|
Re: (في ظلال سورة الإخلاص) [حقيقة الأحديّة والتّوحيد] (سيّد قطب) (Re: صلاح عباس فقير)
|
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)} هذه السورة الصغيرة تعدل ثلث القرآن، كما جاء في الروايات الصحيحة. قال البخاري : حدثنا إسماعيل : حدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعد: أن رجلا سمع رجلا يقرأ : «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» يرددها. فلما أصبح جاء إلى النبي - صلى اللّه عليه وسلم - فذكر ذلك له – وكأن الرجل يتقالها - فقال النبي - صلى اللّه عليه وسلم - : «والذي نفسي بيده ، إنها لتعدل ثلاث القرآن» .. وليس في هذا من غرابة. فإنّ الأحدية التي أُمر رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم – أن يعلنها : «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» .. هذه الأحدية عقيدة للضمير ، وتفسير للوجود ، ومنهج للحياة .. وقد تضمنت السورة - من ثم – أعرض الخطوط الرئيسية في حقيقة الإسلام الكبيرة ..
يتقالُّها: يراها قليلة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: (في ظلال سورة الإخلاص) [حقيقة الأحديّة والتّوحيد] (سيّد قطب) (Re: صلاح عباس فقير)
|
فإذا استقر هذا التفسير ، ووضح هذا التصور ، خلص القلب من كل غاشية ومن كل شائبة ، ومن كل تعلق بغير هذه الذات الواحدة، المتفردة بحقيقة الوجود وحقيقة الفاعلية. خلص من التعلق بشيء من أشياء هذا الوجود - إن لم يخلص من الشعور بوجود شيء من الأشياء أصلا! – فلا حقيقة لوجود إلا ذلك الوجود الإلهي. ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعلية الإرادة الإلهية. فعلام يتعلق القلب بما لا حقيقة لوجوده ولا لفاعليته!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: (في ظلال سورة الإخلاص) [حقيقة الأحديّة والتّوحيد] (سيّد قطب) (Re: صلاح عباس فقير)
|
ومتى استقر هذا التصور الذي لا يرى في الوجود إلا حقيقة اللّه، فستصحبه رؤية هذه الحقيقة، في كل وجود آخر انبثق عنها! - وهذه درجة يرى فيها القلب يد اللّه في كل شيء يراه. ووراءها الدرجة التي لا يرى فيها شيئا في الكون إلا اللّه! لأنه لا حقيقة هناك يراها إلا حقيقة اللّه! كذلك سيصحبه نفي فاعلية الأسباب، ورد كل شيء وكل حدث وكل حركة، إلى السبب الأول الذي منه صدرت، وبه تأثرت ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: (في ظلال سورة الإخلاص) [حقيقة الأحديّة والتّوحيد] (سيّد قطب) (Re: صلاح عباس فقير)
|
وهذه هي الحقيقة التي عُني القرآن عناية ًكبيرة بتقريرها في التصور الإيماني. ومن ثم كان ينحي الأسباب الظاهرة دائماً، ويصل الأمور مباشرة بمشيئة اللّه: «وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى » .. «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» .. «وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» .. وغيرها كثير .. وبتنحية الأسباب الظاهرة كلها ، ورد الأمر إلى مشيئة اللّه وحدها، تنسكب في القلب الطمأنينة، ويعرف المتجه الوحيد الذي: يطلب عنده ما يرغب، ويتقي عنده ما يرهب، ويسكن تجاه الفواعل والمؤثرات والأسباب الظاهرة، التي لا حقيقة لها ولا وجود!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: (في ظلال سورة الإخلاص) [حقيقة الأحديّة والتّوحيد] (سيّد قطب) (Re: صلاح عباس فقير)
|
