جنوب السودان .. سرديَّــات زمن الغفلة.

سيد محمد موسي ..
مساعد شرطة متقاعد ..
التحق بقوة البوليس العام 1946 ..
عمل لسنوات طويلة بجنوب السودان ..
يحكي :
جاءت الإخبارية تحمل نبأ تمرد الكتيبة الإستوائية التي بدأت التمرد في الجنوب ..
وكانت توريت من المناطق التي اشتعلت فيها نيران التمرد كأسوأ ما يكون ..
وكان الجنوب ذلك العام مسرحاً لأبشع مجزرة ارتكبها الجنوبيون ضد الشماليين ..
في توريت جاءت قوات البوليس تنقذ بعض ما يمكن إنقاذه ..
ووجدت مئات الجثث ..
وطفل رضيع يبحث عن ثدي امه ..
الأم الميتة راحت ضحية العنف الجنوبي ..
رائحة الموت تنبعث من جثة الأم وتنبعث معها الديدان ..
والطفل الرضيع يلتقط الديدان يتغذي بها في رحلة بحثه عن ثدي أمه ..
و..,
و...

في قناة الجزيرة تقرير نشرته القناة قبل شهور تحدث فيه الجنوبيون بمرارة عن فتراتهم في الشمال وكأنهم كانوا تحت إستعمار بغيض أناخ كاهله عليهم طوال سنوات الدولة السودانية التي انتهت بمغيب شمس الثامن من يوليو 2011.
.........................................................................................................................................
كثيرون يقدسون الدولة السودانية بشمالها وجنوبها وهي دولة حديثة نسبياً ومصنوعة علي علاتها بواسطة المستعمر ولم تكن يوماً هذه الدولة السودانية التي نتباكي عليها موروثة بحدودها وإثنياتها ..
الدولة السودانية صنعها الإنجليز ولم نتوارثها منذ الدولة المهدية مثلاً او السلطنة السنارية.
ولذلك فإنّ العلاقة بين الشمال والجنوب ليس زواجاً كاثوليكياً ..
أو هو زواج كاثوليكي ملغوم مثل زواج بيرثا ماسون والمستر روشستر في الرواية المشهورة جان إير لشارلوت برونتي.

كثيرون من دعاة المنهج التبريري يزعمون أن ّ للجنوبيين الحق في الإنفصال ويرمون باللائمة علي الشماليين وممارساتهم ضد الجنوبيين ..
وهذا قول مردود ..
فالشاهد أنّ التمرد بدأ قبل إستقلال السودان ..
وبدأ التمرد من هناك في توريت بأبشع عمليات إبادة جماعية للشماليين تنمُّ عن حقد دفين..
والتمرد الباكر حتي قبل إنطلاقة الحياة السياسية وتبلور الحياة الإقتصادية والإجتماعية بطبيعة الحال للسودان المستقل يشي بأنّ ثمة سوء ظن مزمن ومقيم في النفوس الجنوبية لأسباب أو لأخري ضد العنصر العربي الشمالي..

قانون المناطق المقفولة من العوامل التي أسهمت في العزلة النفسية التي استفحلت بين الشمال والجنوب دعك من العزلة الجغرافية والعزلة الثقافية بمقتضي نصوص القانون المذكور الذي تم إنفاذه في العام 1932..
كما فعلت البعثات التبشيرية فعلتها في الجنوب برعاية أجنبية بحتة ولولا قرارات الفريق عبود في سودنة القسس لكان الأمر أنكأ.

تحتفظ ذاكرة الأحداث بمشاهد العنف التي صاحبت الأحد الدامي بسبب شائعة مقتل وزير الداخلية الجنوبي كليمنت أمبورو ..
مجرد شائعة تسربت كانت كافية لأن تُخرج نفوس الجنوبيين أطنان الحقد الدفين ..
ولا ينسي الناس أحداث الإثنين الأسود التي صاحبت مقتل قرنق حين استباح الجنوبيون الخرطوم علي رؤوس الأشهاد ..

الجنوبيون ما كانوا يوماً والحال هكذا إلا مضطرين لقبول هذه الوريقة المسماة الجنسية السودانية ..
والنصب التذكاري لقرنق يذكر الجنوبيين ببطل الإستقلال ..
الإستقلال الذي استولد الجنسية الجديدة لجنوب السودان والجنوبيين..
فعلامَ التباكي الآن علي الخرطوم التي سعوا وما فتئوا يسعون للعنها آناء الليل وأطراف النهار ؟؟!!

*