الـــــعـــم (كـــاونــــــدا) .. تــــرزى الــــعــيـــد

الـــــعـــم (كـــاونــــــدا) .. تــــرزى الــــعــيـــد


08-08-2012, 09:48 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=400&msg=1344458905&rn=2


Post: #1
Title: الـــــعـــم (كـــاونــــــدا) .. تــــرزى الــــعــيـــد
Author: الوليد عمر
Date: 08-08-2012, 09:48 PM
Parent: #0

.....










العــــــم ( كــــاوندا ) .. تــــــرزى العيـــــــــــد


قبل أسابيع قليلة فاجأنا هندى قصير و مهندم ، يرفل فى زيه المرتب و بمعيته حقيبة أدوات ، دلف إلينا فى المكتب لأخذ قياسات الموظفين ، بغرض خياطة ملابس العمل لهم ، و المعروف أن اللبس الموحد للموظفين فى هذه البلاد التى نحن بها من الأهمية بمكان و الظاهر أن المؤسسات هنا تبدى إهتماماً بالغاً بمظهر العاملين لديها لدواعى حضارية أو دعائية أو حتى تسويقية ، و يوجد لدى هذه المؤسسات (أكواد) و لوائح خاصة بالمظهر العام و الإلتزام بالملابس المعتمدة للمهمات المختلفة ، المهم أخذ الهندى يختلى بنا الواحد تلو الأخر بهدوء شديد لا يؤثر على سير العمل- بالطبع – و طفق يسجل بيانات القياسات المختلفة لكل موظف على جهاز إلكترونى أشبه ما يكون (بالأيباد) .. أو ربما كان ( بى دى إيه ) مثلما تفضل زميلى بالتوضيح ، و بان لى فى تلك اللحظة و أنا أراقب الهندى و هو ينقر على شاشة الجهاز بقلم رفيع ليس به من حبر ولا يحزنون ، بان لى و أتضح أن علم الله وسيع و أن العلم لابد و أن يكون تطور تطورا شديداً فى الأونة الأخيرة .

هذا الترزى الإلكترونى ذكرنى بالعم (كاوندا) ترزى العيد ،و فى حقيقة الأمر أن إسمه الحقيقى كان (محمد) و لكن عرفه الجميع بكاوندا ، و كنت قد سألته ذات يوم عن أصل التسمية ، فقال أنها تعنى (حريف فى شغلتو) أو (الزول المجضمها) حسب تعبيره ، العم كاوندا كان من قبيلة الفلاتة و كان له بيت صغير فى (بركات فلاتة) و هى قرية نشأت قسراً خلف مركز بركات الذى به رئاسة مشروع الجزيرة ، نشأت بين العم (كاوندا) و بين أهل قريتنا و بقية قرى المشروع صلات عميقة لأن أغلب أهلنا كانوا يعملون فى بركات الرئاسة أو فى محالج القطن بمارنجان و كان الناس يقضون كثيراً من الوقت فى بركات فلاتة يرتشفون أفراحهم المعبأة فى الزجاج و يغتسلون من تعب العمل باللهو هنا و هناك فى غياهب مشروع الجزيرة التى كانت عامرة بالحياة فى ذلك الوقت ، العم كاوندا كان مليحا بهى الطلة و لبيساً من طراز رفيع ، و ليس هذا بمستغرب من ترزى بطبيعة الحال ، أتذكر و نحن صغاراً و فى مثل هذه الأيام من السنة ، كان كاوندا يهجر بيته الصغير فى بركات فلاتة ليحط رحاله فى ديوان ( جدنا بكرى) و كان يحضر معه كل ما يملك من أدوات مهنته كترزى و يقوم بتركيب (مكنة الخياطة) العتيقة و التى لم تكن تحتاج لكهرباء أو خلافه و تعمل فقط بتحريك بدالها بالقدم و كان لها صوت مميز يبعث الحياة فى أرجاء الديوان .

