حكاية البنجوس آدمو - من قصص دارفور الأخرى*

حكاية البنجوس آدمو - من قصص دارفور الأخرى*


06-14-2012, 11:07 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=390&msg=1339711670&rn=7


Post: #1
Title: حكاية البنجوس آدمو - من قصص دارفور الأخرى*
Author: Bushra Elfadil
Date: 06-14-2012, 11:07 PM
Parent: #0

جاء حثيثاً عله يحظى بمشاركة في اللعب مع صبيان الحلة الذين كانوا يلعبون بالطين في الخريف في قرية من قرى الجزيرة .يصنعون منه حواشات قرب الترعة والدوران وهو البركة الصغيرة التي ترد لها المياه من الترعة. من الدوران ينطلق الماء عبر الجدول الكبير (أبو عشرين) ليروي الحواشات الحقيقية .أما الحواشات المصغرة التي تعب عليها هؤلاء الأطفال صباحهم كله في هذه النهارية الخريفية الغائمة فكانوا يسقونها بماء يجلبونه من الترعة بمغارف بلاستيكية يجدونها كيفما اتفق . يصبون منها الماء في (أبو عشرين اللعبة).لكل طفل (حواشته اللعبة)، وعليه أن يحافظ على ريّها فلا يتسرب الماء إلى الحواشات المجاورة المماثلة أو ينكسر الجدول قرب ملكيته الصغيرة.آدمو جاء متأخراً؛ وهو ليس من هؤلاء الصبيان أبناء المزارعين في غالبيتهم ومن لم يكن أبوه مزارعاً فقد شمله وئام القرية العام .آدمو خارج هذه الإلفة وهو يدري .لذلك تردد وهو يقترب من الصبية ممنّياً نفسه باللعب مثلهم.

Post: #2
Title: Re: حكاية البنجوس آدمو - من قصص دارفور الأخرى*
Author: Bushra Elfadil
Date: 06-14-2012, 11:10 PM
Parent: #1

أسرة آدمو لا تعيش في القرية بل وسط الغيط في قطية من القصب، بالكاد تكاد تقي ساكنيها من حرّ الشمس، ناهيك عن المطر، وهي قطية مؤقتة تتحول من (حواشة بور) إلى حواشة بور أخرى - وهي الحواشات التي تبيت موسماً عن الزراعة درءاً لإجهاد الأرض- كان اللعب قد انتهى وحطم الأطفال مزارعهم وهم يتقافزون بينما تتقافز معهم قطرات من المياه الطينية أو الطين المائي، ترش ملابسهم- العراريق. انتهى اللعب وتحوّل الطين الذي كان قد صنع الجهد الجماعي المشترك، إلى كتل متماسكة وقوية؛ يستخدمونها غالباً في نهاية اللعب أسلحة يتبادلون بها النيشان.وما أن اقترب آدمو وهو يحاول أن يفتح فمه في ابتسامة لم تسعفه وجنتاه على صنعها حتى فاجأه عبد المذل أحد الصبية بضربة صاعقة من طينة بحجم كرة التنس. ارتعب الصبي الوافد وإهتزّ جسده من وقع التصويبة المباغتة حتى كاد يسقط، لكنه تماسك مواصلاً الإهتزار والرعب.وسط هؤلاء الصبية كان الطفل معز صامتاً لم يوافق على فعلة عبدالمذل لكنه لم يقل شيئاً. سيقول شيئاً لكن بعد ثلاثين سنة بعد فوات الأوان. حين يحكي هذه الواقعة لإبنه اليافع الذي في عمر آدمو.وربما يصوغها إبنه في موضوع إنشاء لا يستفيد منه آدمو،الذي أصبح مجرد ذكرى خافتة خجولة في خلد معز. نظر آدمو المرعوب تجاه مصدر الضربة المرسلة وهو يصرخ بلغته الهجين: - إنت ما ...مالو كدا؟ أنا نسوي ليك شنو؟ وهنا عاجله عبدالمذل بضربة أخرى ولما كان معظم الأطفال يضحكون إلا أقلهم؛خاف آدمو وصار يكرر عبارة واحدة متحدية لكنها جوفاء إزاء الشعور بخطر الكثرة الغالبة : - أجدع تاني نشيف- ورماه عبدالمذل بطينة أخرى أقوى من الحجر وتكرر الرد الحائر - - اجدع تاني نشيف يضحك بقية شلة الأطفال بكركرة عالية وهم يرددون جملة آدمو الوحيدة - أجدع تاني نشيف ويعلقون كل بطريقته (أجدع تاني نشيف؟هو داير يبكي وخايف وما عارف يعمل شنو! كمان يقول اجدع! اجدع شنو؟ روح يا بنجوس يلا من هنا!). لم يسمع آدمو هذه الجملة الأخيرة جيداً .كان مشغولاً بقرار داخلي بينما كانت أذناه غارقتان في الطنين ووجهه وارم وعيناه غائمتان في بدايات دموع متلبكة في الطين.وبدا تنفيذ القرار . جرى الصبي مهرولاً نحو فريقهم وسط الحواشات.تلاحقه أصوات الصبية الضاحكة عليه .

