Post: #1
Title: أقيموا بينهم وبين الجوعِ مناطقَ عازلة !
Author: shazaly gafar
Date: 10-04-2012, 12:39 PM
أقيموا بينهم وبين الجوعِ مناطقَ عازلة ! شاذلي جعفر شقَّاق
جاءتْ اتفاقية التعاون المشترَك بين السودان والسودان الجنوبي في أحلك الظروف التي يمرُّ بها البلدان ؛ حكومتان وشعبان ..فإذا ما حقنتْ هذه الاتفاقية نزيفَ الدمِ الأمني على تماس الحدود بين الدولتين فقط ؛ لكفانا ذلك الاحتفاء بها و لكان ذلك مكسباً كبيراً تحقيقاً لغاية السلام النبيلة التي في سبيلها كانت (نيفاشا) ، وفي سبيلها انشطر الوطن شمالاً وجنوباً ..بل قبل أن تتلاشى ابتسامات التهاني على شفاه المهنِّئين بميلاد الدولة الجديدة ؛ عادت أفواه البنادق المُنتنة لعادتها القديمة قعْقعةً و (رُطانة) لتمتزج رائحة البارود بروائح النفط المُراق والدماء المسفوكة عندما غنَّتْ الخرطوم - يومئذٍ -وفي تلك الظهيرة : (جوبا مالِك عَلىَّ ) إبَّان اقتحام جيش السودان الجنوبي لمنطقة (هجليج) السودانية ..حتى ردَّد البعض عندها : لا طلنا عنب الوحدة ولا بلح السلام !ولولا لطفُ اللهِ كاد أن ينزلق الطرفان في هُوَّةِ حربٍ لا هوادة فيها ! أمَّا الآن فقد علا صوتُ العقلِ ، رغم أنَّ المفاوضين غادروا موائد الحوار تاركين قضيَّة أبيي معلَّقةً وراء ظهورهم بجانب المناطق المختلَف عليها فضلاً عن ترسيم الحدود ذي النَّفَس الطويل والخُطى السُّلحفائيَّة .. ورغم ما لاكتْهُ الألسنُ في حريَّة تنقُّلها بشأن الحقوق الأربعة من (إقامةٍ) هجرتْها جوبا بكاملِ إرادتها وهي تجعل موسم هجرتها جنوباً ، ميمِّمةً وجهها شطرَ الانفصال أو الاستقلال الكامل المخوِّل لشعبها استحقاق المواطنة من الدرجة الأولى مردِّدةً مع النور الجيلاني :( سيب الخرطوم قوم بارحِــا )! أو (تملُّك) تخلَّصتْ منه جوبا – قبلاً- وهي تدفعه بطول يدِها قبل أن تحزم أمرِها وقليلَ متاعِها صارفةَ النظَر عمَّا علِقَ منه في تجمُّعات الطرُق والموانئ إلى أحلام التملُّك المرتقَبة البهيجة وهي تمضغ صبرَها الطويل على وقْع المثل السوداني : (الحارِي ولا المتعشِّي ) ! فإذا كانت جوبا قد أبتْ الحقوق الأربعة (مملَّحة) من خلال الوحدة الطوعية وجاءتْ (تكابس) فيها (حافَّة ) من خلال الاتفَّاقيات ، فإنَّ الخرطوم أيضاً قد قد عافتْ (كِسْرة) التوقيع على هذه الحريَّات (مملَّحة) ثم عادتْ وانحنتْ لتصادق عليها (مبسْبسه) أو (مكنْكشه ) ! أمَّا حرية العمل فلا الخرطوم ولا جوبا قادرة على توظيف أبناءها الذين يرفلون في أبهى ثياب العطالة وأروع حُلَل البطالة ..الذين يطالعون أنجمَ السَّعْدِ في سماء الساسة التي تصفو حيناً ، ثم لا تلبث أن تُبرِقَ وتُرعدَ ملبَّدةً بالغيوم مرَّةً أُخرى ! مواطنو الدولتين الذين سيموا سوء الفقر و الجوع والمرض وضنك العيش ؛ لا يزالون يعلِّقون رجاءاتهم على عواتق الساسة السادرين في غيِّ الوعود العرقوبيَّة ودغدغة عواطف الحسِّ الوطني لدى الشعْبَيْن ! فنحن في الشمال عندما لاحتْ نيفاشا ؛ انطلقتْ حناجرُ ساستِنا وألسنةُ منابِرهم تذكِّرنا بما كان يُنفق على الحرب اللعينة من خزينة الدولة ، وأنَّ نيفاشا هي التي تحقن هذه الأموال في خزينة الدولة العامة بعد أنْ تحقن الدماء في شرايين أبناءها !فهل تحسَّن حال المواطن المعاشي بسبب نيفاشا ؟ كلاَّ .. لأنَّ الأموال التي حُفظتْ بوقْفِ نزيفِ الحرب ؛ حُقنتْ بها- كما قالوا - إلْيةُ الوحدة الجاذبة على سبيل الإغراء! فهل تحقَّقتْ الوحدة والانسجام ؟ كلاَّ ..وعندما أذَّن مؤذن الانفصال ،قال وزير ماليَّتِنا إنَّ انفصال الجنوب وذهاب بتروله لا يؤثَّر اقتصاديَّاً على السودان ..فهل أثَّر ؟ نعم أثراً بالغاً نتج عنه زيادة المحروقات ، بل سائر السلع الاستهلاكيَّة أو قُل غلاءً يكتنف كلَّ ضروب الحياة في ظلِّ تقافز الدولار الأمريكي وفوضويَّة الأسواق وجشع التجَّار الحقيقيين والمجازيين ..كما نتج عنه إعلان سياسة التقشُّف الحكومي وتقليص أجهزتها التنفيذيَّة .. تلك السياسة التي لم تقدِّم أو تؤخِّر ! وإلاَّ لما اقتضى الأمر مطالبة المزيد من التقشُّف على أجهزة الدولة .. ولما قال بنك السودان على استحياء : لم ينخفض الصرف الحكومي بعد تطبيق سياسة التقشف إلاَّ بنسبة 5% فقط !! ولما شَبَّهَ وزيرُ المالية – مؤخَّراً – حال اقتصادنا بإطارات العربات المهترئة !ولما توقَّع صندوق النقد الدولي أن ترتفع ديون السودان إلى 43.7 مليار دولار بنهاية 2012م ، وإلى 45.6 مليار دولار في 2013م ! الذي نودُّ قوله هو أخذ العظة والاعتبار للدولتين والاستفادة من أخطاء ساستها وأنَّ تُوجَّه عائداتُ النفط ورسوم عبورِه إلى إمعاء الشعبيْن مباشرة .. اجعلوا بينهم وبين الجوع مناطقَ عازلةً منزوعةَ السلاح !!! ..لا تدعموا متمردي الجوع الكافر وتستقلِّونهم مطايا تبلغون بها غايات التُخمة السياسيَّة ، ثم تتخلَّون عنهم كوسائل منتهية الصلاحية !! فعسى - والأيامُ دُوَلٌ – أن يقلبوا لكم ظهرَ المِجَن ذات وليمةٍ ما !
** نُشر بالوفاق اليوم الخميس 4/10/2012م
|
|