وهذه هي مدارج الطريق، التي حاولها المتصوفة ، فجذبتهم إلى بعيد! ذلك أن الإسلام يريد من الناس: أن يسلكوا الطريق إلى هذه الحقيقة، وهم يكابدون الحياة الواقعية بكل خصائصها ، ويزاولون الحياة البشرية ، والخلافة الأرضية بكل مقوّماتها! شاعرين مع هذا: أن لا حقيقة إلا اللّه! وأن لا وجود إلا وجوده! وأن لا فاعلية إلا فاعليته! ولا يريد طريقا غير هذا الطريق!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: (في ظلال سورة الإخلاص) [حقيقة الأحديّة والتّوحيد] (سيّد قطب) (Re: صلاح عباس فقير)
|
من هنا ينبثق منهج كامل للحياة ، قائم على ذلك التفسير، وما يشيعه في النفس: من تصورات ومشاعر واتجاهات! منهج لعبادة اللّه وحده، الذي لا حقيقة لوجود إلا وجوده ، ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعليته ، ولا أثر لإرادة إلا إرادته. ومنهج للاتجاه إلى اللّه وحده: في الرغبة والرهبة. في السراء والضراء. في النعماء والبأساء! وإلا فما جدوى التوجه إلى غير موجود وجودا حقيقيا ، وإلى غير فاعل في الوجود أصلا؟!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: (في ظلال سورة الإخلاص) [حقيقة الأحديّة والتّوحيد] (سيّد قطب) (Re: صلاح عباس فقير)
|
ومنهج للتلقي عن اللّه وحده: تلقي العقيدة والتصور والقيم والموازين ، والشرائع والقوانين والأوضاع والنظم ، والآداب والتقاليد. فالتلقي لا يكون إلا عن الوجود الواحد، والحقيقة المفردة في الواقع وفي الضمير. ومنهج للتحرك والعمل للّه وحده .. ابتغاء القرب من الحقيقة ، وتطلعا إلى الخلاص: من الحواجز المعوقة والشوائب المضللة. سواء في قرارة النفس، أو فيما حولها من الأشياء والنفوس. ومن بينها: حاجز الذات ، وقيد الرغبة والرهبة لشيء من أشياء هذا الوجود!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: (في ظلال سورة الإخلاص) [حقيقة الأحديّة والتّوحيد] (سيّد قطب) (Re: صلاح عباس فقير)
|
ومنهج يربط - مع هذا – بين القلب البشري وبين كل موجود، برباط الحب والأنس والتعاطف والتجاوب. فليس معنى الخلاص من قيودها* هو: كراهيتها والنفور منها والهروب من مزاولتها .. فكلها خارجة من يد اللّه! وكلها تستمد وجودها من وجوده! وكلها تفيض عليها أنوار هذه الحقيقة! فكلها إذن حبيب، إذ كلها هدية من الحبيب!
المقصود بحسب السياق: من قيود أشياء هذا الوجود!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: (في ظلال سورة الإخلاص) [حقيقة الأحديّة والتّوحيد] (سيّد قطب) (Re: صلاح عباس فقير)
|
وهو منهج رفيع طليق .. الأرض فيه صغيرة ، والحياة الدنيا قصيرة ، ومتاع الحياة الدنيا زهيد ، والانطلاق من هذه الحواجز والشوائب غاية وأمنية .. ولكن الانطلاق عند الإسلام: ليس معناه الاعتزال ولا الإهمال ، ولا الكراهية ولا الهروب .. إنما معناه المحاولة المستمرة ، والكفاح الدائم لترقية البشرية كلها ، وإطلاق الحياة البشرية جميعها .. ومن ثم فهي الخلافة والقيادة بكل أعبائهما ، مع التحرر والانطلاق بكل مقوماتهما. كما أسلفنا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: (في ظلال سورة الإخلاص) [حقيقة الأحديّة والتّوحيد] (سيّد قطب) (Re: صلاح عباس فقير)
|
إن الخلاص عن طريق الصومعة سهل يسير. ولكن الإسلام لا يريده؛ لأن الخلافة في الأرض، والقيادة للبشر: طرفٌ من المنهج الإلهي للخلاص. إنه طريق أشقُّ ، ولكنه هو الذي يحقق إنسانية الإنسان. أي: يحقق انتصار النفخة العلوية في كيانه .. وهذا هو الانطلاق. انطلاق الروح إلى مصدرها الإلهي ، وتحقيق حقيقتها العلوية. وهي تعمل في الميدان الذي اختاره لها خالقها الحكيم ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: (في ظلال سورة الإخلاص) [حقيقة الأحديّة والتّوحيد] (سيّد قطب) (Re: صلاح عباس فقير)
