رسالة -علٌها تصل - إلى قاضي الدرجة الثانية "السابق" علي عثمان طه

رسالة -علٌها تصل - إلى قاضي الدرجة الثانية "السابق" علي عثمان طه


10-21-2012, 00:20 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=410&msg=1350775253&rn=0


Post: #1
Title: رسالة -علٌها تصل - إلى قاضي الدرجة الثانية "السابق" علي عثمان طه
Author: jini
Date: 10-21-2012, 00:20 AM

Quote: رسالة -علٌها تصل - إلى قاضي الدرجة الثانية "السابق" علي عثمان طه
رسالة -علٌها تصل - إلى قاضي الدرجة الثانية


10-21-2012 12:41 AM
سيف الدولة حمدنالله

لم يسبق أن طرق سمعي إنعقاد مؤتمر(دولي) لقضاة، يفدون إليه من دول العالم كما يفعل الرؤساء والوزراء، وقد دفعتني هذه الحقيقة للتوقف عند الخبر الذي ورد قبل أيام عن إنعقاد مؤتمر "رؤساء المحاكم العليا العرب" وهو مؤتمر عُقِد بالخرطوم وشاركت فيه "18" دولة بناء على دعوة تقدم بها "فضيلة" / جلال الدين محمد عثمان رئيس القضاء ورئيس المحكمة العليا.
خاطب الأستاذ/ علي عثمان طه الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر، ومن بين ما جاء في أقواله، ما يكشف عن السبب الحقيقي لتنظيم السودان لمثل هذا المؤتمر وقبوله بتحمل أعبائه في الوقت الذيي تعجز فيه الدولة عن تحمل نفقات عملية ولادة قيصرية لإمرأة فقيرة. قال علي عثمان في مخاطبة المؤتمرين: "ندعوا الأشقاء أن يخرجوا من هذا المؤتمر بشهادة عدل تدحض الاتهامات التي تحاك ضد قضاء السودان المستقل".

مثل هذا الحديث يحمل إساءة للذين وُجٌه إليهم بأكثر مما يسيئ لقضاء السودان، فمن المهين أن يُطلب من قضاة أجانب القيام "بتقييم" قضاء دولة خارج سلطان عملهم من واقع ما تتبادله الوفود من كلمات وحضورها لولائم الطيبات، دون الوقوف على ما يجري في أرض الواقع من قدرة المحاكم على تطبيق العدالة وإنصاف المظلومين بعيداً عن سيطرة ونفوذ الجهاز التنفيذي، فما "يشهد" بإستقلال القضاء هو قدرته على تطبيق القانون على الكبار قبل العوام، وأن يمتلك المقدرة والشجاعة لإبطال المراسيم والقرارات التي تصدر من رئيس الجمهورية والوزراء والولاة متى كانت مخالفة للقانون أو الدستور، وأن تهابه أجهزة الأمن بحيث لا تستطيع أن تقبض على مواطن واحد دون أمر قضائي وبموجب تهمة جدية.

هناك قاعدة في القانون تقول "أن الشيئ يتحدث عن نفسه"، فمن يحمل جراباً مليئ بالسمك لا يحتاج أن يُفصِح عمٌا بداخله، فالقضاء المستقِل والمقتدر لا يطلب لنفسه شهادة من أحد مهما علا مقامه، فقد صفٌق كل العالم لقضاء مصر ما بعد الثورة وشهد بإستقلاله من واقع الأحكام التي أصدرها ببطلان القرارات الرئاسية وما قضى به بعدم دستورية قانون الإنتخابات، وحكى القضاء عن إستقلاله بنفسه يوم أجبر مجلس القضاء العالي المصري الرئيس مرسي على التراجع من قراره بعزل النائب العام (النائب العام في مصر وظيفة قضائية وليس وزيراً ضمن طاقم الحكومة كشأن السودان) الذي كان قد قصد منه – العزل -إرضاء المتجمهرين بميدان التحرير.

