خواطر أمريكية 2 بلا ندية بلا لمة .. بقلم عوض محمد الحسن

خواطر أمريكية 2 بلا ندية بلا لمة .. بقلم عوض محمد الحسن


06-09-2012, 11:06 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=390&msg=1339236415&rn=0


Post: #1
Title: خواطر أمريكية 2 بلا ندية بلا لمة .. بقلم عوض محمد الحسن
Author: الأمين عبد الرحمن عيسى
Date: 06-09-2012, 11:06 AM

[email protected]
يقال أن أحد زعماء الطرق الصوفية الكبرى كان يستشفى في سويسرة (هذا قبل توطين العلاج في هذا العهد السعيد) برفقة بعض خلفائه، ويبدو أن أحدهم "شَرِق" من جمال جنيف في الصيف (وقد ترك الخرطوم الغبشاء تغلي في منتصف الصيف) فقال لشيخه، وهو يهرش تحت "مكاويته": "دحين يا مولانا، السودان بتين يبقى زي سويسرة؟" فأجابه شيخه دون أن يعتدل في جلسته: "بعد أُلفُميّة سنة!"
حتى لا يخرج علينا كل حين من شاشة تلفزيونات السودان ذات الاستوديوهات المزركشة أحد الجماعة الذين منحهم الله قدرا مهولا من الشجاعة الأدبية، يشتكي من ان أمريكا لا تُعامِل السودان بالنديّة الواجبة، (في الموروث الشعبي الملئ بالحكمة، قالت القُرادة: "عمنوّل أنا والجمل أخوي جبنا العيش من الصعيد!")، إليكم بعض الإحصاءات التي قد تُعين على المقارنة:
المسافة من نيو يورك في الساحل الشرقي إلى سان فرانسسكو في الساحل الغربي نحو ثلاثة آلاف ميل، وهي تقريبا المسافة من الخرطوم إلى نيو دلهي في الهند، والمسافة من أقصى شمال الولايات المتحدة إلى أقصى جنوبها لا تقلّ كثيرا عن ذلك؛ ولو أصبحت ولاية كاليفورنيا دولة مستقلة (بعد مفاوضات ماراثونية واتفاقية شاملة واستفتاء) لكانت الدولة العاشرة في ترتيب اقتصادات العالم.
وميزانية مدينة (وليس ولاية) نيويورك لعام2012 بلغت نحو 68 بليون دولار، والناتج الإجمالي للمدينة نحو 600 بليون دولار، وميزانية السودان "المُوحّد" عام 2010 بلغت نحو 10 بليون دولار، والناتج القومي الإجمالي للسودان نحو 75 بليون دولار. أي أن ثروة مدينة واحدة من عشرات المدن الأمريكية الكبرى تساوي أربعة أضعاف ثروة السودان وميزانيته السنوية ومديونيته البالغة نحو أربعين بليون دولار! ويتحدثون عن الندّية؟
هذه عينة من الأرقام الفلكية التي تراها أينما نظرت أو اصخت السمع في هذه البلاد. بالأمس فقط علمت أن مشروع القطار السريع الذي يربط لوس أنجلوس بسان فرانسسكو سيكلف ولاية كاليفورنيا (بعد تخفيض التكلفة الأصلية) نحو 68 بليون دولارا فقط لا غير، وأن تكلفة عدسة تلسكوب الفضاء "هَبل" بلغت بليون وثلاثمائة مليون دولارا. والشاهد ليس في تكلفة العدسة بل في الجهد والعلم الذي مكّن هذه البلاد من إرسال ماكوك الفضاء ليصطاد التلسكوب وهو سابح في الفضاء، وخروج روّاد افضاء من الماكوك وتغيير العدسة القديمة (التي تجعل التلسكوب يُرسل صورا مهزوزة)، ثم العودة للماكوك والعودة للأرض دون أذى. وللعلم، يلتقط تلسكوب "هبل" صورا غاية في الوضوح للأجرام السماوية في المجموعة الشمسية، ولغيرها في عمق الكون الفسيح، ويرسل معلومات دقيقة عنها وعن تاريخ الكون (وممنوع الاقتراب أو التصوير!)
رحم الله والدي؛ كاد أن يصفعني على قفاي حين حاولت إقناعه عام 1969 أن الأمريكان هبطوا على سطح القمر و"قدلوا" عليه. لم يقبل والدي مجرد النقاش حول هذا الحدث الذي نقلته آنذاك شاشات التلفاز والصحف السيارة في كل بلدان العالم، وحسم الأمر بقوله:" القمر في السماء الثالثة؛ كيف استطاع الأمريكان اختراق السماء الأولى والثانية؟ بلاش كلام فارغ!"
مرة أخرى، العقل زينة، ورحم الله إمرئً عرف قدر نفسه. والعاقل من نظر إلى الدنيا كما هي وحسب حساباته، وتجنب الأوهام والإيهام. الولايات المتحدة، شاء البعض أم أبى، قوة عظمى (أو أعظم) وستظل كذلك لمدة طويلة - رغم أزماتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ورغم عدوانها وهيمنتها وكيلها بالمكيالين - حتى تتبدل موازين القوى كما علّمَنا التاريخ والكتاب (وتلك الأيام نداولها بين الناس)، ولن "تنهار" غدا كما كما تنبأ ترزية التحليلات إبّان مظاهرات "وول ستريت".
قالت العرب قديما: الحلم سيد الأخلاق؛ وفي ظني أن الحياء هو سيد الأخلاق.
"بَلا دنا عذابها ؛ بَلا ليكم تسلّحنا، بَلا نِديّة؛ بَلا لمّة!"
(إيلاف 6 يونيو2012)