|
من أجل هذا كله: كانت الدعوة الأولى قاصرةً على: تقرير حقيقة التوحيد بصورتها هذه في القلوب؛ لأن التوحيد في هذه الصورة: عقيدة للضمير ، وتفسير للوجود ، ومنهج للحياة. وليس كلمةً تُقال باللسان، أو حتى صورة تستقر في الضمير. إنما هو الأمر كله ، والدين كله! وما بعده من تفصيلات وتفريعات، لا يعدو أن يكون الثمرة الطبيعية، لاستقرار هذه الحقيقة بهذه الصورة في القلوب.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: (في ظلال سورة الإخلاص) [حقيقة الأحديّة والتّوحيد] (سيّد قطب) (Re: صلاح عباس فقير)
|
والانحرافات التي أصابت أهل الكتاب من قبل ، والتي أفسدت عقائدهم وتصوراتهم وحياتهم ، نشأت أول ما نشأت عن: انطماس صورة التوحيد الخالص. ثم تبع هذا الانطماس ما تبعه من سائر الانحرافات! على أن الذي تمتاز به صورة التوحيد، في العقيدة الإسلامية هو: تعمقها للحياة كلها ، وقيام الحياة على أساسها ، واتخاذها قاعدة للمنهج العملي الواقعي في الحياة ، تبدو آثاره في التشريع كما تبدو في الاعتقاد سواء. وأول هذه الآثار: أن تكون شريعة اللّه وحدها هي التي تحكم الحياة. فإذا تخلفت هذه الآثار؛ فإن عقيدة التوحيد لا تكون قائمة ، فإنها لا تقوم إلا ومعها آثارها محققةً، في كل ركن من أركان الحياة ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: (في ظلال سورة الإخلاص) [حقيقة الأحديّة والتّوحيد] (سيّد قطب) (Re: صلاح عباس فقير)
|
ومعنى أن اللّه أحد: أنه الصمد. وأنه لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد! ولكن القرآن يذكر هذه التفريعات؛ لزيادة التقرير والإيضاح : «اللَّهُ الصَّمَدُ» .. ومعنى الصمد اللغوي : السيد المقصود الذي لا يقضى أمر إلا بإذنه. واللّه - سبحانه - هو السيد الذي لا سيد غيره ، فهو أحد في ألوهيته والكل له عبيد. وهو المقصود وحده بالحاجات ، المجيب وحده لأصحاب الحاجات. وهو الذي يقضي في كل أمر بإذنه ، ولا يقضي أحد معه .. وهذه الصفة متحققة ابتداء من كونه الفرد الأحد.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: (في ظلال سورة الإخلاص) [حقيقة الأحديّة والتّوحيد] (سيّد قطب) (Re: صلاح عباس فقير)
|
«وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» .. أي: لم يوجد له مماثل أو مكافئ: لا في حقيقة الوجود ، ولا في حقيقة الفاعلية ، ولا في أية صفة من الصفات الذاتية. وهذا كذلك يتحقق بأنه «أَحَدٌ»! ولكن هذا توكيد وتفصيل .. وهو نفي للعقيدة الثنائية التي: تزعم أن اللّه هو إله الخير، وأن للشر إلها يعاكس اللّه - بزعمهم – ويعكس عليه أعماله الخيّرة! وينشر الفساد في الأرض. وأشهر العقائد الثنائية كانت: عقيدة الفرس في إله النور وإله الظلام ، وكانت معروفة في جنوبي الجزيرة، حيث للفرس دولة وسلطان!!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: (في ظلال سورة الإخلاص) [حقيقة الأحديّة والتّوحيد] (سيّد قطب) (Re: صلاح عباس فقير)
|
هذه السورة إثبات وتقرير لعقيدة التوحيد الإسلامية ، كما أن سورة «الكافرون»: نفي لأي تشابه أو التقاء بين عقيدة التوحيد وعقيدة الشرك .. وكل منهما تعالج حقيقة التوحيد من وجه. وقد كان الرسول - صلى اللّه عليه وسلم – يستفتح يومه - في صلاة سنة الفجر – بالقراءة بهاتين السورتين .. وكان لهذا الافتتاح معناه ومغزاه ..