العم (كاوندا) كان وناسا و حلو المعشر ، و وجوده فى حلتنا كان مدعاة أفراح كثيرة للجميع فكاوندا فى الحلة كان يعنى قدوم العيد و الكسوة الجديدة و تحسين المظهر ، إضافة لما كان يشيعه وجود كاوندا فى المكان من ونسة و لمة للكبار و الصغار ، فليس هناك بقريتنا الصغيرة من (موضوع) و الناس تتشبث بأدنى باعث للحياة هروبا من الملل و الكلل و تجدهم يترددون على الديوان بدون داعى غير الونسة و اللمة و المحبة.

أتذكر فى ذلك الزمن أن الناس كانوا لا يشترون أقمشتهم للعيد حتى يتأكدوا من وصول العم كاوندا للحلة و منذ أن يبدأ شهر رمضان تجدهم يتساءلون ، متى يأتى كاوندا متى يأتى كاوندا ؟ و ما أن تحط رحاله حتى تبدأ المشاوير للبندر فى (ود مدنى) ، أقمشة الجلاليب البيضاء و أقمشة العراريق و السراويل الطويلة من سوق الجملة و المقاطع الحريمية الملونة من السوق الكبير و كان الناس لا يشترون أبدا من الملابس الجاهزة مثلما يفعلون اليوم ، رغم أنها أقل تكلفة من التفصيل عند الترزى ، و كان الخال (بكرى) عليه رحمة الله من القلائل الذين لا يلقون بالاً لتفصيل ملابسهم عند كاوندا و قبل يوم أو يومين من العيد كان يشترى ملابسه جاهزة من سوق الله أكبر ، و كان هذا الأمر مزعجاً للغاية للعم (كاوندا) ، و كلما وقعت عيناه على الخال (بكرى) أطال فى تشنيف ملابسه و جلابيته ، و يبرز له جميع عيوبها ، " ياخى هو العمود دا بيأملوهو كدا ياخى" .. بأدين الجلابية دا مالو مفتول كدا ، كلو اّلى واتى .. و الله دا شوال فهم ما يكويهو ليك يا بكرى ياخ " و الشهادة لله أن كاوندا كان بارعا بحق فى تفصيل الجلاليب و العراريق و ما كان هنالك من أدنى مقارنة بين ما تنجزه يداه و بين ما يجلبه الخال جاهزاً من البندر.

العم (كاوندا) كان كثير المراسيل و كان يتعبنى أنا بالذات بمراسيله الكثيرة رغم أننى كنت فرحا بذلك لأنه يؤثرنى على أندادى من الصغار ، "عمى كاوندا هسع أنا جيت ، عليك الله رسل (مختار) دا " .. " الحميل دا بتاع كُربّات أنا ما برسلو .. قوم أمشى إنت " ، أغلب مراسيله كانت من أجل السجاير ، و كان (كاوندا) لا يدخن إلا السجاير (البحارى) ، و أذكر أن هذا النوع من السجاير لم يكن يباع إلا فى دكان عمنا (البشير ود يوسف) فى أخر الحلة ، و ذات مرة تكاسلت من الذهاب إلى حيث يوجد (البحارى) و إشتريت لعمنا الترزى علبةً من (البرنجى) و من أقرب دكان " دا شنو دا يا ولد " أنا تجيب لى (برنجى) ؟ شايفنى مشاطة؟ .. أنا ترزى يا وهم " و بالضرورة أصبح المرسال مرسالين و كالعادة أصبحت هذه حكاية يحكيها لكل مرتادى الديوان حتى قلت فى نفسى يا ليته سكت .

أكثر من كان يحبهم (كاوندا) من أهل القرية هو الخال العزيز (حسن الزبير) و هو توأم والدتى العزيزة .. أمد الله فى أيامهما .. و كان (كاوندا) يحب الخال (حسن الزبير) للسانه السليط و لأنه الوحيد الذى كان يغلبه فى (المنضمة) ، الخال حسن كان (تمباكى) مخضرم و (كاوندا) مدخن مخضرم و لطالما إندلعت بينهما حرب حوارية شعواء فى هذا الموضوع ...

