بين الشرعية الثورية و الإنتقام: ليبيا نموذجا

معظم شعوب العالم كانت تنتظر ذهاب القذافي و نظامه ، و حينما قامت الثورة الليبية وجدت الدعم المباشر من الناتو و ذلك للإتفاق المبدئي في مسالة انهاء القذافي و نظامه ، قدمت كثير من الشعوب دعمها للثورة الليبية و التي هي حق للشعب الليبي في ان يثور ضد نظام القذافي..و حينما بلغت الثورة اخر مفاصلها في لحظة القبض على القذافي حيا ثم قتله..بدأت تظهر حالة تضارب الأراء.. فالبعض يرى أن طريقة المعاملة التي عومل بها القذافي هي ناتج طبيعي لتطور الأحداث..بينما ذهب فريق اخر الى استهجان الطريقة التي عومل بها القذافي..و من هذا الفريق.. موقف الأمم المتحدة الذي ذهب للمطالبة بالتحقيق فيما حدث للقذافي في اللحظات الأخيرة..


كبر

من جانب اخر.. ماحدث في الثورة الليبية شكل منعطف حاد للغاية فيما يسمى بربيع الثورات العربية..و الذي بدأ بتونس و فيها اختار بن علي الهروب خارج تونس و الحفاظ على حياته و حياة اسرته ، و في مصر لم يختار حسني مبارك الهروب من مصر و انما اختار البقاء فيها و مواجهة مصيره في المحاكمات التي تجري له هو و بعض من افراد اسرته..اما في سوريا فلازال بشار الأسد يسلك نفس نهج القذافي قبل ذهابه و يستأسد على الشعب باستخدام مقدرات الدولة من جيش و عتاد في قمع الشعب الثائر الذي رفض استمرار حكم الأسد الممتد لأكثر من اربعين سنة..و في اليمن لازال على عبد الله صالح يواصل قمع الشعب اليمني و بنفس المبررات ..و لكن يظل المنطعف الذي بلغته الثورة الليبية قد ارسل رسالة واضحة للكثيرين في الأنظمة التي تقمع شعوبها وتظن أن فيها صفة الربوبية و تبحث عن شرعية لها بكافة السبل..مرة بالدين الإسلامي و مرة اخرى بالإنتخابات المزيفة التي تؤكد استمرار الفئة الحاكمة كما يحدث في السودان..!

فهل ما حدث في الثورة الليبية هو من باب الشرعية الثورية أم هو من باب الإنتقام؟ للأجابة على هذا السؤال لابد من تعريف مفهوم الشرعية الثورية و تعريف الإنتقام حتى يتضح الفرق بينهما..

كبر

القذافي..حيا لحظة القبض عليه..



كبر

كثير من الأنظمة في مناطق شمال افريقيا (الجزائر ، تونس ، ليبيا ، السودان ، مصر) و مناطق الشرق الأوسط (سوريا ، العراق) ..بدأت تلك الأنظمة بانقلابات عسكرية و كان العسكر في تلك الإنقلابات يقولون عن بداياتهم في الحكم انهم يعتمدون الشرعية الثورية كمرجعية لتبرير وجودهم في السلطة و الأفعال التي يقومون بها من تنكيل و تخريب للبلاد التي يحكمونها..

و الشرعية الثورية كمفهوم ، تعني ببساطة وجود حالة استثنائية يتم فيها تعطيل الدستور و القانون و المؤسسات التي قامت بموجب الدستور سواءا كان برلمان منتخب أو نظام ملكي أو القوانين السائدة..و يحنما يتم تعطيل تلك المؤسسات.. تأتي الفئة الجديدة بنظمها و مؤسساتها..!
و في كل الأحوال تظل الشرعية الثورية هي ملك للشعب و حق له في أن يثور في وجهة الأنظمة الطاغية التي تسومه القمع و التنكيل و ايضا في حق الشعب في محاكمة كل من اجرم في حق ذلك الشعب سواء بالقتل غير المبرر أو القمع السياسي أو حماية الفساد و بطانته أو تخريب الإقتصاد أو رهن مصير الدولة للمصالح الأجنبية ..الخ..

و في مقابل ذلك يلاحظ أن مفهوم الإنتقام هو مفهوم فردي يتعلق بفرد يريد أن يطبق الجزاء بالصورة التي ترضى طموحه الذاتي ..و في مجتمعات الثقافة العربية و الإسلامية يلاحظ شيوع ثقافة الثأر و هو غطاء لمسألة الإنتقام الفرد..و النقطة التي نريد أن نوصلها هنا أن الشرعية الثورية هي ارادة جمعية (هذا المفهوم لا ينطبق على الإنقلابات العسكرية) يفرضها الشعب في حال ثورته على النظم الفاسدة..و ان الإنتقام هو حالة فردية تمليه ظروف محددة تتعلق بالفرد ، غض النظر عن اتفاق الجماعة مع تلك المبررات أم لأ..

