قراءة متانية لهجوم الأمس ورصد لتصريحات القادة الكبار

قراءة متانية لهجوم الأمس ورصد لتصريحات القادة الكبار


05-11-2008, 08:16 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=362&msg=1214279464&rn=0


Post: #1
Title: قراءة متانية لهجوم الأمس ورصد لتصريحات القادة الكبار
Author: SARA ISSA
Date: 05-11-2008, 08:16 AM

قراءة متانية لهجوم الأمس ورصد لتصريحات القادة الكبار


أمدرمان هي عاصمة السلام ، هي مدينة المهمشين التي أحتوت الفارين من جحيم الحرب ، وضمت إلي قلبها الذين يئن بالجراح ، جمع الذين تقطعت بهم سبل الحياة في أطراف الهامش ، رمزية أمدرمان تكمن في قبة الإمام المهدي وليست في مقري التلفزيون والإذاعة السودانية والذين دافع النظام عنهما حتى الرمق الأخير ، أدرك كتشنر رمزية أمدرمان قبل الحكومات الوطنية ، أول ما بدأ به وهو يريد السيطرة على البلاد ، هو قصف قبة الإمام المهدي بالمدافع ، فهو كان يعتقد أن ترنح الضريح سوف يثبط العزيمة ،ويضعف الروح المعنوية ، دافعت المهدية بصلابة عن مدينة أمدرمان ، أستشهد آلاف الناس في معركة كرري ، جلهم من غرب السودان ، أنهم نفس الرجال الذين نطلق عليهم صفة تشادي أو مرتزق إذا رأيناهم إلي ربهم ينسلون من المقابر ، عاقب الإنجليز أهل أمدرمان ، نقلوا العاصمة إلي الخرطوم ، فوضع الخرطوم الجغرافي يعطيها ميزة أمنية أكثر من أمدرمان ذات الأبواب المفتوحة للجميع ، وهذا هو الذي يفسر تمسك الأنظمة العسكرية في السودان بمدينة الخرطوم ، فمجرد الشعور بالخطر ، يتم غلق الكباري وإقامة نقاط التفتيش وإقامة الحراسات حول البيوت ، فالنيلين يمنحان الخرطوم حماية أكثر من الأرتال العسكرية ، أو أنهما يمنحان الوقت للفرار إذا أدلهمت الخطوب ، وفي حادثة الأمس المؤسفة لم يتواجد أي مسؤول أمنى في أمدرمان ، بقوا في الخرطوم وهم يتحدثون للفضائيات ، ووجدوا متسعاً مع الأزمة اللبنانية التي سلبت منهم الأضواء الإعلامية ، أن كرري ليست من ضواحي أمدرمان ، حتى ولو كان المقصود من هذا التوصيف هو التقليل من خطر المهاجمين ، أنها كرري مدينة النضال ، أنها البرزخ الذي يفصل بين تاريخ من أتى مع جيوش الإستعمار وبين تاريخ أول حكم وطني وصل إلي السلطة عن طريق الثورة والتحرير .
ما حدث بالأمس أدخل وجفة ، وذعراً كبيراً في قيادات الحزب الحاكم ، ففي إحتفالات الثورة كنا نرى العروض العسكرية ، الطائرات والمدرعات ، والسودان هو أول بلد أفريقي أنتج الصاروخ والدبابة كما يزعمون ، هكذا يقول القواد ، أنه دولة عظمى إذا أردنا تضخيم الأمر ، فهو قادر على صنع خرائط الدول وخلق القادة ، من الأفضل بأن لا نقول أن الذين هاجموا الخرطوم بالأمس هم تشاديون ، هذا فيه فقد لماء الوجه للذين يحسون بالحياء والخجل – ولا أظن أنهم يشعرون بذلك ، فكيف تتمكن فرقة تشادية التحرك من أنجمينا ، وتشق طريقاً تكثر فيه نقاط العبور التي تجمع الأموال من الناس ، تعبر كل هذه المسافة الشاسعة حتى تصل إلي أمدرمان ، لنكتشف عندها أنها فرقة تشادية .