Post: #3
Title: Re: حكاية البنجوس آدمو - من قصص دارفور الأخرى*
Author: Bushra Elfadil
Date: 06-14-2012, 11:12 PM
Parent: #2

وتجري خلفه تلك الاصوات القاسية ككلاب مسعورة:
-عييك عيييك! عاك!
- بنجوس جرى جرى جرى
- ود المرة !
لكن آدمو الذي جرى لا يلوي على شيء ليس لديه رفقة هناك في القطاطي القصبية كي يأخذ بثأره. شجاعته التي لا نعرف عن وجودها شيئاً قمعتها الكثرة. في قرارة نفسه كان يعرف انه لا يخاف.في ديارهم كان بطلاًً وسط اقرانه.وربما يكون في هذا خيط فيه فتلة انتقام تقوده لجريمة بعد ذلك بسنوات.حالياً الغلبة جلبت له خوف جديد. في القطاطي يوجد فقط أخوه داود الذي يصغره بأعوام وهو طفل دون السابعة وأختاه حليمة ومريم وبنات وأبناء عمه الصغار .البقية من الصبية الكبار الأطفال مع ذلك ففي الحقول يعملون في جني القطن مع آبائهم وأمهاتهم. في الحواشة لا زال أيضاً والدا آدمو.

Post: #4
Title: Re: حكاية البنجوس آدمو - من قصص دارفور الأخرى*
Author: Bushra Elfadil
Date: 06-15-2012, 07:49 AM
Parent: #3

أرتمى الصبي الموجوع على البرش القديم وسط القطية وأصبحت موسيقاه الوحيدة هي الطنين ثم بعد ساعات تبع هذه الفرقة الموسيقية الخارجية موسيقى داخلية هي أصوات الأمعاء. بينما كانت تبكي دواخل آدمو .كم كان يتمنى أن لو تم استيعابه في شلة الصبيان. ليته كان يعلم أن بينهم الله جابو ود عطا الكريم وهو أحد من ساهم برمي الطين عليه؛ فالمسألة ليست عنصرية.المسألة كلها استيعاب بطيء لا يتم بتسارع إلا في أجمل المدن. ذلك كله لا يدري عنه آدمو شيئاً وقد رماه حظه التعيس في هذه المنطقة الطينية البائسة.نزلت دمعة متيبسة صدها عن السقوط الكامل على البرش وقعة مفاجئة من آدمو على قفاه لعل الآثار الأخرى لضربات الطين القوية ها قد بدأ فعلها على جسده الواهن المتعطش للعب والغذاء السليم.وعندما وصل والداه من عناء عمل (ضحوة) شاق كان آدمو في غيبوبة تامّة والمراكز الصحية لم تكتشف بعد في ذلك الضحى البعيد، ولا الشفخانات، أما نقطة الغيار فيستدعي الوصول إليها السفر بالحمار.

بشرى الفاضل
جدة -25 مارس 2012
نشرت بصحيفة الخرطوم عدد الأربعاء 13 يونيو 2012م
_______________________
*قصص دار فور الأخرى حكايات وصور قلمية ، ظللت أرويها في الصحف السودانية على مدى سنوات عن العمّال الزراعيين من دارفور ببطن الجزيرة بالسودان حيث أهلي ومنها قصص عن الكنابي

Post: #5
Title: Re: حكاية البنجوس آدمو - من قصص دارفور الأخرى*
Author: Bushra Elfadil
Date: 06-16-2012, 07:20 AM
Parent: #4

سأنشر هنا لا حقاً إحدى الصور القلمية عن كنابي الجزيرة.

Post: #6
Title: Re: حكاية البنجوس آدمو - من قصص دارفور الأخرى*
Author: Mohamed Abdelgaleel
Date: 06-16-2012, 08:59 AM
Parent: #5

آدمو .. سيء الحظ .. في إنتظار قصص الكنابي فكثيرا ما يصبح
الظلم واقعاً يعتاده الناس حتى ينصرف الجميع عن تمعن تفاصيله
المأساوية التي تنجب الشرور كلها .. إلا عين الكاتب وهي تتفحص
التفاصيل الصغيرة المشحونة بكل الوجع .. شكرا د. بشرى

Post: #7
Title: Re: حكاية البنجوس آدمو - من قصص دارفور الأخرى*
Author: عاطف مكاوى
Date: 06-16-2012, 09:09 AM
Parent: #6

العزيز د. بشرى
تحية طيبة

متابع لكتاباتك حول (الكنابي) .. خاصة تلك التي تعتلي الكنار القريب من قريتكم
ولي عودة لأُساهم معك في هذا البوست بعد أن أقرأ القصة كاملة .... ولأُساهم معك
هذه لا تعني في الجانب الأدبي الذى لا أملك ناصيته ... ولكن للحديث عن الواقع
الذى عايشته ولا أزال أعايشه من علي البعد .. بحكم أن إحدى أسر الكنابي تسكن
الآن في بيتنا بالقرية الذى هجرته الأسرة بعد دمار المشروع.

Post: #9
Title: Re: حكاية البنجوس آدمو - من قصص دارفور الأخرى*
Author: Bushra Elfadil
Date: 06-17-2012, 06:38 PM

شكراً يا أخ عاطف على المرور.لكن الحالة في السودان الآن ليست كتابة قصص أعترف.

Post: #8
Title: Re: حكاية البنجوس آدمو - من قصص دارفور الأخرى*
Author: Bushra Elfadil
Date: 06-16-2012, 04:23 PM
Parent: #6

شكراً يا محمد
في اعتقادي أنّ القبول في المجتمعات مثل مد البحر وجزره عملية تتم ببطء شديد
ويحتاج الأمر لقرن كامل وما يزيد عليه حتى يتم الاستيعاب
.وبوتقة هذا الاستيعاب هي المدن التي تصبح وطنية بقدر ما تستوعب
وبقدر ما تنكر جهوياتها كلها وقبلياتها.دونك ما يجري في أم درمان.