انتهى تفسير سورة الإخلاص، من كتاب (في ظلال القرآن) لسيد قطب.
ملحوظة: لم أتدخل في النص -وهو مكتوب باللون الأزرق- أدنى تدخل، والتعديلات السابقة، كانت من أجل ضبطه!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: (في ظلال سورة الإخلاص) [حقيقة الأحديّة والتّوحيد] (سيّد قطب) (Re: صلاح عباس فقير)
|
وأستطيع بحسب معرفتي بسيد قطب، -الذي قرأت له كلّ كلمة سطرها بيمينه- أن ألخص رؤيته بعبارةٍ أخرى: أن تعيش بعقلك في خضم الواقع، متفاعلاً معه، بناء على حقائقه الموضوعية! على أن يكون قلبك معلّقاً بالله عزّ وجلّ! وعندئذٍ يجري حوار بين معطيات الواقع الموضوعي، وثمرات ذلك الاتصال الروحيّ بالمطلق! وذلك كلّه في سياق رؤية منهجية قرآنية، تتميّز بوعي تاريخيّ!
من تطبيقات هذه الرؤية القطبية: موقفه الواضح من مسألة الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، بمعنى إقامة النظام الإسلامي: عبر مدخل الاستيلاء على السلطة، ومن ثم تطبيق القوانين والتشريعات، وهو المسلك الذي وصفه بأنه: (عملية استنبات للبذور في الهواء) فالخطوة الأولى في نظره هي: إعادة بناء وتكوين المجتمع المسلم، القائم على أساس العقيدة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: (في ظلال سورة الإخلاص) [حقيقة الأحديّة والتّوحيد] (سيّد قطب) (Re: صلاح عباس فقير)
|
صورة سيد قطب في وعي الكثيرين، ملتبسة بكثير من التصورات الخاطئة، بسبب ما عاناه من سوء الفهم، حتى من قبل رموز جماعة الإخوان المسلمين!
والمعروف أن سيد قطب بدأ حياته أديباً في مدرسة العقاد، ثم مناضلاً لعب دوراً كبيراً في التمهيد للثورة المصرية، بمقالاته وخطبه، حتى حاز فيما بعد على لقب (ميرابو الثورة المصرية) وأهله ذلك ليكون العضو المدني الوحيد، في مجلس قيادة الثورة المصرية،
لكن لما تبين له أن الثورة المصرية تدور في الدوائر نفسها، تركها عام 1953م، ليلتحق بجماعة الإخوان المسلمين!
ثم في عام 1954 بعد الحادث الذي يسميه الإخوان المسلمون بمسرحية المنشية، تم اعتقال سيد قطب، ليظل رهين الحبس حتى عام 1965م، أُطلق سراحه لبرهةٍ قليلة، تلقى خلالها عروضاً مغرية، من ضمنها أن يكون وزيراً للتربية في العراق، عرضاً قدمه له نوري السعيد! لكنه آثر البقاء في مصر! أعيد للمعتقل في نفس العام، ليتم تنفيذ حكم الإعدام عليه عام 1966م!
بعد أن رفض أن يكتب كلمة استرحامٍ للرئيس عبد الناصر، وقال: إن كنت محكوماً بالحق، فأنا أرتضي حكم الحق، أو كنت محكوماً بالباطل، فأنا أكبر من ان أسترحم الباطل!
أسأل الله أن يرحمه ويتقبل شهادته!
| |
|
|
|
|
|
|
|