ما جرى بالأمس كشف خللاً أمنياً في آلة النظام العسكرية ، لذلك تعثروا في الإجابة عندما سألتهم الفضائيات عن سبب هذا الخلل ، وبدرت منهم تفسيرات مضطربة لحدث واحد ، وتحول المدنيين في الحزب الحاكم إلي محللين عسكريين ، د.مصطفى عثمان يقول أن الجيش السوداني قصد جر المتمردين داخل الوطن ليلاقوا حتفهم داخل أمدرمان ، أما د.مضوي الترابي ، وهو عضو في مجلس الأمن القومي يقول في راديو فرنسا : أن الأجهزة الأمنية حدث لها Relax بسبب صلاة الفجر !! ، ورواية الناطق الرسمي للقوات المسلحة تقول بأن المهاجمين كانوا يتحركون ليلاً ويتخبئون في ساعات النهار مما صعب رصدهم ، أما عبد الباسط سبدرات فيقول أن سحنة المهاجمين المشابهة لأهل السودان خلقت صعوبة في التعرف عليهم ، لكن السؤال لا زال قائماً أين موقع الجيش السوداني من هذه الأحداث ؟؟ حتى مشاهد الجنود السودانيين الذين عرضهم التلفزيون السوداني وهم يتصدون للمهاجمين أشبه بقوات الدفاع الذاتي ، خلاصة القول أن معظم وحدات الجيش السوداني تم نشرها الآن في مناطق البترول ، وباقي الوحدات يتمركز في الخرطوم لحماية مؤسسات الدولة ورموزها ، وقد أعتمد حزب المؤتمر على الجانب الجهوي في تأمين حماية مدينة الخرطوم ، مستغلاً الإنقسام الحاد بين أهل الغرب وأبناء الشمال النيلي في تغطية فاتورة الحرب ، فهو جرب هذا الأسلوب في حرب دارفور ، فترك مسألة حفظ الأمن للمليشيات . لذلك كل الجنود الذين رأيناهم في شاشة التلفزيون السوداني وهم يتوعدون بالرد على المهاجمين في دارفور هم يمثلون جهوية واحدة .
أيضاً كشفت أحداث الأمس سقوط نظرية الأمن المركزي ، وهو نوع من الأمن قادر على الحروب في مناطق الهامش لكنه يوفر الأمن للمركز فقط ، فصورة الحرب النمطية في السودان أنتقلت مشاهدها إلي الخرطوم ، فالسودان ليس هو الفاشر والجنينة والأبيض ، السودان هو الخرطوم فقط ، ولو وقع هذا القتال في تلك المدن لما أهتم أحد بذلك ، حادثة الأمس جعلت رموز المؤتمر الوطني يُجلدون في وسائل الإعلام العربية بسبب نقص التفسير لكيفية حدوث ما جرى ، وكشفت أن النظام لا يحظى بأي دعم عربي ، وفشل رهانه على مصر على وجه التحديد ، حيث كان أحد قادة الحركة يتحدث من القاهرة وهو يعلن سيطرة حركته على مدينة أمدرمان ، وحسب متابعتي لم يصدر الإتحاد الأفريقي بياناً حتى هذه اللحظة ، حادثة الأمس سوف تلقي بظلالها الثقيلة على أهل دارفور المقيمين في الخرطوم ، فربما يتعرضون لحملات تفتيش ودهم غير مسبوقة ، وقد ذكرت سابقاً أن حزب المؤتمر الوطني لن يهدأ له حتى يقود الشعب السوداني نحن الشواطئ الرواندية ، وما يقلق النظام في حقيقة الأمر ليس الدم الذي سال في الشوارع ، بل تراجع الإستثمار الأجنبي العربي الذي يوفر لهم العوائد الجزيلة ، وحزنهم دائماً على ضياع المكاسب والمال وليس الأرواح .
أعود إلي دراسة ما قامت به حركة العدل والمساواة ، فالتركيز هنا يأتي حول شخصيتين لعبا دور المحور الأساسي في صناعة هذا الحدث ، هما الدكتور خليل إبراهيم ود.الحاج حسين آدم ، فهما خرجا من رحم هذا النظام ، وشاركا في كل حروب النظام ضد الجنوبيين ، إذاً النظام غير مبرأ عن كل ما يفعلانه ، وما حدث الأمس ليس ببعيد عن تداعيات التصدع داخل جسم الحركة الإسلامية ، وتجربة غزو الخرطوم بدأتها الحركة الإسلامية في عام 1976 ، وشارك فيها الغازي صلاح الدين والشيخ السنوسي ، إذاً التاريخ يعيد نفسه .
سارة عيسي