كبر

من نماذج الشرعية الثورية في خلال الخمس و عشرين سنة الماضية.. هو ثورة الشعب الروماني ضد حاكمه الطاغية نيكلاي شاسيسكو و التي انتهت بمحاكمته في سنة 1989 . في تلك المرحلة ثار الشعب الروماني على حكم الطاغية وتم القبض عليه و محاكمته و ادانته و معاقبته بالإعدام. و المحاكمة تمت وفق المؤسسات التي اختارها الشعب الثائر و تنفيذ الإعدام كان رميا بالرصاص و باشرته وحدة من الجيش الروماني باعتبار ان الجيش كان واحد من مؤسسات الدولة و يعمل وفق ارادة الشعب و ينفذ اوامر الشعب وفقا لمبدأ الشرعية الثورية..



كبر

و من نماذج الشرعية الثورية في ربيع الثورات العربية.. اقرب نموذج للشرعية الثورية هو ما يحدث في مصر..فحينما تم خلع حسنى مبارك عن السلطة ، باشرت المحاكم امر محاكمة حسني مبارك..و هي المحاكم التي تأتمر بامر الشرعية الثورية التي رأت ان محاكمة مبارك واحد من مطالب ثورة الشعب..و قد يصل امر المحاكمات للحكم باعدام مبارك ( الإعدام عقوبة موجودة في القانون المصري)..و مثل هذا الأمر لو حدث لا يمكن أن يطلق عليه الإنتقام و انما هو عدالة الشعب التي اختارها و طبقها وفق مؤسساته .



كبر

الثورة الليبية هي ثورة شعبية بكل ما تحمل المفردة من معني ، فالشعب الليبي بدأ ثورته في شكل انتفاضة سلمية..و لكنه كان يتحسب لكل المعطيات..و العنف الذي قابل به نظام القذافي تلك الثورة فرض على الأخرين مبادلته العنف والتسلح و طلب الدعم من جهات خارجية بما فيها حلف الناتو..

استمرار الثورة لأكثر من ستة اشهر ، خلق حالة استثنائية للغاية..و الدعاية الإعلامية التي اعتمدها الثوار في عملهم اليومي خلقت هي الأخرى ظروف تواصل مع الواقع.. فظهرت محاكمات الصادق الشويهدي (1984) و الذي كان بعض من الشعب الليبي يصفق لإعدامه و يهلل..و في نفس الوقت يعرض النظام الليبي ما يسميه بمحاكم الشعبي التي اجبرت الصادق الشويهدي أن يقول (انه من الكلاب الضالة التي اجتمعت في امريكا).. اضافة لذلك كانت دعاية الحرب تبث كل الجرائم التي يرتكبها عسكر القذافي في حق الثوار او من يؤيدهم..و ظلت وسائل الإعلام تنقل للعالم مخازي القذافي و ابنائه و المحارق و المخابئ التي كان يخفى فيها السجناء و يعذبهم فيها..!

محاكمة الصادق الشويهدي في بنغازي..



كبر

نهج دعاية الحرب.. قد هيأ الشعب الليبي الثائر لما يحدث في حالة القبض على القذافي..و اصبح جميع الشعب ينتظر تلك اللحظة و يعرف كيف التعامل فيها.. مع ملاحظة أن البلد كلها اصبحت خالية تماما من المؤسسات خصوصا القانونية..

في واحد من الأشرطة التي عرضت لحظة القبض على القذافي.. يلاحظ أن مجموعة من اصوات كبار السن كانت تصرخ (اقبضوا عليه حيا.. اتركوه حيا)..و يلاحظ أن من قبضوا على القذافي مباشرة هم شباب في مقتبل العمر و كانوا منفعلين باللحظة بصورة لا يمكن تجاهلها..!
مثل ذلك الإنفعال.. حدا بالبعض أن بركل الرجل و صفعه و جره من شعر راسه..!
كل الشباب الذي كان متواجدا في تلك اللحظة يذكر جيدا خطابات القذافي الأخيرة و الذي كان يصف شعبه الثائر بالجرزان و انهم يتعاطون حبوب الهلوسة و يقاتلون لمصالح اجنبية..الخ..!

كل تلك الظروف معلومة و مقدرة..و لكن يظل أن الطريقة التي عومل بها معمر القذافي تخرج عن مفهوم الشرعية الثورية..و تدخل في دائرة الإنتقام الفردي..فمهما اجرم الرجل و مهما ارتكب من الموبقات في حق الشعب الليبي.. كان الأفضل و الأجدى للمجلس الإنتقالي الليبي عقد محاكمات مثلما كان القذافي يعقد محاكماته..و ان يحكم عليه بالإعدام و ينفذ فيه وفق مؤسسات الدولة..!

