الرهانات الحقيقية وراء الصراع بين مبارك الفاضل وابن عمه

لم يزل الاستاذ مبارك الفاضل المهدي في حالة توهانه الابدي وهو يفقد فرصته من جديد في الرجوع مرة اخرى الى (حظيرة) حزبه القديم !!.حيث يبدو ان المامول لدى حفيد المهدي ما بعد انهيار كل تحالفاته القديمة هو العودة الى حظيرة الحزب الكبير،العودة التي صارت فرصتة الاخيرة واليتيمة للعب دور قوى ومؤثر بعد انهيار تحالف جوبا الذى كان احد مهندسيه الكبار، ومن قبل ذلك تشتت وانهيار مغامرته الانتحارية بالانشقاق من ابن عمه والانضمام الي الموقف الحكومي مساعدا لرئيس الجمهورية حيث خرج من ذلك التحالف بعشر القوى الى دخل بها الي البيت الانقاذي وحزبا متشظيا كالهيدرا بعد ان انقسم الى عشرة احزاب تسعة منها قد التصقت التصاقا لا فكاك منه بالانقاذ ولوحده خرج البلدوزر الى المعارضة بعد ان تكسرت شوكاته ونصاله!!.

بالطبع فان التاريخ لا يعيد نفسه ، ولكن حتف انفه يود حفيد المهدي للتاريخ ان يعيد نفسه بعد ان ملأته الحسرة وهو يديم النظر ازاء فرصه الضائعة..منشقا من حزبه القديم تارة ،فحليفا للنظام الذي طالما قال فيه ما لم يقله مالك في الخمر تارة اخرى ، واخيرا خارجا من الانقاذ خروج الشعرة من العجين ومن ثم حليفا كبيرا لجوبا حيث اراد ان يصير رجل الحركة الشعبية الشمالي عبر ممر واشنطن ، ولكنه وبعد كل ذلك لم يجد بدا سوى الرجوع لحزبه القديم ،كي يستدير صاحبنا اخيرا صوب ابن عمه ورفيقه القديم الصادق المهدي في محاولة اخيرة لتوحيد الحزب ومن ثم لعب دور ركيزي عبر ماكينته ،اذ يعتقد السيد مبارك انها ماكينة قد اصابها العطب جراء افلات امام الانصار الحزب واجهزته لابناءه الذين يفتقدون الاهلية الكافية لادارة العمل السياسي بالمكر الكافي الذي لا يفتقده عمهم!.

وها هنا تكمن الرهانات الحقيقية للخلاف وهو خلاف ليس ذا تعلق بالحزب واعضاءه ولكنها رهانات تجد مسوقاتها في الميتافيزك السياسي حول خلافة الامام الكبير وهو يدق ابواب الثمانين !!. ان مغزى رجوع البلدوزر الى الحزب بالنسبة للامام وابناءه لا تحتاج لفيلسوف ، لذا فقد عمد الاب وابنائه لوضع العربة امام الحصان وهكذا اخذ العم المتعجل اللف والدوران امام طروادة الحزب الذي اخذ يلت ويعجن فى امر الوحدة الى ان فاض كيل البلدوزر مخرجا لافة سياسية حارقة تنتقد كل شئ خلف الامام او امامه بيمناه او يسراه حيث عاب على هذا الاخير الإستمرار فيما اسماه بـ "المنهج الابوي" القديم القائم على القيادة الكارزمية الآحادية كاساس لإدارة الحزب، قاطعا بان هذا الامر لم يعد ممكنا ومسترسلا بالقول ان الحزب فى عالم اليوم يجب ان يدار ببنية مؤسسية، حيث لم تعد القيادة الكارزمية الفكرية هي الدينمو المحرك للعمل ، معللا بان النهج القديم يجعل المؤسسة تابعة للقيادة، وتعمل بإشارة القيادة وتوجيهها. والتفاعل الذي يأتي من فوق الى تحت وليس من تحت الى فوق لم يعد ممكنا فى عالم اليوم. ولم يقف صاحبنا هاهنا فحسب ولكنه اهتبل فرصة الوجود الصحفي الكبير بصالون الراحل سيد احمد خليفه كي يقول الكثير المثير الخطر حيال الوضع داخل الحزب ورأيه في مشاركة ابن الامام مساعدا لرئيس النظام الذي يدعي الحزب معارضته مسهبا في انتقاد وضع الامانة العامة للحزب متهما اياه بكل الاتهامات التي نقلتها الصحف فيما بعد!!. كما انه_اي مبارك الفاضل _ لم يقف هاهنا فحسب ولكنه ايضا قاد وحرض على الكثير من المواقف ضد قيادة الحزب وامانته العامة وليس اقل ذلك المذكرة الشبابية الشهيرة والخطة المحكمة لاسقاط الامين العام السابق عبر اسقاط خطابه من داخل اجتماع الهيئة المركزية .

