ماوراء ظاهرة جمهور هلال مريخ

لايمكن قراءة ظاهرة جمهور الهلال والمريخ والتي اختطفت النجومية عن المباراة وعن لاعبي الفريقين وحتى عن أشكال العنف في مباريات المصارعة الحرة والملاكمة ورياضات العنف الأخرى .. لايمكن قراءة هذه الظاهرة الدخيلة بمعزل عن الوضع العام الذي ميّز الساحة بالمصاعب الاقتصادية التي تمر بها البلد والمواطن وأيضا الحروب التي تدور هنا وهناك والاحتقان السياسي العام وأيضا مسار المفاوضات بين الشمال والجنوب وهرولة الحكومة نحو الشمال غير عابئة بأصوات المناوئين للإتحاد مع مصر والذين ظلوا ينادوا منذ الاستقلال بشعار السودان للسودانيين إضافة للدعوة التي تقدم بها المؤتمر الوطني لأصدقائه وأعدائه من مختلف القوى لوضع قواعد دستور دائم للبلاد وهي خطوة دون شك جاءت نتيجة طبيعية لترجمة إستفادة المؤتمر الوطني من دروس نيفاشا التي صاغها منفردا فلم يتحمل معه أحدا نتائجها خاصة الكارثية منها التي أسهمت في فصل الدولة ولم توفر الأمان الموعود .
وهناك الحركة الاسلامية نفسها وما يشوبها من حراكات تصحيحية لفرز الكيمان والتفريق بين أصحاب الولاء العقائدي وأصحاب الولاء المصلحي .. إضافة لطائفة الموت المتتالية لمسؤولين بدءا بطائرة تلودي وانتهاءا بسيارة والي الشمالية والتي وإن شكك البعض في تحليلها إلا أنها في الحقيقة أفقدت المؤتمر الوطني خيرة أبنائه الذين يصعب تعويضهم بسهولة .
وتجيء أحداث السفارة الامريكية في الاحتجاجات التي دعمتها الحكومة ودعت لها مع بعض قيادات الأحزاب وعدم ضمان السيطرة على عدم استمرارها أو السيطرة على سلوك المتظاهرين خاصة وأن مجلة فرنسية نشرت صورا مسيئة وبعدها من المتوقع أن تستمر الاساءات وتستمر التظاهرات التي لايمكن السيطرة عليها .
في غمرة كل تلك الأحداث تأتي أحداث الأمس المؤسفة .. فهل جاء الأمر عفويا ؟؟؟

ونواصل ....

من الأمانة أن أبين أن ما أكتبه هنا تحليلا يحتمل الصواب والخطأ .. ولكنها قراءة صحفية هادئة ليس الهدف منها الاساءة لشخص أو جهة .. فنظرية المؤامرة بقراءة أحداث الأمس من تلك الزاوية تظل حاضرة وتحظى بفرص أكبر في القبول .. أما المستفيد من تلك المؤامرة حال صحتها فعدة أطراف .. دعونا نجيب على سؤال هام .. ما الذي يخدم هذه الجهة أو تلك من نشوب مثل هذه الأحداث المؤسفة ونبدأ بالحكومة ..

ونواصل ....