فيديو يوضح معاملة كتائب القذافي للمقبوض عليهم من شيوخ مصراتة




كبر

أستاذنا كبر،

ألفين سلام،

إذا كانت الثورة أن تقبض على إنسان وتطلق النار على رأسه وهو قيد الأسر ، أعزل تماما ، فما الفارق
بين الثائر والدكتاتور الأسير؟
أعرف جيدا أن البعض سيأتي بكلام كثير عن التاريخ البشري وتاريخ الثورات الحديثة والمذابح التي تلت
الثورة الفرنسية والمظالم والغبن ووو لكن قل لي ، هل الثورة رديف الإنتقام أم هي تأسيس لنظام جديد
يرسي قواعد الحرية والديمقراطية والعدالة ويقدم نموذجا يحتذى؟

تحاياي.

صديقي محمد المرتتضى..حبابك
كتر خيرك على المرور من هنا..
الثورة يا صديقي هي تغيير للواقع المظلم..و اذا قبض ثائر شخص اخر و اطلق عليه الرصاص و هو اسير.. فهذا ليس بثائر و انما فرد زعلان و يطبق الإنتقام و ليس الشرعية الثورية و التي تقتضى أن تكون هناك محاكمات وفق محاكم لها شرعيتها القانونية..
و هذا ما دعانا لإتخاذ هذا الموقف و قولنا أن المجلس العسكري الإنتقالي كان الأجدى به عقد محاكمات للقذافي و رموز نظامه..و ينزل بهم ما شاء من الأحكام.. لأن ذلك سيكون له مبرر وفق فكرة الشرعية الثورية..!
اخر الأخبار يروج المجلس الإنتقالي الليبي الى فكرة أن القذافي قتل في المعركة..و تناسى هذا المجلس أن العالم كله راي المواد المنزلة في وسائط التواصل الإلكترونية..و التي تؤكد استسلام القذافي و رمي سلاحه على الأرض..و توقفه عن القتال..و في هذه الحال كان الأجدى لسمعة المجلس محاكمة الرجل..

الإنتقام الفردي كما حدث في حالة القذافي و ابنه المعتصم..ليس بشرعية ثورية..و انما هو فوضوية..و مخازي نظام القذافي مهما بلغت من السوء فلا ينبغى أن تواجه بنفس وسائله.. لأنهم في هذه الحال يكونون في نفس موقف القذافي.. يعني انتقام يبادل بانتقام..و ستخسر ليبيا كثيرا من ذلك..!

و دمت..
كبر

كبر يا صديقي

تحيات و احترام

تحليلك ينم عن معرفة عميقة و متابعة لصيقة للاحداث.
نعم يا كبر, يجب ان ندرس التاريخ-حتى اذا حدث بالامس فقط- لنستخلص دروس تفيدنا في حركتنا من اجل الديمقراطية و اعلاء قيم العدل و العدالة و حقوق الانسان.

سلامات يا كبر واريتك طيب

اقدر لك هذا التحليل ولكن تجدنى اتفق مع الاخ مرتضى حامد فيما ذهب اليه

تحايا وتقدير لك ولضيوفك

صديقي بدر الدين..حبابك
كتر خيرك على المرور من هنا..

التغيير يا صديقي يجب أن يكون نحو الأفضل..و لآ يجب أن يكون هو صورة مشوه للحاصل..و هذا ما حدث من قبل اهل المجلس الإنتقالي الليبي.. فان كان القذافي ارتكب الموبقات و لم يحترم مؤسسة ليبية و اشبع شعبه تنكيلا و تعذيبا.. فهذا ليس بمبرر لما حدث في حق الرجل لحظة القبض عليه و تصفيته..فكان الأجدى بالثوار ان يعطوا العالم درسا في التعامل.. ثملما حدث في مصر.. تشكل محاكم و يحاكم فيها القذافي و مشاركيه في السلطة..!

كبر

صديقتي امينة..حبابك
كتر خيرك على المرور من هنا..ما قاله الصديق محمد المرتضى.. هو ما قلناه في اخرة فقرة في التحليل..حيث كتبنا نقول:

Quote: كل تلك الظروف معلومة و مقدرة..و لكن يظل أن الطريقة التي عومل بها معمر القذافي تخرج عن مفهوم الشرعية الثورية ..و تدخل في دائرة الإنتقام الفردي ..فمهما اجرم الرجل و مهما ارتكب من الموبقات في حق الشعب الليبي.. كان الأفضل و الأجدى للمجلس الإنتقالي الليبي عقد محاكمات مثلما كان القذافي يعقد محاكماته..و ان يحكم عليه بالإعدام و ينفذ فيه وفق مؤسسات الدولة..!

و بصورة ادق نقف مع المحاكم المنظمة..ولسنا مع الإنتقام و التمثيل بجثث الموتي و القتل خارج المحاكم مهما كانت الظروف و المبررات..

و دمت..
كبر