ان التساؤل الركيزي هاهنا هو ما اذا كان مبارك الفاضل جادا بشان توحيد الحزب خصوصا بعد حملات الدفتردار الانتقامية بينه وابن عمه بعيد انشقاق الحزب والتحاق البلدوزر بالانقاذ!!؟ ولكن يبدو ان هذا الاخير يود ارسال رسالته لجمهور الحزب عامة والانصار على وجه الخصوص انه اكثر حدبا على وحدة الصف ،وهو موقف ان لم يقبض حصاده اليوم ففي الغد متسع لذلك خصوصا وان بعض مكونات اسرة المهدي بمن فى ذلك ابناء الامام قد اقلقهم كثيرا تقدم عمر السيد الصادق المهدي حيث يعتقد الكثير من المراقبين ان الحرس القديم من الساسة من شاكلة الامام الصادق المهدي لم يعودوا يصلحون لتبوء المناصب التنفيذية الخطيرة كرئاسة الجمهورية والوزراء، وهي بالطبع ليست قائمة قصيرة اذ انها تشمل جيل كامل من الساسة من الذين ظهروا قبل خمسين عاما كحسن الترابي ومولانا محمد عثمان الميرغني وغيرهم من الراحلين من امثال نقد وغيره !!. وهكذا وجد ابناء الامام ان عودة البلدوزر لاتعني سواهم حيث يمكنه ان يكنسهم بين لمحة واخري فى حال غياب عرابهم الاساسي ..الصادق المهدي!!.

وكاني بالسيد مبارك الفاضل وقد استوعب مخاوف ابناء الامام حين يقول في لقاء اجراه معه موقف سودانايل من واشنطن ابان زيارته الاخيرة للعاصمة الامريكية ان عملية توحيد الحزب تسير ببطء، ولا تتواكب مع الظرف السياسي الماثل امامنا، الذى يتطلب تحرك سريع، ويتطلب من الناس طىء المراحل بصورة سريعة ،عازيا هذه البطء الى ان القيادة التاريخية لم تتجاوز مرارة الإنقسام .بالطبع وفي هذه المسالة بالذات فان السيد مبارك الفاضل يدعي الغباء ،فكأنما الامام وابنائه لا يدرون ان اجراءات توحيد الحزب يعوزها الايقاع الذي يتوقعه مبارك الفاضل ولكن باليد الاخري من اعلم هذا الاخير انه ليس الايقاع الذي يريده المهدي وابنائه ، وبله ادراكهم ما اذا كان هناك ظرف ماثل يحتاج تحركا سريعا وغير ذلك من الحديث الذي يداوره البلدوزر لاستفزاز الامام ولكزه قدما الى الامام!!. صحيح ان الامام وابنائه يحتاجون في ظرف ما لمناورات العم المغامر الذي يبدو بغير شئ يخسره والي علاقاته مع الحركة الشعبية وهو ما يفتقده الامام منذ الطلاق مع التجمع الوطني واقالة مبارك نفسه من الامانة العامة للتجمع قبيل التوقيع علي اعلان نداء الوطن بجيبوتي ورجوعه الي البلاد واشياء اخري يغترفها البلدوزر سرا وعلانية وهو في ذلك ممثلا بديلا جيدا للبطل الذي يجب ان لا يجتاز المخاطر ،ولكن باليد الاخري فان الامام وابنائه ليسو علي استعداد لدفع استحقاق كل ذلك عبر صلاحيات ووظيفة كبيرة بالحزب كنائب الرئيس او الامين العام وهو الذي دونه خرت القتاد حيث يمكن لهذا الاخير ان يجد مصير مادبو الذي طرد من الحزب وسالت دماء ابناءه وهو الذي كنا نعتقد ان الامام سوف يوفره حتي وان كفر!!.

هل بدا السيد مبارك كحالم وهو يشير من طرف خفي الي امكانية اعتزال الامام العمل السياسي المباشر وتحوله الي رمز مثله مثل الزعيم مانديلا الذي ترك زعامة المؤتمر الوطني الافريقي متحولا الي رمز بمنزله الكائن ب885 اورلاندو بجوهانسبيرج!!؟. بالطبع فان قصد ذلك فهو لا يفهم ابن عمه جيدا الذي يمكنه ان لايوفر اخر ثانية من عمره في سبيل ان يكون زعيم الحزب الذي صاغه بيده منذ خلافه الشهير مع عمه الامام الهادي في منتصف الستينيات من القرن الماضي والي اليوم ، الجهد نفسه الذي لن يوفره في سبيل ان يرث ابناءه هذه التركة السياسية مداورة او علي الشيوع!!.

.

لحين عودة