كاوندا: "يا هسن أليك الله ما تنجس لينا الديوان دا .. أمرق من هنا"
حسن: "الديوان حق أبوك ؟ الديوان إنتا قلبتوا لينا (كمينة)"
كاوندا: "برضو أهسن من أواليقك دا .. الجداد ما بياكلوا ياخى"
حسن: " تعرف يا كاوندا .. أنا كان عندى زى شلاليفك ديل .. على الطلاق كان بمطروا فيهن جوة"

ولا تسمع بعد هذا الحوار غير الضحك و القهقة .. يكاد العم (كاوندا) يسقط من كرسيه و يهتز كل جسمه حتى (يشرق) و تدمع عيناه.

ليس أوضح فى ذهنى هذه الأيام من صورة العم (كاوندا) ترزى العيد ، بنظارته (الفوتوقراى) و التى لم يكن يخلعها حتى و هو فى نوم عميق ، و لكم أتذكره هذه الأيام فى خواتيم شهر رمضان المبارك و هو يضرب بقدمه على بدال ماكينة الخياطة و طرقات الأبرة السريعة وهى تحيك أطراف القماش بمهارة عالية و حرفية نادرة ، و لكم أتذكر فى هذه اللحظات تلك الدراجة الهوائية خاصته و التى لم يكن يرضى بأن نسميها بغير إسمها " ما تقول أجلة يا وهم .. دا أجلة دبل " تلك العجلة الدبل و التى كان (يتكلها) على حائط الديوان و التى تعلمنا عليها مهارات ركوب العجلة بديلا عن ركوب الحمير . العم (كاوندا) الذى كان يظهر مع هلال العيد و يختفى طوال العام و ظل هذا ديدنه لسنوات عديدة .. هذا رجل ندين له بالكثير.

ترى أين أنت الأن أيها العم العزيز (كاوندا)؟ أين هى أراضيك و ما هى أحوالك ؟ كل ما أرجوه هو أن تكون بخير .. و أن تكون لا زلت بصحتك و عافيتك و أن تكون لا زلت تحيك أفراح العيد فى مكان ما فى الوطن العزيز .. لشدما أفتقدك الأن فى خواتيم هذا الشهر المبارك و أنا أضطر لشراء جلابية العيد جاهزة من دوار الساعة بالشارقة ، غير مفصّلة و غير متعوب عليها و كلها عالى واطى و مكرضمة مثلها مثل كل ما تكرضم فى هذا الزمن اليابس.





أبو بكرى
20/ رمضان الموافق 8/8/2012





....

Post: #2
Title: Re: الـــــعـــم (كـــاونــــــدا) .. تــــرزى الــــعــيـــد
Author: مرتضى الكجم
Date: 08-09-2012, 07:25 AM
Parent: #1

Quote: العم (كاوندا) كان وناسا و حلو المعشر ، و وجوده فى حلتنا كان مدعاة أفراح كثيرة للجميع فكاوندا فى الحلة كان يعنى قدوم العيد و الكسوة الجديدة و تحسين المظهر ، إضافة لما كان يشيعه وجود كاوندا فى المكان من ونسة و لمة للكبار و الصغار


ابوبكرى

سرد جميل وشيق

ذكرني ذلك بعلى الترزى (حي 114) كان يجلس بصالة التعاون , من تبينا لقينا عمك على يخيط لينا كل مانريد وخصوصاً المدارس والعيد وكان يحفظ المقاسات على ظهر قلب , وكنا نفرح بالاثنين .... العيد وخياطة الجلابية ذات العمود الاجمل من (عامود الكهرباء) ... يا لها من ايام عساها ان ترجع ..... هيهات هيهات

ربنا يجمعك بكاوندا ويجمعنا بعم على ....نتمنى لهم وافر الصحة والعافية

مودتى

Post: #3
Title: Re: الـــــعـــم (كـــاونــــــدا) .. تــــرزى الــــعــيـــد
Author: الوليد عمر
Date: 08-09-2012, 01:06 PM

....




تسلم يا مرتضى و كل عام و أنت و أسرتك الكريمة بخير
أمثال العم كاوندا موجودون فى كل زوايا و أركان الوطن
يحيكون من تعبهم للناس أفراحهم الملبوسة

شكرا يا صديقى و حاول تغشانا فى العيد
حتى يستقيم المزاج.


تقبل تحياتى







....