واجهت الحكومة قبل شهر رمضان الكريم تململا كبيرا من الأوساط الشعبية والطلابية بسبب الاجراءات الاقتصادية الخانقة التي اعلنت عنها ، وحاولت بعض القوى السياسية استغلال التظاهرات ، ووصلت الهتافات حدّ المطالبة برحيل النظام ما جعل الحكومة تهدد بانتخابات مبكرة وبعدها جاءت المواجهات المتعددة مع الحركات الدارفورية والحركة الشعبية قطاع الشمال ما زاد الحالة الاقتصادية وهنا على وهن بفضل الصرف الاجباري المتزايد على الحرب ، وجاءت الطامة الكبرى بتدمير حقول هجليج النفطية في وقت فقد السودان فيه جزءا كبيرا من نفطه .. وجراء ذلك انهارت العملة .
في الجانب المقابل تواجه الحكومة حراكا داخليا من الاسلاميين المنتمين لها ومذكراتهم وانتقاداتهم وحراكهم العلني .. وجناح منهم كما ترشح الأخبار الشائعة يقف ضد التقارب مع الجنوب وبعضهم يعلنها ودائما يسعون لافتعال الأسباب التي تفشل أي تقارب بين الطرفين .
فالحكومة التي تواجه كل هذه الضغوطات وتعجز عن حماية البعثات الدبلوماسية من مصلحتها أن ينشغل الرأي العام بصراع ذاتي فجمهور الهلال يبدأ بالتكسير وجمهور المريخ يتوعد بالانتقام وتستمر الحرب سجالا وينشغل الناس عن الاخفاقات والمظاهرات وغيرها بهذه الحرب .

في ذات الوقت للأجنحة الاسلامية التي تقف ضد التقارب مع الجنوب فائدة في هذه الأحداث التي تشغل الحكومة بإيقاف الشغب عن التفاوض وتوصل للحكومة رسالة أنها تملك قاعدة تستطيع تحريكها في حال إصرار الحكومة على التقارب مهما كانت الفوائد

ونواصل ....

المعارضة هي المستفيد الأكبر من هذه الأحداث ، فالحكومة ظلت في كل مناسبة تعاير الأحزاب بضآلة قواعدها ، وقد فشلت الأحزاب بالفعل في إثبات وسع قواعدها الجماهيرية ، وقد يكون في إشعال مثل هذه الأحداث المتدثرة بثوب الرياضة لا السياسة ميدانا تستطيع فيه فرد عضلاتها وإثبات ذاتها الجماهيري.
وفي ذات الوقت فإن أي فوضى لاتتم السيطرة عليها تبقى ورقة في يد المعارضة لاثبات عدم كفاءة الحكومة في الحكم

ونواصل ...

الحركات المسلحة الشعبية والدارفورية أيضا تملك مصلحة في إثارة الشغب والفوضى ، وهي دون شك موجودة بطريقة أو بأخرى داخل العاصمة السودانية بدليل إعلان الحكومة القبض على كمية من الأسلحة المخبأة في أحد الأحياء السكنية ، والحركات الموجودة في الخرطوم تخوض حربا حقيقية مع الحكومة في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وكثير من المناطق وتريد نقل المعركة للداخل ولكن بعدما استفادت من تجربتها الخارجية التي أدخلت فيها مقاتلين لايعرفون حتى الشوارع الرئيسية بالعاصمة ولايعرفون المواقع التي أنو لاحتلالها لذلك تم إدخالهم لتعريفهم بالعاصمة والأهداف المطلوبة وكيفية الدخول إليها .. ولشغل الحكومة عن متابعتهم يبقى الشغب خاصة بين جمهور الهلال والمريخ الذين يمثلون الشق الأكبر من المواطنين بمختلف فئاتهم تجربة لجس نبض مدى قدرة الحكومة للدفاع عن العاصمة لو بدأت الحرب بمظاهرات جماهيرية لها ميزة محدودية مايمكن التعامل به من عنف .

ونواصل ....

>

للصحافة الرياضة يد طولى فيما حدث ، والصحافة الرياضية في بلادنا تحتاج مراجعات كثيرة ، فلقد أثارت الجدل حولها طويلا ، واتهمها البعض بالارتهان لولاءات رياضية محددة تتنافى مع مهنية الصحفيين ، بينما وصفها بعض آخر بالولاء لأوامر سياسية لها مصلحة في استغلال الأوضاع في حركة بوصلة الرأي العام ، بينما اتهمها بعض آخر بإنتهاج الاثارة لتحقيق أكبر قدر من المبيعات في بلد تفرخ عشرات الصحف في كل صباح مع ثبات عدد القراء الذين هم كعكة واحدة يحاول الكل قضم الجزء الأكبرمنها

ونواصل ....