصليّة في البقاء. وأتساءل إن كان في هذا ما يدل على أننا مكثنا معا في بلاد الآخرين، مثل شجرتين وحيدتين منعزلتين في تقابلهما ذاك على جانبيّ شارع معتم آخر الليل؟!.



وداعا، صورتي في المرآة.

Post: #2
Title: Re: مرثيّة لأحمد الطيّب عبدالمكرم
Author: عبد الحميد البرنس
Date: 11-10-2012, 02:37 AM
Parent: #1

حواريّة لم تكن أبدا بيننا:

Post: #3
Title: Re: مرثيّة لأحمد الطيّب عبدالمكرم
Author: عبد الحميد البرنس
Date: 11-10-2012, 03:07 AM
Parent: #2

"فضلا، قل لي، أخي، ما فائدة كل ذلك التحصيل المعرفيّ ومآلك الآن هناك"؟!.

"كان ذلك، يا عبدالحميد، مجرد بحث عن معنى في عالم بدا خاليا من معنى".

"كما لو أنك تعطي لما كان حياتك معنى سبق لجورج لوكاتش أن وهبه لمفهوم (الرواية)"؟.

"هو كذلك (بحث متفسخ في عالم متفسخ)".

"إذن، ما نتيجة بحثك ذاك"؟.

"لا أهمية تذكر لذلك، الآن"؟.

"كيف"؟.

لأنني وجدت المعنى في عملية البحث نفسها، لا في نتائجه".

أتعني أن رحلة البحث لِذاتها جوهر والغاية عارض"؟.

"تقريبا".

"هل خرجت بشيء آخر من رحلتك"؟.

"الرفقة ساقا الرحلة".

"أكاد أسير أغلب الطريق، دون رفقة".

"ويلك أنت تزحف".

"ما العمل"؟.

"الترفع، التسامح، والمحبة.. أشجار تأوي إليها الطيور".

"ماذا رأيت أثناء الرحلة"؟.

"أشياء رآها الناس. تماما، كما رأى بورخيس".

"هل تحن للعودة"؟.

"قليلا".

"هل لي أن أعرف، لماذا"؟.

"كيما أقول لمن فاتني وداعهم إني أحبهم".

"أراك تصمت، أخي"؟.

"إني متعب".

"نم هانئا".

"متى نلتقي، يا عبدالحميد، ثانية"؟.

"لو مِتُّ الآن، يا أحمد، لماتت (روايات) عديدة في دواخلي".

"ذلك قول صديقنا كازنتزاكي".

"كان عليك أن تفكر مثله. أن تقف عند ناصية شارع مزدحم. تتسول من كل عابر سبيل بضع دقائق من عمره. لا لشيء. سوى أن تكمل تلك الكتب العالقة. لكنك كنتَ أكثر أنفة مما توقعت".

"لا تحزن، أخي".

"لا عليك، فتلك مجرد دموع، لا أكثر".