إن مثل هذا الطلب يصدق عليه ما يترجمه المعنى في القول الماثور "كاد المريب أن يقول خذوني" ، ذلك أن الذي يحكي عن غياب العدل هو وتفشي الظلم، ونحن دولة كلها مظاليم الذين فقدوا كل شيئ، بينهم قلٌة من "المحاظيظ" إستأثروا بكل شيئ، فأين وسوف يشهد الشعب بإستقلال القضاء ويتولى الدفاع عنه بنفسه، يوم يستطيع أن يرد إلى الشعب حقوقه من أيدي الذين إغتصبوها وسرقوا أمواله وعبثوا بكيانه، يوم يتمكن القضاء من القصاص للأنفس البشرية التي هلكت بايدي القتلة، والأجساد التي أُغتصبت والأرزاق التي قُطعت والوطن الذي تمزٌق، فأي عدل الذي يمكن أن "يشهد" به الأغراب في وطن تغرٌب أهله بين جدرانه !!

الواقع أن حكاية رئيس القضاء مع المؤتمرات القضائية ليس لها تاريخ طويل، فقد بدأت – 2005 - بسفر رئيس القضاء الحالي للعاصمة السويسرية "جنيف" لحضور مؤتمر حول "الملكية الفكرية"، وذلك بدعوة تقدمت بها إليه شخصية مرموقة كانت تعمل في وظيفة مدير مكتب الملكية الفكرية التابع للأمم المتحدة، وقد جاءت تلك الدعوة على خلفية التعارف الذي جرى بين الفريقين بمناسبة نزاع دخل فيه المسئول الأممي مع رجل أعمال حول عقد بيع مزرعة بمنطقة الجريف غرب، قد يأتي اليوم الذي نكشف فيه عن تفاصيلها.

ومثل هذه الزيارة التي يقوم بها قاضي للأحوال الشخصية "شرعي" إلى سويسرا وهو يرتدي "الجبٌة" و "القفطان"، لحضور مؤتمر حول "الملكية الفكرية" وليس في جعبته من حصيلة علوم القانون سوى ما يعرفه في مسائل النكاح والطلاق ..الخ ، يُقال لمثل هذه الزيارة - في لغة السينما - :"الفانتازيا"، وهي نوع من الهزل الفكاهي الممزوج بالخيال، أنتجت من نوعه السينما المصرية أفلام مثل "عماشة في الأدغال" و "رجب في ألمانيا".

ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف المؤتمرات القضائية التي كان آخرها المؤتمر الذي إنعقد بالخرطوم خلال الأيام الفائتة، ولا يكاد يمضي شهر دون أن يتوجه وفد قضائي إلى بلد من البلدان "للوقوف" على تجربته القضائية، وفود تتوجه إلى تركيا وأخرى إلى المغرب والهند وباكستان وإيران ومصر والأردن ...الخ، والحقيقة أن وراء هذه البدع القضائية قصة لا بد أن تروى لتقف أجيالنا القادمة على مقدار ما أصاب الوطن من وراء هذه العصبة التالفة من دمار.

وعوداً على بدء، فقد يفهم المرء حدوث كل ذلك (إنصراف القضاء لعقد المؤتمرات الدولية وتبادل الزيارات) فتلك أيدي لا تُقيم وزناً لإستقلال القضاء، والحري لا تعرف له معنى، بيد أنه كان ينبغي على شخص مثل الأستاذ/ علي عثمان عمل بالقضاء في عهده الذهبي، يوم أن كان للقضاء هيبة وكلمة، مثل هيبة القاضي عبدالمجيد إمام الذي إستجابت له كل شرطة السودان يوم أن أصدر أمره الشفهي لهم – في ظل حكم عسكري - بالإنصراف وعدم التعرض للمتظاهرين – ثورة أكتوبر- ليتم تنفيذ الأمر دون تردد، لا يمكن لمن شهد مثل هذا القضاء أن يقف اليوم ليبحث عن "شهادة حسن أداء" من بلدان تشكو معظم شعوبها من عجز قضائها بمثلما نفعل، بل لربما، أكثر مما نفعل.

سيف الدولة حمدناالله
[email protected]